أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود فنون - لماذا ندرس الفتنة















المزيد.....


لماذا ندرس الفتنة


محمود فنون

الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 17:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من هم الذين طحنتهم الفتنة:

كثيرا ما يقرأ المسلمون وخاصة الطائفيون تاريخ الاسلام بروح طائفية و,او,بروح عقائدية فيقعون في الاخطاء .فتاريخ المسلمين وخاصة صدر الاسلام هو تاريخ المسلمين الاوائل ,هو تاريخ الصحابة وابنائهم وجيل التابعين الذين عاشوا في عبق الصحابة بل كبار الصحابة مثل عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وابو ذر الغفاري وعبدالله بن مسعود وعمار بن ياسر وابو موسى الاشعري وعمر بن العاص ومعاوية بن ابي سفيان ,....,وابناء ابو بكر وعمر وعلي واهلهم واخوانهم ,كما من بقي من زوجات الرسول وبناته... .
هذا نموذج من قيادات ورجالات تلك الفترة ومعهم اهل اليرموك واهل القادسية ومن بقي من اهل بدر واحد وكل اهل السابقة الذين حملوا الاسلام وصبروا على معاناة حمله ونشره ,والحرب في سبيل اعلائه وترسيخه في جزيرة العرب . وبعد ان استتب لهم الامر فيها انتشروا خارجا وبذلوا جهدهم ومالهم وحياتهم وتغربوا وتحملوا مشاق الفتح خارج الجزيرة .
هؤلاء هم الذين حصلت بينهم الفتنة وهم الذين خرج معظمهم على عثمان وسكت البعض الآخر حتى اجهز الثائرون عليه .
يجب ان يكون هذا في ذهننا ونحن نقرأ تاريخنا الاول ولا نحمل الضغائن على هذا وذاك كما لا يجوز ان نقول انهم كانوا على قلب رجل واحد الى ان جاء عبدالله بن سبأ, ولا حتى المئات من امثاله .ان هذا التاريخ حقيقي لاناس حقيقيين وهم تشكلوا في مجتمع, وكل مجتمع له تناقضاته الطبقية والقبلية والفكرية والجهوية .ان القبول بفكرة ان عبدالله بن سبأ هو محرك التاريخ العربي الاسلامي في تلك الحقبة هو مجرد رغبة في تبرأة جميع الاطراف مما حصل ,ان هذا القول هو الهروب من الدلف الى المزراب نفسه ,وهو تفسير التاريخ بالافراد وليس بحركات الشعوب والمجتمعات. والقبول بهذا التفسير يعني ان تاريخ هذه الحقبة الهامة جدا من الناحية التاريخية ,هو تاريخ عبد الله بن سبأ ,هذا ان وجد شخص اسطوري كهذا الشخص.

الخلافة شأن سياسي:

ومنذ البداية وما ان انتشر خبروفاة النبي حتى اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة لوحدهم واختاروا وانتخبوا من بينهم سعد بن معاذ خليفة للرسول معتقدين ان المدينة مدينتهم وهم من السابقة وهم الذين احتضنوا المهاجرين وأطعموهم وأسكنوهم وهم الذين احتضنوا الاسلام, ومن عندهم انتشر .وهذا كله صحيح ولا يجادل فيه احد .
اذن لم يكن جدال المهاجرين و معهم عمر, في مكانتهم في الاسلام ,حينما رفضوا مبايعة سعد بن عبادة الانصاري,قبل مقدم المهاجرين , ,حيث رفض المهاجرين فكرة الانتخاب من اساسها وفكرة ان يكون الامر للانصار.
فالمهاجرون هم اهل السابقة على الانصار وهم من تجشم كل المشاق قبل ان يدخل الانصار الميدان, وهم واكبوا النبي حتى وفاته كما ان العرب ككل يمكن ان يطيعوا رجلا من قريش, وكان رايهم "زعيما واحدا للامة"ورفضوا فكرة واحد من كل جماعة التي طرحت ردا على المهاجرين بعد رفض سعد بن عبادة, وكان رايهم هذا ومعلوماتهم عن انفسهم صحيحان ايضا, ولم يكن الخلاف هنا على اساس عقائدي او ديني, انما كما هو واضح كان على اساس سياسي, ثم يتقدم كل برايه لتقوية موقفه ولم يطرح أحد افضليته على الآخر بالآيات والاحاديث والفقه الاسلامي (لم يكن الفقه في تلك الفترة موجودا)وكاد يقع قتال قبل ان يفحمهم عمر ,حيث لم يكن كل الانصار موحدين على هذه الفكرة ,فتبعوا عمر وبايعوا ابو بكر .
لقد تصارع الطرفان دون ان يؤكد أي منهما رايه باحقيته على الآخر بنص ديني منسوب للرسول او للقرآن ,وكلا الطرفان يعلمان حق العلم كل ما ورد في القرآن والسنة, وكلااهما صحيح الاسلام ودقيق الالتزام ولو كان هناك اية وصايا للرسول او أي نصوص في القرآن, لكانت هذه النصوص اساس الجدل ,او لما تجادلا اصلا.

المنهج التاريخي علمي وليس عقائدي

يتوجب علينا ان نرى تاثير التراكيب الاجتماعية للمسلمين على توجهاتهم السياسية والطائفية .فقد تبلورت الحزبية والطائفية في سياق الصراع والفتنة التي أخذت تتبلور في عهد عثمان في بداية صدر الاسلام.
يجب ان نرى اثر الفتنة في تشكل الطوائف والاحزاب في البداية, وبعد ذلك نرى اثر الفتنة والطوائف والاحزاب في الصراعات اللاحقة .والاهم علينا ان نرى التاريخ بعين الباحث والدارس وليس بعين الطائفي او المتحزب لهذا الفريق او ذاك ,ذلك ان التاريخ حركة موضوعية للاجتماع الانساني وبقيادة الانسان,وهو حركة المجتمع الانساني في الحقب الماضية, آخذين بعين الاعتبار ان الحقب التاريخية وحتى الفترات التاريخية تولد ما بعدها وان الحاضر هو نتاج مباشر لكل تفاعلات الماضي الداخلية والخارجية ,وان رأينا اليوم لا يغير حركة الماضي, مما يوجب علينا ان ندرك حركة التاريخ وقوانين حركة التاريخ من خلال دراستنا للتفاعلات البشرية وتاثر البشر بعضهم ببعض وبحضارات وثقافات بعضهم ,وبالعلاقات الاجتماعية التي تنشأ بينهم متأثرة بمصالحهم واوضاعهم الطبقية .ان المرجعية لدراسة الحقب الماضية البعيدة تعتمد على ما تم توثيقه عنها في تلك الحقب وما تلاها.واذا اخذنا بعين الاعتبار ان فكرة التدوين لم تكن حاضرة عند العرب ,وانه مر وقت طويل حتى أخذ بفكرة التدوين وان التدوين كتحصيل حاصل اعتمد على روايات نقلية متناقضة وشديدة التناقض ,فان هذا قد صعب الامر على الدارسين الموضوعيين .
لقد اخذ التدوين مداه وتأصل بعد الانقسام الطائفي بل بعد ترسخ هذا الانقسام ,وبعد سيادة حكم الامويين السنة ,و بعد مجيء العباسيين الذين شجعوا كل اشكال الطعن بالامويين وتاريخهم بل نبشوا قبورهم وجلدوا ما وجدوه فيها من جثث بعد ان لاحقوا احيائهم .هنا يتوجب ان نلاحظ تاثر التدوين والنقل بالطائفية والحزبية وبالصراعات التي حصلت ,وان هذه المؤثرات قد عكست نفسها على كل عملية التدوين للتاريخ وكذلك للتراث الاسلامي للحقبة الاولى ,حقبة صدر الاسلام بعد الانقسامات الطائفية وفي زمن العباسيين .

الفتوحات وسعت الدائرة الاجتماعية
ان من اهم اسباب انتشار الاسلام والعرب خارج الجزيرة العربية كان هو الفتح الذي بدأ ارهاصاته زمن النبي واستمر فيه ابو بكر ووسعه ورسخه عمر وجعله القاعدة التي توطن بها العرب في البلاد المفتوحة ,معتمدين في اقتصادهم على الجزية وهي ضريبة الرؤوس, والخراج وهو الضريبة على الارض ,بالاضافة الى الغنائم من الامصار المفتوحة ,ونقل الكثير من الاقطاعات الى العرب وبادارة اهل البلاد الاصليين بحكم معرفتهم ودرايتهم باصول العمل والانتاج في الارض ,وتفرغ العرب للفتح والادارة وينالوا العطاء على ذلك من بيت المال الذي اصبح ثريا.لقد اصبح الفاتحون طبقات اجتماعية.
هنا توسعت الدائرة الاجتماعية وتبلورت الاوضاع الطبقية لمجموعة الفاتحين وشيدوا المدن ومراكز الحكم وشكلوا الحاميات التي تحفظ ولاء البلدان المفتوحة.
اذن ليس التقى هو الذي سبب التفاعلات بين المسلمين ولا الايديولوجيا بمعناها المتعارف عليه اليوم ,والتقى موجود وعميق عند الكثيرين ولكن ومنذ عثمان اصبح التقييم السياسي هو الاساس وهومفعم بالاسانيد الدينية ,وكان هذا تمهيدا موضوعيا لنشوء الخلافات في الرؤى والتفاسير الدينية التي اخذت تشبع النقاش والجدل الدائر حول اشكاليات خلافة عثمان بعد فترة قصيرة من توليه.

الحقيقة اهم من الحزبية

ان الاشكالات والجدل والانتقادات حول خلافة عثمان قد نشأت بين الاسلاميين الموصوفين اعلاه ,وهم جميعا من الصحابة وابنائهم وتابعيهم ,ومنهم كبار المتعمقين في الدين والراغبين في استمرار الفتوحات لنشره وتوسيع نطاقه ,ولم تكن الطوائف عموما قد وجدت بعد .كما لم يكن الفقه الاسلامي قد وجد ليضفي نفسه على تفسير الاحداث ,وهو وجد بعد الطوائف وتاثر بها حكما. والفقه الذي وجد لاحقا تدخل ليؤثر على تفسير الاحداث بغية تجاوز الكثير من الاشكاليات الناتجة عن العلاقة بين الديني والدنيوي في محاولة لتفسير الدنيوي بالديني, بل ان ابرز نشطاء الفتنة جاؤوا من الامصار من مصر والكوفة,وبينهم القراء من الكوفة والمدينة ومعهم كبار الصحابة في المدينة المنقسمين على منهج عثمان في الحكم والادارة.
ان دراسة "قصة الفتنة الكبرى زمن الصحابةحتى نبقى على تيقظ تام من اشاعات الشيعة " المنشورة على الصفحة الالكترونية,هي كذلك جزء من الاشكال التاريخي وتعبير عنه .فهي مكرسة لا لتتبع الوقائع بموضوعية وحيادية بل هي من بدايتها حتى نهايتها مكرسة لطمس اسئلة اثيرت بقوة في حينه من نوع:أي طرفي الصراع هو الفئة الباغية ؟مع أي فئة كانت عائشة وما دورها ولماذااخذت هذا الدور ؟وطرحت اسباب الفتنة لا بالمعنى التاريخي بل من اجل اقناع القاريء ببراءة معاوية بل براءة الجميع ما عدا الثائرين على عثمان .وهي من بدايتها حتى نهايتها تدافع عن السنة دون الهجوم على بعض الاشخاص مثل علي .وهي تترك الكثير من الوقائع ورائها عمدا .انها دراسة لتعبئة اتباع لا يجادلون فيما هو مكتوب, بل يلتزمون به بايمانية وكأن ما هو مكتوب جزء من العقيدة ,مع انه دراسة في تاريخ البشر بوصفهم بشرا ومجتمعا.ان المادة مكتوبة بطريقة تطلب من المريد ان يتجاوز عن دور عائشة في الفتنة,وعن خروج معاوية على الخليفة علي والقتال بدوافع سياسية ,وان يرى معاوية مجردا كشخصية اسلامية مقدسة بصفته من كتاب الوحي بعد فتح مكة ودخوله الاسلام بدلا من ان يراه سياسيا وداهية من دهاة العرب, فاز بالصراع ضد خليفة المسلمين بصفته كذلك القائد السياسي للامة . وكأن علي ليس من كتاب الوحي كذلك واكثر بكثير من هذا.
لقد تضمنت الدراسة فيضا من الوقائع المسجلة في المراجع الاساسية ,ولكنها قبلت كل حديث منسوب للرسول لصالح السنة .هناك الكثير من الاحاديث التي وردت على مقاس معاوية ,وهناك الحديث الذي يتحدث عن مقتل عثمان وههو الآخر حديث على المقاس ,بينما لا تقبل الدراسة كل الاحاديث والروايات التي تنصف الشيعة .ولم تراعي انتشار الكثير من الاحاديث الموضةعة لاحقا لتفسير الاحداث ودعم المجادلات وانصاف هذا على ذاك.
اقحام البعد في القبل
من الذي بدأ
ان الفتنة لم تكن بين السنة والشيعة ولم تكن الطائفتان موجودتان بعد, وبالتالي لا يجوز دراستها وكانها بين السنة والشيعة , ,الفتنة كانت بين انصار علي الخليفة المبايع ومن معه من الصحابة واتباعهم ومن جهة اخرى مع عائشة وطلحة والزبير ومن معهم من الصحابة وتابعيهم .
وكان التجييش بمبادرة عائشة وبعد حوالي شهر لحق بها طلحة والزبير ولم يظهر معاوية جليا في الصورة ثم.
ثم وبعد معركة الجمل ظهر معاوية كزعيم المطالبين بدم عثمان وهو في الحقيقة مطالبا بالخلافة باسم دم عثمان وحصل عليها فعلا.
ولكن وكما دلت المدونات وكما لاحظ الدارسون الموضوعيون المتخصصون ,فقد كثرت الأحاديث المنحولة من الأطراف المتصارعة ,وذلك في سياق الجدل والاتهامات "بالفئة الباغية" ومن اجل تسويغ الوجود الطائفي الآخذ بالتبلور وتكريسه .ومن اجل اتهام الطرف الآخر بانه الفئة الباغية وتشريع وتسويغ الحرب ضده.
اثر التحكيم في ظهور مجموعة الخوارج

كما ان الدراسة تهاجم الخوارج الذين خرجوا على علي وتتجنب الهجوم على معاوية الطرف الاساسي في الصراع والذي كان دائرا بين حزب علي وحزب معاوية حين خرج الخوارج على طاعة علي .وبعد معركة الجمل.
فالخوارج ليس نبتا شيطانيا انهم جزء من الصورة الشاملة التي يرأسها كبار رجالات الإسلام في حينه ,بل هم القراء وحفظة القرآن, وخرجوا على علي لتهاونه مع معاوية الذي يريد ان يغتصب سلطة الخليفة .خرجوا على علي لقبوله فكرة التحكيم التي انتقصت من احقيته بالخلافة, بل وجعلت خلافته القائمة محل نقاش بينما شرعت احتمالية احقية معاوية ,وذلك ليس بالاستناد الى الاسانيد الشرعية ولا حتى الاحقية السياسية ,بل بالاستناد الى الدهاء وكل اشكال الصراع السياسي, وبسبب حيادية ابو موسى الاشعري الذي فضل خلع الاثنين وكانهما في منزلة واحد ة ,مع انهما لم يكونا في ذات المنزلة بل ان احدهم هو الخليفة المبايع والآخر خارج عليه دون وجه حق, وبادعاء لا يسوغ له امتشاق السلاح في وجه .
معاوية يتمسك بنهج عثمان الذي تسبب بالثورة عليه

لقد امتشق معاوية السلاح لا لاانه ولي عثمان بل لان علي خلعه من ولاية الشام ,وكان علي يمتلك نهجا آخر غير نهج عثمان ,فكان معلوما ان علي سوف يعيد نهج عمر بل ربما اكثر تشددا منه ,ولذلك تشكل مع معاوية حزب قوي على رأسه كل الجماعات التي استفادت في عهد عثمان وتخشى عهد علي .بل ان معاوية استقبل كل المطرودين من قبل علي نتيجة فسادهم المالي والاداريومنهم عبدالله بن عباس كم سيرد لاحقا ,وانضم معه كل الذين قرر علي خلعهم.
ان القول بأن معاوية ولي عثمان وان نائلة زوجة عثمان خولته بهذه الولاية وبالاخذ بدم عثمان لا يفسر حركة التاريخ الا من شاء القول ان نائلة هي التي فجرت الصراع بين المسلمين,وانها رأت ان علي لن يأخذ" بحق "عثمان وان معاوية مستعد للوقوف في وجه علي ومستعد للاستمرار بالفتنة وقسمة المسلمين انتصارا لدم عثمان وجعل التاريخ كله في تلك الفترة دم عثمان والانتصار لدم عثمان.وان نائلة زوجة عثمان هي التي تقرر مواقف الصحابة بنفسها وهم ينساقون مع رغبتها او ضدها ,مع العلم ان لعثمان اولياء اقرب من معاوية.
ان الخليفة هو صاحب الحق في متابعة مقتل عثمان وهو الولي السياسي والاداري والحقوقي ,اما ان معاوية هو ولي عثمان فهذا اغتصاب لحق الخليفة ولحق اقرباء عثمان الآخرين, ولا يمكن ان يسوغ امتشاق السلاح في وجه علي.ان هذا تفسير لاحق لاحداث ماضية.
الصراع كان اكبر من دم عثمان ودم عثمان اداة في الصراع:

وعلينا ان نتذكر كيف تدبر عثمان امر مقتل الهرمزان واثنين آخرين قتلهما عبيد الله بن عمر ظلما في فورة دمه ,بعد مقتل ابيه,ظنا انهما مع القاتل.لقد تدبرها عمرو بن العاص وما كان ليتدبرها لولا احجام عثمان عن قصاص ابن عمر. فقد وجد داهية العرب مخرجا لا هو بالفتوى ولا هو بحكم القضاء, بل هو" تخريجة "كما يقال مفادها ان القتل وقع قبل مبايعة عثمان وبالتالي ليس على عثمان الخليفة ان يحكم بالقصاص .هذا منطق مرفوض في وقته من قبل الكثير من الصحابة ومنهم علي الذي قال بان القصاص هو الحكم ,بل قال فيما اذا وليت فسوف آخذ بالقصاص كما تقول الروايات .
ما كان لهذا الدهاء ان يمر لولا مصلحة شؤون الحكم والرئاسة حيث قبل عثمان بهذا الرأي على الفور ونصب نفسه ولي المقتولين وقبل بالدية ودفعها .فلماذا استمر الدفع بقتل قتلة عثمان ووقعت الحروب ولم ينفع مصالحات ولا دهاء الدهاة وهم موجودون ,لتجنب القتال الذي حصد عشرات الالاف من المسلمين الاوائل ؟
لقد كان من الممكن القبول بتخريجة مثلما حصل , خاصة ان المطلب الشرعي المعلن للثائرين الذين يحاصرون عثمان ,كان محددا بتنازل عثمان عن الخلافة وتسليم مروان زعيم بطانته ,وكان قد منع من ممارسة سلطاته وبوجه خاص منع من امامة الصلاة وطرد بالحجارة من المسجد(الطبري ج 4), وكان شيخا كبيرا ,ولكنه رفض التنازل ووصل الصراع الى العقدة التي اوجبت الحل ,وكان القتل, وعلى ما يبدوا لم يكن هناك مخرج آخر لحسم الصراع ,واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان محمد بن ابي بكر كان على رأس المجموعة التي اقتحمت بيت عثمان من الخلف وان محمد هذا كان شديد الاحتقان بسبب الامر الصادر من عثمان بقتله :حينها يسهل علينا ان نتفهم ما جرى حين تهيأت الفرصة امام محمد ,مع انه اشاح بوجهه كما يقال اثناء عملية الطعن الاولى وبعد تجريد السيوف ,وليس صحيحا انه دافع عن عثمان بسيفه ,فعدد المقتحمين كان قليلا في البداية وهو قائدهم.ويستطيع منعهم.والقول ان الغوغاء اقتحمت البيت من جهة الباب بعد حرقه كما تقول الدراسة من مصادر عديدة ,ولم يستطع احد ردها فهذا كذلك يضيع دم عثمان ولا يحمله لاحد بعينه.ان تفسير وقائع الفتنة ومعركة الجمل وصفين والنهروان والانقسامات كلها بسبب المطالبة بدم عثمان ,هو حشر لهذه الوقائع الكبيرة في بوتقة صغيرة,ان مقتل عثمان هو نتاج صراع قائم قبل مقتله وادى الى مقتله ,وكان مقتله حادثا في سياق الصراع المحتدم الذي استمر بعد مقتله وحتى بعد ان استتب الامر لمعاوية ,فمعاوية ظل يصارع حتى اجهز على ابناء علي.
فقد اخضع مصر وقتل محمد بن ابي بكر شر قتلة ويقول في ذلك في سياق رسالته لعمرو بن العاص"وقد اطفأ الله بقتل ابن ابي بكر وفتح مصر نيرانا كانت بها الافاق مشتعلة..."وقبله قتل كنانة بن بشر المشارك المباشر في قتل عثمان كما تؤكد الكثير من الروايات.
لقد استمرت الفتنة حتى بعد مقتل محمد بن ابي بكر واستمرت ايضا على شكل غارات من قبل معاوية على الحجاز واليمن ومنازعات على المواقع ومنازعات على الحج واستقطابات مستمرة على حساب انصار علي الذين دبت فيهم المنازعات والانقسامات والصراعات الدموية والهروب الى معاوية }"ففي سنة 40 هجرية,ترك عبدالله بن عباس (والي البصرة)مركزه في البصرة ,آخذا معه قسما من بيت المال , مثيرا انفعال القبائل واضطرابها(الطبري ج 5ص ص 141-143,اليعقوبي ج 2 ص 205) ثم بعدها الى معاوية اثر ملاحقة علي له لارجاع ما اخذه من بيت المال . وفي نفس السنة فر اخوه عبيد الله ,وانهارت وجوه كثيرة من انصار علي{ الى ان اغتيل علي في رمضان سنة 40 للهجرة الموافق كانون الثاني من عام 661ميلادية .
الخلاصة
لقد استتب الامر لمعاوية بالسيف بينما كانت المبايعة مجرد تحصيل حاصل والمسألة كلها اغتصاب بالقوة او استرجاع طبقي للسلطة من الفئة التي ربما انها كانت تستهدف فيما تستهدف تهديد امتيازات الذين سمنوا من الفتوحات والاقامة في الامصار والمحاباةمن قبل عثمان وحاشية الحكم معه .
اذن الفتنة لم تتوقف على المطالبة بدم عثمان بل هي ومن البداية منازعة لعلي في الخلافة وشكل من اشكال الرفض لحكمه وسياسته ومنهجيته التي بدأ بتطبيقها وبما هو معروف عنه, وبكونه يستجيب لمطالب الثائرين ,هذا الرفض تجلى من خلال احتشاد طلحة والزبير مع عائشة وتحريضها على التجييش بمعاونة والي مكة واليمن ,ثم بالمنازعة على احقية الخلافة كما فعل معاوية وجماعته فيما بعد.
ان تجنيد القيم العشائرية الجاهلية بكثافة من خلال المطالبة بدم عثمان واعطاء الولاية على ذلك لمعاوية ثم تجنيد الايات والاحاديث وما تيسر من الشروحات الدينية ,كل هذا جاء لتكريس النزاع وليس سبب اثارته الاصلي ,فالسبب الاصلي هو رفض خلافة علي وبعد ذلك نزعة معاوية للسلطة ,وقدرة التيارين على تحريك القوى المناصرة والتي خاضت الصراع الدموي وقدمت التضحيات الجسام .(لاحقا سوف اتناول بعض موضوعات الدراسة والرد عليها قدر الامكان)



#محمود_فنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملف الفلسطيني الى اين؟
- تعليق على خطاب ابو مازن
- نقاش مع- احمدك يا الله-
- الثورات العربية في بدايتها
- هل يمكن صياغة استراتيجية جديدة؟نقاش مع مهيار اقطامي
- تعليق مامون شكارنة على مقالتي بخصوص منشور اسلام
- معركة الجمل حقيقة واقعة يا مامون
- معركة الجمل حقيقة تاريخية يا مأمون
- اجابة على طلب شاهر الشرقاوي
- رسالة الى اسلام مشاغب
- هل دم المسلم على المسلم حلال؟
- هل انتصرت الثورة في ليبيا؟
- هل انتصرت الثورة الليبية
- ملاحظات على الثورة الليبية
- هل تتوفر امكانات المقاومة الثورية؟
- تتعرض غزة للايذاء الاسرائيلي,وهم يتفرجون
- الجاسوسية مرافق للاحتلال مثلها مثل الثورة
- ملاحظات على تعليق الاستاذ مامون شكارنة
- تعليق مامون شكارنة عاى موضوعة استحقاق ايلول
- محاولة الاجابة على سؤال:هل شاخت الماركسية؟


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود فنون - لماذا ندرس الفتنة