|
خاتم السوليتير
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3493 - 2011 / 9 / 21 - 08:31
المحور:
الادب والفن
1 خاتم " السوليتير" : قصة قصيرة قصة قصيرة من مجموعة : القرش والأسماك ، الصادرة عن دار الحوار باللاذقية عام 1995 القصة الثانية عشرة والأخيرة من المجموعة . عاد من السفر قبل الموعد بيوم . كان قد أنجز المهمة المطلوبة بمدة أقل ، أي قبل المهلة المحددة لإنجازها ،وفوق ذلك .. استطاع أن يشتري الهدية الثمينة ، التي وعد زوجته بها منذ عام تقريبا . خاتم" السوليتير" كان يبعث في نفسه الرضى والفخر والاعتزاز والثقة ، وكان وجهه ينطق بتعابير الفرح . أحس أنه سيطير من الفرح . تخيل زوجته وهي تبتسم ، تضحك ، تقهقه ، يفرقع صوتها كطلقات الرصاص ، تقفز وتدور حول نفسها فرحا جنونيا بتحقيق أمنيتها : " خاتم السوليتير" التي طالما حلمت به أمام الزوجات الطاووسيات أمثالها ، هاهي تحصل على مايعيد لها الاعتبار ، وتوكيد منزلتها ونديتها بعد انتظار دام عاما . انتزعه صوت صديقه من استرساله: " اصعد" . صعدا . كان صديقه يقود السيارة الخاصة بهدوء ، والابتسامة لاتفارق محياه ، حثه سعيد على الإسراع ، لكنه لم يستجب لطلبه . قال: " معك أربع وعشرون ساعة حتى تصل" . استغرب سعيد كلام صديقه ، وشعر لوهلة أنه بليد الذهن . تابع صديقه حامد موضحا: " غدا موعد وصولك ، لاأحد يتوقع قدومك في هذا الوقت" . - لم أفهم ماتقصد ! - يعني يمكننا أن ننعم بالحرية طيلة هذا الوقت ، بعيدا عن وجع الرأس ، ونكد الزوجات ورقابتهن . - ولكني ... - ولكنك تحب زوجتك ، إنها امرأة مختلفة .. ملاك .. إنها .. إنها .. تملك كل صفات الكمال والجمال ، و.. و.. الخ , أنا لم أقصد الإساءة ، فقط أريد أن نخرج من الرتابة المملة ، أن نعطي أنفسنا إجازة ، فرصة ، تغيير جو ، استجمام ، تجديد ، تجريب ... - كفى ياحامد ... كفى .. لقد فهمت .. - إذن أنت موافق . - بل متردد ، هل لديك برنامج محدد؟ - برنامج مذهل .. فاتن .. ساحر .. لن تنساه أبدا .. ومضت السيارة كالسلحفاة ، كانت تتهادى كراقصة ، على أنغام الموسيقى الكلاسيكية ، التي تنبعث من مسجلة السيارة ، وتتمازج بأسلوب رشيق ، بقلقه وعدم ارتياحه من الأجواء المجهولة التي يجره حامد إليها . قال حامد: - هل لديك علاقة أخرى؟ - لاحاجة بي لذلك - ستغير رأيك عندما تجرب - هل تعتقد ذلك؟ - أنا متأكد انعطفت السيارة الفارهة يسارا ، دخلت منطقة الفيللات الغربية ، المنتشرة على طريق " أوتوستراد " المزّة ، بدأ ذهن سعيد يتعكر لوهلة ، ثم بدأ يصفو تدريجيا ، كمرآة سحرية ، اختطفته المرآة إلى عوالم خيالية ، والسيارة تتهادى ،وتمضي في طريقها . أثقلت عليه التساؤلات والصمت والخوف والتردد . طلب من حامد أن يأخذه إلى منزله ، فضحك حامد وهو يسأل مستهجنا: هل أنت خائف ياعزيزي؟ وأردف: كأني بك فتاة بكر لم تدخل حياة بعد !؟ - أتهزأ مني؟ ! - الفيللا أصبحت قريبة 2 - حامد .. أنا لاأحب هذه الأجواء - يمكنك الانسحاب وقتما تشاء .. ثم أن عليك أن تشكرني ، لأنني سأعرفك على عائلة راقية ومثقفة ومنتحضرة - أتظن هذا؟ هل يعقل أن توجد هنا امرأة تفعلها؟ - أيها المتخلف ، نحن لسنا ذاهبين إلى ملهى ليلي ، بل نزور أصدقاء أعزاء محترمين ، ومتحررين من العقلية التقليدية التي تستبد بعقولنا وتحدد سمت سلوكنا . - إذن؟ وماذا بعد؟ - المسألة في غاية البساطة ، العائلة متحضرة ، يعني ليست محافظة ، وترفض الاستسلام الأعمى للواقع - كلامك يثيرني ، يستفزني - يا سعيد .. السيدة مطلقة ، ويحق لها أن .... - لا .. ليس من حقها أن .... - هي حرة ، مادامت لاتؤذي بتصرفها أحدا ، ومادامت حريتها لم تمس حرية الآخرين - كلام غريب ، لم أتعود سماعه من قبل - ستغير رأيك حين ستقابلها وتتحدث معها ، إنها تحب الحوار والنقاش ، إنها بارعة ، حاضرة الحجة - آرائي ثابته ، عقليتي متحجرة - وصلنا ... توقفت السيارة الفخمة إلى جوار الفيللا ، أطفأ حامد المحرك والأنوار ، أطلق سعيد العنان لعينيه لاستطلاع ماحوله ، كان الطابق الأرضي معتما ، إلا من أنوار ضئيلة خافتة ، أما الطابق الثاني ، فقد بدت الأنوار مشعشعة ، تتطاير من نوافذه المطلة على الشارع . ربت حامد على كتف سعيد الذي كان ينظر باتجاه نافذة لفيللا مواجهة للفيللا المقصودة ، التفت نحو حامد وقال: - لا أصدق ، غير معقول! - أتظنها من عجائب الدنيا؟ - حقا عجائب الدنيا لاحصر لها - لنؤجل الكلام ، هيا انزل نزلا من السيارة ، وفيما كان حامد يقفل الأبواب ، كان سعيد منساقا وراء إشارات استفهام لاتحصى ، تغويه ، وتثتثير فضوله . فقد صلته بالماضي ، ونسي كل شيء من عالمه التقليدي الرتيب ، وراح يتساءل بصوت مسموع : سيدة محترمة .. ثرية ومطلقة ، لماذا لاتتزوج وترتاح ؟ بدل أن توسخ سمعتها بعلاقات مشبوهة ؟ قطع حامد شروده بالتعليق: " كفاك شرودا .. اضبط أعصابك ، وكن طبيعيا " . دخلا معا ، سعيد يحمل في يده حقيبته" السمسونايت" ، صعدا الدرج وحامد يحذره: " إياك أن تحرجني ، نحن ضيوف عائلة ذات وزن " . وأجاب سعيد: - بشرط أن أنسحب إذا لم أرتح للسهرة - سعيد .. السيدة ليست.... - لاتكمل ، الماء يكذب الغطاس مد حامد يده ، وضع إصبعه على زر الجرس ، لحظات .. وفتح الباب : - تفضلا .. السيدة بانتظاركما همس حامد في إذن سعيد موضحا :" هذه هي الخادمة " ، وقعت لفظة" الخادمة" في رأس سعيد ، واستقرت كما تستقر بحصة في قاع بحيرة ، وعلى سطح الماء الساكن .. كونت دوائر متلاحقة ومتوسعة وموحية : " بانتظاركما" ، وفكر سعيد: " كل شيء مرتب مسبقا .. والسيدة ربما تعرفني وأعرفها ، لعله فخ ! خطة مسبقة ومدبرة ، سأجازف ، لن أخسر شيئا " . وجد نفسه وقد أصبح وحامد في وسط صالون فسيح وفخم الأثاث ، والسيدة تقف قبالتهما وجها لوجه ، وعلى محياها ابتسامة مجاملة وترحيب ، كانت ابتسامتها مثل برعم لم يكتمل تفتحه . بادرت: " أهلا وسهلا بكما .. تفضلا .." وكانت تشير لنا بالجلوس على الكنبة الوثيرة ، وجلسنا حيث أشارت ، وجلست في مواجهتنا . 3 كانت السيدة تشع أنوثة وجمالا وجاذبية ، عمرها كما يبدو ينوف على ربع قرن ، أناقتها فريدة ، وفي عنقها الشهي تضع قلادة من الماس ، والتقطت السيدة الذكية موجات الدهشة والفضول الجائع لدى سعيد ، ولاحظ حامد ارتباكه ، فتدخل قائلا: - أين هيفاء؟ . وأجابت السيدة : إنها في غرفتي تبدل ثيابها . التفت حامد نحو سعيد موضحا: هيفاء هي الأخت الأكبر للسيدة صباح - تشرفنا ، أجاب سعيد ، وظل مطرقا ، ويسترق النظر بخجل وتوجس إلى السيدة الجميلة صباح ، والتي فاجأته بالقول: " سعيد .. لم كل هذا الخجل والارتباك " خذ راحتك ، واعتبر نفسك في بيتك - عفوا سيدتي .. - نحن لسنا في معركة أو حرب ، وأنت لست مضطرا لشيء ، افعل مايريحك ، - ليس القصد ياسيدتي .. أنا آسف - لنتعامل ببساطة ووضوح بعيدا عن التصنع ، كفانا تقييدا في الخارج ، نحن هنا في مملكة حريتنا ، ولايستطيع أحد أن يراقبنا أو يحاسبنا ، يمكننا أن نفعل مانراه صحيحا ومفيدا ، من وجهة نظر قناعاتنا التي ليس من الضروري أن تروق لكل الناس ، أو للعامة منهم . كان كلامها يخترق عقلي ، ويربكه ، ويبعث الحركة في سكونه المتكلس . ولم أستطع المقاومة ، ولا الرد . دخلت الخادمة حاملة القهوة ، وبدأ الارتياح يتسرب إلى نفسية سعيد ممزوجا برائحة العطر الباريسي المنبعث من صباح ، التي كانت تعدل وضعية جلوسها بين الفينة والأخرى ، مايشي للملاحظ بأنها تتعمد إبراز مفاتن جسدها العلوية والسفلية . كان فستانها " السواريه" ( فستان السهرة) يتأجج بألوان صارخة مثيرة ، وكان الفستاه ضيقا لصيقا أشد الالتصاق بجسدها المكتنز ، حتى لتخاله يضاجعها ويعتصرها ، ولم يكن يستر نهديها تماما ، ولا فخذيها الممتلئين ، وكان الفستان قصيرا ، وذا شق من الأمام يكشف ماستره مع كل حركة أو جلسة ، ولهذا كانت تغير من وضعية جلوسها لتنفرج الشقة عن المناطق المحظورة شديدة البياض والنعومة ، كانت صباح معتلة القامة ، متناسقة الأعضاء والتقاطيع ، وجهها بشوش ، وحركاتها مدروسة ومقصودة ، تستهدف الإثارة والإغراء ، وإيقاظ الغرائز النائمة لدى الفريسة: " سعيد" الذي رشف قهوته بلذة ، مستعيدا جرأته وتوازنه ، وكان قد رمى وراء ظهره عالمه الآخر. وفيما كان سعيد مسترسلا في استكشاف العالم الجديد الممتع ، أحست صباح أنه صار أليفا ، طوع بنانها ، وقررت أن تبدأ التجربة بالتمهيدات المجربة ، بادرته قائلة: - حدثني صديقك حامد عنك ، ومن كثرة كلامه عنك أثار فضولي للتعرف على شخصيتك - حامد؟ حدثك عنيظ - على الطالعة والنازلة كان يذكرك ، ويعدني بأن يعرفني عليك ، كان يثني على أخلاقك وعملك ومركزك وكرمك ، إنه يحبك ويقدرك - شكرا لك ياسيدتي ، فعلا الآن تأكدت من أن حامد يحبني ويريد لي الخير وتدخل حامد موجها كلامه لصباح : سعيد يستحق صداقتك بجدارة ، جربيه ولن تندمي . وردت صباح عليه وهي تنقل النظر بينه وبين سعيد : لن أرفض نصيحتك ياحامد ، أنا أثق برأيك ، وسأحاول أن أجعل صديقك سعيد سعيدا بالفعل ، وأتمنى أن لا أفشل . ورد سعيد فورا عليها : لن تفشلي ..ولن أدعك تفشلي . سأساعدك بكل طاقتي ، واعتبر موقفك كرما منك ياسيدتي . دخلت هيفاء بطلعتها البهية ، ومشيتها الموسيقية ، ألقت التحية مترافقة بابتسامة من فمها وعينيها ، ثم صافحتهما بخجل مصطنع ، وأرادت إظهار خفة دمها ، فدارت حول نفسها دورة كاملة ، وهي تسألهما: مارأيكما ؟ وأبديا إعجابهما بها وبثيابها ، وتبادلوا مع صباح عبارات الممازحة ، وبدأ جليد الخجل يذوب تدريجيا ، وكانت هيفاء قد اتخذت مجلسها إلى جوار حامد ، حيث غرقت وإياه في الغزل متجاهلين وجود سعيد وصباح معهما . وأدرك سعيد بفطنته طبيعة العلاقة التي تربط مابين هيفاء وحامد ، وأحس بالوحدة والعزلة ، سيما وأنه يجهل مايجب عليه عمله في مثل هكذا مواقف ، لكن صباح الخبيرة بأمثاله من قليلي الخبرة ، مدت له يد المساعدة ، واستطاعت تشجيعه وفك عقدة لسانه بلسانها الذرب ، فبادرت وطلبت منه أن يجلس إلى جانبها ، فلم يتردد .كان كل شيء يشعره بسعادة خاصة ، تمحو ماعلق في ذهنه من شكوك وأحكام مسبقة حول السيدة وبيتها . قال في نفسه: هذا ليس بيتا سيئا كما ظننت ، وهذه السيدة ليست منهن كما توهمت ، وهي ليست مضطرة لشيء من هذا القبيل ، حقا "إن بعض الظن إثم" . طلبت صباح منه أن يحدثها عن نفسه وعمله وحياته الخاصة ، وسهلت عليه المهمة كصحفية مدربة تجري مقابلة مع شخص مرتبك ومشوش , وانهالت عليه بوابل من الأسئلة والاستفسارات ، حتى وجد نفسه ينطلق في حديثه كسيارة في طريق سهل ، ونسي نفسه ، ومضت السيارة بلا مكابح ، تحرر من خجله ورقابته الذاتية لنفسه ، ونسي السلطة الاجتماعية المعنوية المتجذرة في ضميره ، ولم يدر كيف أصبح كل شيء جاهزا .. مرتبا فوق الطاولة العامرة بأنواع الطعام والفاكهة والمشروبات ، وصباح ترفع كأسها نخبه ،وشرب سعيد ، وأكل سعيد ، واستمتع سعيد ، ولم ينس هو الآخر أن يحشر نفسه في الحياة الخاصة لصباح ، وطرح عليها أسئلته الرجالية الغبية ، ولم تتلكأ بالإجابات عليها بسهولة تؤكد أنها جاهزة ومعدة مسبقا ومحفوظة غيبا عن ظهر قلب ، لتقديمها ، لأن الأسئلة المطروحة متوقعة ومحفوظة هي الأخرى عن ظهر قلب ، ولأ ن سعيد مجرد رجل مستنسخ بكثرة في حياة القاعدة فيها هي الاستنساخ : استنساخ الأشخاص والسلوكيات . واستنتج سعيد من المقدمات الخاطئة نتائج خاطئة ، واعتبرها صحيحة وحقيقية ،ومنها أنه رأى أن صباح ذكية ومثقفة ، وأخبرته أنها تهوى الرياضة والسباحة والرحلات والسهر والتعارف والصداقات ، وأنها اجتماعية لاتحب العزلة ، وسردت له الكثير عن فلسفتها الأخلاقية ، ورفضها للحياة المعقدة ، وأعجب بها أيما إعجاب ، وخاصة بأسلوبها الجذاب بالكلام ، وقدرتها على الإقناع ، وجرأتها في مواجهة الحياة التقليدية المملة ، وتميزها بآرائها وسلوكها الفريد . وكان سعيد يشرب كأسه الرابعة من " الويسكي " الفاخرة اللذيذة بيد صباح الخبيرة ، ولم يعد يشعر بوجود صديقه حامد وهيفائه الهيفاء ، وأخذت النشوة منه مأخذا ، وأصبح طيعا كحصان مروض أليف ، استأذنته صباح لتبدل ثيابها ، وهي تمازحه وتغازله وتخدره بنظراتها المفترسة ، وغابت عبر الرواق الذي يفضي إلى غرف النوم ، وأحس سعيد بنفسه يذوب ، كأن كيانه رخو يتشكل حسب المكان والزمان .. واستسلم لحالته ، ولم يرغب أن يستجمع نفسه ، أو يلملم شكله الأصلي الذي تعود تلبسه ، كان مستسلما لرائحة العطر ، وطعم الويسكي ، وإيقاع الموسيقى الكلاسيكية الخاصة ، كان مستسلما لسطوة الإغراء ، ومفاتن الجسد الطاغية ، للأضواء التي أصبحت خافتة .. شاعرية .. تحريضية . التفت حوله ولم يجد أحدا ، لا حامد ولا هيفاءه الهيفاء ، ولا الخادمة ،أحس أنه يستطيع أن يفعل شيئا ، أن يبدأ الخطوة الأولى ، لقد اندمج بالجو الممتع ، بعيدا عن الرقيب ، بعيدا عن الحيطان التي يمكن أن يكون لها آذان وعيون وسائر الحواس التجسسية ، أحس أنه في جنته الخاصة التي لا يشاركه بها أحد ، لاإملاءات .. لاحسيب ولارقيب ، وانطلقت أعماقه وغرائزه تبرر الدوس على معتقداته الفجة المتحجرة ، وفكر: لأول مرة أستطيع أن أكون كما أشاء ، أنا حر .. حر تماما من القيود المؤلمة ، الآن أستطيع أن أتفكك ، وأتحول ، وأنفرط ، وأنقلب إلى كائن مختلف ، أن أختار شكلي ، وأحتكم لإرادتي ، وأتحرر من اختبائي وراء كل ذرة من كينونتي المادية والمعنوية ، إنني سعيد سعادة لم أعهدها قبلا ، لم أذق طعما كطعمها قبلا . رشف آخر ماتبقى من كأسه ، وفيما هو يضعه على الطاولة ، دخلت صباح : الأميرة صباح ، وكأنما هي قادمة من عالم " ألف ليلة وليلة " ، كل شيء فيه صار يصرخ وينطلق بلا أطر أو قوالب : " أنا شهريار ، أنا مللك الإنس والجن ، سلطان المشرق والمغرب ، وأركان الدنيا الأربعة ، لي تخضع الدنيا ، ومافيها من ناس ودواب " واقتربت منه شهرزاد وهي تبوح له بالحكاية : " كنت بانتظارك ياشهريار من أول الدهر ، ذبحتي الشوق إليك ، والغرام بك . ورد شهريار: " إلي ياشهرزادي الحبيبة ، هلمي ، وابدأي حكايتنا الأولى . وعلقت شهرزاد : قصدك ليلتنا الأولى الحمراء كشقائق النعمان ، التي تعشق الربيع الريان " . كان يلحن تعابيره ، يلقيها بطريقة مسرحية ، فيما كانت صباح تتألق كجوهرة ، تغرقه في وميض مفاتنها الأسطورية ، وضحكاتها الموسيقية الساحرة . كانت صباح قد ارتدت فستان نومها الشفيف ، المتقشف ، الحسير عن معظم مساحات جسدها المحظورة ، وكان ذلك دعوة صارخة لاترحم لالتهام التفاحة ، حتى ولو كانت العاقبة اللعنة من الجنة والخلود ، كانت تضاريس جسدها الطازجة أثمن من الماس وخواتم ال" سوليتير" ، وصناديق المجوهرات ، ورزم الأوراق النقدية ، كانت صباح شهرزادا لانظير لها ، وكانت ليلى ، وكليوباترا ، وجولييت ، وكانت .. وكانت ، وكان سعيد شهريارا ، وقيسا ، وعنترة ، وقيصر ، وروميو ، وكان وكان ... ، وكانت الخطيئة أقوى من الأوامر والتهديد باللعنة من الجنة ... رمى شهريار عقله بعيدا ، واندفع خلف نداءات القوى الطبيعية المكبوتة ، وفتحت له شهرزاد أبوابها ، حدثته عن أشواقها ورغباتها ، وأكدت له طهارتها ونقاءها ، ولم تنس أن تحدثه عن الحب بأشكاله وألوانه وأوزانه وأسعاره ، وانتقلت إلى الحديث عن التجارة والصفقات الرابحة وال" بورصات" والعملة السهلة والصعبة والذهب والماس والسيارات وفنادق ال" خمس نجوم " والمنتجعات ، والفيللات ، وتجارة الرقيق الأبيض ، والدعاية والإعلان ، والكرنفالات ، والمافيات ، والأيديولوجيات ،والصراعات ، والجمعيات الخيرية ، وتبييض الأموال ، وكان شهريار كحصان أليف يمضي حيث تقوده برسن أو بلا رسن ، وكان الحصان يمرغ رأسه بصدرها الحار الناعم ، بعنقها ، وكان الحصان يحمحم ، وأحيانا يصهل ، ويلوح بذيله الجميل لشهرزاده وفارسته المجربة , فراحت تطعمه وتسقيه وتسوسه ، وتحكم لجامه ، تجذبه وتصده بحنكة السائس الخبير بمهارة فائقة . وشعر سعيد أنه يستطيع أن يأخذ كل شيء ..كل شيء مما يشتهي ويحب ويعشق ، ولكن صباح ذكرته بقانون العرض والطلب ، وبأنه لايستطيع أن يحصل على شروى نقير مجانا وبلا مقابل ، وقالت له : أنت ابن سوق ، بلا معلمية . وتلكأ بالرد : - ولكن ... - بلا لكن بلا بطيخ .. أنا لست تكية ولا جمعية خيرية - والعواطف والأخلاق و.... - تلك سلع وبضائع مسعرة ، الحياة هكذا .. مصالح ومنافع متبادلة ، حتى الحب والجنس متبادل ، حكلي لحكلك ، هكذا الحياة ياحصاني الجميل الأصيل .. أخذ ورد ، دين وسداد ، عطاء مقابل عطاء - حسنا ياشهرزادي ، كلامك يعلو ولايعلى عليه ، لك كل شيء .. كل ماتطلبين ياشهرزادي ، لك مملكتي .. تاجي .. شعبي .. وشهريار كله - وشهريار؟ - نعم .. نعم ، أنا أيضا ملكك بشحمي ولحمي وعظمي وروحي ، بكل ماأملك - وماذا تملك الآن ياشيخ الكار؟ وهرع سعيد إلى حقيبة " السمسونايت" كرجل آلي مبرمج ، فتحها ، أخرج منها علبة مغلقة ملفوفة بالمخمل ، قدمها لها ، وتناولتها بشراهة وشغف ، فتحتها ، كانت العلبة ملفوفة بأناقة بالمخمل النبيذي اللون ، وعندما فتحت بدا اللون السكري للحرير الداخلي ، الذي يستلقي عليه خاتم ال" سوليتير" الماسي ، وسال لعاب شهرزاد لرؤيته ،وسال لعاب شهريار اشتهاء لجسد صباح الماسي ، مضيا إلى غرفة نوم وثيرة ، ونسيا أن يوصدا بابها ، وغرقا في طقوس الشهوة والمتعة والطعم اللذيذ الجديد ، الذي لم يذق سعيد مثله من قبل ، وأدرك أن للتفاح أنواعا وأصنافا تختلف عن نكهة تفاحته الخاصة ، كان سعيد يلتهمها بشراهة ، بينما كانت صباح تؤدي عملا روتينيا ، تنجز من خلاله صفقة رابحة بالنسبة لها . انتهى دمشق ، الإثنين ، 22/8/1994
#رياض_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤامرة: قصة قصيرة
-
المرآة: قصة قصيرة
-
حادثة أبي طاهر التي لاتصدق
-
الخناس: شعر
-
المسافة: قصة قصيرة
-
رجل تحت الأنقاض
-
إنها سيدة محترمة : قصة قصيرة
-
كوني فأكون: شعر
-
سوسن وعيد الأم
-
القرش والأسماك
-
ابتسامات دعد
-
المفترسان
-
الولادة الأخيرة : قصة قصيرة
-
موجة عابرة في سطح صقيل
-
ولكن غدا لم يأت
-
جريمة في ملف النمرود: قصة قصيرة
-
الولادة: قصة قصيرة
-
ستعودين:قصيدة
-
المتقمصة: قصة قصيرة من مجموعة الريح تقرع الباب 1976
-
يحدث هذا حبا : قصة قصيرة
المزيد.....
-
مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا
...
-
-الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
-
عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده
...
-
-بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
-
مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
-
بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
-
وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه
...
-
غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط
...
-
شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من
...
-
فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|