أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الولادة: قصة قصيرة














المزيد.....

الولادة: قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 22:12
المحور: الادب والفن
    



الولادة: قصة قصيرة
في لحظة ما.. أدركت خطر وجوده وملاحقاته المريبة.كانت الصبية تتأبط ذراعي ضاغطة عليها بشدة خوفا منه.
طوال سنين, حيث كانت صغيرة, ونحن نعبر شوارع المدينة الخاوية إلا من الزمهرير و المطر. أما الحياة فقد شرنقت نفسها داخل البيوت والمنازل المتكاتفة , همست في أذنها قائلاً
- ما ألذ أن يجد الإنسان سقفا في مثل هذا الشتاء القاسي! ألقت برأسها على كتفي. يكاد الدم يقفز من وجنتيها المغسولتين. رائحة شعرها المبلول تشبه رائحة الغابة البكر بعد ليلة ماطرة. في عينيها نبع عشق.
نسحب خطواتنا الناعسة. السماء ترتل حزنها. تتناسل من رحم خيالي تصورات ملونة. تتفاعل الألوان حتى تستقر على شكل بقعة دم لا تفتأ تتسع حتى تلتهم ملامح المدينة.
توقفت فجأة لأقول لها:" نقتله أو يقتلنا ، لابد من زواله أو زوالنا عن هذه المدينة .
- والطفل الذي أحمله في بطني؟
- لا نستطيع الانتظار إلى الأبد ..
تفرست في وجهي للحظات ، اغرورقت خلالها عيناها بالدموع ،وراحت تنشج . غمرتني موجة إشفاق عليها :" ليتنا لم نتورط في دخول هذه المرحلة المعقدة ".
كانت في صغرها قوية .. عنيفة .. كنا نتجول تحت البرد والمطر ، ندخل العمارات ذات الأدوار المتعددة ، ندق الأبواب بلا طائل .
كنا نفيض شبابا وحيوية . أذكر حتى الآن ذلك الرأس الأصلع بملامحه الماكرة ، عندما خرج بحذر بالغ من شق أحد الأبواب الحديدية في مدخل العمارة ، نظر في وجهينا مرتابا .. متسائلا عما نريده ، وبادرته قائلا بشيء من الاستعطاف: " هل تتكرم بإيوائنا ريثما يهدأ ذلك الطقس العاصف ؟" وردّ بالرفض : "آسف" . و....
ماهذا الوضع الشاذ ؟ : لانحن داخل المدينة .. ولانحن في داخلها ، وعدنا نفكر بذلك الكائن البشري الذي لايكف عن ملاحقتنا !! ربما اتخذت الأمور شكلا مختلفا .. لولا الطفل القابع في بطنها .. مفارقات غريبة .
أقلقها صمتي ، خالتني غاضبا منها ، حاولت الاعتذار برقة وطيبت خاطرها .
الشتاء وحش كاسر ، لايسمح للخيال بالجموح .. الشيء الوحيد الذي يستحوذ على الذهن هو البحث عن الحل . لمعت في رأسي فكرة الفرار ، ليس لأول مرة ، لكن لفظة كهذه تزعجني لأنها تشعرني بالجبن والذل ، ثمة حلان وحسب: إما الفتك بالكائن المحموم الذي يطاردنا بلا هوادة .. أو الفرار من هذه المدينة ، أخبرتها بفكرتي ، ولم ترق لها وظلت صامتة . سألتها :
- إلى متى نتسكع في العراء بلا مأوى ولاهدف؟
- وماذا ستحقق لو تركنا المدينة ؟
- ربما يكون الطقس مختلفا خارج هذه المدينة
- لاشيء مؤكد ..
تجمعت في نفسي انفعالات متناقضة . أحسست بالغضب يستحوذ على رأسي ، " علينا أن نعثر على ملاذ آمن .. حتى ولو جحر .. نحتاج إلى سقف .. ولو من قش .. ريثما يتبدل الجو .. إلى متى سنهرب ،وإلى أين ؟ "
هممت أن أكشف لها عما يدور في خلدي .. لولا أنها سألتني: " لندق الأبواب من جديد .. مارأيك ؟"
- بل سنجرب الهروب خارج حدود المدينة ..
- وماذا عن ذلك الكائن الذي يلاحقنا ؟ أينما حللنا وارتحلنا؟
كان الرجل يرابط دائما على مسافة منا ، يثيرنا بتطفله وسحنة وجهه الفاجرة ، ازداد توترنا العصبي بسببه وبسبب جحيم الطقس الغدار ، لاأعرف كيف وجدتني أركض مندفعا نحو الرجل ، أمسكت به ، جذبته من ياقته بعنف صارخا في وجهه:
- لايحق لك .. ماذا تريد ؟
- إنها وظيفتي ..
- وظيفتك ؟ .. إذن أنت تتهمني ؟
- الجميع يتهمونك ، كل المدينة متقززة منك
حدقت في عينيه ووجهه وهيئته المريبة ، استدرت وابتعدت عنه منكسرا .. لا ألوي على شيء .
للإنسان أكثر من ظل . ألا يكفي البرد والعراء والجوع ؟ عمري الزمني لم يتجاوز الصفر بعد ، شقاء بشقاء وحسب .
كانت تنتظرني مطرقة على بعد خطوات . بطنها مرتفع ، ماذا لو جاءها المخاض .. في مثل هذه الظروف الصعبة؟ وقفت قربها هائما .. مشتت الهدف ، لدي ماأقوله ، أود أن أتكلم بلا توقف ، أو أصرخ إلى مالانهاية .. ولكن في مثل هذا الفصل المتجبر .. من الصعب أن تجد من يصغي ، قذفتني نيران البرد خارج زنزانة الصمت :
- علينا أن نتحرك ، الحركة تبعث على الدفء ..
حملقت في وجهي بقلق ، ومضينا بعدها نقطع الطريق والساحات المبهورة هرولة . الأبواب أعلنت مقاطعتنا ، والسقوف محجوزة , خطوات منهكة ، والوسائل غير مجدية ، مطرودان قسرا في زنزانة الشتاء المطبق . لانستطيع التسلق ولا الصعود . لابد أن الحل مقيم في مساحات أخرى .. ضمن أبراج منيعة . " لم تعد الأظافر سلاحا مجديا في هذا العصر" .
تحدث الأشياء أحيانا دون إنذار ، على غفلة منا ، لذلك نتحمل نتائجها وأعباءها ، ندفع الثمن باهظا ، تفلت الأمور من أيدينا .. يسبقنا الزمن ، نغدو مخلفات صدئة مرمية على الهوامش . فجأة تذكرت ما قاله جدي يوما في أمسية شتائية عاصفة: " المطر لذيذ .. أنت لا تحدق فيه جيدا" . ابتسمت . استطالت فترة الصمت ، بينما كانت أشياء لاتحصى تتحرك في كل الاتجاهات والمساقط داخل رأسي . فكرت بالحياة والموت ، فكرة فلسفية .. انطلقت من فمي ابتسامة مطمئنة ، سرت عدوى الابتسام إليها ، والتمعت عيناها بالأمل ، سألتني بفضول عن سبب ابتسامتي المفاجئة ، أجبتها:" المطر لذيذ .. علينا أن نحدق فيه جيدا" .
اضطرب وجهها في محاولة للاستفسار .. أعلنت لها عن قراري النهائي ،أصابها ذهول مفاجئ لجم لسانها .. تعانقنا بانفعال شديد ، ضمتني إلى صدرها بعنف ، قبلتني ، ومضينا في اتجاهين مختلفين .
كانت علائم المخاض ترتسم على محياها ، وباتت الولادة وشيكة: " بهذه الطريقة لن يكون لديه الوقت الكافي لمتابعة حركتها ، لأنه سيضطر للانشغال بمجابهتي "؟
سرت متجها نحوه بتصميم وحزم ، دبت في حركاته الحية والارتباك . بدا مدهوشا غير مصدق ، ربما استشف اختياري وعزمي وشجاعتي .
التحمنا بالإيدي . كانت المعركة ضارية ، ولم تدم طويلا ، بعد أن أحسست ببرودة الخنجر الحارقة تستقر في ظهري . لم أحس بالألم لأنني سمعت صرخة طفلي الأولى وأنا أهوي .؟



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستعودين:قصيدة
- المتقمصة: قصة قصيرة من مجموعة الريح تقرع الباب 1976
- يحدث هذا حبا : قصة قصيرة
- عيّودا: قصة قصيرة
- ماوراء هموم امرؤ القيس
- لماذا رجعت إلى الحزن
- ثم أعيدك حلما
- الشراع الأسود: قصة قصيرة
- قصيدة - سورة القلق
- شعر: قصيدة لرياض خليل
- المزبلة
- العلمانية وصراع الأديان
- صفقة وهم : قصة قصيرة
- قادم من جحيمي : شعر
- إهداء : شعر
- مدارات التحول : شعر
- العصاب الديني/ تتمة
- الله-الشيطان-العبد : 3+4+5 من 7
- الله- الشيطان- العبد
- القرش : قصة قصيرة


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الولادة: قصة قصيرة