أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - القرش والأسماك















المزيد.....

القرش والأسماك


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3480 - 2011 / 9 / 8 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


1
القرش والأسماك
قصة قصيرة من مجموعة: "القرش والأسماك " الصادرة عن دار الحوار للنشر والتوزيع باللاذقية عام1995 القصة الرابعة

اقتحموا غرفتي . دفعني أحدهم جانبا . كدت أسقط أرضا . وجوههم قاسية الملامح . عضلاتهم متينة وقوية . بعضهم يشهر مسدسا . آخرون يفتشون . حركاتهم سريعة .. متوترة .. حانقة . قلبوا أثاث الغرفة رأسا على عقب . فتشوني بدقة . تلمسوا الجدران . وضعوا بعض الاجهزة عليها ، وهم يمررونها في الاتجاهات كافة . تبادلوا النظرات بصمت مرتاب . المشهد البوليسي ذاته ، الذي كثيرا ماشاهدته في الأفلام ، وقرأته في القصص والروايات . فقط هذا المشهد الحي يحث على طريقة الأفلام الصامتة . كل شيء جرى بصمت . ثمة عبارة وحيدة صدرت عن أحدهم : " لم نعثر على شيء" . رمقوني بغضب . لم يوجهوا لي سؤالا واحدا . خرجوا . لم يغلقوا الباب وراءهم .
****************************
شعرت بسعادة لاتوصف ، لأنني نجوت ، تحررت من ذلك الكابوس المرعب ، الذي كاد يفقدني وعيي ، ونسيت الألم والإرهاق الذي أصابني . استلقيت متهالكا على سريري ، كأنني خرجت لتوي من عراك عنيف مع عدد من الرجال الأشداء . أخذت نفسا عميقا . أغمضت عيني .. وابتسمت .
*****************************
أفقت مذعورا من أحلام فظيعة ، وأنا أطلق من جوفي صراخا وحشيا ، فوجئت إثرها بالجيران ، وقد اندفعوا داخلين إلي ، تحلقوا حولي ، والدهشة والشفقة والتساؤل ترتسم على وجوههم ، وهم يتفوهون بعبارات متنوعة :
- أبعد الله الشر عنك
- عافاك الله ، وهدّأ من روعك
- سمعونا الفاتحة ياجماعة ..
- بسم الله ، وأعوذ به ، وأتوكل عليه
- طمئنا ياإبني .... فيك شيء؟
- الحمد لله ، مافيه شيء ، مجرد أحلام مزعجة
- يعني كوابيس
- هكذا شيء
- لا.. عادية انشالله
- أي والله خوفتنا عليك
- اطمئنوا .. لاتغلبوا أنفسكم .. لاتؤاخذوني ...
************************
نظرت إلى الساعة ، لم أصدق : الخامسة صباحا؟! لقد نمت إذا عشر ساعات متواصلة .. كأنها عشر ثوان .. يا..ألله ! هل هذا معقول؟! أقلقت راحة الجيران . أيقظتهم في وقت غير مناسب . ولكن لابأس . ليستيقظوا أبكر من العادة .. ولو لمرة .. أوه ... كم كانت جميلة ابتسامة سميحة هذا الصباح . لولا العيب لفعلت ذلك كل صباح . وأيقظت أهل الحارة كلها ، لكي تأتي سميحة ، وأرى ابتسامتها وضحكتها من الحدث " الكاريكاتوري" الذي حصل لي : صراخي . كانت ابتسامتها كحبة " أسبرين" تزيل وجع الرأس .. لا .. أقصد : القلب .. ابتسامتها خلصتني ، وأراحتني من كل ماعانيته البارحة حتى الصباح الوليد . ماأجمل وجهها الطفولي البريء ! الذي يشفي المريض من مرضه ، والتعيس من تعاسته ، وأنوثتها العابثة التي تعيد العجوز إلى عزّ شبابه . يالصوتها الدافئ الذي يقطر شهدا وعسلا ، إنه أجمل من صوت أية آلة موسيقية . عذب .. صاف .. ناعم .. ساحر . الفضل لصراخي الذي كان سببا لمجيئها ، صراخي الذي أثار فضولها لتقف على
2
الخبر .. والحدث الغريب . وكان باب غرفتي مواربا ، نسيت أن أوصده ليلتها . سأحاول أن أنساه مفتوحا غير مرة ، وسأصرخ ، وأجتذب فضول الجيران ، وألفت انتباههم ، ليجيئوا ، ويستطلعوا الخبر ، وتأتي سميحة مع من يأتي وتبتسم وتضحك لاهية ، وسأغني لها شعر أبي نواس: "
" حامل الهوى تعب
يستخفه الطرب
تضحكين لاهية
والمحب ينتحب
إن بكى يحق له
ليس مابه لعب " .
صحوت ، واستدركت ، وتساءلت: هل أصرخ حقا ؟ لا.. لا .. هذا عيب ، تصرف مكشوف , ولو تكرر ، فسينزعج الجيرن مني ، ويطردونني من الحيّ .. أقصد من البيت المجاور لبيت سميحة ، سميحة: بنت الجيران ، التي تطل من نافذة غرفتها المقابلة لنافذة غرفتي ، وأتصبح بوجهها وابتسامتها ... لا .. لن أصرخ ثانية ، علي أن أحافظ على مواقعي ، على خط الجبهة الأمامي المواجه لسميحة ، سأربض في هذا المكان ، ولن أغادره ، كرمى لعيون سميحة ، لن أتخلى عنه ، لذلك لن أفعل أي شيء يسيء إلى جيراني ، أو يقلق راحتهم ، ويسبب لهم الإزعاج ، علي أن ألتزم بواجبات الجيرة وأصولها ، لأحافظ على نعيم الجوار مع أميرة الورد والأزهار ، وسيدة الضوء والنهار: سميحة النبع الزخّار بالحسن والجاذبية والبهاء والأسرار . أيتها الصبية المغناج .. لولاك لما كان للأشياء من معنى .
***************************
حاولت أن أتذكر ، أن أستعرض شريط الكوابيس ، نسيت بعض مقاطعها ، وظل بعضها الآخر عالقا في ذهني ، ساطعا كشمس الظهيرة الكاوية .
رأيت نفسي في كهف متعدد الحجرات والممرات ، فجأة .. هاجمتني أسراب من الخفافيش ، حجمها أضعاف الحجم الطبيعي المألوف ، ثم لاأدري كيف أن شخصا لاأعرفه أوقد نارا ، وراح يذب الخفافيش عني بالنار من مشعل في يده ، وسرعان مااختفت الخفافيش .. واختفى الرجل الذي أنقذني من هجومها الكاسح . ولاأدري كيف ظهر أبو سميحة: جاري ، وهو يضحك ويرقّص لي حاجبيه ليغيظني ويستفزني ويشمت بي ، معبرا عن عداوته لي ، وراح يرميني بنظرات حاقدة لعدو لدود ظفر بخصمه ، راح يتشفّى متلذذا بحالتي المزرية التي وصلت إليها .. ثم لاأدري كيف تمازجت الألوان والأشكال واختلطت الصورة .. ورأيت سميحة تخرج أو تنبثق من جسد أبيها عارية تتقدم نحوي بغنج ودل وإغراء وإثارة . وتملكتني الرغبات الجامحة بالاستيلاء عليها ، ورأيتني مندفعا إليها لأضمها ، طوقتها وهي تقاومني وتصدّ بطريقة زادتني إثارة ورغبة بها .. وكدت أنال منها لولا أنها تملصت وانزلقت من بين يديّ كالسمكة . هربت . لاحقتها . أمسك بها لثوان ، وتتخلص مني ، وتهرب عابثة ضاحكة ، تلاعبني وألاعبها ، ثم لاتفتأ أن تدخل جسد والدها ، وتغيب فيه ، تغوص ، تختفي كالسمكة في بحر لاحدود له .
***************************
أدمنت زيارة الشاطئ الذهبي ، كنت أتأمل البحر ساعات طويلة ، منتظرا انبثاق سميحة من بين العباب المتراقص ، مر زمن طويل ولم أظفر برؤيتها ، ولكني لم أيأس ، وواظبت على الذهاب إلى الشاطئ ، لأقابل البحر ، وأفتش الموج ، بلاجدوى .
ذات مرة .. رأيت رجلا يجلس قبالة الشاطئ الصخري ، اقتربت منه لأميّزه ، بيده صنارة عملاقة ، إنه إذن صياد . رمى خيط الصنارة بعيدا في الماء . إلى جانبه سلة فارغة ، مخصصة لوضع الأسماك التي يصطادها فيها , اقتربت ، نظرت في السلة ، كان فيها سمكة واحدة ، يبدو أنه اصطادها للتو ، لأنها كانت لاتزال تنتفض ، كان الرجل يعتمر قبعة بحار لتقيه من أشعة الشمس ،و يدير ظهره للبرّ ، الذي لم يجد فيه مايصطاده . سألته : ألا يوجد سمك في البرّ؟ أجاب دون
3
أن يلتفت : يوجد ، لكنني لم أجد لنفسي مكانا بين صيادي البرّ . وصمت كل منا لبرهة ، ثم أردف الصياد : إذا كنت تبحث عنها .. فعليك أن تغوص في الماء ، ألحق بها إن استطعت .. قبل أن تستقر في القاع . تعجبت ! علق : لا تتعجب ، لاشك أنك تريد الحورية . مع أنه لم يلتفت إلىّ ، بدا وكأنه يراني ، ويقرأ تعابير وجهي ، أجبته : نعم أبحث عنها ، ولكن كيف عرفت؟ قال: لست أول شخص يلعب هذا الدور ، لقد تكرر المشهد . تمتمت : معقول!؟ هي خائنة إذن ! حاول الاستفسار عما أتمتمه ، طمأنته: لاشيء .. لاشيء .
قفزت في الماء ، غصت باحثا في الأعماق عنها ، وقبل أن أصل القاع . . رأيتها تنزلق وتلهو : إنها هي .. هي نفسها .. سميحة الحورية .. بنت الجيران . ناديتها .. لوحت لها ، ولكن سمكة من نوع القرش المفترس كانت تقترب منها . أحست به ، انتابها الذعر ، فرّت من أمامه بمناورة ناجحة ، وهي تستغيث .. تصرخ طالبة النجدة ، رأتني وصرخت: أنقذني ياحبيبي .. النجدة .. النجدة ، لم أتمالك نفسي ، تغلبت على خوفي ، واستجمعت قواي ، واندفعت نحوها ، أحسست بنفسي كالحوت الأزرق العملاق ، اعترضت طريق القرش المفترس ، قبل أن يتمكن منها ، هرب ، لاحقته ، إلى أن غاب عن عيني في أعماق البحر . توقفت عن ملاحقته . استدرت . لم أجد سميحة الحورية ، فتشت عنها عبثا ، أعياني التعب ، وفجأة .. أحسست بنفسي وقد تحولت إلى سمكة صغيرة .. صغيرة جدا .. ضعيفة .. متعبة ، وهلعت حينما رأيت القرش يداهمني ، يهجم ، يحاول افتراسي ، هربت منه مذعورا ، بدا حجمه هائلا كالجبل ، وبدوت ضئيلا كالفأر . فتح فكه المخيف . برزت أسنانه البيضاء تلمع كالنصال الفولاذية الحادة ، فكه يتسع لأضعاف حجمي .. وهربت .. ولاحقني بإصرار ، كادت أسنانه تلامس لحمي الطريّ ، رحت أصرخ .. أستغيث .. أصرخ .. وأصرخ مستنجدا .. حتى استيقظت ، لأجد جمهرة من الجيران الذين احتشدوا مستطلعين .. مستفسرين عن أسباب صراخي .
*****************************
نفضت عني الكوابيس والتعب والخوف ، كان الجوع قد أخذ مني مأخذا . نهضت . غسلت وجهي . ارتديت ثيابي . وقفت أمام المرآة ، كانت المرآة قديمة .. متآكلة .. مهترئة .. صدئة .. غير صافية . بدا وجهي على غير ماأحب . وفيما كنت أنظر هكذا .. متشائما .. رأيت عبر المرآة طيف رجل يقترب مني ، من الخلف ، المرآة عكست صورته وحركته في عيني . خفت ، استدرت لأتبينه ، ولم أجد أثرا له : " من هذا الرجل؟ أهو شبح ؟ وجهه .. ملامحه ليست غريبة . لاأذكر متى ؟ أو كيف رأيته ؟ أتراني واهما ؟ " عدت ونظرت في المرآة الصدئة آملا أن أرى الطيف أو الشبح .. لكنه لم يظهر ، نفضت عني الأوهام ، مضيت إلى المطبخ ، أعددت الشاي ، وشطيرة ، أكلت وشربت الشاي ، ثم مضيت خارجا .. حاملا متاعبي وهمومي وأوهامي ، وصورة سميحة .
*******************************
رجعت . رأيت أبو سميحة ينظر إليّ من زاوية عينه ، ويبتسم بخبث وسخرية ، كأني به أعد فخّا لي .. وينتظر ويترقب النتيجة . ساورني القلق والخوف ، ألقيت نظرة إلى الأعلى : رأيت سميحة تراقبني ، وحينما أحست أنني أنظر إليها تجاهلتني وأشاحت بوجهها عني ودخلت مختفية عن ناظري . مضيت إلى غرفتي ، وقفت أمام بابها الموصد: " إنه مختلف .. لايشبه باب غرفتي ! علني أخطأت ! هذا الباب جديد ، لونه مختلف ، استدرت مندهشا مما يحدث ، قصدت أبا سميحة ، كان بانتظاري وهو يبتسم ابتسامة هزلية . سألته عن الأمر: هل غيرتم باب غرفتي؟ هزّ رأسه مستنكرا كلامي ، ولم ينبس ببنت شفة . عدت إلى الغرفة ، وقفت أمام الباب الجديد ، حاولت إدخال المفتاح عبثا : " هل أخطأت العنوان ؟ المفتاح لايعمل ، لون الباب مختلف . كل شيء يبدو مختلفا ، رجعت مرة ثانية ، سألت أبا سميحة : أرجوك .. قل لي مالأمر؟ أجابني : " منذ مدة وأنت هكذا ، الأفضل لك أن تراجع طبيبا ، الله يشفيك ياابني .
- فقط أجبني .. أوليست هذه غرفتي؟
- سل الجيران الآخرين
- وأنت؟
- أنا لاأعرفك ..
- معقول؟
- لا .. هذا غير معقول ، أنا متأكد ، هذا غير معقول ، أن تعطل الناس عن أعمالها
******************************
4
لابد أن هناك خطأ ، مالذي يحدث ؟ ماذا علي أن أفعل الآن ؟ هل أكسر ا لباب ؟
هممت بكسر الباب ، واستوقفني صوت بوق سيارة ، التفت نحوها مستطلعا ، رأيتها تقف ، نزل منها عدد من أفراد الشرطة ، تحلقوا حولي ، أمسك بي اثنان بقوة : تفضل معنا .
- إلى أين؟
- إلى حيث يجب أن تكون
- لم أفهم
انبرى أحدهم ، يبدو أنه رئيسهم ، سألني : " ماذا تفعل هنا؟ " .
- سؤال غريب
- أجبني
- أريد أن أدخل بيتي ، أنا أسكن هنا ، في هذه العمارة .
- حقا؟
- بالتأكيد
- أنت كذاب
- سيدي؟
- أنت هنا لتتحرش بالنساء ، أعراض الناس ليست لعبة ياأزعر
- سيدي ، هذا غير صحيح ، أنا اقيم هنا
- حسنا ، أرني بيتك
مضينا , وقفنا أمام الباب , ارتبكت , احترت , ماذا أفعل؟ هل سيصدقني؟
اجتمع الجيران ، سألهم الشرطي: " من منكم يعرف هذا الرجل؟ " . وصمت الجميع . وبادرني الشرطي: " أرأيت؟ . وطلبت من الشرطي وأنا أشير بيدي نحوها :" سيدي .. سل سميحة .. هذه " . وكانت موجودة مع الجمع وهي ترقبني وتسمعني . ابتسمت كعادتها ساخرة ، علقت : " أنا لست سميحة ياسيد .. أنا سراب .. اسمي : سراب ، وأنا لاأعرفك ، لم أرك من قبل .
تجمد الكلام في حلقي ، نشف ريقي ، فيما سارع أبو سميحة .. عفوا .. سراب ليسألني أمام الجميع :
- أهذا بيتك ؟
- نعم صدقوني ، إنه بيتي
- افتحه إذا
وبصورة آلية .. أخرجت المفتاح ، وحاولت سدى فتح الباب ، علقت: " هنالك خطأ بالتأكيد" . ونظر أبو سميحة إلى الشرطة معلقا: " هل صدقتموني الآن ؟؟ " ولم أفهم إلام يرمي بالعبارة التي تفوه بها . عاد أبو سميحة وسألني:
- هل لون الباب هو نفسه؟
- لا ، ثم إن باب غرفتي عتيق ، وهذا الباب جديد .
والتفت أبو سميحة للشرطي : " أرأيت ؟"
وأخرج أبو سميحة مفتاحا من جيب سترته ، فتح به الباب ، أذهلني . وطلب من المجتمعين والشرطة: " تفضلوا .. ادخلوا ، لنرى ماإذا كانت هذه غرفته حقا " .
ودخل الشرطة والجيران ، ودخلت معهم . صعقت . تساءلت : " هل أنا مجنون؟ " . جلت ببصري في أنحاء الغرفة ، فحصتها زاوية زاوية ، شبرا شبرا ، ونظرت إلى الأثاث ، كان كل شيء مختلفا . لم أجد أي غرض من أغراضي: خزانتي .. حقيبتي.. سريري .. المرآة .. عدة المطبخ .. صورة أمي وأبي .. الكتب والأوراق .. لاشيء لاشيء في الغرفة يخصني . صرخت بلا إرادة : " لقد سرقت .. لقد سرقوني .. أولاد الحرام ، استغلوا غيابي وسرقوني ، واهتجت غاضبا ، وصاح بي الشرطي : " اهدأ ياهذا " ، وقال أبو سميحة للشرطي: " سيدي يجب أن تأخذوه قبل أن تأتيه النّوبة وتشتد " الكريزا" أي الأزمة ، وثارت ثائرتي ، واتهمتهم جميعا بالتواطؤ والسرقة ، واندفعت نحو أبي سميحة ، قبضت على عنقه بكفي ، وأنا أصرخ : " إنه هو .. هو ياسيدي ولاأحد سواه ، إنه القرش .. سمكة القرش المفترسة التي هاجمتني عندما كنت في أعماق البحر، كاد يلتهمني في آخر لحظة " ، وضغطت على عنق أبي سميحة ، فيما ضغط صراخ سميحة على قبضتي القويتين وهي تعول وتستغيث . والشرطة تنتزع أبا سميحة من بين يدي بصعوبة ، ولم يفلحوا لولا أنهم وجهوا لرأسي ضربة أفقدتني صوابي ووعيي للحظات . نجا أبو سميحة من بطشي ، والشرطة ترش الماء فوق وجهي لأصحو وأنهض ، وقد تمكنوا من تقييدي . سمعتهم ، سمعت بعض تعليقاتهم :
- العفاريت أخذت عقله
- المجنون
- المسكين
- كان الله في عونه
- الله يشفيه
وقطع تلك الأصوات وقوف سيارة بيضاء ، نزل منها رجال يرتدون ثيابا بيضاء ، اتجهوا نحوي ، فيما كنت أنظر إلى الوجوه من حولي ، استوقفني وجه القرش أبو سميحة . واستوقفني أكثر أن رأيت سميحة وهي تشبك يدها بيد شخص كنت قد رأيته ، إنه ذات الشخص الذي بدا لي في المرآة العتيقة .. نعم .. نعم .. إنه هو بذاته .. الآن تذكرته ، كان واحدا من الذين اقتحموا غرفتي من فترة سابقة . ترى لماذا يقف إلى جوار سميحة ؟ ولماذا يشبك أصابع كفه بأصابع كفها ؟ وفجأة تدفقت القهقهات من فمي ، وجفل من حولي من ضحكاتي الهستيرية الصاخبة . وكان كل ماأراه أبيض ولاشيء سوى البياض الناصع والساطع ، والرجال يقتادونني إلى مكان ما .
انتهى



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابتسامات دعد
- المفترسان
- الولادة الأخيرة : قصة قصيرة
- موجة عابرة في سطح صقيل
- ولكن غدا لم يأت
- جريمة في ملف النمرود: قصة قصيرة
- الولادة: قصة قصيرة
- ستعودين:قصيدة
- المتقمصة: قصة قصيرة من مجموعة الريح تقرع الباب 1976
- يحدث هذا حبا : قصة قصيرة
- عيّودا: قصة قصيرة
- ماوراء هموم امرؤ القيس
- لماذا رجعت إلى الحزن
- ثم أعيدك حلما
- الشراع الأسود: قصة قصيرة
- قصيدة - سورة القلق
- شعر: قصيدة لرياض خليل
- المزبلة
- العلمانية وصراع الأديان
- صفقة وهم : قصة قصيرة


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - القرش والأسماك