أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - موجة عابرة في سطح صقيل














المزيد.....

موجة عابرة في سطح صقيل


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3475 - 2011 / 9 / 2 - 14:06
المحور: الادب والفن
    


موجة عابرة في سطع صقيل
قصة قصيرة من مجموعة : الريح تقرع الباب ، الصادرة عام 1976 بدمشق ، القصة الثامنة
ارتمت الجدية على وجهي كالجدار ، حين اكتشفت أنني أضحك وجميع الناس ، منذ زمن سحيق . تأملت اللوحة الضاحكة طويلا ، راودتني رغبة البحث عن المبرر المعقول لهذه الظاهرة ، التي اكتشفتها للتو ، شغلتني واستأثرت باهتمامي . صار لي وجه جلاد متجهم ، تساءلت: ألن يتوقف هذا الطوفان من الضحك ؟ لماذا لاتتغير الصورة ؟
شيء ما دفعني إلى مثل هذا التصور ، وكبركان أرعن انطلقت من أعماقي صرخة مجلجلة ، طغت على كل أصوات الضحك . التي تجمدت وظلت مرتسمة على أفواه الضاحكين وهي مفتوحة إلى حدها الأقصى . . وكأنما تكاد تموت ضحكا ، تحجرت أجسام الضاحكين ، وكأنهم تحولوا إلى تماثيل حجرية ، مشهد " كاريكاتوري" يثير الشهية للضحك والقهقهة المرتفعة ! أصبح الضحك مجرد صورة صامتة مرسومة بإتقان شديد .
هل أخرستهم صرختي ؟ وحولتهم إلى تماثيل باردة لاحياة فيها ؟ مات الصوت ، وبقيت الصورة ، بقيت كماهي ، لم يجد الصراخ ولم يؤدي لتدمير الضحك .
اشتهيت أن أجد وجها واحدا يتسم بالجدية والرزانة ، لكي أستطيع التفاهم والتعامل معه .. حسنا ... ليكن مايريدون ، ولكن أوليس من حقي أن أدرك السبب؟ لكم أتمنى أن يكون وجيها معقولا ، هتفت بالضاحكين: " لماذا تضحكون؟ " . انفجرت الضحكات من جديد ، لتتسع لولبيا بشكل متسارع ، ولتتحول إلى عاصفة من القهقهات المريعة ، كادت تبتلعني .. لولا أنني حطمتها بصرخة كالرعد ، وأحسست إثر ذلك بأن خبرتي العامة تغتني .
قمت بمحاولة ثالثة ، مافتئت أن باءت بالفشل كسابقتيها .. آنذاك أدركت ضرورة تغيير أسلوبي لمكافحة الضحك من حولي ، وأتوصل إلى غايتي ، وأعبر نحو المرحلة الثانية من الانتصار المأمول .
لابد من استشفاف أسرار حركتهم ،لأتمكن من امتلاك أعنتها ، والسيطرة عليها ، لدفعها بالاتجاه الذي أريد ، ولكن المأساة هي أن تكون وحيدا ، أو شبه وحيد ، حينذاك ستكون مضطرا للبحث عن الانتصار والأسلحة . ماذا حققت حتى الآن؟ وكيف سأنقل كل هؤلاء من حالة الموجودية .. إلى حالة الحضور الواعي؟ وبعد المحاكمات العقلية التي أجريتها ، والمجهود المضني الذي بذلته ذهنيا ، توصلت إلى رسم الخطة التالية : سأبدأ بهم فردا فردا ، وسأستخدم الإيحاء والإيماء ، ومايكن توفره من وسائل أخرى .
اقتربت من أحدهم ، سألته :
- لماذا تضحك ياسيد؟
- لاأدري
شتمته بنظرة ازدراء من عيني ، ثم تجاوزته إلى شخص آخر:
- لماذا تضحك ياحبيبي؟
- " ياحبيبي أكلما .. .. ضمنا في الهوى مكان ... أشعلوا النار حولنا .... فغدونا لها دخان " 1
تفتحت في أعماقي باقات الفل الأبيض ، أطربني كلامه ، همست في أذنه كلاما ، أحسست أنه استوعب كلامي ، وخبأه في صدره ، للوقت المناسب .
سرت إلى شخص ثالث لا على التعيين . وكررت السؤال: " لماذا ....... ؟؟؟؟ .
وقبل أن أكمل السؤال .. انقلب على ظهره ، وراح يتلوى .. ثم نهض ، قفز في الهواء ، وهو يغرق في عاصفة من الضحك الهستيري .. إلى أن فقع ضحكا ومات . وبقيت الضحكة تطبع كل بقعة من جثته . وفرت من صدري زفرة غضب وقهر لهذا المشهد المثير .
تابعت الاستبيان ، وحصلت على أجوبة .. منها
- لأن الجميع يضحكون .
- لأني بحاجة للضحك .
- أصول اللياقة والأدب تقتضي ذلك
- لأنني لست مجنونا .
- هذا سر خصوصي .
- لاأريد حمل السلم بالعرض
- لأتمكن من الحصول على عمل
- سيدي يريد مني ذلك .. وإلا طردني
- هذا ماأريد أن أسألك عنه .
- لايحق لك أن تسأل
- إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .
- إنها هوايتي .
من خلال هذه الأجوبة الكثيرة ، المتباينة من كل الحيثيات ، عثرت على قلة ممن لديهم المؤهلات والاستعدادات الكافية ليكونوا انصارا يعتمد عليهم ، من تهيئة وخلق البديل الجدي لهذا البحر العظيم من الضحك ...
انتابني شعور باهت بحركة مريبة تجري من حولي ، وتفوح منها رائحة الشر والمؤامرة ، لم أعرها اهتماما ، وتجاهلتها ......
عزمت على استكمال تنفيذ حطتي المرسومة ، سرت إلى صدر المكان ، كان الربيع طفلا يلعب في عيني ، وقفت . جلت ببصري مستقصيا لحظتي العصيبة ، هتفت: " ليبدأ مخاضك أيها البحر" .
كانت هذه كلمة السر ، شارة البدء المتفق عليها بيني وبين أنصاري ، وكان المقصود بها نتعرى عن الجموع الضاحكة ، وننتحي جانبا عنهم ، ليتم لنا التعارف والتجانس ، ومن ثم التداول حول دستور التنظيم الجديد ، وخطة العمل . وما إن فهت بكلمة السر .. حتى انهمرت الضحكات المرسومة على الوجوه الجامدة من حولي ، وتساقطت متكسرة .. منسحقة كالزجاج الرخيص الهش على الأرض الصلبة ، وسالت منها الدماء السوداء اللزجة وذات الرائحة النتنة . وماكان أشد فظاعة وهولا .. هو أنني رأيت جميع الضاحكين – عدا بضعة أنصار- يخلعون عن أبدانهم الثياب ، وعن وجوههم الأقنعة ، ليتحولوا إلى وحوش مفترسة .. زواحف عملاقة ، وكواسر طيارة هائلة الحجم ، لم تسنح لي الفرصة للتفكير والهرب ، لأنهم باغتوني بالهجوم الكاسح ، وأحسست إثر ذلك بأشياء حادة .. رهيفة .. وصلبة تنغرز في كل مكان من جسمي ، تغربله ، وتمزقني إربا ، إلى أن كانت هناك فراشة تحوم ، وتستقر على وجهي . قبلتني من شفتيّ بحنوّ وحزن ، وكان آخر ماسمعتها تقول: " لم يكن الوقت قد حان ياحبيبي " .



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولكن غدا لم يأت
- جريمة في ملف النمرود: قصة قصيرة
- الولادة: قصة قصيرة
- ستعودين:قصيدة
- المتقمصة: قصة قصيرة من مجموعة الريح تقرع الباب 1976
- يحدث هذا حبا : قصة قصيرة
- عيّودا: قصة قصيرة
- ماوراء هموم امرؤ القيس
- لماذا رجعت إلى الحزن
- ثم أعيدك حلما
- الشراع الأسود: قصة قصيرة
- قصيدة - سورة القلق
- شعر: قصيدة لرياض خليل
- المزبلة
- العلمانية وصراع الأديان
- صفقة وهم : قصة قصيرة
- قادم من جحيمي : شعر
- إهداء : شعر
- مدارات التحول : شعر
- العصاب الديني/ تتمة


المزيد.....




- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - موجة عابرة في سطح صقيل