|
سوسن وعيد الأم
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3481 - 2011 / 9 / 9 - 16:42
المحور:
الادب والفن
1 سوسن وعيد الأم قصة قصيرة من مجموعة : " القرش والأسماك" الصادرة عن دار الحوار باللاذقية ، القصة الخامسة قالت المعلمة: " الأم كالأرض والوطن . الأم شجرة وارفة دائمة الخضرة والعطاء . وحتى حين تموت وتيبس . الأم ياأعزائي تحملنا ، تطعمنا ، تحنو علينا ، تسهر على سعادتنا وراحتنا ، تبعث فينا الدفء والحنان ، تضحي من أجلنا ، الأم ياأجبائي تزهر ، تورق ، تثمر ، تحترق لتضيء طريقنا ، وتنشر الحرارة في حياتنا " . وأردفت المعلمة: " أذكر قولا كانت تردده أمي : لايعيش جسد حتى يفنى جسد . وهذا يعني أن الأم تفني نفسها ليعيش أبناؤها ، تذوب كالشمعة لتنير حياتنا وتبني مستقبلنا " لهذا يحتفل العالم كله سنويا بعيد الأم ، تكريما وإجلالا واحتراما لدورها في الحياة الإنسانية ، كذلك فرضت الشرائع السماوية والدنيوية علينا احترامها وطاعتها ومعاملتها معاملة خاصة . الأنبياء والشعراء والأدباء قالوا فيها الكثير والكثير ، وأنا أرى أن ذلك لايعادل قبلة أو نظرة حنان من الأم . والآن من منكم يحفظ شيئا مما قيل في عيد الأم؟ رفع التلاميذ أيديهم إلا سوسن . طلبت المعلمة من حسان أن يتكلم . قال: " الجنة تحت أقدام الأمهات" ، ثم طلبت الشيء نفسه من سعاد ، فرددت قول الشاعر: " الأم مدرسة إذا أعددتها ...... أعددت شعبا طيب الأعراق " . ثم جاء دور سلمى ، التي سردت الحديث النبوي الشريف : " من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال : أمك . قال ثم من؟ قال: أمك . قال : ثم من؟ قال: أمك . قال ثم من؟ قال : أباك " . وتوالت عبارات وكلمات شتى من بعض التلاميذ حول الموضوع نفسه ، وقالوا ، وعلقوا ، وتكلموا .. إلا سوسن . لاحظت المعلمة إطراق سوسن واستغراقها ، وعدم رفع يدها طلبا للإجابة . نادتها المعلمة: سوسن . لم تجب ، ظلت مطرقة . دنت المعلمة منها ، ألفتها تبكي . وهي تقف احتراما للمعلمة . كانت دموعها تزين وجنتيها الورديتين كاللآلئ . عرفت المعلمة بفطنتها أن وراء هذه الدموع قصة حزينة ، وقرأت فيها مشاعر وهواجس سوسن الرقيقة . طلبت المعلمة من سوسن البقاء في الصف وقت الفرصة ، ثم عادت لتتابع درس التعبير ، وطلبت من التلاميذ كتابة موضوع قصير عن الأم ودورها في تربية النشء وواجباتنا تجاهها ، وعندما انتهى الوقت المحدد ، جمعت المعلمة الأوراق . كانت ورقة سوسن بيضاء ، وكان فيها من التعبير مايفصح عن مشكلتها . رن الجرس ، انصرف التلاميذ إلى الباحة . وبقيت سوسي والمعلمة في غرفة الصف . سألتها المعلمة: أين أمك؟ أجابتها سوسي: لا أدري . أردفت المعلمة : منذ متى تركتك؟ قالت: من شهر تقريبا . استنتجت المعلمة حقيقة المشكلة وسألتها: ألم يحاول أبوك أن يصالحها؟ قالت: نعم ، حاول كثيرا . علقت المعلمة: أعرف أنك حزينة لأنك لم ترينها في هذه المناسبة السنوية : عيد الأم . وأضافت سوسن : بل لأنني لاأستطيع أن أقدم لها هدية وأهنئها وأحتفل معها بمناسبة عيد الأم . ابتسمت المعلمة ، وأعجبت بعواطف سوسي النبيلة . ربتت على كتفها ، ومسحت شعرها براحة كفها ، ثم مرت بإبهامها على وجنتيها المبللتين لتمسح دموعها ، وقالت: أتعرفين ياحبيبتي ؟ أن دموعك هذه أعظم هدية لأمك في هذه المناسبة . اطمئني ياسوسن ، سوف أساعدك . سألت سوسن : أحقا؟ كيف؟ أجابت المعلمة : سترين ، ولكن هيا ياابنتي .. امسحي دموعك وابتسمي . دخلت لفظة:" ابنتي" قلب سوسن ، فراح يقفز فرحا ، ويخفق بحرارة الأمومة وحنانها ودفئها ، وتحولت دموعها إلى بللورات شفافة تتلألأ بألوان قوس قزح . زقزقت عصافير الفرح في أعماق سوسن ، وبزغت ابتسامة أمل مشعشعة على ثغرها ، وانعكس صداها على وجه المعلمة الحنون ، والتي استيقظت في قلبها غريزة الأمومة كنبع معطاء لاينضب . طلبت المعلمة من سوسن أن تنصرف ، وتلعب مع أقرانها ، الذين فرحوا بها ، وخاصة بعد أن رأوا الابتسامة ترتسم على شفتيها الرقيقتين من جديد . شرحت المعلمة لمديرة المدرسة ماحصل بينها وبين سوسن ، واتفقتا على خطة لتحقيق أمنية سوسن . 2 وجهت المديرة الدعوة لأولياء التلاميذ لحضوة احتفال مع أبنائهم بعيد الأم ، كما قامت المعلمات بتبليغ التلاميذ عن موعد الدعوة وضرورة تلبيتها للاحتفال بعيد الأم ، والذي سيقام غدا ، في قاعة خاصة من المدرسة . وكانت الدعوة قد وجهت أيضا لأم سوسن وأبيها . حضرت المعلمة والمديرة والتلاميذ ، وكان يوم عطلة رسمية . فوجئت المعلمة بسوسي وقد حملت لها هدية ، قدمتها للمعلمة بهذه المناسبة ، وهي تهنئها بالقول: كل سنة وأنت طيبة ياأمي . صفق التلاميذ لسوسن ، كما صفق الفرح في قلب المعلمة ، وهي تذرف دمعة فرح ، لأنها أحست بنفسها تجسد دور الأم بنجاح . وبالفعل" كانت المعلمة أما حقيقة لسوسن" ، بهذه العبارة وصفت المديرة المعلمة ، وهي تشارك بالتصفيق . وقطع دخول أم سوسن التصفيق ، وقد فوجئت بما قامت به المدرسة ، واستقبلها الحاضرون بترداد الأغنية الشائعة : " سنة حلوى ياماما ، ثم بالانكيزية :" هابي بيرث دي تو مامي" ، فبكت من شدة الفرح ، فيما اندفعت ابنتها سوسن نحوها معانقة ، تبادلتا القبلات بكل مالديهما من حرارة الحب والعرفان والبراءة ، وطفرت من عينيها دمعتان ، كأنهما قصيدتان أو أغنيتان ، بعد ذلك قدمت سوسن هدية لأمها بهذه المناسبة . غمرت السعادة قلب الأم لبادرة ابنتها ومعلمتها وكل من أسهم بهذه المناسبة وشكرتهم جميعا ، وأثنت على موقفهم الذي لاينسى ، وقالت: " كل امرأة يمكن أن تكون أما لجميع الأطفال . فهم الحاضرون معنى العبارة وصفقوا ترحيبا بها . وقبل أن تبدأ المعلمة بتوزيع الحلوى وال" كاتو" .. قرع الباب ، ودخل والد سوسن ، الذي كان على علم بكل ماحصل ، كانت المعلمة قد التقته ، وحاورته وأقتعته بمايجب عليه عمله . دخل والد سوسن وهو يبتسم ، والفرح ينطق في وجهه . فوجئت أم سوسن للمرة الثانية ، وران الصمت على الجميع ، وظلت الابتسامة تتراقص في عيونهم المترقبة ، والتي تتوقع شيئا ما . هرعت سوسن إلى والدها ، أمسكت يدها البضة كف والدها الكبيرة ، قادته خلفها واتجها نحو والدتها ، وعندما وصلت ، أمسكت يدها البضة الصغيرة الأخرى كف والدتها ، التي استسلمت ليد ابنتها بلا تردد ، كان وجه أم سوسن يمتزج بالراحة والفرح والنشوة ، مستسلما لإرادة الطفولة البريئة . سحبت سوسن كفي والدها ووالدتها بسهولة ويسر حتى تلامست أصابعهما ، ثم تشابكت بحركة لاإرادية ، فيما كان كل منهما ينظر إلى الآخر بحب وتسامح ووعد بعدم تكرار الخطأ الذي ارتكباه بحق طفلتها سوسن قبل أن يكون بحق نفسيهما . كانت عينا كل منهما مشدودتان إلى عيني الآخر ، وكانت سوسي تدير وجهها مرة إلى والدها ، وأخرى إلى والدتها ، وهي تراقب تعابير الحب الثرة بالمعاني الإنسانية السامية ، وكان الجميع يفعلون مثل سوسن ، التي أخذت ابتسامتها الرقيقة تكبر وتكبر وتكبر .. لتتسع للعالم كله . انتهى
#رياض_خليل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرش والأسماك
-
ابتسامات دعد
-
المفترسان
-
الولادة الأخيرة : قصة قصيرة
-
موجة عابرة في سطح صقيل
-
ولكن غدا لم يأت
-
جريمة في ملف النمرود: قصة قصيرة
-
الولادة: قصة قصيرة
-
ستعودين:قصيدة
-
المتقمصة: قصة قصيرة من مجموعة الريح تقرع الباب 1976
-
يحدث هذا حبا : قصة قصيرة
-
عيّودا: قصة قصيرة
-
ماوراء هموم امرؤ القيس
-
لماذا رجعت إلى الحزن
-
ثم أعيدك حلما
-
الشراع الأسود: قصة قصيرة
-
قصيدة - سورة القلق
-
شعر: قصيدة لرياض خليل
-
المزبلة
-
العلمانية وصراع الأديان
المزيد.....
-
أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
-
لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
-
مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
-
جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا
...
-
من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل
...
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|