|
هلع الاستثمارات في غزة
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 3430 - 2011 / 7 / 18 - 09:48
المحور:
كتابات ساخرة
ما أكثر الأبحاث والدراسات والإحصاءات عن أعداد الجرحى والمصابين من آثار الإغلاق والحصار والمنع والتضييق، وما أكثر المراكز التي توثِّق الاعتداءات الإسرائيلية والقصف والتجريف!! ولكن.... ما أقل الدراسات في علم نفس المجتمع في غزة، التي تدرس الأمراض النفسية والاجتماعية الناجمة عن حالة الحصار، وبخاصة منع الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في الحياة كالرحلة والسفر، والتي تعالج نقص المخزون الثقافي عند الغزيين مما جعلهم يصابون بإمراض اجتماعية كثيرة، مما أثِّر سلبيا على قدراتهم في شتى مجالات الحياة! وهذا بالطبع لا يعني أن غزة تخلو من الإبداعات والطاقات، ففي غزة مناجم من المبدعين والمفكرين، غير أن غزة المشغولة بكوارثها لا تُحسِنُ استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم فمعامل إنتاج فيروسات الأمراض المجتمعية ما تزال تتفوَّق على طاقات وإمكانات المبدعين والمفكرين! الحقيقة أن هناك مجموعة من الظواهر في غزة تستحق الدراسة والمتابعة، ولعل أبرزها ما يحدث بين كل فترة وأخرى من (لوثات) أو حالات من جنون الاستثمارات العجيبة! فمنذ سنوات ظهرت أول أنواع الحمى، أو لوثة توظيف الأموال في الأنفاق، وكانت تلك اللوثة غريبة عجيبة، فلم يكن توظيف الأموال ناجما عن اكتشاف النفط أو الغاز في باطن الأرض، أو أنه استثمار في مناجم ذهبية أو معدنية في ثرى رفح، أو حتى أنه اكتشاف لمخزون هائل من الفحم الحجري أو أكسيد الحديد في جوف معبر فيلادلفي ، حتى إن لوثة الأنفاق وصلت لدرجة أن كثيرين باعوا ممتلكاتهم الشخصية واستدانوا بعد إصابتهم بلوثة الأنفاق، بادعاء أن الربح سيكون مضاعفا عشرات المرات، ومنحوا كل ما يملكون لطائفة من السماسرة بلا ضمانات! واستيقظ المصابون باللوثة على فجيعة كبرى، وهي أن الأنفاق لم تكن سوى حالة بدأت بالجنون وانتهتْ إلى الجنون، واستعاد المصابون باللوثة عقولهم من جديد، بعد أن أدركوا الحقيقة، ولكن إلى حين!! ثم بدأ جنون آخر وهو تخزين مشتقات الوقود، وحول الغزيون بيوتهم إلى مستودعات للوقود، وناموا في أحضان غالونات البنزين والغاز، في انتظار شح النفط، حتى أن أحدهم حوَّل بئرا تراثيا لمستودع لتخزين النفط، فتشقق البئر وتبخر النفط! ثم ظهرتْ لوثة أخرى جديدة لا تقل خطورة عن اللوثات السابقة، وهي جنون شراء قطع الأرض في غزة، فتحولت قطع الأراضي المهجورة في غزة إلى عقارات هولندية، أو سويسرية أو لندنية، وارتفع سعر الشقق والأراضي بشكل فاق كل التوقعات، في بلد محاصر مقهور، يبثُّ إعلامُهُ صباح مساء قصص الفقر والقهر وضيق الرزق! ولم يعد بإمكان متوسطي الحال أن يشتروا شقة حقيرة، أو قطعة أرض صغيرة لبناء منزل، بعد أن أصبحتْ قطعة الأرض في منطقة مهجورة في غزة أغلى من نظيرتها في تل أبيب!! أما اللوثة الرابعة فهي لوثة السفر خارج غزة عبر معبر رفح، فصار السؤال: " هل حجزتَ للسفر؟" هو الطبق الشعبي في غزة، وانهال الغزيون يحجزون الأماكن للسفر، حتى ولو لم يكونوا راغبين في السفر، وأصبحوا يعوِّقون ويأخذون أماكن أصحاب الحاجات المضطرين!! ولم أذكر لوثاتٍ سابقةً أخرى جرى تجاوزها، بعد أن أستنفدت وقتها، واختفتْ، ولم نحسب خسائرنا، فقد غيّر معظم مالكي السيارات في غزة قبل سنوات نظام تشغيل سياراتهم من الوقود السائل إلى الغاز، فظهرت تجارة مضخات غاز السيارات، وما إن حوّل الغزيون سياراتهم إلى الغاز، حتى قُطعتْ إمدادات الغاز، وذهبت نقودهم أدراج الرياح!! وما أكثر التُجار الذين خسروا بضائع جرى شراؤها بكميات هائلة، بسبب لوثة الهلع التي تسيطر على غزة! ففي غزة من الألبسة المخزونة ما قد يكفي لكثير من ملايين فقراء إفريقية، وفيها كميات لا تحصى من نفايات مصانع الأسيد والبطاريات قد تكفى لتخريب النظام البيئي في دولة صحراوية كبيرة! وأخيرا إليكم هذه المُعادلات الحسابية الفكرية: استثمارات الهلع(-)ناقص انعدام حسابات الجدوى= تساوي خسارة مؤكدة الحصار والإغلاق ناقص(-) الثقافة والوعي = يساوي مرض جنون الهلع الدائم! المنع والقهر ناقص(-) وسائل الترفيه = يساوي تدمير البنية الأسرية الأساسية! السلطة القمعية ناقص(-) الحريات الشخصية = يساوي جرائم اجتماعية كسفاح الأقارب والسرقة والنصب والاحتيال والإدمان!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بارك الله ومُتْ
-
أنابيش سلطانية (1)
-
غزة الفصل الثالث من الإلياذة
-
استيعاب إسرائيلي وتهجير عربي
-
يرفض التجسس
-
هل العرب هم هكذا؟
-
إرهابيون أحرار
-
إدمان الدعم الخارجي
-
العرب ليسوا عربا
-
إسبرطئيل
-
عصير خبزك
-
العطار والأحزاب
-
مصانع إنتاج البلطجية
-
نساء يحلمن بالقدس
-
رهن العرب في البنك الدولي
-
سياسيون راقصون
-
الإدانة في وثائقهم السرية
-
العرب أعداء الأرشفة
-
هل تستعد إسرائيل لحربٍ جديدة؟
-
كاميرا ابن الرومي
المزيد.....
-
سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال
...
-
الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
-
من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام
...
-
دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-.
...
-
-سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر
...
-
البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة)
...
-
تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
-
المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز
...
-
طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه
...
-
بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|