أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - لعبة الاختفاء















المزيد.....

لعبة الاختفاء


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3408 - 2011 / 6 / 26 - 08:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين كنتُ طفلا صغيرا ألعب مع الأولاد لعبة (الإستخباء- الاختباء) أو (الأستغماية) كما يسمونها بعض الناس في بعض الدول العربية, كنتُ فعلا لا أستطيع الاختباء عن أحد, وكان معظم الأطفال يرفضون انضمامي لفريقهم لأنني بنظرهم لا أستطيع الاختباء وأول شخص دائما يتم القبض عليه بسرعة, حتى أنني كنت أسمع الفريق الآخر أحيانا وهو يقول : عادي جهاد معروف وين مكانه خلوه للأخير حتى ننتهي من القبض على الآخرين وكشف أمكنتهم ومواقعهم السرية, وبالرغم من أنني كنت في كل مرة أختبئ في مكان سري جديد غير أنني كنتُ أنكشف بسرعة وهذا الذي كان وما زال يحيرني, , ويظهر أن هذه اللعبة تكبر مع الأطفال ويبقون يمارسونها في كل مكان يذهبون إليه, في المدرسة وفي الجامعة وفي العمل وفي السوق, وأنا في كل تلك الميادين دائما مكشوف للجميع فلا أستطيع أن أختبئ خلف أي حزب سياسي أو خلف أي جمعية لرعاية الأيتام لسرقتها كما يفعل أغلبية الشيوخ, ولا أستطيع أن أختبئ خلف الصليب الأحمر ولا حتى خلف وكالات الغوث الدولية , ولا أستطيع الاختباء عن زيد وعن عُبيد وعن ازعيط وشعيط ومعيط ونطاط الحيط, والذين كانوا بارعين في الإستخباء أو إخفاء أنفسهم خلف البيوت وخلف الأعشاب وخلف السيارات وما زالوا أيضا إلى اليوم مختبئون ولا أحد يعرف لهم وجها حقيقيا فمنهم من يختبئ خلف الصفات الطيّبة ومنهم من يختبئ خلف الرقة والإنسانية علما أنهم في الحقيقة غير ذلك ولا أحد يصدق حقيقتهم , والذي مثلي ما زال إلى اليوم معروفاً بوجهه الحقيقي وبعيونه وبكل ملامحه وكثيرة هي المخلوقات التي تستطيع إخفاء وجهها بين الأعشاب أو الصخور بهدف القتل, والإنسان يستطيع أن يخفي وجهه وبل جسمه بكامل طوله وعرضه عن الناس وراء الصخور ووراء التلال ووراء الجبال ليس من أجل القتل فقط لا غير وإنما من أجل كل شيء وأهم شيء أنه اعتاد على إخفاء ملامحه الحقيقية وأدمن على ذلك, وبعض الناس أستغرب كيف بهم يخفون (الحب) أو (الكره) فأنا لا أستطيع أن أخفي حبي أو كرهي, ويستطيع أيضا أغلبية الناس أن يخفوا مشاعرهم وأحاسيسهم عن بعضهم البعض, فمن الناس من يخفي حبه لك في داخله سنين طويلة فلا تستطيع أن تعرف أنه يحبك, ومن الناس من يستطيع أن يخفي كرهه لك ونيته في قتلك أو أذيتك عمرا كاملا أو جيلا كاملا أو جيلين, إلا أنا دائما ما أفشل في عملية تمويه نفسي أو إخفاء وجهي أو مشاعري عن الناس, فأنا إن أحببت يظهر ذلك على وجهي, وإن عشقت وذبت هياما يظهر ذلك في دموعي, وإن كرهت يظهر ذلك على قسمات وجهي, أنا لا أستطيع أن أختفي عن الأنظار وأتمنى يوما لو أستطيع إخفاء وجهي الحقيقي وانفعالاتي وعواطفي وهواجسي ,أريد أن أختفي عن أنظار الناس وعن الكمرات التي ترقب حركاتي في الشوارع وفي الأزقة وفي الجلسات وأريد أن أتسلل مثل القط أو أغير لون جلدي مثل الحرباء وأريد أن أتموه بين الأعشاب وبين الصخور مثل القطط الكبيرة والمفترِسات, وأريد أن أجعل هذا العالم يستريح من ذكر اسمي ومن ذكر هواياتي الكثيرة, وأريد أن أؤكد بأن موقعي كان خطئا كبيرا, فأنا من المفترض برجل مثلي أن لا يكون موقعه هنا بينكم أيها الطيبون كان من المفترض بي أن أكون شخصية مموهة , كان من المفترض برجل مثلي أن يكون موقعه بعيدا عنكم حتى لا أؤذيكم بمشاعري الرقيقة وأحاسيسي الجياشة أو أن أذي نفسي, أنا أعتذر لأنني أدمعت بعضكم وأضحكتُ بعضكم وجعلت الآخرين يتململون مني ومن اسمي, وأنا آسف لأني جعلتُ البعض يحتار في شخصيتي وفي جرأتي وفي قدرتي على كشف المستور ولا أريد أن أقول لكم بأنني كنتُ شجاعا بل كنتُ جاهلا بالذي قد يحدث لي, ولهذا أريد أن أختبئ عنكم قليلا كما يختبأ اللصوص أو كما تختبئ بعض المعادن عن أجهزة الرادارات, لماذا أنا مثلا لا أستطيع الاختباء مثلكم أو تمويه نفسي؟كيف لا استطيع أن أختفي أنا ووجهي ودمي كما يختفي الحرامية ومعهم كامل معداتهم!! لماذا أنا دائما الذي في قلبي يجري على رأس لساني؟لماذا لا أخبئ في قلبي سرا!.. لماذا أنا أقل مهارة من اللصوص على الاختباء والتمويه؟ ولماذا أنا لو لبست كما يلبس المخبرين السريين لأنكشف أمري بسرعة فلا أستطيع أن أختبئ وبيدي صحيفة تغطي وجهي!!, ولماذا أنا كلما أقرر إخفاء مشاعري أبكي لأتفه الأسباب فينكشف سري ويفتضح أمري, كثيرا ما كنتُ أقول بأنني سأختبئ ولكن إن لم يكشفنِ قلمي تكشفني عيوني الباكية, وإن لم تكشفنِ عيوني الباكية كشفتني آذاني المصغية, وإن لم تكشفن آذاني تكشفنِي أصابع يدي التي ترتعش, وشفاهي التي ترتجف, أنا دائما هكذا مفضوح أمري ومكشوف سري بفضل مشاعري التي لا أستطيع أن أخفيها على أحد, فإن توترت لا أستطيع إخفاء توتري, وإن قلقت لا أستطيع إخفاء قلقي, وإن أحببت لا أستطيع أن أدوس على قلبي أو ذبحه واجتثاثه من محل إقامته.

وأستغرب في بعض الأحيان أو دائما كيف يستطيع الممثلون أن يخفوا مشاعرهم الحقيقية ليظهروا مشاعر أخرى ليست مشاعرهم, أنا لا أستطيع أن أظهر إلا مشاعري الحقيقية, وكثيرا ما أظن نفسي بأنني مختبئ أو متخفيا عن الناس وعن أحداث الساعة ولكن سرعان ما تفضحني نبضات يدي وهي ترتج ودقات قلبي وهي تتسارع, فدقات قلبي تفضحني وملامح وجهي تكشف عن سري الغامض والخطير, ولم يبقى أحد إلا وعرفني بكل ما أحمله بداخلي من مشاعر ومن أحاسيس جوانيه وبرانيه كما يقول بعض الناس, أنا هنا أشعر بأنني كائن مخلوق فقط للتحسس, فأنا لا أحسن شيئا إلا التحسس والاستشعار عن بُعدْ.

أنا أعتذر عن وجودي في هذا العالم الذي وضعتُ فيه كل أحاسيسي ومشاعري ليشعر بوجودي كل من حولي ومن ثم أندم على هذا الوجود, وها أنا بعد أن شعرتم بي وبكل ما بداخلي أعتذر لكم عن كل لمحة بصر وعن كل لمستُ يدٍ وعن كل جرة قلم وعن كل ورقة وكلمة كتبتها وعن كل مقال وكل قصيدة أحرقتُ فيها أعصابي لكي تشعروا بي وبوجودي, ولما أصبحت مشاكلي أكبر من حجم العالم كله.... ولما أصبحت مشاعري الرقيقة أكبر بكثير من قدرات الكون على احتوائها فإنني لهذا السبب أعتذر عن كل دمعة عين وعن كل جرح وعن كل نزف نزفته من قلبي , وأريد في هذه اللحظة أن أحمل مشاعري معي وأحاسيسي لأختفي فيها عن الوجود ولا أريدُ لأحد أن يشاهد وجهي وهو حزين أو عيني وهي تدمع أو قلبي وهو يرتجف داخل القفص الصدري ,ولا أريدُ من أحد أن يلتمس لي عذرا أو شوقا لملامسة جراحي ومكاشفة ذاتي, هذا العالم الذي أحرقته من كثرة ما ادعيت به من أحاسيس ومن وجدان ومن حب أريدُ أن أرحل عنه تاركاً كل شيء بمكانه, قلمي وكتبي ودفاتري وأوراقي ومذكراتي ودفتر ذكرياتي وكل ما ادخرته للذكرى أريد أن أتركه هنا في هذا الجو الماطر ليلا والحار نهار, فأنا أجوائي في الليل دائما ماطرة وفي النهار دائما حارقة ومحترقة من شدة اللهيب وفي الليل ماطرة من شدة الحزن ومن لوعة الأسى والفراق, من تحت الغطاء حاولت أن أجرب عملية الاختباء أو أول عملية اختباء وتمويه لي فأطلُ برأسي من فوق الغطاء ومن ثم أعود لأختبئ تحته لكي لا يراني أحد, والغريب أن كل الناس تعرف أنني تحت الغطاء وكلما مر أحدٌ من فوقي يسميني باسمي ومن ثم يختفي هو عني ولا أعرف أين يذهب إلا أنا أبقى مكشوفا للجميع, إنني أريد أن أختفي عن هذا العالم وعن هذا الوجود ولا أريد أن يعلم أحد بمكاني ولهذه الأسباب قمتُ قبل شهر بجملة تعديلات ومن بينها أنني اشتريت رقما وخطا جديدا لموبايلي ولكن للأسف الكل يتصل بي وأستغرب من أين يحصلون على رقمي, أنا متعب من هذا العالم وأريد أن أختفي عن الوجود ولا أريد أن يلحظني أحد, لا أريد من بائع متجول أن يناديني باسمي ولا أريد من جابي شركة الكهرباء التعرف على أسمي ولا أريد من أي قارئ أن يعرفني ..أنا أريد أن أبقى مختفيا عن الوجوه وعن العيون وعن الآذان وعن الحواس الست, أريد أن أختفي كما يختفي اللصوص والقتلة فكيف مثلا يختفي القتلة ويختبئون ويتموهون بتمويهاتٍ مختلفة عن الأنظار فلا أحد يعرف وجوههم الإجرامية الحقيقية,كثيرون هم الذين يقتلوننا أو يقتلون آباءنا أو أبناءنا وبنفس الوقت يجلسون معنا ويأكلون معنا ويشربون معنا دون أن نعرف وجوههم الحقيقية, وأنا شخصيا لو قمت بقتل ذبابة لظهر ذلك على وجهي, فكيف بالذين يقتلون النفس والبشر يستطيعون إخفاء مشاعرهم وأحاسيسهم الباردة وأدوات الجريمة التي يرتكبون فيها حماقاتهم ,وأنا مثلهم لا أريد بأن يعرفني أحد أريد أن أستتر بأي شكل وبأي لون وبأي هيئة وبأي قناع, أريدُ أن أبقى مختفيا عن الوجود ولا أريد أن يعرفني أحد ولا حتى الشمس ولا حتى ضوء القمر, أنا محتاجٌ للاختباء عن العيون لا أريد أن يتعرف أي شخص على كل المزايا المحيطة بي من كل الجوانب, لا أريد بأن تبقى رائحتي مشمومة للجميع لا أريد من أي كلب أن يقتفي أثري أريدُ أن أبتعد هذه الأيام لأعيش لوحدي ولو لمدة أسبوع أو عشرة أيام, أنا لا أريد أن أبقى معروفا مثل الثور الأبرق لقد سئمتُ كثيرا من معرفة الناس بي وسئمتُ من لون وجهي الأبيض الذي ينكشف تحت جنح الظلام, وأينما أذهب يعرفني الناس من وجهي ومن أسلوبي ومن صراحتي ومن لساني ومن عيوني ومن سمعي ومن أناقتي ومن ذوقي, كل العالم الذي أعرفه يعرفني من خلال كل تلك الصفات وأنا أريد أن أختبئ أنا ومواصفاتي وبكل ما أحمله من عطور وبكل ما أحمله من مشاعر ومن أحاسيس, أريد أن أختفي بحسي وبصوتي عن هذا العالم لا أريد من أي أحد أن يدركني أو أن يلمس وجودي لا في الشاي ولا في الحليب ولا في القهوة ولا في الكلمات الجميلة, أريد أن أهربَ بطيفي عن هذا العالم أريد أن أتخذ لنفسي ملجأ, أريد أن أولد من جديد بوجه متموه وأعصاب باردة ومشاعر بليدة وبقلب قاسي كالصخر.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خيبة الأمل
- البطاطس والطماطم لم يعرفهما القرآن
- الثورة الجنسية
- التسامح الجنسي
- المسموح ممارسته والممنوع التحدث عنه
- في المثلية الجنسية
- في العلاقات الجنسية والأسرية
- الصلاة هي الفارق بيننا وبينهم
- أنسنة الإنسان
- بعيدا عن الواقع
- وفاء سلطان,كل عام وأنت بخير
- العقيدة,القبيلة,الضرائب
- ما هي الرومانسية؟
- كلمات لم يستعملها العرب
- أفلام قديمه ومحروقه
- الاسلام على حقيقته
- ليس لدي منصب أستقيل منه
- ادارة الأزمات
- اقتراح توفيق الحكيم
- أفكار سخيفة


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - لعبة الاختفاء