أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جهاد علاونه - خيبة الأمل















المزيد.....

خيبة الأمل


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3407 - 2011 / 6 / 25 - 21:34
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


المجتمع كله تحول إلى نفس شكل الآلة التي تنتج وتُصنّع بصورة منتظمة, والمجتمع كذلك يُصنّع وينتج بصورة منتظمة مع عدم قدرته في التحكم بما ينتجه, وخيبة الأمل أصبحت واضحة جدا, فقد كان الإنسانُ يحلمُ في السيطرة على قوى الطبيعة, ولهذه الأحلام اخترع الآلات والمصانع, ولكنه خاب أمله حين عاد إلى نقطة الصفر حيث وجد نفسه ما زال غير قادر على التحكم بالآلة التي صنعها, إنها خيبة أمل, لقد كان الإنسان يحلم في السيطرة على الزراعة وعلى قوى الطبيعة, وعلى ما في الطبيعة من قوى, ولهذا كان يعبد الطبيعة لأنها أقوى منه فكان يعيش في وهم من أن الشمس هي إله والسماء إله والقمر إله والبرق إله والرعد إله, وحين توصل الإنسان إلى فك تلك الرموز وبنا المصانع وبالعلم الذي ازدهر سيطر على الثورة الزراعية, في نهاية كل ذلك أصاب الإنسان بخيبة أمل بحيث وجد نفسه ما زال يعبد الأقوى منه, فكل شيء أقوى من الانسان ما زال الإنسانُ يعبده وغير قادر على أن يسيطر على المصانع التي أنشأها, يعني كما يقول المثل (مطرح ما ..شنقوه) وهنالك من يمثل ذلك بأسلوب شعبي إذا يقول(كل شيء تزرعه تقلعه,ماعدى البني آدم إذا زرعته بقلعك), إنها فعلا خيبة أمل كبيرة, وأنا شخصيا أصاب دائما بهذا الإحساس حين لا أستطيع مثلا السيطرة على رئيس البلدية ألذي أقوم بانتخابه, وأصاب بالقهر حين أجد نفسي غير قادر في أن أتحكم بالنائب الذي انتخبته لتمثيلي في أجهزة الدولة, وأصاب بخيبة أمل أكثر حين أستمع لمطالبه والتي هي ليس مطالبي.

لقد صنع الإنسان قوى تفوق طاقته, لقد بنا الإنسان مصانع من المستحيل أن يكون هو أقوى منها, وصنع الإنسان طائرة أقوى من قدراته, وصنع الإنسان آلات ضخمة وكبيرة وإلكترونية معقدة قدراتها أكبر بكثير من قدرات الإنسان, وبالتالي أصبح الإنسان غير قادر على التحكم بكل ما صنعه وما أنتجه, وفي النهاية تنبثق عن المجتمع الصناعي حكومة برجوازية قدراتها أكبر من قدرات الإنسان العادي, وذهبت أسطورة مجتمع الجماهير النخبوية والشعبية إلى مهب الريح ولم تعد تلك الجماهير قادرة على تغيير اتجاه الحضارة أو التحكم بمصير الإنسان, الإنسان العامل في المصنع خلف خطوط الإنتاج أصبح هو أيضا عبارة عن آلة في مصنع تحركه الأرقام ومعدلات الطلب والعرض والنمو والاستهلاك والإنتاج والضرورة والقدرات والقوى البشرية أصبحت أسطورة, وانتهى الإنسان إلى عاجز كل العجز عن تحقيق ما هيته أو شخصيته أو رغبته في الحياة, وحتى الآن نحن نقاوم من أجل الوجود, من أجل أن نخرج أنفسنا من ضجيج الآلات لنعود إلى نقاوة البساطة أيام كنا نعرف ماذا سنفعل بعد يوم أو يومين؟, أما اليوم فإننا لا نستطيع أن نعرف ماذا سنفعل بعد ساعة أو ساعتين, لقد كان الإنسان ما قبل التقني يعرف ما الذي سيفعله بعد شهر أو شهرين وكان يضع برنامج الأسبوعي ويمارسه بكل دقة أو حتى برنامجه الشهري, أما اليوم فإن روح البرنامج لا تتجاوز اليوم أو النصف يوم, وكثير من رجال الأعمال من يغير ويبدل بمواعيده ويضع في كل ساعة برنامجا جديدا ليس لأنه كذاب بل بسبب الظروف وضغوطات المجتمع الصناعي ألتي أثرت على عقلية الإنسان, وأين هو المثقف من كل هذا؟ لقد أصبح المثقف ضائعا غير قادر على التحكم بإنتاجه نظرا لأن المجتمع الصناعي غير قادر على التحكم بما ينتجه من مصنوعات, حتى ما يصنعه الإنسان من سياسيين ومن برامج إعلانية, فالبرلمانيون أو النواب الذين ينتخبهم الشعب لا يمكن أن يسيطر الشعب عليهم وعلى اتجاههم, بل رئيس الدولة بقرار من عنده وحده من يقدر في أغلب الدول على حل مجلس النواب, ونحن في مجتمعنا العربي بعد أن ننتخب النائب نندم على اختيارنا له, لماذا؟ لأننا نكتشف أنفسنا بأننا غير قادرين على أن نتحكم به.

إننا في كثير من الأحيان نُدين بشكل رئيسي ومن وجهة نظر ماركسية, نعم, ندين المجتمع الصناعي , ذلك المجتمع الذي ليس للفرد فيه قدرة على تحقيق رغباته, حتى عملية الانتخاب ليس بوسع مجتمع الجماهير القدرة على الاختيار نظرا للفقر الذي هو به, ومن ناحية أكثر أهمية نظرا لعدم قدرة المجتمع في أن يتحكم بما ينتجه, ولتطبيق ذلك بصور مختلفة نقول ليس للمجتمعات العربية في دول الخليج قدرة في أن تتحكم بما تنتجه من نفط(بترول) أي فقدان القدرة على التحكم بموارد الدولة, وهذا معناه تراجع القدرة على الاستفادة من تلك الثروة, وبمعنى آخر ليس للمثقف أي دور في أن يتحكم أيضا بما ينتجه من ثقافة, وعملية إطلاق الحريات بالشتم وبالسب أو بالانتقاد تبقى عملية تنفيس وليس تحكم بمنتجات المثقف,إننا كمثقفين نعجز عن تحقيق ما نرغب به,الإنتاج الثقافي مثله مثل الإنتاج الصناعي بل وأكثرُ أهميةً من الإنتاج الصناعي, وكما أن المصانع أو المُصنعين بكسر حرف (النون) غير قادرين على التحكم بإنتاجهم طالما كان المثقف الذي ينتج الثقافة والمعرفة من إبداعات ثقافية متنوعة بدء من مُنتجي القصة القصيرة والشعر والآداب والفنون وتنسيق الزهور وانتهاءً بمنتجي العمليات الثقافية الضخمة , نعم, طالما كان هؤلاء مثلهم مثل المصنعين الذين يشتغلون خلف الآلات وخطوط الإنتاج, وإذا كان جميع هؤلاء غير قادرين في التحكم بما ينتجونه من إبداع ومن ثقافات مختلفة الألوان فإن العملية الديمقراطية تصبح بالنهاية عبارة عن تنفيس عن الأفراد المثقفين بالصراخ وبالكلام كسياسة الشتم والسب في الحياة اليومية, وتصبح العملية الديمقراطية كلها من أولها لآخرها عبارة عن ضحك على أللحى والشوارب , فما معنى حرية الكتابة وما معنى حرية التعبير طالما أننا غير قادرين في أن نتحكم بما ننتجه من ثقافات, فأنا مثلا بفضل الجوع والفاقة يستطيع الآن أي محرر أن يأخذني من يدي لأكتب له ما يريده نظرا لأنني أريد أن آكل وأن أشرب وأن أعيش حياة بسيطة مثل حياة أي إنسان عادي, وإذا كانت الحياة العادية البسيطة حلم كبير أتمنى تحقيقه فهذا معناه أن نقرأ على الثقافة السلام وأن نقرأ على روح المثقف الرحمة, وفي النهاية سأتحول أنا إلى إنسان أقل من عادي يستجيب لأقل الأشياء التي لا يستجيب لها المواطن العادي, فلربما يرفض المواطن العادي غير المثقف أن يبيع شرفه ب100دينار, وقد يوافق على ذلك البيع فنان تشكيلي كبير نظرا لأنه يريد أن يأكل وأن يشرب علما أننا نعتبر الفنان التشكيلي الكبير من النخبة المثقفة التي تصنع المجد الثقافي وهوية الدولة لذلك ليس من المستغرب أو المستبعد أن يستجيب الكاتب والمبدع لأشياء رخيصة قد يرفض الاستجابة لها الإنسان العادي, والمرأة المبعدة التي تطالب بالحرية وبالمساواة قد تبيع قطعة من لحمها بثمن بخس قد لا يتعدى ظهورها على شاشة التلفاز 10 عشر دقائق أو أقل في برنامج تافه مع مذيع أتفه من البرنامج وأرخص من سعر الفجل كما يقولون, وفي نفس اللحظة قد لا تستجيب لذلك امرأة عادية غير مثقفة وضد الحرية وضد المساواة, وبالتالي نحن واقعون في مصيبة عدم قدرتنا في التحكم بما ننتجه من ثقافات ومن إبداعات , إننا حقيقة ونحن غير قادرين في التحكم بما ننتجه من ثقافة فهذا معناه أن البرجوازية والدولة قد أفسدتا العمليتين الديمقراطية ومجتمع الجماهير الذي نؤمن به كآخر مال توصلت إليه البشرية من اختراعات.

وأولاً وأخيرا يبقى الإنسان من وجهة نظر كارل ماركس والماركسيون: يبقى الإنسان قابلا للتحويل من وإلى. فبين يوم وليلة أصبح أنا من الطبقة الوسطى أو من الطبقة الرأسمالية البرجوازية إذا مثلا ما قام بدعمي شخص ليس عاديا بل له سلطان رأسمالي, ومن الممكن أن أبقى كما أنا ومن الممكن تحويلي للسكن في أعظم الضواحي السكنية إثارة ودهشة ومن الممكن أن أبقى معزولا في مكاني, كل هذا لأنني كإنسان غير قادر على أن أتحكم بما أنتجه وبما أصنعه وبما أقوم بإبداعه من ثقافة ومن فنون, وبالتالي فإن الظروف الحالية للفن وللثقافة قد دمرتها وأبادتها سلطة البرجوازية الديكتاتورية بطبعها والتي تتحكم بكل شيء, فما معنى أن أكون كاتبا كبيرا وعظيما في أسلوبي وتأثيري طالما أنني غير قادر في أن أتحكم بإبداعي, الدولة تضع يدها على الثقافة وعلى ما ننتجه من إبداعات ثقافية, وبالتالي هي التي تقوم بتصديري للخارج وبتسويقي للسوق الذي ترغب هي به, وهل رأيتم إعلاميا اليوم أو كاتبا كبيرا يتحكم بإنتاجه الأدبي, طبعا لا, فالدولة تضع يدها على كل شيء ويجب أن يتحرر المثقف من سلطة الدولة ومن سلطة المحتكرين الذين يهينون بشكل مباشر مجتمع الجماهير, كل ذلك يحدث دون أن يكون للإنسان المبدع قدرة على كبح جماح التغيير وذلك نظرا للشرط الأساسي وهو أن الإنسان أولا وأخيرا وثانيا وثالثا ورابعا غير قادر على التحكم بما ينتجه من منتجات.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البطاطس والطماطم لم يعرفهما القرآن
- الثورة الجنسية
- التسامح الجنسي
- المسموح ممارسته والممنوع التحدث عنه
- في المثلية الجنسية
- في العلاقات الجنسية والأسرية
- الصلاة هي الفارق بيننا وبينهم
- أنسنة الإنسان
- بعيدا عن الواقع
- وفاء سلطان,كل عام وأنت بخير
- العقيدة,القبيلة,الضرائب
- ما هي الرومانسية؟
- كلمات لم يستعملها العرب
- أفلام قديمه ومحروقه
- الاسلام على حقيقته
- ليس لدي منصب أستقيل منه
- ادارة الأزمات
- اقتراح توفيق الحكيم
- أفكار سخيفة
- عزيزي القارئ من فضلك أقلب الصفحة


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جهاد علاونه - خيبة الأمل