جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 00:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان الملك أو الحاكم العربي يلبس يوم الجمعة ملابس الصلاة ويذهب ليصلي مع المسلمين ويقف في الصف الأول وتكاد عيونه أن تدمع من خشية ألله فيقع في غرامه كل من يشاهده حتى ألله نفسه كان يقع في غرامه ويرضى عنه, وكان المواطن كذلك يرضى عنه طالما أنه يقيم حدود ألله من شعائر دينية, أما اليوم فالموضوع مختلف فلو يركع ألملك لله سنة كاملة وبنفس الوقت لا يبني ولا يحارب البطالة ولا يقتل جيوب الفقر فلن يقع في غرامه لا ألله ولا الشعب, فتلك كلها أفلام قديمة ومحروقة شاهدناها كثيرا وبنفس الوقت لم نكن نشاهد نهضة بل جوعا وفقرا وبطالة.
كانت الحكومات القديمة تقريبا ما قبل منتصف القرن التاسع عشر كلها حكومات دينية يستطيع رجل السياسة المحنك دينيا أن يدير الدولة بدهاء سياسي وخبث سياسي ومعرفي وأن تكون لديه السياسة على طول الخط فن الكذب وفن الدهاء وفن المكر وفن السرقة, وهذا النوع أفلام قديمة ومحروقة من الحكومات رافقت أو ترافق أغلب الحكومات الدينية أو ألتي شعارها شعارا دينيا, أما اليوم فلم يعد السياسي يعرف السياسة بأنها فن الغش والخداع والقتل والسلب والجباية بل الحكومات اليوم حكومات اجتماعية مدنية متحضرة وليست دينية تهدف أولا وأخيرا إلى خدمة المواطن وليس إلى خدمة الدين أو دين ألله وكتاب ألله وأيضا ليست الحكومة الاجتماعية تلك الحكومة القديمة الدينية التي تحمي الملك بصفته حامي الحمى وشريعة ألله , وعلى البلاطه كذا : الحكومات أليوم ليست دينية بل مدنية تبني المدارس والجامعات قبل بناء المعابد وترفع من شأن المواطن العادي وتشاركه في صنع القرار أو إن صح التعبير أكثر تُشركه في صنع القرار وبناء مؤسسات الدولة التي تخدم المواطن وتسعى معه إلى تحقيق مفهوم دولة القانون والمؤسسات والرفاهية للمواطن ويكون فيها رئيس الجمهورية مواطنا عاديا بعد أن تنتهي فترة حكمه وصعود رئيس جمهورية آخر.
لم تعد مواصفات رجل الدين أو مواصفات الرجل الذي يعتبر نفسه مسلما 100% هي مواصفات الملك الصالح أو رئيس الجمهورية الصالح, فهكذا رؤية كانت في الماضي رؤية من الممكن الأخذ بها لذلك كان طابع كل الثورات دينية ترفع شعارات دينية وكانت تهدف لهدم دين قديم واستبداله بدين نسخة جديدة ومتطورة عن الدين القديم, أما اليوم فإن الموضوع انقلب 180ْ درجة على الأقل فليس الهدف من الثورات بناء المساجد وإنما حل مشاكل العاطلين عن العمل, وليس هدف الثورة التونسية والمصرية واليمنية نشر الدين الإسلامي وإنما هدفها التخلص من الملوك الزعران الذين استبدوا بالشعوب والذين ارتكبوا خلال فترات حكمهم أفضه وأشنع الجرائم وكانت أقل جريمة مسجلة ضد أي واحد منهم يستحق عليها الحاكم الموت أو الرمي بالرصاص أو الحكم بالإعدام, فأقل جريمة ارتكبها أولئك المخلوعين يستحقون عليها عقوبة الإعدام فما بالك في أكبر جرائمهم , فأن يذهب الملك إلى صلاة يوم الجمعة, فهذه أفلام قديمة ومحروقة شاهدنا مثلها الكثير الكثير, وهذا معناه الضحك على أللحى والشوارب, طالما أن الملك أو رئيس الجمهورية لم ينشر الكتب أو ثقافة حقوق الإنسان أو يشيد الأبنية ذات الصروح الكبيرة, وأن يعتمر الملك ويحج البيت لنعتبره ملكا صالحا ويخاف ألله, فهذه أيضاً أفلام قديمة ومحروقة,فكيف سنثق بملك أو رئيس يخاف من ألله ولا يخاف من الكلمة الحرة, وكيف سنثق في رئيس جمهورية يخشع أمام الناس في المسجد لتلاوة القرآن وبنفس الوقت لا يحزن لمنظر مواطن من مواطني دولته لا يجد ثمن رغيف الخبز أو وهو مرتمي على الأرض وجنوده يضعون أحذيتهم على رأسه وبطنه كما تكرر معي حدوث ذلك عدة مرات , وكيف سنثق أو كيف سيثق المواطن العربي برئيس جمهورية مثله مثل رئيس العصابة بيده البندقية ويطلق النار على المواطنين من أسطح المنازل وكأنه مجرم هارب من العدالة مثل قناص واشنطون!!وكيف نحترم من لا يحترم ولا يخاف من قمع المرأة وقمع المثقف فهذا معناه مرة أخرى الضحك مليون مرة ومره على أللحى والشوارب وبنفس الوقت يبكي الملك ويخشع من ذكر ألله ولا يخشع قلبه لمن يُلفق بحقه قضايا كلها تلفيق وكيد كما يحدث لغالبية الشعب!!!! , وما أغبانا حين يظهر رئيس جمهورية وبيده ملعقة يضع فيها الطين ليضعها تحت حجر تأسيس لبناء مسجد على نفقته الخاصة, فهذا معناه أن الملك يريد أن يستبد بنا مرة أخرى بحجة أنه يحمي شريعة ألله على الأرض وبهذا يكون الملك مثله مثل الفرعون أو أي حاكم من العصور الوسطى يدعي أو يظهر في الرسومات وبيده الألواح التي تلقاها عن ألله ويقرأها عليه ألله لكي يقرأها هو علينا ليستبد بنا بحجة أنه ظل ألله على الأرض, وإليكم منظر آخر لملك يتبرع على نفقته ببناء مسجد ومسجدين وكل القادة وبطانته يتبرعون مثله لبناء المساجد في حي سكني نصف نسوان ذلك الحين يجنين رزقهن من الدعارة الصباحية قبل عودة أولادهن من المدارس؟ فهذا أيضا ضحك على أللحى والشوارب إن الثورات اليوم لم تعد دينية ولم تعد من أجل إعلاء كلمة ألله, بل من أجل إعلاء كلمة الحق والحرية والمساواة بين الجنسين واحترام حرية الرأي والتعبير وبناء مؤسسات المجتمع المدنية وإعادة الطبقة الوسطى لكي ترضع مجددا من ثدي النبلاء لكي تقيم الطبقة الوسطى أودها لتنشأ الجامعات والأحزاب والنقابات المهنية والثقافية والعلمية, ولم يعد لله شغل في الثورة ولم تعد الثورة من أجل عيون ألله بل من أجل عيون الطبقة الوسطى ومن أجل خدود دولة القانون والمؤسسات والأحزاب والتنمية الشاملة وبناء المستشفيات والاهتمام بصحة الإنسان النفسية والجسدية ووضع القوانين والألواح من أجل حماية المواطن من بطش المرابين والكهنة الذين يعتلون المساجد والمنابر من أجل أن يتخذونا مطية لمآربهم, ولم تعد الطقوس الدينية والصلاة في حر الشمس وبرد الشتاء وقيام ألليل هي الدليل على صلاح الحاكم أو الملك أو رئيس الجمهورية بل أن ما يقوم به رئيس الجمهورية والملك من مشاريع تكفل للمواطن الحياة الكريمة وتطوير المفاهيم المدنية ونشر ثقافة حقوق الإنسان والاعتراف بالأقليات الدينية والعقائدية والفكرية , فهذه وتلك وكل ما ذكر هي المواصفات التي تجعل الملك أو رئيس الجمهورية صالحا وليس اعتماره وطوافه بالبيت العتيق أو لبسه ألبسة المسوح وحمل المسبحة الصينية ولبس الدشداشة الهندية أو رئيس جمهورية صالح.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟