جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 21:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قبل أن نحدد ما معنى كلمة(الرومانسية) كمصطلح فلسفي علينا أولا أن نمهد بسطرين من الأحرف والكلمات لعملية ظهور الرومانسية, فالرومانسية كحركة فلسفية من الممكن أن نعتبرها حركة ومذهبا ومنتجاً فكريا ألمانيا ظهر بعد عصر التنوير والاهتمام بالإنسان من قبل مفكري عصر النهضة(الريسانس) ذا سئموا من منظر الانسان كعقل فقط لاغير وقد انتبه الألمان إلى ضرورة التصاق الإنسان بالطبيعة الخلابة والساحرة بعد أن مجد الإنسان ألله كثيرا ما يقرب من عدة قرون وبعد هذا أصبح يمجد بما حوله من مغريات طبيعية ومناظر خلابة وأشياء تبعث في النفس الحياة كما يبعثها الدم والروح, فهذه الأشياء التي تبعثُ في الانسان الحياة تكون مثلها مثل الماء والطعام والهواء الذي يتنفسه الإنسان.
وكان الإنسان قبل عصر الرومانسية لا يجد نفسه إلا مع ألله في معبد ديني يلتحم معه في مشاهد مثيرة من الخوف والعقاب, أما في العصر الرومانسي فقد تغير كل ذلك وأصبح الإنسان يجد نفسه مع (وردة) جميلة أو مع سماء صافية أو مع منظر السماء وهي تمطر أو وهي مُتلبدة بالغيوم أو بالنجوم ليلا, فالرومانسية هي اتحاد الإنسان بالطبيعة بعد أن كان يتحد مع ألله ومع صفاته المرعبة أحيانا والمغرية أحيانا أخرى, وبدل أن يشتاق الإنسان دائماً إلى ألله أصبح يشتاق إلى منظر غروب الشمس أو شروقه أو جلسة عاطفية مثيرة تتحرك فيها العيون وتتكلم فيها قسمات الوجه من خلال إدمان الإنسان على رومانسيته التي يجد نفسه فيها على حسب هواه, ولكن الإنسان هنا يرتاح قليلا فينظر إلى الطرف الآخر ليجد نفسه في الطبيعة أكثر مما يجد نفسه في ساحة معبد ديني أو في ساحة كلها فلاسفة يدرسون المنطق والعقلانية, فهنا لا يوجد مجال للعقل لأن الإنسان يلتحم مع الطبيعة التحاما كاملا وكأنها أمه التي أرضعته, والإنسان هنا يتعايش مع الطبيعة وفق ما تمليه الطبيعة على الإنسان من شحنات عاطفية كلها تشحن القلب والوجدان والعاطفة والحنان وتجعل الإنسان ليس كتلة من العقل بل كتلة من المشاعر والأحاسيس الفياضة الجياشة تنبعث من داخل النفس لتحترق في عوالم الطبيعة الظاهرة كأن تحرق مشاعرك وأنت تعشق جبلا أو واديا أو بحرا أو نهرا يجري أمامك وتتخيل نفسك أن تسرف كل طاقتك على الطبيعة لتبقى معها في اتحاد تام , هذه هي الرومانسية , إنها ردة فعل الإنسان تجاه الطبيعة التي تجعله يتحرك ليشعر بأن الطبيعة هي القوة الخالقة وهي القوة المحركة التي تجعل الإنسان يتحرك أو كما يقول أرسطو عن ألله بأنه العِلة الفاعلة التي تجعل الإنسان يتحرك , ولتقريب وجهات النظر أكثر هي مثل الطعام الذي لا يقوم من مكانه ليحرك الإنسان بل هو الذي يجعل الإنسان يتحرك بسبب حاجته إليه فيمد يده ويفتح فمه وتفرز معدته أنزيمات للهضم, وكذلك الله وكذلك الطبيعة حسب رأي أرسطو, وكذلك الطبيعة حسب رأي الرومانسيين فالطبيعة هنا حسب مقولة أرسطو تكون هي العِلة الفاعلة فينا فهي التي تجعلنا نسمو وهي التي تبعث فينا الدفء وهي التي تسحرنا وهي التي تفكُ عنّا السحرْ.
وقد جاءت الحركة الرومانسية لتريح الإنسان من العقلانية ولتدعه يحاول أن يجد نفسه بين الأشياء الجميلة التي يحبها أو ينسجم معها كأن ينسجم الإنسان مع منظر غروب الشمس وشروقه فمثل هذه المناظر توحي للفنان الرومانسي بالرسم أو بكتابة قصيدة شعرية وعاطفية أو بكتابة خاطرة أو تشعره حقا بسموه أو بسمو روحه ونفسه العاطفيتين فيشعر بالراحة وبالارتياح, فلا بد أن تنال العاطفة جانبا من الاهتمام ومن التعايش معها بدل أن يبقى الإنسان ملتصقا مع ألله لا ينفك عنه يمجده ويعظمه ويكبره كثيرا, فقد جاء الآن الدور ليعظم الإنسان ما حوله من أشياء جميلة موجودة في الطبيعة مثل الشمس وهي تغرب أو تشرق ومثل القمر حين يكون بدرا, فهنا في مثل تلك المشاهد والمواقف يجد الإنسان نفسه بين طيات الطبيعة ومناظرها, والموضوع لا يتوقف عند هذا الحد فالرومانسية ليست أن يجلس رجل إلى جانب امرأة ويتكلم معها كلمة حب أو كلمة عاطفية, فالرومانسية شيء أكبر وأعمق فهما من كل هذا إن الرومانسية بين الرجل والمرأة حين يشعر كلاهما بالآخر من خلال حركة يد أو رفع حاجب أو نظرة عين أو قراءة قسمات الوجه إنها تجعل التقارب بينهما سريعا من خلال الاندماج العاطفي والتجاوب الفكري والقواسم المشتركة, إن الرومانسية أن تتكلم كثيرا دون أن تنطق حرفا واحدا وأن تشعر بالدوران وأن تشعر بالهيمان وأن ترتفع حرارتك وتنخفض كل تلك الأمور تخلقها الأجواءُ الرومانسية وهذا ما يجعل الطرفين مرتاحين لبعضهما البعض, فالرومانسية ليست كلمة وخلص انتهى الموضوع أو قصيدة شعرية أو رسالة رومانسية إنها حالة يعيشها الإنسان ساعة أو يوما أو يومين مع من يجعله رومانسيا سواء أكان امرأة أو تحفة فنية أو منظرا خلابا, إنها دعوة وتلبية دعوة, أن تستدعيك الرومانسية إليها وأن تستجيب لدعوتها أو أن تستدعي أنت الرومانسية وأن تستجيب هي لدعوتك, والرومانسية أن تجد نفسك بين كل تلك المكونات, فليس العقل والمنطق هما هدف الإنسان من الحياة أو هما وحدهما من يعطي الإنسان قيمته, فالإنسان في حد ذاته كإنسان (قيمة) وكتلة لها وزن كبير من المشاعر مع الأشياء التي تتحرك من حوله, فأن تجد نفسك في قصة حب منسجما مع نفسك ومع الطبيعة أو منظر ألليل وسحره فهذا المشهد لوحده يجعلك تنسى إن كان لك عقل , هنا في الرومانسية يعيش الإنسان ليس بوعيه التام وإنما بقلبه وبكل ما حوله من أشياء تتحرك أو لا تتحرك, فالجبل أو الحجر الصلد قد يجعلك تتحرك من خلال ما يوحي لك من أفكار والشجرة الباسقة ذراعيها للأعلى تجعلك تقول كل ما بنفسك, تأمل نفسك يا صديقي الرومانسي حين تجلس في السيارة لوحدك تستمع لأغنية جميلة أو عزف جميل أو وأنت شارد الذهن مع نفسك, أو وأنت تمشي أو تسير راكبا طائرة أو حصانا كما قال المتنبي(أعزُ مكانٍ بالدنا سرجُ سابح..وخير جليسِ في الزمان كتابُ) تخيل معي ما هي الأفكار التي ستأتيك من خلال هذا المنظر وهذا الإحساس؟ إن كل الأفكار التي تأتيك أفكار عاطفية تجذبك إلى الطبيعة وتجعلك جزء منها يتكرر يوميا معها وتتوحد مع الشمس فتشرق نفسك وقلبك معها ويغيب قلبك معها إذا غابت ويشرق إذا أشرقت أي أنها تجعلك تتحرك وفق مشيئتها وتنام وفق مشيئتها وتصحو وفق مشيئتها إنها الخالق الحديث والمسير الحديث والمحيي والمميت , إنك ستشعر أنك تدور مع القمر حول الأرض أو تلتف مع الأرض حول نفسها بشكل حلزوني, ستشعر أنك لا تعيش بالعقل وحده, هذه هي الرومانسية وهي أن تلتصق بالطبيعة لتشعر أنك جزء منها لا يتجزأ بل لا تستطيع حتى الخروج منها, إن الرومانسية توقد المشاعر الخامدة في داخلك إذا أصبحت رومانسيا وستتذكر إذا عشت لحظة رومانسية أن نارا في داخلك تستعر بعد أن كانت مطفأة, ولا بد أنك كإنسان تعايشت مع مثل هذه الحالات فإن مررت بهذه الحالات فعليك أن تعرف بأنك إنسان رومانسي جدا, فالرومانسية ليست قصيدة شعر عاطفية بل مذهبا متكاملا يجعل الإنسان يشعر بأنه من الطبيعة وإليها وأن وجوده مثل وجود الماء ومثل وجود الهواء, وبأن الهواء يحركه والشمس تحركه والقمر يحركه وهنالك مناظر أخرى في الطبيعة تجعلك تتحرك وتجعلك مثيرا بعد أن تجد أنت فيها كل الإثارة فهنالك إغراء وهنالك إثارة وهنالك شوق, إن الرومانسية تخلق فينا الإثارة والشوق والدهشة والإغراء, بعد أن جعلنا العقل عبارة عن أجساد جافة لا تفكر إلا بالمنطق وبالعقل وحده, إن العقل تسبب لنا بالجفاف فترة طويلة من الزمن وآن الأوان لنشعر برومانسيتنا.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟