أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - معاهدة فرح بين الكائنات البرّية والأهليّة















المزيد.....

معاهدة فرح بين الكائنات البرّية والأهليّة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3397 - 2011 / 6 / 15 - 19:45
المحور: الادب والفن
    


معاهدة فرح بين الكائنات البرّية والأهليّة


إهداء: إلى الفنَّان البديع صدرالدين أمين
www.sadradeenameen.com


فيما كنتُ أبحثُ عن فرحٍ بين ثنايا طفولتي، كي أخفِّفَ من ضجرِ الَّليلِ والنَّهار، ومن ضجر متاهاتِ جواريش هذا الزَّمان، وإذ بي أمامَ لوحاتٍ تنعشُ الرُّوح، مستنبتة من عوالم طفوليّة بدائية طازجة، متغلغلة في أعماق براري الخيال، عوالم مماثلة لما كنتُ أعايش الكثير منها في مرافئ طفولتي وأنا أسوح في سهول القمح الممتدة على مدى البصر، لوحاتٌ شفيفة منبعثة من حنين الرُّوح إلى بهجةِ الهطول، هطول الفرح من خدودِ الأطفال، من عبق الأزاهير الفواحة، عوالم جميلة استطاعت بروعةِ ألوانِها وتشكيلاتها وتماهيها معَ بوحِ الأحلام أن تزيحَ عنّي الكثير من أنينِ غربتي المتفاقم من جنونِ هذا الزَّمان، وتفتحَ أمامي هلالات النور، نور المحبّة والبراءة وحفاوة تدفُّقاتِ الشِّعر، وكأنّي أسمعُ موسيقى حميمة على إيقاع مناجل الحصَّادين.

لوحاتٌ بديعة تغفو على أنغام سحر الطبيعة، مورقة بعطاءات من نكهةِ الأطفالِ وهم يتطلَّعون بفرحٍ إلى غمامِ الليل، ترفرفُ طائراتهم الورقيّة في قبَّةِ السماء على إيقاعات عوالم فنّان مبهور ومفطور على فضاءات لونيَّة طفوليَّة فسيحة، حيث تغفو فضاءات لوحاته فوق أهداب الأطفال وهم في أعماق أحلامهم. لوحات أخّاذة، تناجيك بحميميةٍ منعشة، تدندن لكَ أنغاماً عذبة منسابة مع تغاريد البلابل، تبوح لكَ بأسرار بهجة الحياة، تشعر برغبة جامحة أن ترقص على إيقاع توهُّجات الفرح الذي يقمِّط حنايا قلبكَ، تمنحكَ اللوحات متعة عميقة وأنتَ تجولُ في منعطفات طلاسمها المسكونة بأحلام الطفولة وعبقِ الطبيعة، أسلوب مسكون بجمال الطفولة ومملكة الكائنات السارحة بين أسوار النعيم، يغوصُ الفنَّان في أعماقِ عوالم الأطفال وهم في قمّةِ بهجتهم وحبورهم بين أحضانِ المروج، يرسم أحلامهم المتلألئة كإشراقة خيوط الشَّفق في صباح باكر، يترجم من خلال تناغم بهاء تلاوين كائناته المضمّخة بالفرح، مشاعر إنسانية خلاقة عبر منمنمات رائعة كأنّها أجزاء مقتطعة من فراديس الجنّة، أليس الأطفال جنَّة الجنَّات، وهم يمرحون فوق المروج، مروج الرُّوح ومروج الحلم الآتي؟!

يرسم الفنَّان صدرالدين أمين بأمانةٍ راقية كائنات أسطورية واقعية حلمية، متداخلة في تماهياتها الشَّفيفة مع بعضها، لا يستطيع المشاهد أن يمسكَ الخيوط التي بدأ بها الفنان رسْم لوحته، كما لا يستطيع أن يحدِّدَ كيفية الانتهاء من رسْمِها، لأنَّ لوحاته أشبه ما تكون سيمفونيات عشقية منبعثة من تدفُّقات حلمٍ مفتوح على أبوابِ جنانِ النَّعيم.
يترجمُ الفنّان بدفٍ حميم ذاكرة طفولية مدهشة، محفوفة بالتجديد وتجلِّياتِ الحنين، تجديد صباحات الأطفال الكبار والصغار، صباحات فنّان مسكون بالطفولة من فروةِ رأسِهِ حتى ظلالِ روحِهِ، يبدو أنّه تتلمذَ طويلاً على صعودِ جبال مزدانة بالشموخِ والعطاءِ وإخضرارِ الحياةِ، جبالٌ مضمَّخة بالطيورِ والنَّفلِ البرَّي وأعشاب لا تخطر على بال، تكسو خدودَ اللوحات كأنها تغريدة فرحٍ تغرِّدها عصافير الجنة على أنغام زخَّات المطر، المتهاطلة فوق ثغورِ البراري. لوحاتٌ مبهرة بكائنات في غايةِ الروعة والجمال، كأنّها متدفِّقة من خيال متفتّق من ينابيع أعماق البحار، حيث نقاء الشَّفق الصباحي ينثرُ قطرات النَّدى على بدائع الكائنات الململمة بحميمية وارفة في معالم لوحات سارحة في ثنايا الغابات وأعماق متاهات البراري، لوحات منبعثة من أحلام فنّانٍ مسترخٍ بين تلألؤاتِ النّجوم، موغلٌ في انسيابية موسيقى الخيال، مزدانة بأرخبيلات لونيّة موغلة في أبهى تجلِّيات شموخِ الأساطير، ضمن تناغمات فنّية متهاطلة من شهقةِ سماءٍ متعطِّشة إلى وجنةِ الغابات.

ينامُ الفنّان حالماً ببسمة الأطفال، ينهضُ من غفوته وعذوبة أحلامه وألوانه تحنُّ إلى أجنحةِ العصافير والفراشات، تحلِّقُ أحلامه وألوانه بحبورٍ كبير فوقَ تلالِ رابية مزدانة بدبيب الرَّبيع، حيث الجراد والسحالي الصغيرة تحطُّ على وجنةِ زهرةٍ متمايلة على وبرِ الأرنبِ دون أن تخشى جفوله المفاجئ.

يرسم الفنان ألغاز طلاسمه بغزارةٍ مدهشة، كأنه يستمدُّ تدفِّقاته الإبداعية من اهتياجِ مياه دجلة في أوج هيجانه الأكبر، يشبه راهباً نذر نفسه أن يلملمَ بدائع الزهور والطيور والكائنات الأليفة والبرّية، ربّما ينوي أن يعقدَ معاهدةَ فرحٍ بين الكائنات البرِّية والأهلية، ويتساءل في غمرة تماهيه مع كلِّ هذا البهاء والجمال، لماذا تركَ الإنسان كل هذه القرون هذه المخلوقات في أعماق البراري ولم يعتنِ بها ويقدِّمها إلى عوالم الأطفال كي تلهو بها، كي يخفِّف عليهم ولو قليلاً من غدرِ الزمان، أو من غدرِ الوحوش في كلِّ مكان، كيف نجَتْ هذه الكائنات من مخالب الضَّواري، وكيف استطاعَتْ أن تقاومَ الزَّمن وكلّ هذه الرِّياح والزوابع والصراعات التي تهبُّ عليها على مرِّ العصورِ والأزمان؟!

لوحاتُكَ صديقاتٌ عزيزات على قلبي، لا تعلم كم من الفرح وكم من الدفء والبهجة غمرني وأنا أعبرُ بوَّابات ألوانك، حوارات عميقة دارَتْ بيني وبين كائناتك وألوانكَ، وذبذبات الحنين المتاخمة لروحك السابحة في سماءٍ من فرح، فرح اللون وفرح الأطفال، وفرح الكائنات المتراقصة فوق بتلات الأزاهير. تكتب عبر ألوانكَ وتشكيلاتكَ وكائناتكَ شعراً عفوياً جامحاً في تجلّياته وصوره وبلاغته وفرادته وبساطته وعمقه. كم فراشة حطَّتْ على جبهتِكَ وأنتَ ترسمُ وداعةَ الحمام والحجل البرّي، هل تتذكّر وأنتَ في أعماقِ طفولتك عندما كنتَ تلملمُ باقات الأعشاب البرية والحمّص الأخضر وأنتَ تيمِّمُ وجهتكَ في أعماق البراري، هل كنتَ يوماً ما كائناً برّياً مضمّخاً بأخصبِ الألوان وتغلغلْتَ عبرَ حالة عشقية فريدة إلى أحشاء أمّكِ وهي تسوحُ بين إخضرار الجبال الشاهقة بحثاً عن أبهى كنوزِ الجمال، لهذا تحنُّ إلى كلِّ هذه الكائنات وكأنّها صديقة روحكَ وقلبكَ وشهقة صباحكَ ومسائكَ الحافل بالشوق إلى مرافئ البحار المتعانقة مع صباحات معبَّقة بالياسمين والنعناع البرّي، كيف فاتكَ أن تنقش حبق الريحان في ظلال لوحاتكَ أم أنكَ رسمتها مراراً فقطفَها الأطفال وهم يسرحون في رحابِ المروج، هل تحنُّ إلى بهاءِ الأطفال في أيام الطفولة وهم يمرحون ويدحرجون أنفسهم فوقَ التلالِ المعشوشبة بأزاهير يانعة ويمسكون خيوط طائراتهم الورقيّة وهم في قمّةِ حبورهم وتماهيهم مع نسيم مندّى بأسرار الجبال المبللة بوداعةِ السماء؟!

كم من الأحلام حتى وُلِدَتْ كلّ هذه العوالم المزدانة بأفراح الطفولة كأنها نسيم مندّى بحبيباتِ مطرٍ متهاطلٍ من تلألؤاتِ النُّجوم!

لوحاتُكَ أشبه ما تكون قبلات الأطفال في صباح العيد، عيد الربيع، عيد الأطفال وهم يرقصون في أحضان الطبيعة، عيد الحب، عيد الفنان، عيد الأعياد. لوحاتٌ معبّقة بخصوبة الكائنات والأعشاب البرّية الموشّحة بألقِ السماءِ في أوج ابتهالها لأمواجِ البحارِ، لوحاتٌ معرّشة كأغصانِ الدَّوالي بضفائر الطفولة، كأنَّها عناقيد عنب طازجة، مقمّطة بأزاهير متراقصة مع هبوبِ نسائم صباحات نيسان في أوج تألُّقها مع نضارة النَّدى الطافح فوق حبيبات التين. لوحاتٌ مكتظّة بكائناتٍ وطيورٍ ممهورة بيراعِ الإبداع، تحلِّقُ بتشكيلات تلاوينها عالياً، ترفرفُ كأجنحة العصافير شوقاً إلى تلالِ الذاكرة البعيدة، حيث أريج البيبون يملأ صدور الكهول وهم في طريقهم إلى البيوتِ العتيقة لمعانقة أحفادهم المتوغّلين في أعماقِ السهول، بحثاً عن فراخِ الزرازير والقبَّرات. لوحات منبعثة من خيالٍ منسابٍ مع هديل الحمائم، كأنّها رُسِمَتْ على إيقاع أناشيد مرتَّلة في الأديرة القديمة، حيث هلالات البخور توشِّحُ الشَّوق العميق إلى سهولِ القمحِ وبيادرِ الحنطة وإلى متعةِ الرُّكوبِ فوقَ النّوارج، وإلى بهجةِ الصعودِ إلى سطوحِ المنازل في الليالي القمراء. كم عانَقْنَا النَّسيمَ العليلَ بعدَ هبوطِ الليل، طفولةٌ من نكهةِ النَّارنج، فرحٌ بين أغصانِ الرُّوحِ ينمو، كم ناجينا النُّجوم قبلَ أن يسربلنا النّعاس في أحلامٍ مبلَّلة بفراشاتٍ حائمة حول حفاوةِ النُّور قبلَ أن تغفو هذه المخلوقات البديعة باسترخاءٍ لذيذ فوقَ مآقي الزهور!


ستوكهولم: أيار (مايو) 2011
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدُها المحبّة ستهزمُ فظاظاتِ الصولجان 50
- حروبٌ تشرخُ جبينَ الصباح 49
- الأرضُ محبّة مسترخيّة بين أحضانِ السنابل 48
- الأرضُ شجرةٌ حُبلى بماءِ الحياة 47
- غربة مبرعمة فوقَ أجنحةِ الرُّوح 46
- حروبٌ على امتدادِ زرقةِ الأحلام 45
- كفاكَ طيشاً في عبورِ كهوفِ الوباء 44
- يغوصُ الإنسانُ في اسودادِ الرُّؤى 43
- الأرضُ ملتحفة بوهجِ الشمسِ 42
- الإنسانُ شلالُ دمٍ فوقَ أبراجِ المدائن 41
- الأرضُ صديقةُ البحر 40
- آهٍ .. إنجرارٌ نحوَ الهاوية! 39
- قحطٌ إنسانيّ يغلِّفُ صدرَ الكون 38
- عيونٌ تلهجُ خلفَ السراب 37
- الأرضُ أنثى خصبة لا تشيخ 36
- تستوعبُ الأرضُ قباحاتِ الإنسان 35
- الحوارُ هديلُ حمامةٍ بيضاء
- تستقبلُ الأرضُ الإنسانَ بأكاليلِ الورودِ 34
- رؤى بوهيميّة تعكِّرُ الماءَ الزلالَ 33
- وئامُ البهائم أرقى من البشر قصة قصيرة


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - معاهدة فرح بين الكائنات البرّية والأهليّة