أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - ارغفة الوطن














المزيد.....

ارغفة الوطن


سمرقند الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 10:14
المحور: الادب والفن
    


انها أمي ، صنعتها من ورق الجرائد، وخبأتها في حقيبة سوداء ، تلك الحقيبة وحدها رافقتني كبصمات يدي، وشهقات سنوات سترونها سطورا من دهشة، لها مذاق حنظل وضلال أسـري في عالمكم.
كيف لا أكره أمي وأصنع لها بديلا ، وهي من جعلتني أطوف كل بيوت الاقارب، فهي تزوجت من آخر بعد رحيل أبي ، جعلها ترى قاموس عريضا من الاهانات ، صمم لها جحيما باربعة جدران يسمى " غابــــة آدم" !
حُكِــم عليّ بالنفي من حياة امي وزوجها، فما دمتُ أسير نحو الفتوة وأشكل عليها خطرا على رجل يراني كحروف العلة، اعذب ضميره المستتر.
رأيتُ أول المطاف بيوت اعمامي ، عائلة تغص بالسياسيين ، رجالها يحتلون صفحات كل الصحف التي صنعت منها امي الورقية، يتنافسون بالصراخ في برامج التلفاز كأن الجياع لم يعرفوا لعبة الاقنعة، يرتدون أفضل ثيابهم ويخفون بشاعتهم بابتسامات أعرف إنها كاذبة ، ليس مفرحاً تناول الطعام مع عائلة لا تعرف ان يُتماً مؤلماً يدور بلاحظر تجول في اوردتي ، لا تردهُ عني الخراف المشوية على الغداء او اطعمة المساء الغريبة.
انتهى العام، وثقل تواجدي رصاص ساخن سُكب في دهاليز آذانهم ، فصدروني كتحفة مسروقة الى بيوت عماتي ، اولهن لا تعرف غير السحرة ومريدي الدجل وأطباء التجميل ، والاخرى يسعدها ان تغمض عيونها عن سنوات قحط تحولت الى ثراء مفاجيء بعد الحرب لزوجها ، وكثرة المال بيد ناكر الجميل مصيبة لا يعلمها إلا عمتي التي هجرها زوجها لأحضان خادمته النحيلة ، فتحولت رعود غضبها ونقمتها عليّ انا صاحبة سِفر الانكسارات، ونخاسة اليتامى في القرن الجديد.
وهذا بيت (خالي) صياد السمك ،رجلٌ عمل في أحد الاحزاب وانهارت شعاراته ، فتحول بين مأساة وضحاها الى صياد يصنع شباك صيده بيده ،ويهدي بائعات الشاي واليانصيب المتغنجات قلائدا من الصدف ، ويحكي لنا كل ليلة عن جولات العشاق قرب النهر وعن مخمورين يبكون على بيع الوطن ويكتبون الشعر الرافضي، ويحلمون بالفرار من البلاد .
وهذه زوجة خالي تأكل الخضروات فقط كالارنب لعلة ما في جسدها ، جسمها يشبه كرة البولنغ ، لها شعر كأسلاك محترقة ، غير ان لها صوتاً يأمر الحجر بالبكاء وقلب يتسع لمجرة حزينة، تعشق الورد، وتزرع انواعه في علب صغيرة ، تطلق على كل نوع منها الاسماء كانهم اولادها ، و تخاطبهم :
-" يا بعد عيني، ألم تنامي يا " سارة" يوووه نسيت اطعامك آسفة ، بابا سيأخذ اليوم بعض الدنانير لشراء ثياب العيد ، وقد نذهب غدا لطبيب الاسنان فلا تخافي منه فهو يُحبكِ، لنرى ان كان "علي" سيذهب معنا....يا "عمار" أتأتي معنا غـدا ...ألم أقل لك أن تدع " نور" وشأنها.......".
لعلها لعنة السماء التي حرمتهما نعمة الانجاب فتقارير من صار الان صيادا للسمك كانت ترسل أكثر الاصدقاء الجيران الى حبل المشنقة !
بعد ان تعلمت انواع السمك واشكال الورد والكثير من اغنيات كوكب الشرق ومزاج المد والجرز وحوارات القوارب النائمة قرب نوارس لاتهدأ عن التفكير بموج متراقص ،حصلت على عقود من الصدف ، صارت حقيبة متاعبي- صديقتي الوحيدة - تجيد لفظ اسمي غامزة لي بالرحيل الى محطة ترقب أخرى .
إذن خالتي " نوسة" خبازة الحي صباحا وباعة للثياب المستعملة مساءاٍ ، ارملة ضفائرها تنافس ليالي الشتاء سوادا ، لا تبادل رجال الدنيا بأظفر زوجها الراحل ذات عضال.
لها أولاد كأقمار انجبتهم السماء على مهل، فتأملت طين خليقتهم وسكبت ماء الكوثر عليهم، فتخمرت فيهم ملامح النبلاء ، بيتهم يغص بحب الله ومحطة نور لكل الزائرين ، خالتي لا تحب الصحف ومن يظهر فيها ولا السحرة وكره الاخرين ، ولا تتحدث بالسوء عن صياد لم يتب من دماءٍ ستظل برقبته طول العمر .
لقد غسلتُ على اعتاب بابهم عقدة يُتمي ، علمتني" نوسة" ببساطتها بأن تنورها يشبه رحم الدنيا ، لذا علينا ان نخبز للاخرين .
ذات فجر صحوت قبل أحبتي في الدار ،أوقدت التنور ،اخرجت أُمـــاً من ورق، لاودعها عالم النسيان فأطعمها للهيب الحطب المتلهف ،خبزت ما قدرت ،لاني قررت أن بيت "نوسة" هوالوطن الامن ، فلا حقيبة تدور على بيوت الصوان ولا نخاسة بعد الان ولا هم يحزنون.

من مجموعتي القصصية الثانية (ناطور الضوء ) الفائزة بجائزة مجلة الصدى



#سمرقند_الجابري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اربعة
- وجوه
- المتسكع
- زقورة
- بعيدا عنهم
- آس نائم
- الانتظار
- انامل
- ضفائر
- غربتان
- حكاية امي
- توقد
- قصة قصيرة
- منتصف الليل
- أين ذهبت حمائم تضرعاتي ؟
- سأدّعي الخَرَس
- ازقة
- على دمي فاتكئي
- شهادة


المزيد.....




- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - ارغفة الوطن