أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - أدب مضغوط














المزيد.....

أدب مضغوط


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


ما الفرق بين الشاعر والحكيم؟
وهل يقود الشعرُ إلى الحكمة؟
أم أن الحكمة هي الدربُ الموصل للشعر؟
الحكمة فنٌ أدبيٌ راقٍ سامٍ ، لا لأنه يَخْلُدُ مدى الدهر، ويجري على ألسنة الناس، ولا لأنه أكثر أنواع الأدب انتشارا؛ ولكن لأنه يمتاز بصفاتٍ أدبية لا نظير لها، فالحكمة ( أدبٌ مضغوط) أو هو ( جرعةٌ مركزة) مسبوكةٌ في قالب لٌغوي قصير جميلٍ سهل الحفظ، له وقع السحر!
وقد افتنَّ أدباءُ الحكمة ومبدعوها ، فعلَّبوها لنا في قوالب أدبية خالدة منذ فجر التاريخ ، ويستوي في ذلك المبدعون العرب وغير العرب.
كما أن الحكمة عصيرٌ شهي ، لأنه مزيج حلو المذاق ،يُستخلص من ثمر التجربة الناضج، وهو أيضا يوِّفر على المتعلمين مَشاقَّ الوقوع في الأخطاء، ويُنير للسالكين طريقهم في دروب الحياة وزواياها، ويمنحهم الحصانة المستخلصة من أشعة الحكمة.
فها هو المبدع والأديب أكثم بن صيفي الذي عاش في الجاهلية بجسده فقط يقول:
" الحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء.
آفة الرأي الهوى.
العجز مفتاح الفقر.
حسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة.
إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي.
من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء.
شرُّ البلاد بلادٌ لا أمير بها.
شر الملوك من خافه البريء.
المرء يعجز لا محالة.
أفضلُ الأولاد البررةُ .
خيرُ الأعوان من لم يُراءِ بالنصيحة.
أحقُّ الجنود بالنصر مَن حسُنَتْ سريرتُهُ.
يكفيك من الزاد ما بلَّغك المحل.
حسبُك من شرٍ سماعُهُ.
الصمتُ حلمٌ، وقليلٌ فاعلُهُ.
البلاغة الإيجاز.
من شدد نفر ومن تراخى تألف."
من يقرأ الحِكمَ السابقة بتروٍ ، فإنه يصاب بالدهشة، لكفاءة قائلها في صياغة خلاصة تجاربه في الحياة بإيجازٍ بلاغي فصيح سهل، فهي تشتمل على أبرز مشكلات الحياة، بكلمات تحتوي على مخزون هائل من الدلالات، تحفظها الذاكرة،وتُرددها الألسنة.
صاغ الحكيم الأديبُ المجربُ أكثم تجاربه في جمل قصيرة موجزة،فمَن يحاول أن يشرح( آفة الرأي الهوى) يفاجئه هذا المثل المُكثَّف المضغوط حين يشرعُ في شرحه، فإنه سيجد صعوبة كبيرة في شرح مدلولاته في صفحة أو صفحتين على الأقل،فتفسير الحكمة هو الحكم بالعواطف والميل والرغبة، مرضٌ خطير، غير أن هذا التفسير هو جزء يسير من الحكمة .
إذن فإن الحكمة فنٌ إبداعيٌ سامق، لا يصل إليه الأديب إلا بعد أن يُجيد فن ( تعليب التجارب) وسبكها في قوالب جديدة جميلة سهلة.
وهو لم يقتصر على التحذير من الحكم بهوى النفس، بل إنه أشار إلى أنظمة الحكم، وإلى الحكام، فقال:
( شرُّ الملوكِ مَن خافَهُ البريءُ)
وأنا أرى بأن هذه الحكمة المضغوطة أدبيا، تُعدُّ من [جوامع الكلم] لا لأنها موجزة فقط ، ولكن لأن مدلولاتها السياسية هي الأبلغ، فهي حكمة أدبية جميلة، وهي كذلك نظرية سياسية متكاملة.
فالملك هو الحاكم الذي وصفه الحكيم أكثم (بالراعي) وكان وصفا رائعا للتشابه التام بين الحاكم وبين الراعي .
إن الملك والسلطان والحاكم الذي يخافه (البريءُ)، هو شرُّ ما بعده شر ، هو الطاغيةُ والديكتاتور والجلاد، والكابوس المسلط على رقاب العباد.
من الصعب على الشارح أن يشرح معنى البراءة في أسطر قليلة ، ومن العسير عليه أن يضع صفات الحاكم المستبد في صفحات قليلة أيضا.
إن الحكمة إذن هي تاجٌ أدبي، يستحق أن يحظى في كل العصور بالنقد والتحليل، وهو ليس خاصا بالشعراء والخطباء ، بل إن فن الحكمة قد يُجيده الفلاسفة والعلماء والساسة ، بشرط أن يُفككوا أسرار قوالب الحكمة القديمة ، ويفتحوا مغاليق أبوابها.
فشكسبير عميد المسرح الإنجليزي ، يُعد أديب الحكمة في القرن السادس عشر، ففي كل مسرحية من مسرحياته منظومةٌ من الحكم تجري على ألسنة أبطال الروايات، وكذا فإن شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي ، وأبو العلاء المعري نموذجان لمبدعي الحِكم في أدبنا العربي، على الرغم من أن ( المتنبي) اكتسبها من خبرته الطويلة بالحياة ومعاصرة الملوك ومن سفره الطويل،أما ( أبو العلاء المعري) فقد اكتسبها بطريقة مختلفة تماما عن المتنبي ، اكتسبها بعقله المجرد وذكائه واعتكافه، وهذه مفارقة تستحقُّ البحث والدراسة!
فكان أبو العلاء وسيظل معجزة من معجزات الأدب العربي، فهو ليس رهين المحبسين كما أسماه دارسو الأدب المتعجلون ، بل هو رهين المحابس الثلاثة فقال:
أراني في الثلاث من السجونِ... فلا تسأل عن النبأ النبيث
لفقدي ناظري ولزوم بيتي...وكون النفس في الجسد الخبيث.



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من القبائل إلى الغروبات
- صرخة بعث لفاروق جويدة
- غسيل العار
- الفئران وصاروخ القبة الحديدية
- من دُرر المُبدعات
- من قتل الملك داود
- اغتيالات تكنلوجية
- من يوميات مكتوم
- ما سرُّ عبقرية محمود درويش؟
- مرض القهر التراكمي
- المستبدون في كتاب محظور
- كاوبوي إسرائيل
- هل سيصمد مفاعل ديمونا للزلازل؟
- ألفية صراع الأعراق
- من مقامات الحاكم بأمره
- ذكرياتي مع العقيد
- قانون حنين زعبي وعزمي بشارة
- حكام بعقود
- تحليل إسرائيلي 2011/2/12
- أركاننا وأركانهم


المزيد.....




- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...
- رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا ...
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...
- الناصرية تحتفي بتوثيق الأطوار الغنائية وتستذكر 50 فناناً أسه ...
- زهران بن محمود ممداني.. من صفعة ترامب بفوز -فخر الهند- والنا ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - أدب مضغوط