أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام سحمراني - في الشحوة رواية لم يلحظها تحقيق دولي!














المزيد.....

في الشحوة رواية لم يلحظها تحقيق دولي!


عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)


الحوار المتمدن-العدد: 3303 - 2011 / 3 / 12 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


كانت لحظة فريدة تلك التي ظهر فيها تأثير الحاكم زرياب إلى العلن، لكنّ أحداً خارج إمارة الشحوة لم يكتشف حقيقة الأمر، كعدد من المرّات النادرة، على مدار مئتي عام من عمر الإمارة.

والعلن هو سطح الأرض، الذي تتشكّل فوقه أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية بيروت. فشعب الشحوة الذي يصل في عديده إلى بضع مئات من الأفراد لم يعرف سوى نمط واحد من الحياة، داخل كهوف وأنفاق متداخلة، لم تميّز ليلاً من نهار.

عاش أهل الشحوة طيلة أجيال بهدوء شديد، لا يقيم أيّ وزن لما يجري فوق سطح الأرض، من مجهول مدينة تشهد تغييرات مستمرة، وأقواماً يأتون ويذهبون، وأنظمة تتبدّل مع كلّ محتّل جديد، وصيغة حكم جديدة. ولم يكن هذا الحال ليشغل أحداً منهم فهم لا يعلمون إلاّ غموضاً ورهبة وتوجّساً.. وكفراً أحياناً عن تلك الحياة، ويتمنى بعض المهووسين من بينهم الخروج إلى فضاءاتها مجرّد تمنيات، فمن أين له هذا والقائد زرياب يحكم أهل الإمارة بتكليف من الله نفسه، كما حكم أسلافٌ له آباءهم وأجدادهم!؟

ما عاد مهماً سبب تلك الحياة المتكاملة تحت سطح الأرض.. وما عاد مهماً حقيقة حلول أول مواطني الشحوة فيها.. تلك حكاية الخلق لمن يعيشون فيها اليوم، تقوم عليها ديانتهم ومعتقداتهم. لا بل انّ أكثر من مذهب نشأ بينهم يتوحّد حول فكرة الخليقة تلك، وكيف اصطفى الله جماعة أولى حدّد لها معالم الحياة هنا.

وتتوفر أسباب حياة الإمارة الصغيرة عبر الرزق الذي يأتيها من آلهة السقف، من ثمار ومآكل تنبت داخل التراب. وفي مواسم معينة يأتيها ما يطلقون عليه "ثمار الجنة المنتظرة" عبر الشلال السقفي المقدس، يمدّهم بثمار عفنة جرفتها سيول كانون.

ابتعدت بساتين الإمارة كلّ مرّة مع تزايد البنيان في بيروت، وشحَّ سقفُها، حتى بدت نهايتهم قريبة لولا تعرّفهم بحقول جديدة بعيدة، باتوا يقومون برحلات موسمية إليها، فيتزودوا بمؤوناتهم ويعودون إلى الإمارة، دون أن يتغير نمط حياتهم المعتاد.

تستحوذ العبادة على كلّ أوقاتهم ولا يُستثنى أحدٌ في ذلك، حيث تنعدم الفروقات كلّياً بينهم، فجميعهم جنود في خدمة الله ومعابده. لا يعدمون حياة ولا يقتتلون في ما بينهم، ويستأنسون بمخلوقات أخرى تعيش بالقرب منهم، دون أن يسمحوا لها بالحياة بينهم، فالحدود موضوعة للجميع، من حيوان وطير وإنسان.

كلّ شيء في الشحوة من التراب والصخور وجذور الأشجار، فالأدوات المختلفة كذلك، والملابس أيضاً يجدلون لها خيطاناً من الجذور، ويرصّعونها بما يملكون من الأحجار اللامعة، من أزرق وأخضر وبرتقالي وأصفر وأحمر وأبيض. وتحمل الملابس الخفيفة بألوانها هوية الأشخاص، يتعرفون عليها من خلال أنوار خافتة تصل إليهم من وديان الآلهة المحيطة بمدينتهم، تعطيهم نوراً ودفئاً، وحرارة مرتفعة يعدّون فوق حممها موائدهم ويبتكرون احتياجاتهم. أمّا الأسلحة فلا لزوم لها أبداً، فهم من جهة لا يواجهون عدوّاً، ومن جهة أخرى فإنّ طاعة القائد زرياب من طاعة الله نفسه تقدّس سقفه.

كلّ ذلك كان رتيباً ويومياً، تمليه عليهم حياتهم التي يجلّونها ويقدسّون آياتها، حتى أتت الويلات الخارجية إليهم تصدّع السقوف بانفجاراتها المتعاقبة أعواماً متوالية طوالاً، لطالما صمّت آذانهم بضجيجها، دون أن تؤثّر إلاّ في انقلاب مواسم الحصاد لديهم.

في بداية تلك السنوات الطويلة كان احتكاكهم الأول -في عهد زرياب- بما وراء السقف، عبر ثلاثة مستكشفين أرسلهم، وكانوا معروفين بقوة احتمالهم الكبيرة. وصل الثلاثة بعد أيام عديدة من السير في الدهاليز، والحفر المتوالي، وتسلّق الأعمدة، إلى ساحة الشهداء في بيروت المدمّرة القلب، بعد حرب السنتين، ما جعلها أشبه ما يكون بإمارة الشحوة، في اختفاء المعالم وتكوّم الدمار كحيطان متراصفة من رمل وصخر. ولم يجدوا يومها في فضاء المدينة، التي وصلوا إليها ليلاً، أيّ اختلاف عن عالمهم سوى في الروائح النتنة التي لم يعهدوها تهبّ عليهم بشكل سريع ومتوالٍ، أثار الرهبة في قلوبهم، ما جعلهم يعودون سريعاً، خاصة بعد ما صادفوه من مخلوقات، لا اختلاف فيها عمّا لديهم من جرذان وخفافيش.

عاد الثلاثة بعدما كادوا يقتلون بقذيفة سقطت قربهم، وزادت الدمار تدميراً، وهبّت عليهم برائحة أطلقوا عليها اسم "رائحة الشيطان" حين أخبروا الحاكم عنها بخوف يتآكلهم. يومها أعلن زرياب للناس جميعاً، أنّ الله أعطاهم السقف ليحتموا من الشيطان الساكن خلف عالمهم، يتحيّن الفرص للوصول إليهم، ولا يجرؤ رغم كلّ جبروته المدمّر، وروائحه الملعونة.

ومرّت السنوات طويلة، حتى نسي أهل الإمارة تفاصيل تلك الرحلة، وبات كلام زرياب في ذلك اليوم، جزءاً إضافياً من عقائدهم يمارسونها في كلّ لحظة وكلّ ساعة.

وطيلة تلك السنوات، لم يتوقف الرحّالة الثلاثة عن مهمتهم في رصد تلك الرائحة تحسّبا وترقّباً، ونجحوا مراراً في الوصول إلى مخازن كبيرة وصغيرة، فيها ما فيها من أدوات متباينة الأشكال، مجهولة الإستخدام. وكان قرار زرياب في جمع كل تلك الادوات الشيطانية مهما طال بهم الأمد، ونقلها من مكامنها المختلفة إلى جهة اعتمدوها مكانا نهائياً لها، في القطب الشمالي الرطب.

ورحلة تلو الرحلة جُمعت الأدوات هناك، فشكّلت أرضاً ملعونة بأكملها تفوح منها رائحة الشيطان. وظهرت علامات الآلهة، ورضخ زرياب لمشيئتها، حين شقت دروباً إلى الأدوات الشيطانية وأرسلت من وديانها حمماً، تصهرها فلا تبقي منها شيئاً. وكان الدويّ الذي ضرب الشحوة بأكملها يومها، وأعادهم إلى ذكريات السنين البائدة، يهزّ أركان إمارتهم دون أن يوقع حائطاً أو يصدّع صخرة.

وبينما كان أهل الشحوة يردّدون صلواتهم، بوتيرة أسرع وصوت أعلى، كان العالم الخارجي يستعدّ لإنشاء محكمة دولية، تحدّد الجهة المسؤولة عن الإنفجار الكبير.



#عصام_سحمراني (هاشتاغ)       Essam_Sahmarani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين المنسيّة وسط ثورات محيطها
- هذا جناه ليبرمان.. يا تشيني!
- صفقات أميركية فوق دماء الليبيين
- القذافي الذي لم يرث الحكم
- أموال القذافي والسياسة الدولية
- فلتكن ثورة مصرية سينمائية أيضاً!
- الثوار والمعارضة وآخر الدواء.. السلاح
- ثورة بقية الدول العربية بين الإجتماعي السياسي والطائفي
- مجد الثورة المصرية.. إنتصار لفّ الدنيا بأسرها
- أحذية لخطاب مبارك!
- الجماهير المصرية تقول كلمتها.. وحدها!
- ثروة مبارك ولقمة عيش المواطن
- النظام المصري لا طائفي!!
- خلية حزب الله في مصر ترعب الصهاينة!
- ميدان التحرير يستفز قناة العربية!
- -مين اللي سمعك يا مبارك!؟-
- آه يا عمّي يا شيخ الأزهر!
- الثورة الشعبية
- 2010 عام غباء تدريبي وتحكيمي... وإزعاج جماهيري أهدى إسبانيا ...
- ويكيليكس العم سام


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام سحمراني - في الشحوة رواية لم يلحظها تحقيق دولي!