أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جعفر المظفر - وقفة رابعة مع شهداء الكنيسة















المزيد.....

وقفة رابعة مع شهداء الكنيسة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 21:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تخلو قضية التعاطف مع شهداء كنيسة النجاة من مشاعر واقتراحات بحلول قد تكون لها مردودات عكسية على مجمل قضية المسيحيين في العراق, ونظرا لفداحة الخسائر ولنوعية الجريمة كونها تمت في دار عبادة وإبان طقوس دينية مقدسة فقد صار مقدرا أن تأتي الكثير من ردود الأفعال بصيغ عاطفية مجردة من كثير الحسابات الضرورية الأخرى.
بإمكان نوعية الجريمة البشعة ذاتها أن تفسر حدية ردود الفعل تلك, وما بمقدور أحد أن ينكر أن المتعاطفين مع الأخوة المسيحيين كانوا بقلوب محبة ووفية, وأيضا فإن الحال كانت تستدعي عبورا على العواطف إلى اقتراح حلول عملية من شأنها أن تقلل من حجم الخسائر الشخصية في المستقبل على الرغم مما يمكن أن تحمله هذه الحلول حينما تأتي في شدة أرجحيه العواطف على العقل من مخاطر على العراق وعلى المسيحيين بالذات كونهم جزأ حيويا منه.
وليس من الحق تعويم الموقف الخاص بالقول: أن على المسيحيين أن يتحملوا هذه الكوارث كونهم جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي, دون أن يرافق ذلك القول تأشير الحقيقة التي تؤكد على أن تعرضهم لهذه الجرائم إنما يأتي بموجب خصوصيات ولأهداف قد تجعلهم بالضرورة يجلسون الآن في فم المدفع قبل غيرهم من الأطياف, وبما يفرض بالتالي أن تكون هناك معالجات ذات طابع خاص ولكن على شرط أن لا تأتي منعزلة عن المعالجات الوطنية الشاملة أو متقاطعة معها.
إن أولئك الذين يتعاملون مع جريمة الكنيسة كونها ذات خصوصية دينية مطلقة, ويصرفونها بالتالي كجريمة طائفية محضة, إنما يبخسون الدم حقه, ويتخطون في رأي تاريخا رائعا من الوطنية العراقية التي يتحلى بها المسيحيون العراقيون, والتي تضعهم في مقدمة من يجب أن يجري استهدافهم لغرض الإطاحة بهوية العراق ذات الألوان الوطنية الزاهية التي يشكل التآلف الديني جزء أساسيا من طيفها الضوئي.
ورغم أن الأضرار المادية المباشرة سيتحملها في حادثة كهذه الأخوة المسيحيون ذاتهم فإن الأشد ضررا منها هي تلك التي ممكنا أن يتحملها العراقيون جميعا كجزء من حالة التداعيات الخاصة بالجريمة ذاتها, إذ بمجرد التعاطف مع شهداء الكنيسة بالمنطق الذي يقف أمام خصوصيتها الدينية فقط, دون أن يُكَرِس اعتبارها جزء لا يتجزأ من الجريمة الموجهة ضد قضية العراقيين عامة إنما يحقق بشكل, قد يكون عفويا وغير مقصود, بعضا من الأهداف التي شاءتها قوى الجريمة ذاتها, والكائنة في تعميق العزلة بين مكونات الشعب العراقي, إضافة إلى أهداف مفتوحة قد يكون في مقدمتها استخدام هذا الدم لخدمة قواعد تأسيس الدول وفق موازين دينية وطائفية, وأيضا بما يفيد موضوعة صدام الحضارات, وترتيب أبجديات الصراع الإقليمي والدولي من جديد وبأغطية ثقافية تخفي بقوة مراميها الاقتصادية والسياسية .
وأجد أن شيئا من ذلك قد حدث بالفعل, ففي العديد من المقالات والتصريحات كانت هناك مباراة عاطفية مخلصة للتعبير عن التضامن مع المسيحيين ولكن بالمنطق الذي كرس عزلتها عن القضية العراقية, وبما جعلها تبدو وكأنها قضية (مسيحية) خالصة ولا علاقة لها بقضية الشعب الممتحن بكل طوائفه وقومياته.
ومن جانب آخر كان هناك تيار قد ألقى باتهاماته الجاهزة للإسلام وليجعل من قرآنه وسيرة نبيه دليلا على شهوة جرائمية إسلامية لم تخفت نيرانها أبدا, متناسيا بالتالي تاريخا كاملا من التآلف والتفاعل والمودة والمحبة بين المسيحيين والمسلمين الذي عبر عن نفسه من خلال العديد من الصور الرائعة والتي لم يكن مقدرا لها أن تتجسد لو كانت هناك ثقافة إسلامية دينية معادية للمسيحيين, ولا أتخيل أن هذا النوع من الناس هو بصدد الدفاع عن قضية المسيحيين في العراق وإنما كان هدفه هو الهجوم على الإسلام ليس إلا, والقضية كما تبدو لي إنما تدخل من بوابة (ليس حبا بعلي وإنما كرها بمعاوية).
إن هذا النوع من البشر يتاجر بدماء شهداء الكنيسة لغاية أصعب من أن تخفيها غاية في نفس يعقوب, ويهمني أن أعلن في هذه الإشارة إلى أنني لا أستهدف هنا الدفاع عن الإسلام بقدر ما أهدف إلى الوقوف ضد استخدام دم الشهداء المسيحيين في غير محله, وأجد أن من الجريمة أن يستخدم هذا الدم الزكي لإشعال الكراهية بين المسلمين والمسيحيين تماما مثلما جرى استخدام الدم (السني ) أو (الشيعي) للتفريق بين أخوة الدين الواحد, وأجد أن من الضروري أن يجري فضح هؤلاء المتلاعبين بشدة, وخاصة من قبل الأخوة المسيحيين ذاتهم, فالقضية العراقية لم تعد تتحمل متاجرة من هذا النوع, وإن من العار أن يستخدم هذا الدم الزكي لخدمة قضية غير التي سال من أجلها, وأن لا يجد هذا الدم من يضع إيقونته على الهيكل الصحيح.
وفي مناسبات كهذه نجد أن هناك من يركز على مقولات لا علاقة لها مطلقا مع القضية التي سالت من أجلها الدماء, مؤكدين في بعضها على أسبقية وجود المسيحيين في العراق, وكأننا بتنا في سباق حسم الملكية وفق أسبقية المرور لمن في الساحة. ولو أن الصراع الحالي كان جري على قضية لمن تعود ملكية العراق , للمسيحيين أو للمسلمين, لكان هناك مبرر لهذه الإطروحات, غير أن ذلك هو أبعد شيء عن صورة الصراع, وإن من شأن ذلك أن يضيع على دم الكنيسة الزكي فرصة أن يكون في خدمة الوطنية العراقية الصادقة للمسيحيين كما كان شأنهم دائما.
كما أن هناك من بات يتاجر بهذا الدم الكريم في سوق رخيصة لكي يبيعه بثمن المناصب البخسة, ولقد كنت من أوائل من نبه, في الأعوام التي تم فيها استهداف مسيحي الموصل, بأن الدم المسيحي هو جزء من الدم العراقي, وإن ثمنه أغلى بكثير من أن تسده وزارة أو مقعد أو مقعدين في مجلس النواب. وقلت أن ذلك سيكون اعتراف أكيد بأن المسيحيين ليسوا سوى أقلية ضئيلة وبهذا سيدخل المسيحيون إلى المحكمة أيضا كشهود زور على مؤامرة المحاصصة الطائفية وتجريد العراق من أحلى صور التفاعل بين قومياته وطوائفه وأديانه وسيوقعون بالتالي على وثيقة تؤكد على كونهم أقلية لا شأن لها ولا حول ولا قوة وبلا ثمن سوى ذلك الذي يحصل عليه صاحب المقعد الوزاري أو النيابي شخصيا.
ويبقى أن بين صفوفنا من كان أيضا قد تفوق بجلد الذات, فميدان الدم قد يكون ميدانا للشهرة وللكشف عن مشاعر شتى ومن ضمنها الشعور بالدونية, ولهذا كان هناك تأكيد من كتاب مسلمين على تفوق ( الدم المسيحي ) على ( الدم المسلم ) في استعراض لا يمكن له أن يؤدي سوى إلى تعميق الكراهية والكراهية المضادة بدلا من أن يكون ميدانا لتعميق الأخوة الإسلامية المسيحية واقتراح المناهج التي من شأنها أن تزيد هذه الأخوة عمقا وبهاء. ففي مقالات عدة كان هناك ميل كبير لتأكيد هذا التفوق بشكل جعل المسيحيين ذوي دم أزرق وكأنهم مخلوقات فضائية ولا علاقة لهم بمجتمع العراقيين الذين يشكلون وبقية أديانه صورة لمجتمع تؤسسه معادلة موحدة من الفعل والموروث والمكتسب, ويكون المسيحي فيه عراقي الصفات كما أخوته الآخرين.
وليس بمقدوري أن أعترض على كل حل عملي من شأنه أن يحرس الأخوة المسيحيين ويجعلهم في أمن من يومهم وغدهم, ولكن من حقي أن أتوجس وأتخوف من كل الحلول التي تتوجه لخدمة مخططات سياسية وشخصية ليس منها مطلقا الوفاء للدم المسيحي العراقي الذي طالما كان شاهدا على أن العراق هو عراقهم بنفس الدرجة التي هو عليها عراق للآخرين.
إن هناك الكثير مما يقال بهذا الخصوص, لكن يبقى من المهم التأكيد على أن الوفاء لدم شهداء الكنيسة لا يتم فقط من خلال إدانة الإرهابيين والقوى التي تقف من ورائهم, وإنما بدء من خلال وعي أبعاد المؤامرة التي تستهدف العراق والمنطقة من خلالهم, ومن خلال الحرص على أن لا يجري استخدام دمهم العراقي الزكي لخدمة قضايا ذاتية وفئوية وطائفية هي بالضد من نبل هذا الدم وعراقته وعراقيته.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كان يدري ما انتصر
- من أزمة الحكومة إلى الحكومة الأزمة
- هل كان الحكم الملكي طائفيا – 4
- فاز المالكي بخصمه لا على خصمه
- في كنيسة النجاة... هل كانت إسرائيل هناك ؟!
- إرهاب وسباب وأسباب
- جريمة الأحد.. هذا ما تريده القاعدة
- هل كان النظام الملكي العراقي طائفيا.. الشيعة بين فقه الدين و ...
- هل كان النظام الملكي العراقي طائفيا.. صديقك من صَدَقَكْ..(2)
- تقارير ويكيليكس ونظرية المؤامرة
- هل كان الحكم الملكي في العراق طائفيا
- عن بلجيكا والعراق
- متى يخلع العراق جلباب الضحية
- الدولة.. بين الدين والسياسة
- هومْ سِكْ ... سِكْ هومْ
- الجاليات العراقية في المهجر وضياع الهوية
- هذا ما قاله ساراتسين.. فما الذي يجب ان نقوله نحن
- حضروا أقداحكم.. حزب الشاي قادم إليكم بقوارير لا سكر فيها*
- هروب إلى الخلف.. وهروب إلى الأمام
- إنهم يطبخون التاريخ.. أليس كذلك..؟!


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جعفر المظفر - وقفة رابعة مع شهداء الكنيسة