أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ثورة أكتوبر لم تفشل















المزيد.....

ثورة أكتوبر لم تفشل


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3166 - 2010 / 10 / 26 - 14:36
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أكتب هنا لأصحح فكرة خاطئة استولت على عقول العامة والخاصة سواء بسواء وتفشت على كل ساحة الكتابة وهي أن مشروع لينين المتجسد بثورة أكتوبر قد انتهى إلى الفشل التام. مثل هذه الفكرة خاطئة تماماً وقد نجمت عن فقر في الدرس والتمحيص. نحن نوافق على أن مشروع لينين قد انهار قبل أن يحقق هدفه الرئيسي والأخير وهو نقل العالم من النظام الرأسمالي الإمبريالي إلى الحياة الشيوعية، ولا أقول النظام الشيوعي، كما كان ماركس وانجلز قد اقترحا أو تنبئا في بيانهما الشيوعي في العام 1848. انهار بصورة رئيسية بفعل التناقض الذاتي الحاد الذي انطوى عليه وهو التناقض بين طبقة البورجوازية الوضيعة من جهة والبروليتاريا من جهة أخرى وليس بفعل أي تناقض خارجي، مثل التناقض مع الرأسمالية الإمبريالية العالمية، كما يعتقد العامة. وكان ماركس وإنجلز قد حذرا من خطورة التناقض مع البورجوازية الوضيعة في رسالتهما إلى اللجنة المركزية لعصبة الشيوعيين في العام 1850 إذ قالا . . " علاقة حزب العمال الثوري بالبورجوازية الوضيعة الديموقراطية تتمثل بالتالي: ترافق البورجوازية الوضيعة العمال حتى اسقاط العدو المشترك ثم لا تلبث أن تنقلب فتعادي حزب العمال بكل شيء في معرض تحقيق مصالحها الذاتية الخاصة ". ولعلي هنا إزّاء مثل التحذير الخطير من لدن ماركس وإنجلز أميل إلى التحفظ على عبارات التزكية التي شهد بها ستالين على أمانة وإخلاص الموظفين في إدارة الدولة السوفياتية في معرض مناقشته لمخططات الحزب في " محو " طبقة الفلاحين في العام 1950 بالرغم من أن الإنقلاب على اللينينية وعلى الحزب قام به العسكر في خريف 1953 دون مشاركة فعلية من قبل موظفي الدولة ــ علماً بأن ستالين ظل حذراً جداً من قوى العسكروكبح تمدد قواهم في الثلاثينيات فكان أن خططوا لانقلاب عسكري في العام 37 بقيادة المارشال توخاتشوفسكي وبعد أن فرضت ظروف الحرب تنمية القوى العسكرية حرص ستالين على عزل المؤسسات العسكرية عن بعضها البعض لكن للأسف أحداً من رفاقه في القيادة لم يتمتع بمثل هذا الحرص. لكن لماذا الفقر في الدرس والتمحيص لمثل هذا الموضوع الذي فرض نفسه كأهم المواضيع طيلة القرن العشرين!؟ الجواب على مثل هذا التساؤل الحدي ينحصر في حقيقة واحدة وهي أن هناك رغبة منغرسة في اللاوعي لدى القائلين بالفشل، وسوادهم من البورجوازية الوضيعة، تذهب إلى إفشال مشروع لينين إفشالاً تاماً رغم أن كل الوقائع التي ما زالت ماثلة للعيان تقول عكس ذلك. عالم اليوم بكل تضاريسه العامة وانتهاءً بكل تفاصيله الدقيقة إنما هو في التحليل الأخير من تداعيات ثورة أكتوبر الإشتراكية.

كانت الأممية الثانية قد اتخذت قراراً خطيراً في مؤتمرها السابع في شتوتغارت/ألمانيا 1907 يقضي بتحويل أية حرب استعمارية قارية في أوروبا إلى ثورة بروليتارية، تنهض البروليتاريا في الجبهات الداخلية للدول المتحاربة لتستولي على السلطة وتعلن ثورتها الإشتراكية في مركز العالم وهو أوروبا الغربية، إنكلترا وفرنسا وألمانيا، استجابة لنداء كارل ماركس وفردريك إنجلز "يا عمال العالم اتحدوا" وثورتهم المتزامنة في كل العالم. لكن عندما بدأت نذر الحرب تطل بقرونها عقدت الأممية الثانية مؤتمرها التاسع الاستثنائي في بازل/سويسرا 1912 واتخذت قراراً يلغي قرارها في شتوتغارت ويبرر إشتراكها في الحرب الاستعمارية تحت راية "الدفاع عن الوطن"؛ وسمح ذلك القرار المنحرف والمشؤوم بأن يحارب الإشتراكي الألماني الاشتراكي الفرنسي ويقتله لمصلحة القوى الرأسمالية في بحثها عن مستعمرات جديدة!! احتجاجاً على ذلك القرار المعارض لكل المفاهيم الإشتراكية انسحب حزب العمال الإشتراكي الديموقراطي الروسي (الشيوعي البولشفي) بقيادة لينين من الأممية الثانية. وكان هذا عاملاً إضافياً مع عوامل أخرى استدعته للإستيلاء على السلطة في أكتوبر 1917.

مشروع لينين المتجسد بثورة أكتوبر الإشتراكية استهدف بداية تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي كيما يتسنى بعدئذٍ عبور البشرية جمعاء برزخ الإشتراكية إلى الاستقرار في الحياة الشيوعية. لقد حقق مشروع لينين نجاحاً رأئعاً في تفكيك الرأسمالية العالمية خلال خمسين عاماً فقط وهي فترة قصيرة جداً في عمر السيرورة التاريخية. لقد كانت ثورة أكتوبر الضربة القاضية للنظام الرأسمالي الإمبريالي وحررت البشرية من أصفاده الصدئة. أدركت الرأسمالية العالمية مبكراً أن البلاشفة قد أصابوها في مقتل فعملت على تنظيم وتسليح القوى الرجعية الروسية في جيوش جرارة لإبادة البلاشفة ولما فشلت جيوش الرجعية والبورجوازية الروسية في مسعاها لم تتردد مراكز الرأسمالية العالمية في التدخل المباشر وأرسلت جيوشها المسلحة بأحدث الأسلحة لإبادة البلاشفة. أربع عشرة دولة أرسلت تسعة عشر جيشاً تحقيقاً للشعار الذي رفعه آنذاك (1919) بكل صلف وزير الحرب البريطاني ونستون تشرتشل القائل " يجب خنق البلشفية في مهدها "، غير أن البلاشفة وقد التف حولهم العمال والفلاحون الفقراء تمكنوا من إلحاق الهزيمة بكل هذه الجيوش الأجنبية ودفعها إلى خارج الحدود، وتم إعلان أول دولة اشتراكية للعمال في التاريخ باسم " إتحاد الجمهوريات السوفياتية الإشتراكية " .

غير أن دهاقنة الإمبريالية لم يستسلموا للهزيمة فسرعان ما جهدوا في سد الطريق أمام شعوب أوروبا في تقدمها بصورة طبيعية على مسار التاريخ. اجتهدت المخابرات البريطانية في البحث عن بعض الأشقياء في كل من ألمانيا وإيطاليا لتجنيدهم في مقاومة الثورة الإشتراكية المضطرمة في أوروبا، فوجدوا أدولف هتلر في ألمانيا وبنيتو موسوليني في إيطاليا. ما كان لموسوليني أن يستولي على السلطة في إيطاليا في العام 22، وهتلر في ألمانيا في العام 33 لولا الدعم المباشر والأموال الإنكليزية التي دفعتها المخابرات البريطانية في البلدين. موسوليني انفصل عن حزب العمال الإشتراكي وأصدر جريدته "إلى الأمام" بأموال انكليزية وكان مأجوراً يقبض راتباً شهرياً من المخابرات البريطانية. وفي ألمانيا دفعت المخابرات الإنكليزية مئات ألوف الماركات لزعماء الحزب الاشتراكي الديموقراطي كرشاوى كيلا يتحالفوا مع الشيوعيين في انتخابات العام 33 فيسدوا الطريق أمام هتلر وحزبه النازي للوصول إلى السلطة. لئن فشل تشرتشل في خنق البولشفية في مهدها، روسيا، في العام 1919 فقد نجحت المخابرات الإنجليزية في خنق الشيوعية في كل من إيطاليا وألمانيا. وزادت الرأسمالية الفرنسية على ذلك فتآمرت حكومة دالادييه في العام 1938 على الجمهورية الديموقراطية في اسبانيا وفتحت الطريق أمام الفاشي الجنرال فرانكو لتولي السلطة، ولا بدّ أن يكون للمخابرات البريطانية دور في ذلك فهذه المنظمة لعبت أقذر الأدوار في تاريخ البشرية.

الإمبريالية الدولية، وقد فشلت في خنق البولشفية في مهدها وهالها التقدم السريع والحثيث للثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي وانعكاس ذلك على شعوب أوروبا، سارعت في اتخاذ كل التدابير من أجل محاصرة الثورة الإشتراكية كيلا تمتد إلى خارج حدودها السوفياتية، فأقامت الحكومات الفاشية والنازية في إيطاليا واسبانيا وألمانيا والمجر. واستكملت الإمبريالية الأنجلو فرنسية مؤامرتها الكبرى على الإتحاد السوفياتي في مؤتمر ميونخ سبتمبر 1938 حيث أبدت بريطانيا بشخص رئيس وزرائها تشمبرلين وفرنسا بشخص رئيس وزرائها دالاديية تفهماً لأطماع هتلر التوسعية وابتلاعه النمسا بكاملها ومقاطعة السوديت من تشيكوسلوفاكيا، وكان ذلك تعبيراً عن رفض لعرض ستالين على فرنسا وبريطانيا وكذلك على الولايات المتحدة بعقد تحالف ضد النازية في ألمانيا كونها الخطر المستفحل في تهديد السلم العالمي. كان هدف السياسة الأنجلو فرنسية هو توجيه الأطماع الهتلرية نحو الإتحاد السوفياتي خاصة وأن هتلر ومنذ توليه منصب المستشارية أعلن عداءه للشيوعية وأن رسالته النازية تتمثل في اجتثاث الشيوعية. وفي مثل تلك الأوضاع ترتب على ستالين أن يتحاشى الإصطدام مع ألمانيا التي باتت مسلحة حتى الأسنان بعد أن عسكرت كل اقتصادها ويؤخره ما أمكن التأخير. وبعبقريته السياسية التي ميزت ستالين توصل البلدان ألمانيا والإتحاد السوفياتي إلى عقد ميثاق مولوتوف ـ ربنتروب في 23 أغسطس 1939 يقضي بعدم الإعتداء بين الطرفين. وبالطبع كان ذلك الميثاق موضع شجب عالي النبرة من قبل الدول الغربية وذلك لأنه أفسد خططها في إيقاع الصدام بين الطرفين إيماناً منها بأنه سيكون نهاية الشيوعية وليس لأنه تحالف بين النازية والشيوعية كما ادّعى إعلامها، فستالين نفسه أكد لرفاقه في القيادة أن ميثاق عدم الإعتداء لن يحترمه هتلر لما بعد ديسمبر 1941 وأن الحرب لا بدّ واقعة بين الإتحاد السوفياتي والمانيا الهتلرية؛ غير أن الميثاق لعب دوراً حاسماً في حرف الأطماع الهتلرية من الشرق إلى الغرب؛ وفي هذا السياق يذكر عرض هتلر على مولوتوف أثناء محادثات الميثاق بإقامة محور سوفياتي نازي بهدف احتلال بريطانيا وتقسيمها ومستعمراتها مناصفة بين الطرفين. المثل الشيوعية عصمت ستالين عن أن يأتي على ذكر إقتراح هتلر ولو بكلمة، ولعل هذا ما سارع في انتهاك هتلر للميثاق في عدوانه الفجائي على الإتحاد السوفياتي في 22 حزيران 1941. كان بإمكان ستالين أن يشتري شهوراً أخرى من السلم حتى إلى ما بعد ديسمبر 1941، وهو التاريخ الذي توقعه ستالين وتمناه، مقابل محادثات لا تنتهي في موضوع المحور المقترح، لكنها المثل الشيوعية التي لا يعرفها بالطبع زعماء الغرب الرأسمالي.

بعد أسبوع واحد فقط من توقيع ميثاق عدم الإعتداء، أي في الأول من سبتمبر 1939 هاجم هتلر بولندا، وهي التي كانت بحماية كل من بريطانيا وفرنسا وفق شروط مؤتمر ميونخ، فكان أن أعلنتا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر. عجزت الأمبراطوريتان الإستعماريتان الكبريان عن حماية بولندا، بل بعد احتلال بولندا انثنى هتلر لمهاجمة فرنسا واحتلالها خلال أسابيع قليلة في 14 يونيو 1940، كما تم سحق الجيوش البريطانية في دنكيرك. بعد أن احتل هتلر كل أوروبا القارية، هُيئ له أن باستطاعته أيضاً احتلال الإتحاد السوفياتي وهو لا يعلم أن روسيا الإشتراكية تختلف تماماً عن روسيا القيصرية.

في الساعات الأولى من 22 يونيو 1941 اعتدى هتلر على الحدود السوفياتية دون سابق إنذار وبصورة لصوصية حيث هرّب سرايا من جنوده عبر الحدود مخبئين في قطار لنقل الفحم. لم يكن الإتحاد السوفياتي مستعداً بصورة كافية للحرب وهو ما مكّن جيوش النازية الوصول إلى أطراف العاصة موسكو خلال ثلاثة شهور فقط بخسائر قليلة نسبياً. ما على المحقق أن يتوقف عنده طويلاً بعين الفاحص المدقق هو خطاب ستالين أمام اللجنة المركزية للحزب في مساء السادس من نوفمبر احتفاء بذكرى ثورة أكتوبر بينما كان ثلاثة ملايين جندي ألماني مدججين بأحدث الأسلحة يحيطون بموسكو من ثلاث جهات، إذ ختم خطابه بالتهديد متوعداً .. " لقد أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَّ إذاً " وستالين كما عرف عنه لا يتوعّد، وإذا ما توعّد فإنه لا يتوعد من فراغ. في نهاية 1941 تحققت في معركة موسكو أول هزيمة للجيوش النازية على يد السوفييت وفي نهاية 1942 كانت الهزيمة الكبرى لقوات ألمانيا النازية واستسلامها الذليل في معركة ستالينغراد الشهيرة، وفي صيف 1943 قصم العمود الفقري لقوى الحرب النازية في أكبر معركة للدبابات في التاريخ (8000 دبابة) في كورسك التي فتحت الطريق إلى برلين، ثم الهجوم الكبير الذي ما كان غير الاتحاد السوفياتي أن يقوم به في الثاني عشر من يناير 1945 والذي امتدت نيرانه لأكثر من ألف ميل على عرض القارة الأوروبية وشارك فيه حوالي 6 ملايين جندياً سوفياتياً وأكثر من 8 آلاف دبابة و12 الأف طائرة. ما كان لغير النظام الإشتراكي أن يوفر مثل هذه الماكينة الحربية الهائلة التي عصفت ببقايا القوات النازية في أواسط أوروبا وفي ألمانيا نفسهاوانتهت باحتلال برلين في الثامن من أيار 1945 حيث قبر السوفييت النازية عميقاً في التربة الألمانية حتى لا تعود للنبت مرة أخرى.

في رسائل تشرتشل اليومية تقريباً أثناء الحرب ثمة اعتراف متكرر لا لبس فيه وهو أن الإنسانية ستظل مدينة للإتحاد السوفياتي بتوطيد السلم الدولي وبتحريرها من خطر النازية الفظيع. لولا تحطيم قوى ألمانيا النازية الحربية الهائلة على أيدي الجيش الأحمر ما كان لبريطانيا وأميركا مجتمعتين أن تقهرا إيطاليا وتمكنا شعب إيطاليا من إعدام موسوليني والتطهر من لوثة الفاشية. لقد كانت قسمة ضيزى حقاً، بريطانيا وأميركا مجتمعتان تحاربان إيطاليا وجيوشها لا تضم أكثر من ثلاثين فرقة سيئة التسليح، والاتحاد السوفياتي يواجه ألمانيا النازية المدججة بأحدث الأسلحة وجيوشها تضم أكثر من مائتي فرقة. خسائر الجيش الأحمر بلغت 8.5 مليون جندياً وخسائر بريطانيا وأمريكا مجتمعتين لم تصل إلى 0.7 مليون، أي أن خسائر الإتحاد السوفياتي بلغت 12 ضعفا من خسائر بريطانيا وأميركا مجتمعتين. وهناك حقيقة كبرى نجح الإعلام الغربي في طمسها تماماً وهي أن هزيمة العسكرية اليابانية تمت على أيدي الجيش الأحمر في منشوريا وشرق آسيا وأما القنبلتان الذريتان في هيروشيما وناغازاكي فلم تبيدا وحدة عسكرية يابانية صغيرة؛ قتلت القنبلتان 150 ألف مدنياً يابانياً؛ لعل سلاح الجو الملكي البريطاني قتل مثل هذا العدد في مدينة درسدن الألمانية وحدها دون أن يؤثر ذلك بشيء في موقف هتلر.

إنطلاقاً من كل هذه الحقائق بالتحديد فإن ثورة البلاشفة في أكتوبر 1917 لها الفضل الأول والأخير في الحفاظ على حرية الأمم من غول النازية الفظيع المتمثل بالرايخ النازي لألف عام، وفي إقامة السلم الدولي والحفاظ عليه من خلال شرعة الأمم المتحدة، وليس من يشكك في هذه الحقيقة سوى من لا يخجل بالصفاقة.

خرج الإتحاد السوفياتي من الحرب العظمى الثانية كأقوى قوة عسكرية في الأرض. وبناء على هذه الحقيقة واختلال موازين القوى الدولية لصالح المعسكر الإشتراكي خاصة وأن أكبر امبراطوريتين استعماريتين، بريطانيا وفرنسا، كان هتلر قد نجح في تفكيكهما، قامت الدول المستعمرة في القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، تطالب باستقلالها. ولنا أن نذكر هنا خطاب لينين لزعماء الشرق المجتمعين في باكو/أذربيجان في العام 1921 وقد أكد لهم أنهم لن ينجحوا في الحصول على الحرية والاستقلال بغير الإعتماد على الإتحاد السوفياتي. وفي ذلك الخطاب التاريخي عمّد لينين بثاقب بصيرته الوحدة العضوية بين الثورة الإشتراكية وثورة التحرر الوطني وقال لزعماء الشرق . . " قال ماركس يا عمال العالم اتحدوا، أما أنا فأقول يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا "

حركة التحرر الوطني في العالم ترتبت على نتائج الحرب والانتصار التاريخي العظيم للإتحاد السوفياتي. فليس مصادفة أن تستقل سوريا ولبنان في العام 1946 والهند والأردن في العام 47 والصين الشعبية في العام 49 وعشرات الدول في الخمسينيات والستينيات. ثورة التحرر الوطني امتدت من العام 1946 إلى العام 1972 حين أعلنت الأمم المتحدة نهاية الاستعمار في العالم. ما كان لشعوب العالم أن تحصل على استقلالها وتقيم منظمة الأمم المتحدة للحفاظ على سيادة الدول المختلفة وحقوق الإنسان لولا انتصار الإتحاد السوفياتي في الحرب والثورة البلشفية في العام 1917 أساساً. عالم اليوم إذاً تشكّل حسب التطور التاريخي لثورة أكتوبر بما في ذلك تعثرها وقيام أحد الخونة في قيادتها وهو نيكيتا خروشتشوف بقيادة البورجوازية الوضيعة السوفياتية في الإنقلاب على الثورة وتهديم بناها الأساسية. تفكيك بنى الثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي لن يؤدي إلى بلورة نظام اجتماعي جديد مختلف أو العودة إلى النظام الرأسمالي كما يتحسب البعض.

فقدان النظام في روسيا وفي سائر الدول الاشتراكية سابقاً لهويته الإجتماعية انعكس مباشرة على النظام العالمي وانهار النظام الرأسمالي العالمي إلى اللانظام. الطبقة الحاكمة اليوم في كل العالم هي بالتحديد الطبقة الوسطى، وللطبقة الوسطى هوية محددة، لكن هذه الطبقة وهي المنتج الحصري للخدمات لا تنتج شيئاً من أسباب الحياة وهي لذلك لا تمتلك نظام إنتاج يقوم على ذاته. اللانظام السائد اليوم في كل أطراف العالم هو ما يسبب كل الكوارث بمختلف أشكالها التي أخذت تواجهها الإنسانية مع بداية الربع الأخير من القرن العشرين. ترتب ذلك مع ظهور أولى علائم الإنهيار على مشروع لينين في الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي.

إزّاء كل ما تقدم لا يجوز الإدعاء بحال من الأحوال أن ثورة أكتوبر انتهت إلى الفشل التام. إنها ما زالت تحكم مسار تقدم التاريخ الذي سينتهي حكماً إلى الشيوعية إن لم تندثر البشرية قبلئذٍ.

فؤاد النمري
www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - حفّار التاريخ - يسأل أسئلة صعبة
- صيحة الديموقراطية الكاذبة
- البورجوازية طبقتان متايزتان (في البورجوازية العربية)
- الليبراليون لا يعرفون معنى الليبرالية (الحرية)
- تنويراً لأنصاف الماركسيين
- ليس في الماركسية ما يفشل ... لماذا؟
- الإشتراكية السوفياتية ليست رأسمالية الدولة
- رسالة من ستالين إلى الرئيسين روزفلت وتشرتشل
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (5)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (4)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (3)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (2)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . .
- الرسالة الثانية . . ردٌّ على ردّ
- جواب قيادة الحزب الشيوعي الأردني على رسالتي
- رسالة قديمة إلى قيادة الحزب الشيوعي الأردني
- مشروعية السؤال .. ما العمل؟
- ماركسية صدر القرن الحادي والعشرين
- البولشفية وضرورة إحيائها
- الماركسيون ليسوا يساريين


المزيد.....




- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ثورة أكتوبر لم تفشل