ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 08:38
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
عند إنعزال أي نظام حكم عن شعبه يلجأ إلى شتى الوسائل لتوجيه الراي العام إلى مخاطر يفترضها ويوكل إلى وسائل الإعلام تضخيمها وكأنها مهلكة ، مما يتطلب أن يتراصّ الشعب مع الحكم لمواجهتها ودحر الهلاك المفترض . لجأ النظام السابق إلى الإفتراض بوجود عدوّ خارجي ، يتهدد الوطن والذي يمثل الجناح الشرقي للوطن العربي ، وشنّ حرباً ضروساً على الجارة إيران وكانت وسائل الإعلام ومن ورائها جميع الأجهزة القمعية مسخرة لمكافحة أي فكر أو نشاط يناوئ النظام . وبعد إنتهاء تلك الحرب وبيان عدم شرعية بدئها وإنتهائها لجأ النظام إلى توجيه الأذهان إلى خطر مفترض ثان بدعوى أن الكويت تهدد العراق بسحب النفط من حقول الرميلة دون وجه حق ، وإتخذ ذلك ذريعة لغزو الكويت .
جاءنا الإحتلال ، بسبب التمهيد الذي خلقه النظام السابق . وإستغلَّ المستعمر الظروف الدولية المؤاتية له : بإعتباره القطب الوحيد ، وتعاون قوى المعارضة معه ، فقام بإحتلال البلاد ( بإعتباره محرراً ) ونصّب نظاماً سماه ( ديمقراطياً ) وجرت إستفتاءات وإنتخابات ، كلها " عن المعنى الصحيح محرف " فكانت سبعُ سنين عجافاً ، دفع الشعب خلالها الثمن غالياً لفرحة لم تتم بسقوط الصنم .
إنكشف النظام الجديد للشعب ، و لاسيّما في السبعة شهور الأخيرة التي تلت الإنتخابات العامة التي جرت في السابع من آذار 2010 ، حيث بانَ الصراع ، غير الشريف على السلطة من ( قوى سياسية ) لم يعرف الشعب سابقاً شخوص قياداتها في المعترك الذي خاضه ضد الإستعمار و صنائعه لنيل حقوقه . قوىً سيطرت على مقدرات البلاد بإرادة المحتل ، ثمّ لأسباب خارجة على مصلحة الشعب إختلفت في تقسيم الخيرات فيما بينها . إستحوذت القوى الدينية والطائفية المتطرفة على الحكم و صارت تصارع في كافة الإتجاهات لضمان إستمرارية بقائها في السلطة إلى الأبد ، ولكن بعد تحقق العزلة الكلية للقوى الطائفية عن الشعب ، لجأت إلى إفتراض عدوّ يهدد كيان الوطن والشعب بدعوى ( عودة البعث ) ، وسخّرت جميع الوسائل لتضخيم مخاطر هذا العدو والهلاك فيما إذا عاد البعث . إن إستخدام هذا الأسلوب الغوغائي الميكافيلي لهذا الشعار ( بُعبُع البعث ) ، وفي ظروف ضحالة الوعي السياسي العام ، قد أدى مع الأسف إلى حالة من الإضطراب الفكري ، وأصبح الكثير من المثقفين الذين يعوّل عليهم في توجيه فكر الشعب ورفع وعيه ، يبحثون في الحالة بسطحية ساذجة وذلك بوضعها في معادلة فارغة ( مَن الأفضل : المالكي أم علاوي ؟ ) ( إذا عاد علاوي سيعود البعث بكل جرائمه ) ، ( المالكي : جيّد ولكن القوى الأخرى لم تترك له المجال لتقديم الأفضل !! ) . مثل هذه المعادلات ساذجة ومسطّحة لا تستقيم والتحليل الموضوعي لحقيقة الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي نعيشها في الوقت الحاضر . فهل يمكن أن يعود ذلك ( البعث الصدامي ) الذي ورد بالنص في متن الدستور ، إلى الحكم ثانية ؟؟
في الإطار الدولي الذي تسيطر فيه الولايات المتحدة على جميع الموازين ، وهي المحتل بالنسبة للعراق ، وفي ظرف كون العراق لا زال تحت البند السابع ، فإنّ المصالح السياسية والإقتصادية للولايات المتحدة تميل إلى إيداع مسؤولية نظام الحكم إلى الجهة التي تتمكن من توفير تلك المصالح وتأمينها لأطول مدة . في هذا الإطار ، لا يمكن تصديق الكم الهائل من الإشاعات التي نسمعها بأن الولايات المتحدة تفضل ( المالكي .. وتريده ) . لقد إحترقت أوراق المالكي خلال فترة وجوده في السلطة ، والهوة بينه وبين الشعب قد تعمقت سحيقاً ، بالإضافة إلى أنه يُمثل طبقة إجتماعية وإقتصادية متخلفة ( دينية ، طائفية ، عشائرية ، قبائلية ، شيوخ ورجال دين ) لا تستطيع تلبية مطالب الإستثمار الإستعماري التي تصبو إليه الولايات المتحدة و لا تستقيم مع مبادئ النظام العالمي الجديد الذي تعمل على تحقيقه ضمن إستراتيجيتها بعيدة المدى . فلا يملكُ المالكي غيرتصدير البترول العراقي الخام . بينما يبرز علاوي في هذا الإطار متمكناً في تحقيق الأكثر من طموحات الإدارة الأمريكية و من ورائها الشركات العملاقة المتنفذة في توجيه سياستها الإستعمارية . يمثل علاوي الطبقة البرجوازية الصاعدة التي ترنو إلى النمو بالإستثمار الصناعي والزراعي والعقاري إضافة إلى الصناعات النفطية ، مما يجعلها تحتاج إلى الخبرة المستوردة للتقنية الحديثة ومساهمات الإستثمارات الأجنبية ، وبالمقابل تريد الولايات المتحدة أسواقاً لمنتجاتها الصناعية التي تكون مرحّب بها في ظل جماعة علاوي بعكس حالة المالكي . وبهذا تجد الولايات المتحدة ضالتها في علاوي وليس المالكي ، فالمصالح السياسية والإقتصادية هي المفاتيح التي تحرّك السياسة الأمريكية .
في الإطار الإقليمي نرى أن المالكي ( مقبولٌ ) من إيران لوحدها ، وهذا لا يعني أنه المفضّل لديها إن إستطاعت أن تجد بديلاً ، بينما قبول علاوي يشمل معظم البلدان العربية . بل وحتى سورية الحليفة الإستراتيجية لإيران في المنطقة ، تدعم تيار علاوي بجميع إمكانياتها . ومواقف البلدان العربية في تصدير الإرهاب إلى العراق ودعمه لوجيستياً ومادياً ومعنوياً وإحتضاناً للعناصر ( المعارضة ) للسنوات السبع الماضية وتمويلهم لحملات الدعاية الإنتخابية إلاّ أدلة على ضرورة إسقاط النظام الطائفي القائم ، وإستبداله بالمتوفر حالياً " علاوي ".
في الإطار المحلي نرى شمولية خيبة الأمل العارمة لدى أبناء الشعب بكافة طبقاته ، بسبب معاناتها من قصور النظام في توفير الأمن والإستقرار والحد الأدنى من حاجات الشعب الأساسية كالغذاء والماء والكهرباء والخدمات الصحية والبلدية ، مقابل إغتناء المحسوبين على النظام بملايين الدولارات سواء برواتب ضخمة أو إختلاسات وعمولات صفقات . بينما كان علاوي ورهطه بعيدين عن الواجهة ولم توجّه إليهم أصابع الإتهام بقدر ما توجهت إلى المالكي ورهطه . ليس بين العراقيين مَن يدعي كمال جماعة علاوي ، فهم أيضاً عراقيون ، عاشوا هذه التجربة المرّة في السنوات الأخيرة التي غيرت في نفسية كلّ عراقي ، حيث أصبحت من قوانين الحياة الإعتيادية أن يكون الفرد أنانياً ، يصارع من أجل البقاء ثم من أجل الجاه والمال ، إن إستطاع إليه سبيلاً . التهمة الكبيرة التي توجّه إلى علاوي هي( عودة علاوي تعني عودة البعثيين وجرائمهم ) . فهل يمكن أن يعود البعث ثانية ؟ أوبالأخص هل يعود البعث الصدامي ؟
أقولها عن قناعة تامة : لا يمكن عودة البعث الصدامي ثانية في العراق . لا تعود الممارسة الفعلية للبعث الصدامي في العراق حتى لو إفترضنا جدلاً ( عودة حزب البعث بقيادة أي بعثي غير صدام ) . إن معاناة البعثيين الشرفاء داخل حزب البعث كانت رهيبة ، بعد سرقة الطاغية الحزب منهم وتحويله إلى منظمة إرهابية تابعة لشخصه . لقد كان غزو الولايات المتحدة للعراق ، بحقّ ، تحريراً للبعثيين الشرفاء من سطوة الطاغية . كانت عقوبة الإعدام حتمية لكل منتمٍ إلى الحزب بسبب أبسط زلّة . كان الخوف من المصير المحتوم هو الذي يجعل الكل يطيعون بلا تردد ، لأن إرادة الطاغية كانت تتطلّب أن يتصف كل فرد بالولاء المطلق . وكم من القياديين في الحزب والقيادات العسكرية قد فقد حياته لمجرد الشك في ولائه . إن تجربة البعث الصدامي قد أثبتت فشلها في تحقيق ما آمن به الفرد العراقي عندما قرر الإنتماء إلى حزب البعث . لقد أسقط النظام عملياً أهداف الحزب المعلنة في ( الوحدة ، الحرية ، الإشتراكية ) ، إلاّ أن الشرفاء لا زالوا يؤمنون بالشعار الرئيسي للحزب في ( أمة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة ) . إن العراقيين بجميع إنتماءاتهم مخلصون للوطن وغيورون على أبناء شعبهم ، إلاّ من ندر، من أمثال المتمسكين بالسلطة ، ولا يريدون تركها إلاّ على أسنة الحراب ، سواء كانوا صداميين أو مالكيين . فليس من العراقيين من يقبل زج العراق في حروب لا طائل منها ، و لا أن يتكبد الشعب الخسائر من جراء تلك الحروب آلافاً من شبابه وترك آلاف من الأرامل والأيتام . لا يرضى شريف ، سواء كان بعثياً أم غيره أن يعود العراق إلى الوراء مئات من السنين بدعوات أهل المصالح في إيقاف عجلة التقدم .
لست في مجال الدعاية لعلاوي في هذه المقالة ، و لا أنحو في إطار المعادلة إياها في المقارنة بين المالكي وعلاوي ، ولكني أود أن أذكر النقاط الجوهرية الواجبة للتيار القومي المتمثل بعلاوي لإتخاذها مؤشرات ليكون تياراً إيجابياً يمكنه أن يخدم العراق في المرحلة الراهنة :
1. أن تعلن القائمة العراقية بقيادة علاوي براءتها من البعث الصدامي ، وتدين العمليات الإجرامية التي حدثت في تلك الفترة .
2. التأكيد على ما أعلنه علاوي في إصدار العفو العام وإيقاف كافة الملاحقات ضدّ المنتمين إلى الأحزاب السياسية في العراق ، بإستثناء من تلطخت أيديهم كأفراد بدماء أبناء الشعب ، وهؤلاء يُترك أمرهم إلى القضاء .
3. أن تقوم قيادة حزب البعث بتقييم ونقد نشاطه ، وإعلان براءة الحزب من الممارسات الإجرامية التي أرتكبت من قبل تيار ( البعث الصدامي ) ، كما وتعلن إعادة بناء الحزب على ذات الأسس الخيّرة التي أنشئ عليها . وإنتماءه إلى الشعب ، وتبنيه النضال السياسي السلمي لبناء السيادة الوطنية والحياة الديمقراطية ، ويلغي من منهجه الإنقلابية لتغيير نظام الحكم .
كفى العراق وشعبه ما لاقاه من ويلات . فلتتضافر الجهود المخلصة لتغيير صفحة المآسي ، ووضع القدم على بداية سلم الصعود نحو آفاق التقدّم .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟