أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ييلماز جاويد - النظرية والواقع















المزيد.....

النظرية والواقع


ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)


الحوار المتمدن-العدد: 3040 - 2010 / 6 / 21 - 08:44
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كانت المراحل التاريخية التي مرت بها البشرية بعد مرحلة المشاعية البدائية وبداية المجتمعات الطبقية براهين مؤكّدة على صحة كون مسيرة المجتمعات هي إلى الأمام دائماً . في المجتمع الطبقي ينقسم المجتمع إلى طبقة إجتماعية سائدة تتميّز بمصالح إقتصادية معينة تتحكم في السلطة وتديرها بما يحقق لها اقصى المنافع ، وطبقة مُستغلَّة تمثل الأكثرية الساحقة من الشعب تكون تحت رحمة السلطة وتُحرَم من حقوقها التي قد تمكنها من تنظيم نفسها وخلق الظرف المناسب لتغيير ميزان القوى لصالحها . إنّ تشدّد الطبقة السائدة في إستغلال جماهير الشعب المَسود يدفعها إلى النضال من أجل حياة أفضل . فالطبقة السائدة بقدرتشددها في إستغلال طبقات الشعب إنما تخلق بذرة موتها بسبب تطوّر الوعي الطبقي والشعور بالظلم لدى الجماهير .

لا يقتصر التحليل المادي للتاريخ على بلد معين أو مرحلة تاريخية محددة ، والعراق في تاريخه الحديث نموذج لصحة هذا التحليل .

بدأ العراق حكمه الوطني في عشرينات القرن الماضي كنظام حكم أوليغاركي ، كانت السيطرة على الحكم لطبقة الإقطاعيين و مُلاك الأراضي وبدعمٍ من الإستعمار بحكم الإتفاقيات العسكرية والإقتصادية الموقعة ، ومن رجال الدين المنتفعين . وكان الشعب ، ومعظمه من طبقة الفلاحين المستغَلين لا يملكون غير أن يعملوا كأقنان تحت رحمة الإقطاعيين ووكلائهم السراكيل . كانت الطبقات الإجتماعية الأخرى ، كالبرجوازية الوطنية والعمال ، ضعيفة بسبب القوانين والأنظمة الصارمة في تاسيس وإدارة المشاريع الصناعية والتجارية ، وربط التجارة الخارجية برُخَص ( كوتة ) تمنح إلى الخاصة التي تعيش حياة التطفل في كنف نظام الحكم . فقد كان العراق من البلدان المصدرة للحبوب والتمور بينماعامة الشعب محرومة من أكثر حاجاتها الحياتية . إن تشدد نظام الحكم قد خلق وعياً جماهيرياً واسعاً بالظلم ولكن لم تكن هناك وسيلة لتغيير النظام بسبب عدم وجود تنظيمات سياسية تبلغ من القوة والجدارة لتفعل ذلك وهكذا جاءت المبادرة من القوات المسلحة في يوم الرابع عشر من تموز من عام 1958 .

بالتغيير الذي حدث تسلّمت السلطة شريحة من البرجوازية الوطنية تحت ظلّ نظام عسكري أوليغاركي جديد بحكم أن قيادة السلطة كانت لها السيطرة على القوات المسلحة ، وبدأت البرجوازية الوطنية خطواتها الأولى للنمو ، فشرعت القوانين التي تسهل إقامة المشاريع الصناعية والتجارية ، وتمّ التوقيع على إتفاقيات إقتصادية مع الإتحاد السوفييتي ، وتمّ إصدار قانون الإصلاح الزراعي بغرض تقلييم أظافر الإقطاع ، ولكن وبسبب الخلل الذي إعتور القانون من تعويض الإقطاع عن الأراضي المشمولة بالقانون ومطالبة الفلاح بثمن قطعة الأرض التي تُملّك له فإن النتائج العملية في الواقع كانت وخيمة إذ تحوّل الإقطاعيون السابقون إلى صناعيين أو تجاراً بعد توفر رأس المال لديهم ، وتحول الفلاحون إلى مهاجرين إلى المدن بعد تركهم لأرضهم بسبب عدم تمكنهم من تسديد قيمة الأرض المملكة لهم . بهذا أصبح فلاحو الأمس إحتياطياً كعمال يعانون البطالة ويمكن إستغلالهم بتشغيلهم بأدنى الأجور، وهي في الحقيقة من الخدمات التي حصلت عليها البرجوازية الوطنية . ولكن تتميّز البرجوازية الوطنية بكونها طبقة إجتماعية غير متماسكة ، بسبب إختلاف المصالح الطبقية بين شريحة وأخرى ، فمنها من تعتمد الإستثمار الصناعي والزراعي وتطويره وتسويق منتوجاته محلياً أو بالتصدير ومنها من تعتمد الإستثمارالتجاري ذا البعد الإقليمي والدولي ، فبذلك إنقسمت البرجوازية إلى شريحتين الأولى تتمسك بذريعة خدمة العراق والثانية إمتدت يدها للدول الأخرى ومارست محاولات إنقلابية عديدة حتى نجحت في الثامن من شباط 1963 . إن مسيرة الحكم لمدة أربعة سنوات وبضعة أشهر وبفرضه دكتاتورية فردية وممارسته سياسة الموازنة بين اليمين واليسار قد خلق البذرة التي نمت حتى تمكنت من قتل النظام .

ما أن إستلمت الشريحة الثانية من البرجوازية الوطنية الحكم حتى بدأت أجنحتها تتنافر فيما بينها ، فالكتلة العسكرية تحاول أن تكون صاحبة الحكم بينما الجناح المدني يرى في نفسه الأهلية لقيادة الحكم . كانت الصراعات بين القياديين من الجناحين من أجل السلطة وبمعزل عن الشعب الذي كان ينقاد عاطفياً مع كل حدث جديد حتى إنتصرالجناح المدني بمساعدة بعض المغامرين من العسكريين طالبي الجاه وبقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي . لقد كان إستلام البعث للسلطة فاتحة عهد جديد ونوع جديد من النظام الأوليغاركي الذي إبتدأ مدنياً في عهد أحمد حسن البكر ، وبمباشرة شخصية من صدام حسين تمت تصفية غير الموالين لشخصه بشتى الوسائل وتمت على نفس الخط عسكرة النظام بتوزيع المناصب في القوات المسلحة للموالين وأفراد عائلته و أبناء مدينته ووضع نظام أمني متعدد الأجهزة لكشف أية محاولة قد تطال النظام وإستخدام عقوبات الإعدام لردع أي نفس قد تفكر في عمل شيئ يضر النظام . كانت شريحة البرجوازية الممثلة للحكم طبقة طفيلية أدخلت نفسها في شتى النشاطات الإقتصادية لتحقق الأرباح تارة وفرض الأتاوات تارة أخرى . وتاجرت بكل أنواع السلع بضمنها سرقة وتهريب الآثار التالريخية بالإضافة إلى توزيع كوبونات البترول على الموالين وإلى وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية . لقد كان إندفاع النظام في إستخدام القوات المسلحة في حربه غير المبررة مع إيران والغزوة الإعتباطية على دولة الكويت العربية وكذلك قمعه إنتفاضات الشعب سواء في الجنوب والوسط أو في كردستان وتنفيذه المجازر العديدة ، بالإضافة إلى حرمان الشعب من أبسط حقوقه في الحياة . إن هذا الجناح الذي سيطر على الحكم بإسم حزب البعث قد إنسلخ عن حزب البعث الحقيقي وتحول إلى مجموعة من المجرمين من أغنياء الحرب المتطفلين على جميع الأنشطة الإقتصادية بفرض الأتاوات ، وغسيل الأموال حتى إنخفضت قيمة العملة العراقية إلى واحد من عشرة آلاف من قيمتها عند إستلامهم للسلطة * . إن الظروف التي خلقتها هذه الزمرة وعلى رأسها الطاغية صدام حسين لم تترك مجالاً للتحرك بإتجاه التغيير لا من قبل البعثيين الشرفاء في إطار الحزب و لا من قبل أبناء الشعب و لا حتى من قبل القوات المسلحة ذاتها . لقد كان النظام معزولاً فعلاً قبل سقوطه على يد الإحتلال . لقد كانت الإستعانة بالولايات المتحدة من قبل فصيل من أبناء الشعب لتغيير النظام من قبيل الحل الأخير الذي لا بد منه بسبب اليأس من وجود أي أسلوب غيره .

توحّد الشعب بجميع طبقاته الإجتماعية لتحقيق التغيير الذي طال إنتظاره أربعة عقود من الزمن . توحدت جميع طبقات الشعب ، بكافة منظماته الإجتماعية وأحزابه ولم يكن البعثيون الشرفاء خارج هذا التوحّد ، بسبب أن الزمرة الحاكمة كانت تمثل الطاغية ومن هم حوله من المستفيدين . ولذلك نرى أن القوات المسلحة بكافة صنوفها وكذا أبناء الشعب لم يقاوموا قوات الإحتلال ، وكذا نذكر الفرحة العارمة التي عمت جميع المناطق وحدوث المظاهرات العفوية عند سقوط الصنم .

جاء الإحتلال بدعوة من فصيل من أبناء الشعب ، سواء من الذين يمثلون أحزاباً أو حركات سياسية ، وقد حرصت الولايات المتحدة أن تعلن عن الدعوة الموجهة لها بأن طلبت من ممثلي الحركات السياسية والأحزاب الذهاب إلى واشنطن لوضع اللمسات النهائية لخطة " تحرير العراق " كما سمّيت آنذاك .

لم يأت الإحتلال ل " تحرير العراق " من أجل سواد عيون الشعب العراقي ، بل جاء لأغراض تتعلق بمصالحه الإستعمارية وترتيب الأوضاع وبناء نظام الحكم بما يضمن تلك المصالح على المدى البعيد . ففي هذا المجال لا مكان لقول يصدر أحياناً من بعض الساذجين أن الأمريكان قد إرتكبوا الأخطاء في كذا و كذا ، وان الأمريكان لم تكن لديهم خطة لما بعد الإحتلال .

بعد فترة وجيزة من الحكم المباشر لقوى الإحتلال التي تمثلت بفترة وجود الحاكم المدني ( بول بريمر ) ، تمّ تسليم الحكم إلى أكثر الطبقات الإجتماعية العراقية رجعية . فليس القول مبالغٌ فيه أنّ العراق أعيد إلى الوراء أكثر من خمسين عاماً ، وكأن ما قامت ثورة الرابع عشر تموز و لا أزيلت الملكية وأعلنت الجمهورية !!!

صراعٌ جديدٌ قديمٌ عهدناه في العهد الملكي المباد ، صراعُ كتلة نوري السعيد وكتلة صالح جبر ، صراعُ أياد علاوي ومن يمثلهم والمالكي ومن تحالف معهم . كتلة تنتمي إلى القديم وقد أعطت خلال حكمها لمدة السنوات الست الماضية البراهين القاطعة على أن برنامحها هو إعادة العراق ألفاً وأربعمائة سنة إلى الوراء وكتلة تدعي العلمانية والتقدمية ولكنها لحد الآن لم تستنكر أو تدين الجرائم التي إرتكبها الطاغية بإسم البعث لتطَهّرنفسها و حزب البعث من الأدران التي علقت به .

هاتان الكتلتان تتصارعان ، والكلّ يدعي وصلاً بالشعب ، لكن لا واحدة منهما تنأى عن القيام بأي عمل و إستخدام العنف لتحقيق أغراضها . الغاية تبرر الوسيلة مبدأ كل واحدة منهما ، فتجد أنباء مؤامرة لإغتيال فلان ، وسطو على فرع لبنك ( وخصوصاً البنك المركزي ) ، مؤامرات ( بصيغة قانونية ) للإلتفاف على إختيارات الشعب في الإنتخابات ، ووضع الدستور على الرفوف العالية . كل تلك صورٌ من أساليب الصراع السياسي القائم . إن هذا الصراع مثل جميع الصراعات السابقة له نهاية بفوز أحد الكتلتين على الثانية ، ولكن ذلك النجاح لا يكون نهاية للمطاف بل أن الكتلة الفائزة ستنشق أيضاً على نفسها ويبدأ صراعٌ من نوع جديد . ومهما تكن نتائج هذه النجاحات أو الإخفاقات فمنطق التاريخ يظل هو الحاسم . لقد عاش الشعب العراقي في هذه البقعة من العالم من آلاف السنين ، وهو خالدٌ فيها إلى الأبد أمّا الذين يراهنون على الحكم ويتصارعون من أجله فهم بشرٌ زائلون يوماً وإن كانوا ينسون أن الحكم لو دام لغيرهم لما وصل إليهم . إن الشعب مهما كانت التكاليف لمنتصرٌ ، فعجلة التاريخ تسير دوماً إلى أمام والمستقبل للشعوب وليس للحكام الذين لا يمثلون شعوبهم حق تمثيل .


* كان الدينار العراقي يساوي 3.7778 دولار أمريكي وإنخفضت قيمته حتى أصبح الدولار الأمريكي يباع بثلاثة آلاف دينار عراقي .



#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)       Yelimaz_Jawid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمنّي .. وَلِمَن ؟
- الثورُ ... والسّكاكين
- وحدةُ الشعب تدحرُ المتآمرين على مستقبله
- ما هو كسبُنا في الإنتخابات
- من وحيِ الإنتخابات
- أين الخطأ ؟
- مَلامِحُ النّجاح
- حِزبُ البعث والحركة الصدّامية
- مستقبل نظام الحكم في العراق
- الإجتثاثُ والبعثيون
- عَودة إلى درس المعلّم الأوّل
- عَودَةُ البعثِ . . وعيدُ الجيش
- الأمنُ !! أكاذيبُ مسؤول
- رد على إنقلاب في بغداد!
- تآمُر بلا حَياء
- خانةُ الصّفر
- الكتل السياسية والإنتخابات
- الحقوقُ القومية
- الجماهيرُ هي الأساس
- مَصدرُ الوَحيْ !!!


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ييلماز جاويد - النظرية والواقع