|
حكومة الكترونية أم بشَرِية ؟
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 20:25
المحور:
المجتمع المدني
مَنْ مِنّا لم يُعاني عند مُراجعة إحدى الدوائر الحكومية لتمشية مُعاملةٍ ما ؟ ومَنْ لم يصب بالإحباط والنرفزة ، جَرّاء الروتين المُزعج ؟ وعدم الإلتزام بالدَوْر ، وأحيانا كثيرة غياب الموظف المسؤول عن تمشية المعاملات عن مكانه بدون اي سبب ؟ وتحويل المُعاملة من غرفة الى اُخرى او طابقٍ آخر او حتى بنايةٍ اُخرى ، من أجل إلصاق طابع او تهميش بلا معنى او توقيع ؟ وفوق كل هذا وذاك رُبما يُعرض عليك بطريقةٍ مباشرة او غير مباشرة ، ان تدفع " إكرامية " من أجل الإسراع ، او قد تضطر إضطراراً الى ال " دفع " بُغية الخروج من هذه المَتاهة والحفاظ على ما تَبقى من أعصابك المُتعَبةِ أصلاً !. انها ليستْ تهويمات غريبة من احدى روايات " فرانتز كافكا " ، بل هو واقعنا في هذه الايام مع الأسف . انه مظهَرٌ من مظاهر تخلفنا عن الركب الحضاري ، إضاعةٌ متعمدة للوقت والجهد والمال ، وتكريسٌ للبيروقراطية والروتين ومدخلٌ للفساد المالي والإداري . فأية معاملة عادية من المفروض ان تكتمل إجراءاتها في نصف ساعة ، قد تأخذ منّا يومين اوثلاثة . نسمع بين الحين والآخر ، عن نِيّة الحكومة العراقية ان تتحولَ الى " حكومة ألكترونية " ، فما هي الحكومة الالكترونية ، وهل ان هذه النية جِدية ام انها مجرد كلام وفقاعة إعلامية ؟ ببساطة وبدون فذلكة وتعقيد ، الحكومة الالكترونية تعني :" إنجاز المُعاملات وتقديم الخدمات العامة بطريقةٍ الكترونية عِبرَ الانترنيت او الأنترانيت ، بدلاً من الطريقة الروتينية التقليدية " . ومن الواضح ان التمكن من الوصول الى هذه التقنية ، له فوائد كبيرة للفرد والمجتمع والدولة ، فالمواطن سوف يكمل معاملته في عشرة دقائق بالتعامُل مع الانترنيت ، بدلاً من يومين او ثلاثة ايام ، فيُوفر بذلك الوقت والمال والجهد . وبهذا لا يهدر جزءاً من عمرهِ في تعقب المُعاملات ، ويستطيع التركيز أكثر على عملهِ ، ويُساهم ذلك في تنمية المُجتمع بصورةٍ صحيحة وتأمين الخدمات للمواطن بأسهل السُبُل . وبما ان هذا الاسلوب الالكتروني ، يقضي على الروتين القاتل لموظفي الحكومة وخاصة اولئك الذين يعملون بتماسٍ مباشر مع المواطنين ، فأنه بالتالي سيقلل بشكل كبير عملية "الرشوة" بل حتى إنهاءها بصورةٍ تامة . وكذلك فان وجود الحكومة الالكترونية يُشجع المستثمرين الاجانب ويجعلهم يُقبِلون على الاستثمار ، لانه من طبيعة المُستثمر ان يتجنب التعقيدات والعراقيل والروتين والإضطرار الى دفع الرشاوي والعمولات ، بل انه يميل الى الوضوح والشفافية في التعامل وسهولة الاجراءات وسرعتها . والآن ما هي الخطوات التي يجب توفرها مُسبقاً ، لكي نستطيع البدء عملياً في خطوات تشكيل حكومة الكترونية ؟ : - الانتشار الواسع لشبكة الانترنيت ، لكي يكون لهذه العملية مردود خدماتي جيد وجدوى إقتصادية ومساهمة فاعلة في التنمية الاقتصادية والبشرية . أي بمعنى ان تتوفر إمكانية الولوج الى شبكة الانترنيت لنسبة ثلث المواطنين تقريباً ، سواءً في المنزل او مكان العمل او مقاهي الانترنيت . ومن الطبيعي ، ضرورة ان تكون الشبكة مُستقرة وذات سرعةٍ معقولة وأسعارها زهيدة . - تدريب العاملين في الدوائر الحكومية وإعادة تأهيلهم بحيث يستوعبون الطُرق الحديثة والتقنيات الجديدة . الى جانب التخطيط الجيد لتحول المجتمع تدريجياً الى مُجتمع معلوماتي من خلال تنشيط وتفعيل برامج التنمية الاجتماعية وفق الاساليب العلمية . - إيجاد فرص عمل جديدة وبأعداد كبيرة لجيش العاملين في القطاع الحكومي والذين الى حدٍ ما لايُزاولون اي عمل منتج او ذا قيمة حقيقية [ بطالة مُقّنَعة ] . - تحديد الخدمات المُمْكن تقديمها من قِبَل كُل جهةٍ حكومية ، ووضع الاوراق والاستمارات المطلوبة في خدمة المُواطن وتحديد التكلفة ومكان تقديم الاوراق والمدة اللازمة لإنهاء المعاملة ، كُل ذلك من خلال الانترنيت . - إنشاء بنوك معلومات وطنية ، وإغناء المواقع الالكترونية الحالية لكافة الوزارات والدوائر الرسمية وشبه الرسمية ، وتجديد المعلومات بصورةٍ دورية . - تشريع قوانين تُنّظم التبادلات التجارية الالكترونية ، والتوقيع الالكتروني ، والدينار الالكتروني . من الطبيعي ان يسبق ذلك تطويرٌ شامل للبُنية المصرفية بما يتلائم مع التطورات المستحدثة . .......................................... من الواضح ان عملية انشاء حكومة الكترونية ،هي مُعّقدة ومُكلِفة وبحاجة الى بيئةٍ سياسية واقتصادية مُستقرة وفسحة مناسبة من الزمن . لان هذه الفقرات أعلاه ، مترابطة مع بعضها البعض ، ففي البداية نحن بحاجة الى تشريعات مُناسبة قابلة للتطبيق ، تُبيح " المعلومة " ولا تتعامل معها وكأنها ممنوعات وأسرار كما هي الآن . كما نحن بحاجة الى سَن قانون يعترف ب التوقيع الالكتروني والعُملة الالكترونية ، لكي يتم دفع رسوم المعاملات عن طريق الانترنيت . قبلَ ذلك يجب تحديث شبكة الكهرباء وتوسيعها وتطويرها ، فبدون كهرباء تصبح كل النشاطات مشلولة . ينبغي ايضاً إعادة النظر في بُنية مؤسسات التربية والتعليم والتعليم العالي في العراق ، بما يُواكب التقدم الحاصل في كثير من بلدان العالم ، فبمثل الوضع التعليمي المُزري الحالي ، لن نستطيع التفكير الجدي بإقامة حكومة الكترونية . يجب تنشئة جيل جديد مُعافى يستطيع التعامل مع الأتمتة والتقنيات الحديثة . من الضروري انشاء شبكات انترنيت لكافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وربطها مع بعض وتسهيل الوصول اليها وتحديثها المُستمر . والإرتقاء بخدمة الانترنيت بحيث تصل الى كافة الاماكن وحتى الارياف وتخليصها من الإحتكار وسوء الخدمة وإخضاعا لضوابط تكون في صالح المُستهلك وجعل بدل الاشتراك رخيصاً لكي يستطيع الجميع استخدامه . ....................................... يبدو اننا بعيدون تماماً اليوم ، عن توفير المُقدمات الضرورية للبدء الفعلي ، بإنشاء حكومة الكترونية ، لِيَكُن هذا طموحنا المُستقبلي .. ولكن اليوم حيث مّرتْ ستة أشهر على الانتخابات الاخيرة ، عجَزْنا حتى الآن عن تشكيل حكومية بَشَرية عادية ! فكيفَ بحكومة الكترونية ؟ .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا الرَجُل !
-
جوانب شوارعنا السياحية مزابل ومكبات للنفايات !
-
أللهمَ اقتل مؤسس حزب شاس الاسرائيلي !
-
مقطعٌ من اللوحة السياسية العراقية
-
رمضانٌ - مبارك - وعيدٌ - سعيد -
-
الانتخابات الاسترالية و انتخاباتنا
-
هل سيرى إقليم كردستان تركيا النور ؟
-
الارهابيون يستحصلون خمسة ملايين دولار شهرياً من الموصل وحدها
...
-
مقاطعة البضائع التركية الايرانية ... نكتة
-
أطفال العراق وثقافة الاسلام السياسي
-
تخبُط قائمة الإئتلاف الوطني
-
كمْ نسبة الصائمين الحقيقيين ؟
-
حكومة المالكي وموت السيد المسيح
-
غزارة في - الموارد - وسوء في التوزيع
-
فساد ولا عدالة توزيع الثروات
-
دُعاء بمناسبة حلول شهر رمضان
-
اسطورة جسر - دلال - في زاخو
-
حمار بيك !
-
مونولوج على الطريقة المالكية
-
شؤونٌ عائلية
المزيد.....
-
نتنياهو: نريد إعادة الأسرى لكن هدف الحرب هو الانتصار على أعد
...
-
الخارجية الروسية: استهداف سوق خيرسون سيجر قادة كييف إلى محاك
...
-
ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟
-
شبح المجاعة في غزة.. آخر الأرقام المتوفرة عن الوضع الإنساني
...
-
عيسى قراقع راهب الأسرى وكليم الألم
-
نتنياهو: اعتقال 18 شخصا بشبهة إشعال الحرائق أحدهم متلبسا
-
نتنياهو يعلن اعتقال 18 شخصا للاشتباه بتورطهم في إشعال حرائق
...
-
روسيا: لا بديل عن عمل الأونروا في غزة
-
-الأونروا-: نحو 660 ألف طفل في قطاع غزة لا يتلقون أي تعليم م
...
-
الأمم المتحدة: العمليات الإسرائيلية في غزة غيرت معالم القطاع
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|