شامل عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 14:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الجزء الأول من سلسلة المقالات كان عن " العَلمانية " ألتي نشأت في القرن السادس عشر / كوبر نيكس ودوران الأرض / .
هذا هو الجزء الثاني والخاص بنشأة " نظرية العقد الاجتماعي " ولكن في القرن السابع عشر .
نظرية العقد الاجتماعي كما يقول الدكتور " مراد وهبة " مردودة إلى مفهوم ( الموافقة ) للفيلسوف الانكليزي " جون لوك "
إذن العَلمانية هي " المكون الأول " للديمقراطية والعقد الاجتماعي هو " المكون الثاني "
ولكن ما هي العلاقة بين العقد الاجتماعي والموافقة ؟
يقول الدكتور " أثَار " جون لوك " هذا السؤال في كتابه / رسالتان عن الحكومة / .
الفكرة المحورية للرسالة الأولى سيداتي – سادتي تدور حول " تدمير مبدأ الحق الإلهي للملوك " وهذا معناه / أنه ليس من حق الملك الزعم بأن سلطانه مُستمد من سلطان الله / . لأن الحقيقة أنه مستمد من سلطان الشعب . / هل مُلوكنا على مر التاريخ كانت لديهم هذه القناعة أم لا ؟ أي أنها مُستمدة من الله وإلى الآن ؟ 40 عاماً لا تكفيهم ؟
الفكرة المحورية للرسالة الثانية تدور حول " أصل المجتمع " مع بداية وجود بني البشر لم يكن هناك مجتمع .. الذي كان موجوداً هو ما يُسميه " جون لوك " حالة الطبيعة . حيث كل إنسان هو قانون نفسه – شريعة الغاب - .. ولذلك لم يكن هناك ثمة سلام , الضعفاء لم يكن لديهم ما يحميهم من الأقوياء , وفي نفس الوقت كان الأقوياء في ذعر من المنافسين . إذن كيف ؟
هذا الأمر أدى إلى تكوين مجتمع ب ( عقد اجتماعي ) . على ماذا ينص هذا العقد ؟
ينص على ( موافقة ) البشر على التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتي بإرادتهم " وليس على ظهر دبابة أو بثورة عامة تكون الدماء هي الحصيلة وتشوه وتلطخ وجه التاريخ .
مقابل ماذا ؟ مقابل أن يُحقق لهم الأمن والأمان , وليس بفرض قانون الطوارئ وحظر التجوال والاعتقالات والمداهمات وخراب البيوت وتكميم الأفواه وسلب الخيرات وتجويع الناس ..
ولكن هناك شرط : أن يكون سلطان الحاكم سلطاناً نسبياً وليس سلطاناً مطلقاً ..
إذن أحبائي : هذه هي نظرية العقد الاجتماعي , ومن هنا تكون مؤسسة على العَلمانية ..
في المقالة السابقة ذَكرنا تعريف العلمانية عن الدكتور مراد ولا بأس من التذكير بها لأجل ربط الفكرة : هي التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق .
وهناك سؤال " كيف تكون المفاهيم المترتبة على العقد الاجتماعي ؟
لا بد أن تكون مفاهيم نسبية بالضرورة , أول المفاهيم لنظرية العقد الاجتماعي هو :
مفهوم التسامح .. جون لوك لديه رسالة في التسامح نشرها عام 1689 قَبل كتابه / رسالتان عن الحكومة / بسنة ,, مع ملاحظة بأنه تم نشر الكتاب والرسالة دون ذكر المؤلف , لماذا ؟
لأن جون لوك مُتهم بالتورط ضد الملك , هرب من انكلترا إلى هولندا , الملك كان جيمس الثاني , كان كاثوليكياً متعصباً إلى الحد الذي أراد فيه أن يتحالف مع فرنسا وروما ,, بسبب تعصبه قام الشعب بثورة وخلعه عن عرشه .. اسم الثورة هو / الثورة الانكليزية المجيدة / على غرار ثورات أمتنا المجيدة ؟
ما هو التسامح عند جون لوك ؟ يقول الدكتور مراد وهبة ونقلاً عن رسالة التسامح :
أولاً : ليس من حق أحد أن يقتحم باسم الدين الحقوق المدنية والأمور الدنيوية .
ثانياً : فن الحكم ينبغي ألا يحمل في طياته أية معرفة عن الدين الحق .
ثالثاً : خلاص النفوس من شأن الله وحده .
رابعاً : الله لم يفوض أحداً في أن يفرض على أي إنسان ديناً معيناً .
" بشرفكم مو مثل حالنا في الشرق . ليس هناك فرق . ؟ أويلاخ يابا ( بالعراقي ) .. آه يا ربي ؟
ما هو المغزى من هذه العبارات – مهمة جداً - :
( أن التسامح يستلزم ألا يكون للدولة دين . منذ الخلافة ولحد الآن والدين حتى في المنام ؟
حتى لو كان هذا الدين من بين الأديان الأخرى – هو دين الأغلبية – لماذا ؟ لأنه لو حدث عكس ذلك – أي لو كان دين الأغلبية – مثل ماضينا وحاضرنا يا مسلمين يا أغلبية – فتكون هذه الأغلبية طاغية بحكم طبيعة الدين حيث هو مطلق ) .. هل أصبحت واضحة يا مسلمين ؟
الطاغية يحكم كونه إفرازاً من المطلق ( هو مطلق بالضرورة ) عندئذ لا تسامح و لا بطيخ ..
لأنه يمتنع بحكم أنه نسبي ولأنه من إفراز – العقد الاجتماعي – المؤسس على العَلمانية ..
إذن هناك علاقة عضوية بين التسامح والعَلمانية .
سبب خراب البلاد والعباد – فكرة الأغلبية – ومن خلالها تم إقصاء الأخر وأصبح بدرجة أدنى – لا يحق له أن يكون في أعلى السلطة حتى لو كان أعدل الناس و لا يكون حاكماً حتى لو كان أفضل من الأنبياء . وبذلك تسلطوا علينا وعلى الأقليات وعلى كل شيء ..
هذا التسامح لا يمكن أن يكون بلا حدود .. على رأي جون لوك ..
" ينبغي على الحاكم ألا يتسامح مع الآراء المضادة للمجتمع الإنساني " أو مع قواعد الأخلاق الضرورية للمحافظة على المجتمع المدني ...
هذا معناه أن التسامح " ينطوي على نقيضه وهو اللاتسامح .
أثَار الدكتور مراد وهبة هذه – الاشكالية – في مؤتمر إقليمي عقدته جامعة الدول العربية في نوفمبر عام 1981 تحت عنوان " التسامح الثقافي " وبسبب هذا العنوان كان هناك تخوف من المؤسسة الغربية التي كانت الداعم الأساسي لهذا المؤتمر ..
( تناول قضية التسامح يستلزم تناول قضية التعصب ) ..
وقد قِيل أن التعصب هو الذي أغتال السادات – وهو الذي يهدد الدولة بإحداث انقلاب .
هذا ما أشار إليه الدكتور مراد وهبة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر .. قال :
هذا المؤتمر سيواجه تناقضات عديدة .. من هذه التناقضات أن التسامح بلا حدود يدمر التسامح – وأن الإبداع إفراز من التعصب على نحو ما حدث لإبداع كوبر نيكس الخاص بنظرية – دوران الأرض –
هذه النظرية تم إبداعها في زمن كان محكوماً بمحاكم التفتيش في العصور الأوربية الوسطى .
كان هناك سؤال مطروح : هل بالإمكان رفع هذه التناقضات ؟
أجاب الدكتور مراد :
هذا السؤال يستلزم العودة إلى الجذور ولكن أية جذور ؟
هل هي جذور التسامح أم جذور عدم التسامح ؟ أو ألأدق التعصب لأنه هو الذي كان سائداً و لا يزال ..
أحبائي "
البحث عن جذور التعصب لم يكن من مهمة – نظرية العقد الاجتماعي – بل من مهمة المكون الثالث ألا وهو – التنوير – وسوف نتناوله في المقالة القادمة .. مع ملاحظة أن التنوير كان في القرن الثامن عشر .
إذن العَلمانية في القرن السادس عشر .
العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر .
التنوير في القرن الثامن عشر . وهو موضوعنا القادم .
/ ألقاكم على خير / .
#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟