أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نارت اسماعيل - دعوة لتغيير كلمات العزاء














المزيد.....

دعوة لتغيير كلمات العزاء


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3079 - 2010 / 7 / 30 - 08:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 استشهد طبيب فلسطيني كان متطوعآ في إحدى المنظمات الفلسطينية العاملة في لبنان
قصة استشهاده كانت مأثرة من مآثر البطولة والفداء، فهذا الشاب كان شيوعيآ مثل كل أفراد أسرته وكان متفانيآ في أداء مهامه التي تطوع من أجلها، وكان يزحف مسافات طويلة في أرض المعركة وتحت القصف الشديد ولا يلتفت لتحذيرات زملائه وذلك ليقوم باسعاف الجرحى أو يحاول سحبهم إلى منطقة آمنة إلى أن استشهد أثناء إحدى تلك المحاولات الجريئة
أخوه كان صديقآ لي وكان هو الآخر طبيبآ ويتدرب معي في قسم العيون
شكلنا وفدآ من أطباء الدراسات العليا وتوجهنا إلى بيتهم لتقديم واجب العزاء، كنا مجموعة مؤلفة من سنّة ومسيحيين ودروز ( كم أكره هذا التقسيم ولكنني مضطر له لخدمة الغرض من المقالة) وكنا طوال الطريق إلى بيتهم نتساءل حول أفضل كلمات العزاء التي سنقولها لهم بسبب الظرف الخاص كونهم شيوعيون لا دينيون وأيضآ بسبب ظروف الوفاة غير الاعتيادية والتي حدثت نتيجة استبسال وشجاعة فائقة
احترنا كثيرآ ولم نستطع الاتفاق على الكلمات التي سنقولها، فكلنا وعلى مختلف مذاهبنا نستعمل تعابير ذات دلالات دينية مثل: عظّم الله أجركم، الله يرحمه، جعل الله مثواه الجنة....
اقتربنا من منزلهم ولم نتفق بعد فتركنا الأمور تجري بدون اتفاق وحسب مقتضى الحالة
كنا نتخيل أننا سنجد الأب حزينآ منهكآ، والأم باكية تنتحب لنتفاجأ باستقبالهم لنا وهم بأجمل ملابسهم مبتسمين لا يبدو عليهم أي حزن، أخذونا إلى غرفته وعرضوا علينا صوره بمختلف مراحل حياته، وعرضوا أيضآ أشياءه ودفاتره ولوحاته فقد كان رسامآ بارعآ أيضآ، وصار الأب يشرح لنا بحماس شديد كيف استشهد وكيف كان مغوارآ مقدامآ لايهاب الموت وأنه كانت عنده رسالة في الحياة وهي تحرير وطنه والدفاع عنه، وصارت الأم تحكي لنا عن ابنها وصفاته الجميلة وكيف كان يحبها ويحن عليها ودائم الاتصال بها من لبنان
بعد ذلك قدموا لنا الحلوى والعصير وكانوا يظهرون لنا كل الحفاوة والسرور بزيارتنا لهم، وصرنا نحن أعضاء الوفد ننظر لبعضنا البعض محتارين مذهولين لا نعرف ماذا نقول لهم، كلما حاولت أن أقول شيئآ أجد نفسي سأنطق بكلمة لها دلالة دينية فأتوقف عن المحاولة
أليس من العيب أن نجرح مشاعر هؤلاء الناس الذين وهبوا ابنهم وقدموا كل هذه التضحية من أجل الوطن؟ والذي يظهرون كل هذه الوطنية والاخلاص لقضيتهم ومبادئهم؟
أليس من واجبنا أن نحترم معتقداتهم وقناعاتهم؟
الأب كان مسيطرآ بشكل واضح على نفسه، ولكن العين الفاحصة كانت تستطيع تبيّن الصراع الذي كانت تعيشه الأم المنكوبة والتي كانت تصارع مشاعر متناقضة، مشاعر الحزن البالغ على فقدانها فلذة كبدها من جهة، ومشاعر الفخر والاعتزاز الذي جلبه لهم استشهاد ابنها والمأثرة التي سطّّرها، توازن هش كانت تعيشه تلك الأم العظيمة، لم يكن هناك مجال للإخلال بهذا التوازن بكلمة خاطئة أو جملة غير مناسبة نقولها لهم
تناولنا الحلوى والعصير ثم وقفنا وعانقنا الأب والأم بكل ما نستطيع من حرارة وقوة ونحن نغالب دموعنا، لم نقل أية كلمة، لم نجد أية كلمة مناسبة، كان الموقف أكبر من كل الكلمات، عبّرنا عن مشاعرنا بعناقنا لهم والشدّ على أيديهم بحرارة
كانوا مسرورين بزيارتنا لأنها سمحت لهم أن يظهروا كل ما عندهم من حب وفخر واعتزاز بإبنهم، ولكني قبل أن ننصرف وجدت شيئآ أقوله، تلفت إليهم وقلت: شكرآ لأنكم أنجبتم هذا البطل، ثم أشحت بوجهي بسرعة حتى لا يلاحظوا اضطرابي
في طريق عودتنا، قال لي زملائي: شكرآ يا نارت، لقد أنقذتنا، والله لم نجد شيئآ نقوله لهم، كنا سنخرج من عندهم بدون أن نقول ولو كلمة واحدة!
علينا أن نعلم أولادنا كلمات أخرى للعزاء غير تلك التي مازلنا نستعملها
هل من اللائق أن نقول لأم الشهيد: الله يرزقه الجنة؟
هل من المعقول أن نحول الشهادة دفاعآ عن الوطن إلى مقايضة وتجارة؟ ويا ليتها تجارة مربحة، فما قيمة الجنة وأشجارها وأنهارها وحورياتها أمام مبادئ إنسان عظيم؟
علينا أن نحسن العزاء فليس من اللائق أن نعزّي بشهيد مثلما نعزّي بإنسان مات من تخمته.



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين زمنين
- أي الحدود أهم؟ حدود الوطن أم حدود الله؟
- أخبار سارّة من بلدي
- الطائر الحر
- أغاني وذكريات
- هل مازال الدين أفيون الشعب؟
- رد على مقالة الكاتب سعيد مضيه (لمن تقرع أجراس الليبراليين ال ...
- ترقية فتاة قبيسيّة
- العبور إلى الضفة الأخرى
- نعم، إنهم مزعجون
- مأساة تهجير الشراكس
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء
- أقوال خالدة لعمرو خالد
- علموا أولادكم احترام المرأة


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نارت اسماعيل - دعوة لتغيير كلمات العزاء