أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نارت اسماعيل - العبور إلى الضفة الأخرى














المزيد.....

العبور إلى الضفة الأخرى


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3021 - 2010 / 6 / 1 - 16:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل ذهابي إلى السعودية كانت ما تزال عندي بعض الشكوك والتساؤلات التي تؤرقني حول الإيمان والشك، كنت أشعر بالضيق لأنني مختلف عن الناس المحيطين بي وأتساءل، هل من المعقول أن كل هؤلاء الناس مخطؤون وأنا على حق؟ أين المشكلة؟ لماذا أنا مختلف عنهم؟
كنت مستعدآ للعودة إلى الإيمان بشرط أن يتم إقناعي بالعقل والمنطق وليس بالتهديد بالنار وعذاب القبر وتلك القصص الساذجة، تلك التهديدات لم تكن تعني لي شيئآ، ما كان يقلقني هو خوفي أن لا أكون فتحت عقلي بشكل كاف للإيمان، كنت بحاجة للتأكد من الأمر لكي أنتهي من هذه المسألة ويرتاح عقلي
عندما ذهبت إلى السعودية للعمل كان أول شيء عملته هو ذهابي إلى الحرم المكي
ذهبت إلى هناك لسببين، الأول هو الفضول لرؤية ذلك المكان، والسبب الآخر هو الرغبة بسد آخر الثغرات التي مازالت في عقلي حول الإيمان والشك، كنت أريد أن أعطي نفسي فرصة أخيرة، كنت أعتقد أن ذهابي إلى الحرم والتجول فيه قد يمنحني بعض الإشارات، قد يفتح بعض القنوات في عقلي
عندما دخلت إلى الحرم كنت صادقآ مع نفسي، كنت منفتحآ ومعاهدآ نفسي أن أقبل بكل النتائج، كنت وأنا في طريقي إلى هناك أناجي ربي بصدق وأقول له: ها أنذا يا ربّ ذاهب إلى بيتك، بنيّة صادقة وقلب منفتح، سأكون بين يديك فاشرح لي صدري وأرشدني إلى الحقيقة، لاأريد أن تنزل من عليائك إلي، ولكن أعطني أية إشارة، أي شيء يدلني على وجودك وسأعبدك كما لم يعبدك أحد من قبلي
قضيت مدة لابأس بها في الحرم وتجولت في أقسامه واقتربت من الكعبة ومن الحجر الأسود، راقبت الناس وهم يطوفون ويتدافعون للمس الحجر الأسود وتقبيله
لم يحصل شيء غير عادي عندي، انبهرت بالمكان، برخامه وأضوائه وبذخه ومآذنه العالية، ولكن لاشيء غير ذلك، لم أشعر بأية روحانية أو خشوع أو أية مشاعر أخرى كتلك التي يصفها الناس المتدينون عند عودتهم من الحج والعمرة
لم أشعر بأية قدسية للمكان، لم أشعر بالأصالة ولا بعبق التاريخ، كل شيء مصطنع، حديث، متكلّف، غريب وحتى عدائي، الناس بلباسهم ومظهرهم الذي يعيدك إلى عصور المماليك وسلاطين الفاطميين يوحون لك بالسذاجة والغرابة، تشعر برائحة التملق والزيف، كيف لا والصلاة هنا في الحرم بمئة ألف صلاة في مكان آخر؟!
أجد هنا رجلآ جالسآ يتثاءب منتظرآ الصلاة القادمة ليملأ ميزان حسناته، وآخر هناك منشغل بأصابع قدميه يستخرج من بينها حصاد اليوم المتراكم
شعور بالسذاجة، هذا هو الشعور الذي كان يقتلني، سذاجة الناس الذين أشاهدهم وسذاجة المكان رغم كل الأموال الهائلة التي وضعت لإخراج هذا الصرح بهذه الضخامة، ولكن مكان عبادة مهترئ صغير في جبال البيرينية أو جبال الهيمالايا كان يمكن أن يحرك مشاعري أكثر من هذا الصرح الضخم الغريب، تشعر في مكة وكأنهم نقلوا مدينة هونج كونج بدون سكانها إلى الصحراء وأسكنوا فيها أناسآ من عصر أقطاي وشجرة الدر، كوكتيل رهيب مصنوع من التفاح والخيار والبصل، إشربه إن استطعت
لم أشعر بأي انتماء لهؤلاء الناس أو لهذا المكان، لم ينشرح صدري لهذا المكان، شعرت بأنني غريب وقررت الخروج، لم يفعل هذا الإله المزعوم شيئآ ليرشدني، لم يكن له أي وجود، بحثت عن أقرب بوابة للخروج وفي تلك اللحظة بدأ المؤذن يؤذن للصلاة، أسرعت بالخروج حتى لا أتورط بالصلاة معهم، صارت الجموع تتدفق عبر البوابات بينما أنا أسير بعكس التيار، حتى خارج الحرم كنت أزاحم أفواج الناس المتدفقين وأتلقى نظرات الاستغراب والاستهجان
في المستشفى الذي عملت فيه في السعودية كانت هناك مكتبتان، مكتبة علمية ومكتبة دينية، لم أترك كتابآ في المكتبة الدينية لم أستعره وأقرؤه لدرجة أن مدير المكتبة وهو نفسه كان إمام مسجد المستشفى كان يمازحني ويقول لي: يا دكتور لم تترك كتابآ في المكتبة لم تقرؤه ومع ذلك لم أجدك ولا مرة واحدة تصلي معنا في المسجد، كنت أتهرب من الإجابة وأبتسم وأقول له: إن شالله
كنت كلما قرأت أكثر، ابتعدت أكثر، هنا أيضآ كنت صادقآ مع نفسي، كنت أبحث في هذه الكتب عن أية بذرة صغيرة أو غرسة صغيرة للإيمان، ليس من الضروري أن تكون شجرة كاملة، ولكنني لم أجد شيئآ
وصلت أخيرآ إلى نقطة اللاعودة، ارتاحت نفسي وزال قلقي، لقد عبرت إلى الضفة الأخرى، كم شعرت بالسعادة عندما وصلت إلى هناك، شعرت بالسعادة لأنني عبرت بجهدي وتعبي وليس بتقليد إنسان آخر أو بسبب نزوة عابرة
شعرت بالتميز والفخر لأنني خرجت من ذلك القطيع البائس، لأنني لم أقع في المصيدة و لأنني صرت إنسانآ حرآ واثقآ من نفسه ومن أفكاره وقناعاته
ما أروع هذا الشعور، صرت أنظر ورائي وأراقب بقية الناس الذين مازالوا هناك وأستغرب لماذا لا يحاولون مثلي؟ ما الذي يعجبهم ويبقيهم هناك؟ كيف لا يشعرون بالبؤس الذي هم فيه؟ صرت اتخيل نفسي أخاطبهم: مابالكم يا ناس لا تسبحون إلى الحرية؟ لماذا لا تبذلون بعض الجهد بحق أنفسكم؟ آه لو تعرفوا كم هو جميل المكان الذي أنا فيه
صرت كثيرآ ما أتجادل معهم وكثيرآ ما ترتفع الأصوات وكانت زوجتي دائمة الشجار معي حول هذا الموضوع، كانت تهدئ من حماسي وتقول لي: هؤلاء الناس هم أهلنا، أصدقاؤنا، إخوتنا، لا يحق لك أن تهين أحدآ منهم أو ترفع صوتك على أحدهم، اعتبرهم ضحايا، مساكين، مرضى، أي شيء ولكن لا تتعامل معهم بفوقية أو باحتقار
كنت أقول لها: ولكنني أريد لهم الخير، أحاول مساعدتهم، أريد أن ينعموا بالنعمة التي حصلنا عليها أنا وأنت
ترد زوجتي: ومن قال لك إنهم ليسوا سعيدين بحياتهم؟ بل ويشفقون عليك أيضآ؟!



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم، إنهم مزعجون
- مأساة تهجير الشراكس
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء
- أقوال خالدة لعمرو خالد
- علموا أولادكم احترام المرأة
- البيئة- الإله- المرأة
- رأي شخصي في الختان عند الذكور
- سامحها يا أبو هشام
- عن أي إرهاب يتحدثون؟
- ما هو الحل مع هؤلاء الناس؟
- الحل قادم من الغرب
- إن شاء الله
- تساؤلات فتاة محجبة رغمآ عنها
- مذكرات قلب – الجزء الثاني


المزيد.....




- الاحتلال يهدم غرفة زراعية ويواصل إغلاق مداخل سلفيت ومستعمروه ...
- المفتي قبلان: عدم التضامن مع إيران يعني خسارة العرب والدول ا ...
- بعد سنوات من الصمت.. “الجمل” يعيد الروح الرياضية للمؤسسة الع ...
- العراق يدعم اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسطنبول ب ...
- ريشون ليتسيون أول مستوطنة لليهود في فلسطين
- وزير خارجية إيران يدعو الدول الإسلامية للتحرك ضد إسرائيل
- هل عارض ترامب خطة إسرائيلية لقتل المرشد الأعلى الايراني؟
- “ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 على جميع ا ...
- إعلامي مصري شهير يتهم الإخوان المسلمين بالتعاون مع إسرائيل
- إيران تفتح المساجد والمدارس للاحتماء من ضربات إسرائيل


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نارت اسماعيل - العبور إلى الضفة الأخرى