أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - أغاني وذكريات














المزيد.....

أغاني وذكريات


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3043 - 2010 / 6 / 24 - 00:50
المحور: سيرة ذاتية
    


مرّ بي يا واعدآ وعده
مثلما النسمة من بردى
تحمل العمرتبدّده
آه ما أطيبه بددآ
عندما أسمع هذه الأغنية الجميلة لفيروز، ينقبض صدري ويعود بي الحنين إلى أيام الطفولة
كنت أذهب مع أصدقائي أيام الجمعة في أشهر الصيف إلى مسبح الربوة قرب دمشق، كنا نمشي بمحاذاة نهر بردى حتى نصل بعد حوالي ساعة من المشي إلى منطقة الربوة حيث يقع المسبح الجميل الهادئ على جبل صغير، لم نكن بعجلة من أمرنا فالمشوار بحد ذاته كان ممتعآ، قبل أن ننعطف باتجاه المسبح كنا نلقي نظرة على صخرة عالية تقع على الطرف الآخر من الشارع كتب عليها عاشق مجهول قبل أن يرمي بنفسه ويدق عنقه: (لن أنساك أبدآ اذكريني دائمآ).
كان المشرفون على المسبح يذيعون هذه الأغنية باستمرار مع أغان أخرى لفيروز، لذلك انطبعت هذه الأغنية الرقيقة في ذاكرتي لتذكرني دائمآ بنهر بردى ومسبح الربوة وتلك الأيام الخوالي
نهر بردى وقبل أن يعبر دمشق يتفرع إلى سبعة فروع، أحد هذه الفروع وهو(فرع يزيد) كان يمر من حيّنا، كان نهر يزيد يأخذ كل سنة صبيآ واحدآ على الأقل غرقآ من شدة جريانه، الآن أصبح مجرد قناة فارغة من المياه مليء بالقاذورات والجرذان ومياه المجاري
أحيانآ كنا نصطاد فراخ السمك من النهر وكذلك البلاعيط (شراغيف الضفادع) والتي كنت أحضرها إلى البيت وأضعها في حوض الزرع الكبير والذي كنت أسقيه بالماء باستمرار وأراقب تحول الشراغيف خلال عدة أيام إلى ضفادع كاملة، في البدأ كان ذيلها يضمر شيئآ فشيئآ ثم تظهر الأقدام الأمامية ثم الخلفية لتتحول إلى ضفدع صغير سرعان ما يضيع أثره بعد ذلك
كنا عند انصرافنا من المدرسة نمر أحيانآ بالبساتين القريبة لنسرق المشمش من الأشجار، وأحيانآ نتسلل إلى الطاحونة المقامة على( نهر تورا )، وهو فرع آخر لنهر بردى، والتي يطحنون فيها جذور العرق سوس، فنسرق غصنآ ونهرب به ثم نقطعه قطعآ صغيرة نتقاسمها ونمصّها بتلذّذ، هذه البساتين صارت اليوم غابات اسمنتية

طفولة مليئة بالأحداث والمغامرات وحتى المخاطر، كثيرآ ما كنا نشجّ رأسنا أو نجرح إصبعنا
أطفال اليوم يقضون أوقاتهم في البيت متسمّرين وراء ألعابهم الالكترونية وشاشات كومبيوترهم، حتى عندما يرافقون أهلهم إلى أي مكان تجدهم مشغولين بموبايلهم أو آيفونهم
إذا كلمت أحدهم ينظر إليك فاغرآ فمه لأنك أخرجته من عزلته مع جهازه

سائليني يا شآم
حين عطّرت السلام
كيف غار الورد واعتلّ الخزام
وأنا لو رحت أسترضي الشذا
لانثنى لبنان عطرآ يا شآم
تذكرني هذه الأغنية بأيام الصيف في السبعينات عندما كانت فيروز تتوّج أيام معرض دمشق الدولي بإقامة مسرحية من مسرحياتها في مسرح المعرض، لم نكن نملك ثمن تذاكر تلك المسرحيات ولكننا كنا نسمعها من خارج المسرح ونحن نستمتع برذاذ مياه النوافير المضاءة بإضاءات ملونة والتي كانوا ينصبوها وسط مجرى نهر بردى المحاذي لمكان المعرض
في إحدى زياراتي لبلدي وبعد مدة طويلة من الغياب أبديت لأختي رغبتي الملحّة بزيارة الحي الشعبي الذي ترعرعنا فيه وقضينا فيه طفولتنا، نصحتني أختي أن لا أفعل ذلك، قالت : من الأفضل أن تحتفظ بذكريات الطفولة الجميلة لأنك لو ذهبت إلى هناك فسوف تصاب بالصدمة
لم أستمع لكلامها وذهبت إلى هناك سيرآ على الأقدام ولكني ما أن وصلت إلى منتصف الطريق حتى عدت أدراجي، فعلآ كل شيء تغير وللأسف إلى الأسوأ، كل شيء أصبح أصغر، أضيق، أقذر، مزدحم أكثر، القمامة أكثر والذباب أكثر
حي أبو رمانة الراقي بشوارعه الجميلة النظيفة وأشجاره المقلمة وهدوئه الساحر، كنا نذهب إليه عندما كنا صغارآ لنشاهد الفتيات يرتدين الميني جوب وآخر صيحات الموضة والأناقة، أصبح هذا الحي اليوم مزدحمآ بالسيارات، بيوته علاها الغبار وعفّرها دخان عوادم السيارات، ضجيج، زمامير، حتى الأشجار أصبحت معفّرة بالغبار والشحّار، السيارات المركونة على الأرصفة تمنعك حتى من المشي بهدوء على الأرصفة، فتضطر للمشي على الطريق، ربما تكون دمشق المدينة الوحيدة التي يمشي فيها الناس على الطريق وتقف السيارات على الرصيف! لن تجد اليوم فتاة واحدة بالميني جوب، لن تجد إلا قبيسيات ومنقبات وقليل من غير المحجبات
كلما ذهبت إلى مكان لاهثآ وراء ذكرى قديمة، لا أحصد غير المرارة والخيبة
لماذا تحتفظ مدن الغرب برونقها، والزمن يزيدها جمالآ وعراقة، بينما مدننا تتعفر وتتغبّر مع مرور الزمن؟
ليست فقط الأماكن هي التي تغيرت، ولكن الناس أيضآ تغيروا
في تلك الأيام، كان كل إنسان عنده أحلام كبيرة، قد يحققها أو لا يحققها، ولكنه كان يملك أحلامآ
أما اليوم، إذا مشيت في شوارع المدينة، يا ترى كم من الناس الذين تصادفهم يملك أحلامآ كبيرة؟
لقمة العيش صارت هي الحلم



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل مازال الدين أفيون الشعب؟
- رد على مقالة الكاتب سعيد مضيه (لمن تقرع أجراس الليبراليين ال ...
- ترقية فتاة قبيسيّة
- العبور إلى الضفة الأخرى
- نعم، إنهم مزعجون
- مأساة تهجير الشراكس
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء
- أقوال خالدة لعمرو خالد
- علموا أولادكم احترام المرأة
- البيئة- الإله- المرأة
- رأي شخصي في الختان عند الذكور
- سامحها يا أبو هشام
- عن أي إرهاب يتحدثون؟
- ما هو الحل مع هؤلاء الناس؟


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - أغاني وذكريات