|
الكرد في المشهد السياسي العراقي
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3044 - 2010 / 6 / 25 - 10:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحن نعيش اليوم إشكالية بالغة الصعوبة والتعقيد في العراق عموماً وفي اقليم كردستان خصوصاً ، فمن ناحية ليس من المعقول ولا من المُنصف ، ان نتخلى عن كل ما حصلنا عليه من مكاسب مشروعة بعد 1991 نتيجة التضحيات الكبيرة ، بل ليس من حق حتى القيادات السياسية الكردية ان تتنازل عن حقوق الشعب الكردي المُكتسبة او وضعها على طاولة التفاوض والمساومة عليها . وفي المُقابل هنالك إتجاه قوي في الساحة السياسية العراقية ، يَعتقدُ ان الوضع الحالي في اقليم كردستان العراق ، شاذ وغير طبيعي ، وان الكرد إستغلوا التغيير الذي حصل في 2003 ووضعوا في الدستور مواد وفقرات هي بمثابة قنابل موقوتة تُساهم في بقاء العراق ضعيفاً والاقليم قوياً !. الذين لديهم " هذا الفهم " للوضع ، ليسوا فقط من بقايا البعث او من الحركات القومية العربية التي ظهرت بعد 2003 ، بل ان العديد من حلفاء الكرد السابقين سواء من الشيعة او السنة ، قد إتخذوا مواقف متصلبة في كثير من المفاصل . فالجعفري عندما كان رئيساً للوزراء هو الذي وضع العِصي في دولاب المادة الدستورية 140 بتشجيعٍ ودعم من التيار الصدري ، فخلقَ بذلك سابقةً أسّس عليها اللاحقون سياسة المراوغة والزوغان من تنفيذ الإلتزامات تجاه الكرد . أعقبه المالكي " الذي ساهم الكرد بصورةٍ كبيرة في تسنمهِ منصب رئيس الوزراء " في تقديم الوعود ولكنهُ لم يفِ بها لحد الآن ورضخ لضغوط التيارات المُعادية لحل القضايا العالقة بالطرق الدستورية . علاوي وحلفاءه الجدد بالتحديد الذين جُلهم من القوميين العرب ، لايعترفون اساساً بالفيدرالية وينكرون معظم حقوق الشعب الكردي . الاساس الذي إعتمدَ الكرد عليهِ في المشاركة الفاعلة في عملية الاطاحة بالنظام السابق ، هو حصولهم على "الفيدرالية" ضمن عراقٍ إتحادي والموافقة المبدئية من الاطراف الفاعلة في المعارضة العراقية السابقة ، على عودة كركوك وبعض المناطق الاخرى الى الاقليم ، وكل ذلك بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة الامريكية الراعية الرئيسية للمعارضة آنذاك . أعتقد انه رغم النواقص الكبيرة والبنيوية في تجربة اقليم كردستان ، منذ 1991 ، فان الاستقرار النسبي وخصوصاً بعد سنة 2000 ونهاية النزاعات الداخلية المسلحة ، والوضع الامني المقبول وتحسن الخدمات بعد 2003 ، خلقَ واقعاً لا يُمكن لأي مواطنِ عراقي ان لايرى البون الشاسع بين الاقليم وبين باقي مناطق العراق . صحيحٌ ان هنالك بعض المظاهر الجزئية التي تبدو فيها ( آليات ) الحُكم في العراق أفضل منها مقارنةً باقليم كردستان ، وعلى رأسها ، مجالس المحافظات ، هذه المجالس التي تُمارس في كثيرٍ من المدن صلاحياتها الرقابية على السلطة التنفيذية المتمثلة بالمحافظ والادارة عموماً ، بينما هي في اقليم كردستان مجرد ديكور ليس أكثر وواجهة لنفس الحزبَين اللَذين يسيطران على كل السلطات . وكذلك الشفافية والكشف عن مصادر الفساد المتنوعة والفضح العلني للفاسدين ومحاولة تقديمهم للعدالة ، هي أكثر نشاطاً وفاعلية في بقية العراق . إلا ان الوضع الامني المستتب الى درجةٍ كبيرة ، ونشاط الشركات الاستثمارية الاجنبية [ مع الاشارة الى إهمال جانب التصنيع والانتاج والتركيز على العقارات والجوانب الاستهلاكية ] ، أدى الى إنتعاش " ولو شكلي " إقتصادي يعود مردوده على بعض قطاعات المجتمع . وأرى انه من الطبيعي ، إذا خُيِرَ المرء بين وضعٍ أمني مستقر مع درجةٍ معقولة من الخدمات مشفوعةٍ بإحتكار السلطة وفسادٍ مالي واداري واسع " وهذا هو الواقع التقريبي لكردستان العراق " ، وبين وضعٍ تسودهُ الفوضى الامنية وسوء الخدمات والفساد مع هامشٍ واسع لإنتقاد الحكومة والسلطات في الشارع والإعلام " وهذا قريبٌ لواقع العراق اليوم " ، من الطبيعي ان نميل الى تفضيل الخيار الاول . ومن المؤسف حقاً ان لاتتوفر للعراقي سواء في بغداد اواربيل لغاية اللحظة ، إمكانية ان يختار الوضع الامني المستتب مع الخدمات الجيدة مع الحريات المكفولة دستورياً مع العيش الكريم والنزاهة والشفافية ، كلها معاً رزمةً واحدة ، وكأنه حُكِمَ علينا أبدياً ، ان تكون لنا خَيارات ضيقة فقط !. فترةٌ كافية مّرتْ ، تجعلنا مؤهلين لكي نفكر بتمعن ولا نصدر أحكاماً متسرعة وإنفعالية . فمن جانب الكرد عموماً ، من الصعب تماماً العودة الى الوراء أي الى ماقبل 2003 او 1991 . فهنالك ربع سكان الاقليم تقريباً من الذين ولدوا وترعرعوا ونشأوا ، بعيداً عن حكم صدام وحزب البعث ، وهذه النسبة في إزدياد تصاعدي . وكذلك مواطني كركوك واجزاء من الموصل وديالى وصلاح الدين ، لايُمكن تجاهل التغيير الحاصل منذ اكثر من سبع سنوات ، وحقيقة ان معظم الكرد في هذه المناطق يريدون الإنضواء تحت سلطة اقليم كردستان . إضافةً الى مجموعةٍ من الامور المُرتبطة بالوضع الحالي في الاقليم ، مثل الثروات الطبيعية والنفط والعقود مع الشركات الاجنبية ، وحصة الاقليم من الميزانية العامة للدولة ، حرس الاقليم او البيشمركة وكيفية التعامل مع وجودهم الفعلي منذ سبع سنوات في عدة مناطق من التي تُسمى " متنازع عليها " ، آلية تمثيل الاقليم في الخارج والتمثيل الاجنبي في اربيل ، تحديد حدود الاقليم ...الخ . معظم هذه الامور البالغة الاهمية هي في الحقيقة ، ربما لا تندرج تحت أي " تجارب فيدرالية " في العالم ، وهذه هي ( الحجة ) التي يستعين بها المُعادين لواقع اقليم كردستان الحالي ، قائلين بان هذه ليست فيدرالية بل تتعدى حتى الكونفيدرالية !. وكأن الأمثلة الفيدرالية المُختلفة في العالم هي قوالب جامدة ونهائية وينبغي تقليدها بدقة ، متناسين ان كل حالة منفردة لها خصوصياتها وظروفها . ان إختيار الكرد الواعي لعراقٍ فيدرالي إتحادي ، ودورهم البارز في كبح جماح التيارات الاسلامية المتنفذة بعد 2003 ، وكونهم المُعادل الحسن التنظيم، المدني والعلماني المُعتدل لكل الاتجاهات المتطرفة الشيعية والسنية ، هو في صالح العراق كله . ولكن كما يبدو فان " إقتناع " الاطراف الاخرى في العملية السياسية ، بخصوصية الوضع الكردي في العراق الجديد والقبول بواقع تميز الاقليم ، يحتاج الى وقتٍ اطول ، وصبرٍ اكثر وجهدِ إضافي ، مِنْ قِبَل حكومة وبرلمان الاقليم ، لإثبات ان قوة الاقليم هي قوة للعراق كلهِ ، والبرهنة على ان التجربة الحالية ربما ستكون رائدة على مستوى العالم ، يُستفاد منها في مناطق اخرى ايضاً !. فما المانع ان تصبح تجربة اقليم كردستان العراق إنموذجاً يُقتدى بهِ في أماكن اخرى من العالم ، لحل المشاكل والصراعات بالأساليب السلمية ؟ وكم سيكون من المفيد للعراق الاتحادي ولعرب العراق تحديداً ان يكونوا رُعاة ومؤازري هذه التجربة الفريدة ؟ المشكلة هي انه لايزال الاتجاه الطاغي في الساحة السياسية العراقية في جانبها " العربي " ، هو عدم تقّبل فكرة تقاسم فعلي للسلطة والثروة مع الكرد ، هو عدم إستيعاب ان يكون للكرد دورٌ مؤثر في بغداد في نفس الوقت الذي تكون فيه فُرص تواجد النشاط السياسي " العربي " شبه معدومة في اقليم كردستان !. أعتقد ان الكرد ، إذا إستطاعوا ان يُطوروا أداءهم السياسي في المرحلة القادمة ، من خلال الفهم الصحيح للحراك السياسي الاقتصادي الاجتماعي ، محلياً واقليمياً ودولياً ، والتعامل المرن مع المستجدات ، فان العراق الجديد سيكون بحاجة ماسة الى دَورهم المُعادل والايجابي والتقدمي .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهرات البصرة ..بداية الإنتفاضة
-
- ألا يُسبب ضرراً للغنم ؟!-
-
دُمىً مطاطية لقادة العراق ، لتخفيف الغضب !
-
كرة القدم في العراق !
-
العدوان التركي الايراني على إقليم كردستان
-
الادباء الليبيون يرفضون الجلوس مع العراقيين !
-
الرئيس الألماني قال - الحقيقة - !
-
لا بُدّ من التفاهم بين الكُرد و -العراقية-
-
.. حتى يأكل الرز باللبن !
-
- المقارنة - مَصدر كل المشاكل !
-
ساعة في الفضائيات العراقية : بارقة أمل
-
محافظة دهوك : ضُعف الحِراك السياسي
-
إستقالة الساعدي ، هل بدأتْ الإنشقاقات ؟
-
حسن العَلوي يأكلُ من كَتفَين
-
ألحقيقة
-
انقذ العراق يا عمرو موسى !
-
حُكامُ الكويت يلعبونَ بالنار !
-
إنهم لايشترونَ الشعبَ بِعُقبِ سيجارة !
-
المُطلك يحلمُ بصوتٍ عالي !
-
الكونفرنس الوطني للمرأة الكردية
المزيد.....
-
هل يثير اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران زخما لوقف ح
...
-
أول اعتراف رسمي.. وزير الخارجية الإيراني: أضرار كبيرة طالت ا
...
-
مصادر إسرائيلية تتحدث عن قتال صعب وإجلاء جنود جرحى بخان يونس
...
-
هل تجبر عمليات المقاومة نتنياهو على إبرام صفقة شاملة في غزة؟
...
-
تزايد اختطاف الأطفال على يد جماعات مسلحة بموزمبيق
-
فتح الحدود بين إريتريا وإثيوبيا دون إعلان رسمي.. ما القصة؟
-
دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازون
-
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
-
انقسام في الكونغرس بعد أول إفادة بشأن ضرب إيران
-
البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|