صباح ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 22:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الجزء الاول
بعد اجتباح القوات العراقية للكويت في 2 آب 1991، تصاعدت وتيرة التهديدات الامريكية للعراق ، والتلويح بطرد الجيش العراقي من الكويت بالقوة العسكرية ان لم ينسحب منها .
لم يذعن صدام حسين للتهديدات ، ولم يصغ لوساطات رؤساء الدول العربية والاجنبية ونصائحهم ، واصرا على البقاء في الكويت واعتبارها جزءً من الارض العراقية .
اصدر مجلس الامن قرارته المتتالية بوجوب انسحاب العراق بلا قيد او شرط ، او سيتم ذلك باستخدام الوسائل العسكرية ان اقتضت الضرورة. وقد تم تخويل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها باستخدام القوة العسكرية ، لطرد الجيش العراقي من الكويت .
بدأت امريكا بحشد جيوشها البحرية والجوية والبرية مع 28 دولة من حلفائها، في الخليج العربي والسعودية والاردن وقطر والكويت وفي البحر الاحمر والابيض المتوسط وتركيا ، وكانت كل قواعدها العسكرية في دول المنطقة بحالة استعداد قتالي تام .
تم انذار العراق للانسحاب من الكويت ، ولم يذعن صدام حسين للانذار. كان عدد القوات المتحشدة ضد العراق من حاملات الطائرات والبوارج الحربية والطائرات القاذفة والمقاتلة وقوات المارينز بأعداد تكفي لشن حرب عالمية ثالثة ، وليس لمهاجمة دولة صغيرة من دول العالم الثالث.
حذرت امريكا صدام حسين من التهور واستعمال اسلحته الكيمياوية ضد قوات التحالف لانها سترد بالاسلحة الغير تقليدية مقابل ذلك . وهذا ما ارعب الشعب العراقي . امر صدام ببناء المتاريس والاستحكامات في المدن العراقية ، ووزع الاسلحة على كافة اعضاء حزب البعث بكافة درجاتهم . استعدادا لخوض حرب شوارع في حالة دخول قوات التحالف داخل المدن العراقية.
كانت ماكنة الاعلام والدعاية البعثية تعمل ليل نهار لرفع معنويات الشعب والجيش للاستعداد للحرب القادمة ، ولكن الشعب والجيش كان قد يئس من مغامرات صدام الطائشة بعد خوضه حربا ضروسا لثمان سنوات مع ايران قدمت فيها كل عائلة عراقية شهيدا او اكثر. ولم تكن معنويات الشعب ولا الجيش في مستوى المعركة .
لانه يعرف مسبقا انه يخوض حربا خاسرة ضد اقوى قوة عسكرية في الارض .
كان الشعب لاحول ولاقوة لديه امام طغيان دولة الامن والمخابرات والحرس الخاص والامن الخاص و فدائيي صدام وجيش القدس المكرسة كلها لحماية صدام وبقاء نظامه على سدة الحكم . ومن يعترض يكون مصيره التعذيب او غياهب السجون او الاعدام ودفنه بالمقابر الجماعية مجهول الهوية .
خططت معظم العوائل العراقية للهرب من بغداد والمدن الرئيسية الى الارياف والمدن البعيدة ، خوفا من القصف الجوي او التعرض لحرب الغازات الكيمياوية اذا ما نشبت الحرب.
اخبرني عديلي ( المتزوج من شقيقة زوجتي) ان لديه صديقا في مدينة تلكيف احدة مدن محافظة نينوى كان يستظيفه في بيته كلما زار تلك المدينة ، وقال انه سيلجأ اليه في تلك المدينة الامنة البعيدة عن مسرح القتال مع زوجته وامها ( حماتي ) اذا ما نشبت الحرب ، وطلب مني ان اذهب الى هناك وفي نفس الدار ايضا مع عائلتي حتى ينجلي غبار المعركة ، واتفقنا على ذلك .
في ليلة بدء الحرب ، استيقضنا في تمام الساعة الثانية صباحاً على اصوات القذائف الصاروخية وهي تدك القصر الجمهوري ومعسكرات الجيش ومصانع التصنيع العسكري ومحطات توليد الكهرباء وغيرها . انقطع التيار الكهربائي بسبب القصف .
اعددنا العدة كي نهرب من بغداد في اول ضوء الصباح ، فجمعنا احتياجاتنا من مواد غذائية وافرشة وغيرها وحملناها في السيارة بانتظار بزوغ ضوء النهار .
اتصلت بالهاتف مع عديلي لاعرف هل انطلق الى نينوى ام بعده . لكن خط الهاتف كان مقطوعا بسبب قصف منشآت البدالات.
توكلنا على الله ، وانطلقت مع زوجتي واتنين من ابنائي ، وكان ابنائي الاخران عسكريان وبالانذار وكل في واجبه وموقعه العسكري .
وصلنا مدينة الموصل ليلا، والظلام يخيم على المدينة بعد ان قصفت محطات توليد الكهرباء في معظم مدن العراق. وكان الجو ممطرا وكئيبا ، الشوارع خالية من الناس والسيارات . مررنا بالقرب ممن فندق نينوى ، فاقترحت زوجتي ان نبيت تلك الليلة في الفندق لان الوقت امسى ليلا والظلام حالكا والشوارع يخيم عليها السكون والجو ممطرا ، ونحن لا نعرف الطرق في الموصل ولاندري طريق مدينة تلكيف التي نقصدها . لاكني رفضت طلبها بعناد لا ادري له سببا . واستمرينا بالمسير مهتدين بلوحات الارشاد المرورية في الطرق لنصل الى هدفنا .
في الطريق الخارجي المؤدي الى مدينة تلكيف ، كان الطريق موحشا ومقفرا خالي من السيارات ، لاضوء فيه ولاسيارة تسير فيه ، بدأت مشاعر الخوف والوساوس تلعب في مخيلة زوجتي، وكانت تضن ان ذلك الجو يساعد اللصوص وقطاع الطرق من ايقاف سيارتنا اوتسليبنا او حتى قتلنا في ساعات الليل الرهيبة حيث لانسمع فيها الا صوت نباح الكلاب في البساتين القريبة من الطريق . واعادت زوجتي مع البكاء طلبها بالعودة الى الموصل لان الطريق اصبح مخيفا وموحشا . ولم اكن اسمع توسلاتها لاني كنت مصمما على ان اصل تلكيف باسرع ما يمكن وكنت اطمانها في كل لحظة اننا قد وصلنا ، والمدينة اصبحت قريبة جدا ، ولكن الحقيقة كان الطريق لازال طويلا امامنا .
زاد المطر انهمارا، والظلام سوادا، حتى دخلنا المدينة المقصودة كملجا لنا .
واخيرا تنفست الصعداء ، ولكن واجهتني معظلة اخرى ، لا اعرف المدينة ولا البيت الذي اقصده لانها اول مرة لي ازور هذه المدينة في حياتي . كل ما اتذكره ان عديلي قال ان بيت صديقه يقع قرب خزان الماء العالي في وسط المدينة . وصلت قرب الخزان ، كان هناك عشرات الدور متراصة مع بعضها ، فاي دارمنهم هو؟
انتظرت قليلا في الشارع المظلم الخالي من الناس ، حيث كل فرد قد التجأ الى منزله خوفا ورعبا من الحرب وآثارها المدمرة . فقط بصيص نور من شموع وفوانيس نفطية تظهر من خلف النوافذ . وفجأءة ظهرت لي فتاة في الطريق ، فطلبت منها ان تدلني على بيت ( فلان ) ، اشارت الى البيت وقالت انه هناك .
طرقت الباب عدة طرقات ، وبعد لحظات سمعت صوتا نسائيا خائفا ، من الطارق ؟
قلت لها : لقد جئت وعائلتي توا من بغداد ، وان عديلي ( فلان) صديق لعائلتكم وقد جاء اليكم من بغداد ، فهل وصل اليكم
اجابتني بتردد وباندهاش ، لا لم يصل الينا ولانعرف انه سيزورنا في مثل هكذا يوم .
وهنا اسقط في يدي ، وبدأت ادور في دوامة التفكير ، يا ترى اين سنمضي ليلتنا في مثل هذه الضروف التعسة ؟ ونحن في امس الحاجة للراحة بعد عناء السفر لاكثر من ثمان ساعات في الطريق ، اضافة الى الرعب الذي يلف زوجتي واولادي ، والمطر والظلام والغربة في مدينة لا اعرف فيها احدا .
انتبهت تلك السيدة الى الحيرة المرسومة على وجهي ، فقالت يمكنكم المبيت عندنا لهذه الليلة حتى الصباح ، تفظلوا انتم ضيوفنا لهذه الليلة .
دخلنا دار تلك السيدة ، مستهدين ببصيص نورالفانوس الصغيرالتي تحمله تلك السيدة وجدنا غرف الدار مليئة بالعوائل القادمة من بغداد قبلنا ، كلهم يتكلمون باللغة الكلدانية التي لا نفهمها، وقد تجمعوا في هذا الدار طلبا للحماية لانهم يعانون من نفس ضروفنا ، كانوا اقرباء لهذه العائلة ويعرفون بعضهم بعضا ، الا نحن كنا بينهم غرباء لايعرفونا ولانعرفهم ، وكان موقفا حرجا للغاية .
البقية في الجزء الثاني
#صباح_ابراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟