أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - فيلم الأوسكار ، متى تقفل خزانة الألم ؟















المزيد.....

فيلم الأوسكار ، متى تقفل خزانة الألم ؟


رامي أبو شهاب

الحوار المتمدن-العدد: 2952 - 2010 / 3 / 22 - 10:44
المحور: الادب والفن
    


استطاع فيلم خزانة الألم ( ( The Hurt locker أن يحقق عددا من جوائز الأوسكار لعام 2010، متفوقا على فيلم أفاتار (Avatar) ، و يلاحظ أن بين الفيلمين عدد من المفارقات ، لعل أهمها، أن كلا الفيلمين تنافسا على جائزة الأوسكار، خاصة الجائزتين الأكثر احتراما، وهما جائزة أفضل فيلم، وأفضل إخراج، والمدهش أن كلا الفيلمين من إخراج زوجين مطلقين، كاثرين بيجلو مخرجة (خزانة الألم)، وجيمس كاميرون مخرج (أفاتار). هذه المفارقات لم تكن الوحيدة، فهنالك أيضا ميزانية الإنتاج، إذ حقق فيلم (أفاتار) أعلى ميزانية إنتاج في تاريخ السينما، في حين أن فيلم (خزانة الألم) كان الفيلم الأقل ميزانية في تاريخ قائمة الأفلام الحاصلة على جائزة الأوسكار، ومن المفارقات الهامة، ما يتعلق بالأسلوب والتقنيات، إذ تميز فيلم أفاتار بتوظيفه لتقنيات عالية ومبهرة، وغير مسبوقة، وتحديدا العرض الثلاثي الأبعاد، في حين أن (خزانة الألم) اعتمد على تقنيات بسيطة و عادية، و غالبا ما كان يلجأ إلى الكاميرا المحمولة، لتسهيل الانتقال بين المدرعات والأزقة، وتستمر المفارقات ولكن هذه المرة عبر الطرح أو الموضوع، فكلا الفيلمين ذهبا نحو اكتناه واقع الغزو والحرب. ومما هو جدير بالملاحظة في هذا الشأن وجود قاسم مشترك، و هو عنصر متفق عليه في السياسة السينمائية لهوليود يتمثل بالمحافظة على تبني منظور أو مقولة "الأميركي مركز العالم أخلاقيا " و حتى إن كان غازيا، أو جلادا، ففي أفاتار نرى تحولات الجندي الأميركي الذي يرفض الاستلاب والسطو، فيقود حملته لإعادة الحق إلى نصابه، والسكان الأصليون في غفلة ينتظرون الخلاص من الأميركي الغازي، عبر الأميركي المخلص- وكأن العالم فضاء خال إلا من أميركا- وفي الحقيقة فإن فيلم أفاتار كان أكثر جدارة بالحصول على جوائز الأوسكار، لاسيما جائزة أفضل فيلم، و أفضل إخراج ، وهذا عائد إلى طبيعة الطرح الذي توجه للتعبير عن مأساة الشعوب المحتلة والمنتهكة- إلى حد ما - وإن أبقى على تفوق ومركزية وإنسانية الأميركي الأخلاقي ، عوضا عن ما تميز به الفيلم من تقنيات ورؤية إخراجية عالية، سمحت له بتحقيق أعلى الإيرادات، ولكن يبدو أن هذا السياق تم تجاوزه، ليتوجه مانحي الأوسكار إلى (خزانة الألم)، ويمكن تفسير هذا التفوق لخزانة الألم إلى عاملين، أولا الفيلم اعتمد على الجهد الإنساني وأدائه الفني دون الاستعانة بالتقنية الرقمية، على نقيض فيلم (أفاتار) الذي تشكل في معظمه اتكاء على التقنية المبدعة المتطورة جدا، والعامل الثاني تحقق عبر المقاربة لواقع المواطن الأميركي الرافض للحرب، هذا ما اشتغل عليه صانعو الفيلم، وكان بؤرة لم تحيد عنها المخرجة، فجاء الفيلم على شكل طبقات مركزة يحملها محور يتلخص بمقولة رفض الحرب.
" خزانة الألم" كتب قصته صحفي أميركي هو (مارك بوال)، الذي رافق وحدة نازعي الألغام في الجيش الأميركي عام 2004 إبان غزوه للعراق، هذه الفرقة تتكون من ثلاثة أشخاص تختلف رؤيتهم للواقع المعاش في الحرب، وعلى ما يبدو، فإن الفيلم إلى حد ما يحيل إلى واقعية تم اقتباسها وإحالتها إلى نص محكم، فحتى عنوان الفيلم مقتبس من عبارة قالها جندي أميركي جرح خلال الحرب، وقد عبر عن أنه مرسل إلى (خزانة الألم) .
مع الإقرار بجمالية العبارة و شعريتها، فإن التساؤل عن أي خزانة و أي ألم تحيل هذه الكلمات، إن هذا الاختزال السينمائي المقنن لحالة الجندي الأميركي ومعاناته، ومن خلفه العائلة، و الشعب الأميركي وصانعي القرار، كل ما سبق يبدو في سياق الفيلم هو المستقبل الحقيقي لرسالة الفيلم ، مما أسهم بقوة في حصوله على الجوائز، كونه أصاب موقعا في الوعي الأميركي، لاسيما لدى العائلات الأميركية المسالمة، والتي تضطر إلى إرسال أبناءها إلى خزانة الألم ( بغداد- العراق)، كم يبدو هذا مثيرا للتساؤل، كون الفيلم يتجاوز إشكالية ملايين العراقيين، الذين شردوا وقتلوا وعانوا ما عانوه، ليتم اختزال ذلك في سياق الفيلم العام عبر لقطات هنا وهناك، هذه المواقف المقتضبة تبرز ما حل ببغداد من دمار وفوضى، وفي الحقيقة فإن المخرجة قد أبدعت في نقل واقعية المشاهد وحساسيتها، فكانت الكاميرا تتحرك بصبغة وثائقية، حتى يكاد المشاهد يشعر أنه أمام فيلم وثائقي. فالفيلم استطاع أن يمتلك المشاهد عبر جلبه للإحساس بأثر المكان، فبدت الإضاءة في الفيلم لاسيما داخل المدينة انعكاسا للواقع الجاف والمؤلم، فالشمس ساطعة بقوة، و هزال الشوارع لغة مستمرة في الحياة اليومية، ووجوه العراقيين البائسة باتت مشهدا خلفيا لكامل أحداث الفيلم، فأظهرت المخرجة نظراتهم القوية الموجهة صوب الجنود لهدف وظيفي، يشي بأن هذا المكان يمتلك كل مقومات الألم والخوف، فالكل هنا بات مشروعا انتحاريا، وقنبلة متحركة، ونلاحظ أيضا تمكن المخرجة من توظيف الممثلين الناطقين بالعربية بطريقة مؤثرة وواقعية،مما أحدث تفاعلا لدى المشاهد والانغماس إلى حد الإحساس بالأجواء التي يعاني منها فريق نازعي الألغام والقنابل، و إلى حد الإصابة بعدوى حرج الواقع والمكان، فالمُشاهد يتمكن من التقاط حساسية هذه المهنة الصعبة ( مهنة نزع الألغام)، ومقدار صعوبتها، واقترابها من مفهوم المقامرة بالروح .
هذا التحرك المثير في نقل واقعية الحدث، بدا موفقا، إذ أكثرت المخرجة من المشاهد التي تظهر زجاجات المياه المعدنية بأيدي الممثلين، لاسيما في أيدي وحدة نزع الألغام خاصة، والجنود الأميركيين عامة، و قد برز ذلك في شعاع التصوير ومداره، فالجو هناك حار وخانق، والغبار في كل مكان، والموت مجاني واعتباطي جدا، هو جحيم مفتوح على القادم من أميركا ، كما توضحه عبارة وردت على لسان أحد أفراد الفرقة المصابين " أخرجوني من هذه الصحراء اللعينة" .
تمتلك العقلية السينمائية الأميركية كلاسيكيتها، والتي تجعلها محط سخرية أحيانا ، إذ تبقى مصرة على تهكمية وشجاعة الأميركي، وسحره وحس دعابته الملازمين له حتى في أصعب الظروف وأكثرها حرجا، كما في شخصية البطل المركزي في الفيلم، الذي يقوم بعمله بحياد مظهري وبراعة، مع توابل الشخصية المضحكة الجادة والجريئة والذكية والمغامرة، فهو يعالج المتفرجات بحرفية عالية، مع إيمانه العميق بأن عمله إضافة إنسانية، و لذلك نراه يعود مرة أخرى إلى العراق بعد انتهاء مناوبته الأولى.
لا بد من الإشارة إلى محاولة المخرجة إحالة صورة طباقية لواقعين مختلفين، حين نرى البطل بعد انتهاء مهمته في بغداد، يقف في محل تسوق في أميركا أمام عشرات الأنواع من حبوب الذرة، ومشهد مداعبته لطفله في منزله الهادئ في الولايات المتحدة، هذا الواقع هو ذاته المقابل لخزانة الألم في بغداد، واستكمالا لحالة فرض الضمير الأخلاقي الأميركي، يتقاطع البطل إنسانيا مع طفل عراقي يتحول أو (يُحول) إلى قنبلة بشرية على أيدي الإرهابيين، وفي سعي( كريس- البطل) لاكتشاف الحقيقة، من منطلق تعاطفه وإنسانيته المنحازة للإنسان أي الطفل العراقي ! يدخل بيتا عراقيا خلال تتبعه للأمر، ليواجه- مصادفة- مقدار الكره الممارس على الوجود الأميركي من خلال امرأة عراقية غاضبة، وهنا يكتفي الفيلم في هذا الاتجاه بإبراز شكل تعاطف الجلاد مع الضحية غير المقنع ، فالجندي ينشغل بالبحث عن الإرهابيين الذين انتهكوا الإنسانية، وأنهوا حياة الطفل بائع الأقراص المدمجة في المعسكر الأميركي، وهنا تبدو الإدانة واضحة في ثنايا الفيلم، و التي تُدين منظومة الإرهاب في العراق، إذ لا تتورع عن خلق قنابل بشرية، لو عبر أجساد الأطفال، بينما تم تناسي أثر الحصار والحروب لسنوات طويلة على أطفال العراق. إن رسالة الفيلم في بعدها الحقيقي، هي موجهة نحو صانعي القرار، وهي موجهة نحو الشعب الأميركي، فهنا طرفان للمعادلة، وأسئلة مصيرية منها من الذي يُرسل إلى خزانه الألم؟ ومن الذي يتم إرساله ؟ وأخيرا لماذا ؟!
المخرجة تعبر عن رسالتها الوجهة للقرار السياسي بالدعوة للتوقف عن إرسال شبابنا إلى هذا الجنون، وفي الحقيقة علينا أن نبحث في هذا المنطق الأعوج، فمن الذي يعاني من تبعات هذا الوجود فعليا وكميا ومستقبلا؟ ولكن على ما يبدو فإن الضحية الحقيقية قد غابت في الفيلم ، فما هي إلا بعض الإشارات العابرة، فالفيلم في تكوينه، لا يهدف إلى تصوير مغامرة حربية مثيرة ، بمقدار ما هو معني بتلمس وقائع توترات الحرب، وأثرها على الإنسان، ولكن المستهجن هنا، هذا النسق المركزي الممارس بالتغييب للضحية، وتجاهل واقعها، فحتى هذا الألم المختلق بفعل القرار السياسي الأميركي، يتم تجييره لصالح الجلاد ، فالخزانة التي يتم فيها تجميع أشلاء الجندي الأميركي لإرساله إلى ذويه هي خزانة ألم، ولكن ألم من حقيقة ؟ هل هو ألم قائمة طويلة من ضحايا التعجرف و الغزو غير المبرر؟ ومن هنا فإن السؤال الأكثر أهمية، متى ستُقفل خزانة الألم الأميركية المشرعة على الآخر ؟ ومتى سيتم تجاوز الضحية، ومتى سنرى واقعا سينمائيا عربيا منحازا للحقيقة و معبرا عنها ؟ حقيقة الضحية التي فاض بها تاريخنا المعاصر، ولا من بواكي لها .



#رامي_أبو_شهاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر الصيني بي داو
- فيلم أفاتار إبهار بصري كولونيالي
- مسرحية البطة البرية لأبسن : دعوة إلى كذبة الحياة -
- سيدة من مطر
- ناظم حكمت أيقونة الشعر الكوني
- صباح الخير غزة
- ما أضيق الحياة- في غزة - لولا فسحة الموت
- زيوس يحرس فتنته الأخيرة
- الموت حين يقود إلى الجدل
- الانتهاكُ في بناء الجملة الشعرية.. قراءة في مجموعة - ينهض في ...
- في أزمة الفكر العربي ....الثقافة والهوية
- مواقع الظل قراءة في اعترافات قناع للروائي الياباني يوكيو ميش ...
- الوجه
- تانغو غزة
- غياب كل الأسماء - قراءة في رحلة دون جوزيه -
- الذباب والمدينة
- أمر بالدم
- الانتاج والاستهلاك المعرفي
- وطن طارئ للغريب
- نعبر كلانا في الظلال


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - فيلم الأوسكار ، متى تقفل خزانة الألم ؟