أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - الانتاج والاستهلاك المعرفي














المزيد.....

الانتاج والاستهلاك المعرفي


رامي أبو شهاب

الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 08:55
المحور: الادب والفن
    


كان التأمل منذ الأزل عقيدة من يتطلع إلى ما وراء الأفق، لينظر ويقيم بينه وبين هذا الكون الشاسع ألفة تتخذ من الفهم والإدراك ركيزة لشرح ما غمض من أمور هذه الدنيا، هكذا حدثتنا سير الأنبياء والفلاسفة والحكماء،وهم يحاولون جاهدين إقامة علائق تبرهن على العلل والأسباب في شرح قيم الوجود- هذا الوجود الحائر المضطرب اللامنتهي- خاضوا في لجة العقل، ليصلوا للمرتجى، فكانت لهم أقوال ورؤى حملت على عاتقها مخاضات تصنع الأمم في صياغة شبه نهائية لذاتها المجتمعة حينا والمتشظية حينا آخر لتبحث عن صورها وألسنتها. فأقامت على ترابها مصانع إنتاج المعرفة لتنضح منها غذائها (المعرفة) هذا المنتج الذي نتناسى أنه ربما يكون المنتج الأكثر أهمية في سوق الوجود البشري كونه منشأ بنية الأمة ولا سيما بنيتها العميقة التي تعد بؤرة لمدارات وبنى سطحية لا متناهية التوالد في مواجهة عقم تلاشي الوجود الثقافي.
إن هذا العالم ليس من صنع يديك، فقد باتت القيم المعرفية التأملية المنتجة في مرحلة العدم في زمننا المعاصر،وانسحب ذلك على تقنيات القراءة والبحث والمعرفة.فها نحن نشهد تراجع ملكة الإبداع والابتكار المحلي في( العالم العربي) إلى مرحلة الاستهلاك المعرفي المفرط من حيث الحصول على المعلومة من خلال ضغطة زر،أصبح الكائن البشري ليس مضطرا للوقوف أمام رفوف المكتبة وتقليب الصفحات سعيا وراء المعلومة، وبات رائدا من رواد ( الانترنت) للحصول على ما يريد دون إدراك لحقيقة المعلومة وصحتها وقيمتها، وهنا تقبع المشكلة السحيقة في عملية تشكيل العقل العربي خاصة، الذي بات ينظر للثقافة والعلم والمعرفة من منظور استهلاكي، يشابه ذهابه إلى مجمع استهلاكي والتبضع منه بطريقة سريعة آلية يريد منتجا سريعا وجاهزا كوجبة طعام،دون العناء بالتفكير في آلية الإنتاج لتلك السلعة ما دامت في متناول اليد،وهذا ينسحب على إنتاج المعرفة التي أصبحنا من مستهلكيها، لذلك لم نعد نضيف شيئا جديدا للحضارة البشرية،إلا كوننا سوقا مستهلكا سلعيا وثقافيا.ولعل عقم العقلية العربية على إنتاج منظومة فكرية عربية أصبح شيئا مسلما به ومنتهيا حتى دون بذل أدنى جهد للتزحزح والتململ وهذا ينسحب أيضا على المناخ الأدبي والنقدي والثقافي،الذي بات مستوردا للفلسفات و المناهج الغربية لعجزه عن العودة إلى النشاط الفكري لممارسة شيء من التأمل ومن ثم الابتكار والخلق بعد أن استكان إلى الاستيراد الثقافي، إن مرحلة الاستعانة بالآخر لا تعني مطلقا الخمول واجترار مقولات عابرة،بل أن مفهوم الاستعانة يعني حقيقة البحث عن نقطة اشتعال في عقول باردة انطلاقا لحوارات تنتج في النهاية منظومة فكرية وتيارات تساند قيمة الوجود والحلول الخاص بعيدا عن التماهي بصور الأقوى.
إن هذا الاجترار الثقافي لما يقوله الآخرون،أصبح فراغا يحيط بنا من حيث لا نعلم، ولعل الشاعر العربي أدونيس يقارب الوجع حين يعلن أن العرب كأمة مبدعة أصبحت في طور الانقراض،حيث أنها غير قادرة على الارتباط بأي قيمة منتجة محليا على أي صعيد، ابتداء من التعاطي الدبلوماسي إلى الحذاء، فهي بحاجة دوما للآخر لحل مشاكلها السياسية والتنموية والتعليمية والتربوية،إلى حد اقتراض لغة الآخرين – وهنا معضلة عميقة - في التعلم باعتبار أن المشكلة تكمن في اللغة التي تقف عائقا في وجه التطور،على الرغم من أن جميع الأمم في العالم تدرس وتتعاطى وتتطور في لغتها الأم،ولننظر في أصغر الدول التي تفرض على المتعلم أن يدرس بلغتها حين يحل في ربوعها قادما لتحصيل العلم،بينما نقوم نحن بنزع ثقافتنا ولغتنا و هنا نقارب قيم الاستهلاك التي عممناها على كل المستويات تجاريا وثقافيا ولغويا وحضاريا وسياسيا.
أن تبقى قابلا للتعاطي والانفتاح شيء محبذ،حين تكون متمكنا من قدرتك على أن تضيف للثقافة الإنسانية،فكم نحن أحوج إلى تلك الأسماء التي رفدت الثقافة العربية، وهي ليست من صلب العروبة،ولكن استطاعت الثقافة العربية واللغة العربية دفعها إلى انتهاج نظامها اللغوي والثقافي،ولا أريد أن أكون مسطحا في ذكر تلك الأسماء لعلماء مسلمين وشعراء كانت ثقافتهم ومعارفهم ضمن البوتقة العربية.
لا بد لنا قبل أن نكون سوقا ومستهلكين أن ندرك أن القضية ليست فقط مقايضة إنما هي عملية إحلال وإقصاء عن مركز الوجود الذاتي لكوننا أمة ذات حضارة،ولكي نكتنه هذا الشيء،علينا أن نبتعد قليلا عن صخب الاستهلاك إلى مرعى هادئ ، لعل وعسى أن نجد شيئا ما نتأمله ونعيد أنفسنا إلى ذواتنا التي بتنا غريبين عنها.



#رامي_أبو_شهاب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطن طارئ للغريب
- نعبر كلانا في الظلال
- أمنية
- استعارات في العشق
- أربعون عاما
- في حضرتك ِأرتجلُ الغزل
- المزود الرسمي لإحصاءات التاريخ
- نفحتني سمرة لحمها
- امرأة أخيرة للموت
- رؤيا تعبر النساء
- قطرة ماء في النهر الفارغ
- لك شكل الإغواء
- جدار1
- دم جديد
- الفلسطيني يبحث في شكل الجدار
- عتمة تتعرى
- اكتظت لغتي فيكِ
- بودلير والمطر
- حث في تناقضات الجسد
- باموق و تركيا مسافتان في المكان الواحد وفي الاتجاه المختلف


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - الانتاج والاستهلاك المعرفي