أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد كشكار - -جمنة- الستينات تعطي درسا في الطب النفسي الحديث: -الساسي بن احمد-.














المزيد.....

-جمنة- الستينات تعطي درسا في الطب النفسي الحديث: -الساسي بن احمد-.


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 22:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


"الساسي بن أحمد", مواطن عادي يقطن قرية "جمنة", فنّان بالتعبير الحرفي للكلمة. تربّع على عرش الشهرة في قريتنا بلا منافس على مدى نصف قرن. يعشقه كل السكان, الصغار قبل الكبار. اتحدت في حبه كل قبائل البلدة و جميع أحيائها. كان يقوم بمفرده بما تقوم به الآن البلدية بجيشها البيروقراطي و آلياته المتخلفة. شخص يساوي بمؤهلاته مؤسسة البلدية أو يفوقها في بعض المهمات لكنه لا يكلف المواطن سوى بعض القطع النقدية الرخيصة في بعض المناسبات. يعرف أكثر من رئيس البلدية جميع متساكني القرية, اسما و لقبا, شابا و كهلا, في الضوء وفي العتمة و دون طلب مضمون ولادة. يغنّي و بإتقان فريد الأطرش و عبد الوهاب و أسمهان و غيرهم. لا تفارق ثغره البسمة أو الضحكة. معدي في سعادته. قمحي البشرة, جميل المحيى, ممشوق القوام, رياضي العضلات, خفيف اللباس صيفا شتاء. ينطق حكما, لا يشتم و لا يسب, لا يظلم أبدا. لا يبيع و لا يشتري. مؤنس في صمته وفي هذيانه. أظن أنه لا يصوم و لا يصلي. إيمانه سر بينه و بين خالقه يعاقبه إن شاء أو يسامحه كما نشاء. يشتغل ليلا نهارا في تنظيف الطرقات و الساحات.
من لا يعرف "الساسي بن احمد " يظن أنني أبالغ في مدحه و من عرفه و عاشره يتهمني بأني مقصر في حقه. هو ليس شيوعي و لا إسلامي معارض و لا تجمعي يلمّع صورته قبل الانتخابات البلدية.
من أي جامعة غربية تخرّج هذا المواطن المهذب والمثقف يا ترى؟ و ماذا عساه أن يكون؟ عمدة البلدة أو مدير المعهد أو عين من أعيان البلاد أو مصلح اجتماعي أو فلاح كبير. لا يمكن أن يكون إمام جمعة لأنه لا يصلي.
إذا أخذنا بالعلوم الغربية الحديثة نستطيع أن نصنّف "الساسي بن احمد" كمختل عقليا. و إذا طبقنا نصائح الأطباء النفسيين الأفاضل فسنعزله في مصحة الأمراض النفسية. هو "مجنون" القرية بالمنطق الدارج للكلمة.
نحن أولاد بلده "جمنة" لم نصنفه لا كمختل و لا كمعتوه و لم نحاكمه و لم نحكم لا معه و لا ضده و لم نعزله في أي مكان بل رحبنا به يعيش حرا طليقا بيننا. لا نعطف عليه عطفا مرضيا خاصا بل نكنّ له كل الاحترام و المحبة و المعاملة بالمثل مثله مثل أي مواطن "جمني".
لو دخل مصحة نفسية لسمم الأطباء جسمه بالمهدئات و لجعلوا منه جثة هامدة تنتظر الموت. نحن "الجمنين" أعطيناه أهلا وأملا و عملا و حمّلناه مسؤولية نظافة قريتنا و ملأنا حياته حيوية و نشاطا فغمرنا بمزاياه و نظف شوارعنا و جوامعنا و أسعدنا بإشعاعه و أعجبنا كبرياؤه. عاش و مات بيننا كالسمكة في الماء و أقمنا له جنازة لا تضاهيها جنازة في المهابة و الحزن و الحضور.
هذه تصرفاتنا و هذه تقاليدنا الوطنية الصادقة, لم نقرأها في كتب و لم نستوردها لا من اليابان و لا من الغرب بل بالعكس ندعوهم هم للتعلم من ثقافتنا و النهل من قيمنا الإنسانية و هاهم الغربيون بدؤوا يتفطنون أخيرا لعدم الفائدة الصحية من عزل المختلين عقليا و قريبا يطلقون سراحهم جميعا.
وددت لو قام باحثونا و علماؤنا بدراسة و تعميق ثقافتنا الوطنية عوض تقليد الغرب و إعادة إنتاج ما أبدعه. لو فعلوها لأبدعوا و أعطوا دروسا في الطب النفسي الحديث و لحازوا على جوائز نوبل.
تعج مكتباتنا الجامعية بأطروحات في كل الميادين من علوم صحيحة إلى علوم إنسانية لكن لا يقرؤها أحد و لهم الحق في عدم مطالعتها لأنها كلها نسخ باهتة و مشوهة لإبداعات علماء الغرب المنتجين.
لنفرض جدلا أن أحدا منهم قام ببحث حول "الساسي بن احمد" و البيئة الصحية التي عاش فيها لأنتج نظرية جديدة في العلاج النفسي و أرسى لعلم يدرس في أرقى الجامعات الأمريكية و لهاجر علماؤهم و زاروا قرية "جمنة" و أقاموا فيها المؤتمرات العلمية.
أتمنى أن القارئ بدأ يتحسّس مشروعي الثقافي من خلال وجهات النظر التي نشرتها و سأنشرها في "الفائس بوك" و أنا لا أدعي أنني أملك الحقيقة أو نصفها و لا أقدم بديلا جاهزا. أنا أنقد وضعا متخلفا و أحاول استغلال النقاط المضيئة في تراثنا و ثقافتنا الوطنية. و أدعو كل المشتركين في "الفائس بوك" لنقد أو مهاجمة ما أقول إن لم تعجبهم وجهة نظري حتى نصنع بديلا مستقلا عن التبعية الثقافية الغربية.
لماذا نجح اليابانيون في تحديث تعليمهم و صناعتهم و فلاحتهم مع المحافظة على تقاليدهم؟
هل يعد تخلفا السعي إلى استعمال سمادنا الطبيعي لتخصيب تربتنا عوض السماد الكيميائي الملوث أو يعد تخلفا تلقين القرآن في الكتّاب لصغارنا و إطلاقهم يلعبون دون رقيب في الساحات العامة المهيأة لذلك بدل سجنهم في روضات الأطفال أو يعد تخلفا التمسك بنظامنا الغذائي المتوسطي النباتي و الصحي بدل النظام الغذائي الحيواني المستورد من الغرب أو يعد تخلفا البناء الملائم لمناخنا عوض علب "السردين" التي نسكنها أو يعد تخلفا التداوي التقليدي بالأعشاب بدل السموم الكيميائية التي يسمونها أدوية أو يعد تخلفا تغذية أبنائنا من البستان عوض تعريضهم لمضار الوجبات المصنوعة في المخابر؟
"جمنة": قرية جميلة في الجنوب الغربي التونسي.
"الساسي بن احمد": مجنون القرية بالمعنى العام لمفهوم مجنون.



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمنة- الستينات تعطي درسا في التنمية المستديمة: النظام الغذائ ...
- نساء مناضلات في -جمنة- الستينات
- إرهابنا و إرهابهم؟
- ماذا جنيت بعد ثلاث عشرة سنة تعليم عالي؟
- نقد بسيط للديمقراطية الغربية
- وجهة نظر في الجانب الدنيويّ من خطبة الجمعة
- و شهد شاهد من أهلها.
- تجربة اليابان مع الاحتلال الأمريكي.
- القائد المهيب صدام حسين.
- العلم و الدين. المواطن العالمي
- الجيوش العربيّة الرسميّة: من تقاتل’ أين تقاتل و لماذا تقاتل؟
- وجهة نظر: تعريف العلمانيين.
- هل المقاومة المسلّحة هي السبيل -الوحيد- لتحرير الأرض و الموا ...
- هل الإيمان بالله وراثيّ أم مكتسب ؟
- مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل و ليس مماثلا له


المزيد.....




- Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
- خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت ...
- رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد ...
- مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
- عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة ...
- وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب ...
- مخاطر تقلبات الضغط الجوي
- -حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف ...
- محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته ...
- -شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد كشكار - -جمنة- الستينات تعطي درسا في الطب النفسي الحديث: -الساسي بن احمد-.