أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .















المزيد.....

نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 00:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كانت حيرتى تقتلنى فى طفولتى عندما بدأ عقلى يتحسس طريقه نحو الملاحظة والمراقبة والنقد ..فأتذكر أننى كنت أندهش بشدة حول وجود المجتمع العبودى فى العصور القديمة ليس كونه شكل مستهجن وبغيض فى العلاقات الإنسانية يلفظه عصرى وينتهك به إنسانيتى ..بل لأنه مر أمام الله فلم يوليه أى عناية بل أوصى به وشرع له .!!

مبعث دهشتى وحيرتى أن الله لم ينسى تحريم السرقة فى كل شرائعه .. بل كانت تتصدر مقدمة توصياته ووصاياه منذراً السارقين بالويل والإنتقام فى الدنيا والأخرة ...بينما نسى الله تماماً اللصوص الذين يسرقون حياة وعمروحرية البشر .!!

أن يغضب الله من الفقير الذى يسرق من أموال الأغنياء ولا يتورع فى أن يتوعده بجحيم أزلى جراء فعلته المشينة تلك !!..بل لا يكتفى بترك الأمور معلقة على يوم الحساب والإنتقام الأخير , فيوصى بأشد العقوبات الدنيوية والتى تصل لقطع وبتر اليد السارقة ..بينما لا تنتفض فرائصه من الذين يسرقون حياة وحرية الإنسان ليضعوه تحت السخرة والمذلة .!!

وتزداد الأمور غرابة عندما تصير العبودية نظاماً يرسل الله على أثرها الشرائع والنواميس التى تقننها وترسخ من قواعدها ..و لا يكتفى بذلك بل يدعو العبيد للإمتثال لأسيادهم .
والطريف أن أى سيّد لو تجرأ على سرقة عبد من أملاك سيّد أخر فشرع الله هنا يطلب القصاص من السيد السارق لأنه إعتدى على حقوق الأسياد الأخرين ..وليس للعبد المسروق هنا أى مجال من الإعراب .!! ..فهو يتساوى مع نعجة مسروقة .!!

كنت أندهش من التوصيات الإلهية لمقاتليه أن يستولوا على مقتنيات الأعداء من ذهب وبشر ..فيتم تحليل السرقة التى كانت تزعج الإله سابقا ً !!...ولا تتوقف حدود السرقة على نهب المال والذهب والبهائم فيسارع الله بالتوصية بسرقة البشر أيضاً ليكونوا عبيدا ً وجوارى لمقاتليه .!! ..فلا يتم نهب الأرض فقط بل ما فوقها من بشر .!!

كان هذا الملمح يقتلنى وخصوصا ً عندما يردد أن الله كلى المحبة والرحمة وأنه لا يفرق بين عبد وسيد .
أحاول أن أطرح أسئلتى وتأملاتى تلك على من أتوسم فيهم الرؤية والعلم لأجد فى النهاية إجابات باهتة تدين الله أكثر من بحثها عن مخرج وتبرير له .

قيل لى أن الله لم يريد أن يزلزل كيانات مجتمعية تقوم على العبودية ..وأن الأنبياء والرسل ماكان لهم أن يتطرقوا لهذه الإشكالية حتى لا تثير الزوابع حول رسالتهم المكلفين بها !!...وكون الله أباح النهب والسرقة من الأعداء فلأن هذا كانت شريعة هذه المجتمعات فى ذلك الحين .!!

لم تقنعنى هذه الإجابات بل أثارت الكثير من التأملات والأسئلة المحرجة .
الله معنى بعلاقات الأغنياء والفقراء ويزعجه السرقة التى يقوم بها المحرومون .. وفى المقابل لا يزعجه من يسرق أكثر من قطعة الخبز أو النعجة ..من يسرق حرية وكرامة الإنسان .
وهل الله ينساق لقيم وعادات مجتمع ولا يستطيع أن يخترقها فيسمح بالسرقة والإسترقاء لأن الجميع يصنع هذا .؟!
هل الله غير قادر أن يحرر الإنسان من العبودية حتى لا يتصادم مع أسس مجتمع قديم .وفيما إذن ما يقدمه لنا ؟!
وهل طرح فكرة الإله الواحد فى المجتمع القديم لا تزلزل قواعد مجتمع إعتاد على تعدد الألهة والوثنيات بينما الدعوة لتحرير الإنسان من الرق عمل يقوض المجتمع .؟
هل الله غير قادر أن يجعل من أنبياءه ثوار للحرية وللكرامة البشرية ..بينما يقذف التاريخ بعبد بائس إسمه "سبارتاكوس" ليحرر العبيد من شر وذل العبودية .!!
هل الله وأنبياءه يتعاملون مع الواقع بشكل إنتهازى ومنافق ..فهم يدركون توازنات المجتمع ولا يريدون أن يتصادموا مع قوى السادة وهيمنتهم حتى لا تتقوض وتتعثر مسيرتهم .؟!
هل الله ورسله إمعاناًً فى إستمالة الأسياد وأصحاب الجاه لا يتورعوا فى أن يسنوا الشرائع التى ترسخ لقواعد مجتمع عبودى .؟!
وهل الله ينساق لقيم وعادات مجتمعات قديمة ويسمح بالسرقة والنهب والإسترقاء للأعداء لأن هذا هو العرف السائد .؟!

كانت هذه هى طائفة من أسئلتى القلقة والتى لم تجد لها إجابة إلا عندما إمتلكت الوعى وإكتشفت أن هذه الأديان ماهى إلا تراث إنسانى يعبر عن زمانه وتاريخه والقوى المهيمنة فيه بكل أحلامها وطموحاتها .
كل النصوص والقصص تصرخ فى وجهوهنا بأنها تراث وتاريخ إنسانى محض بأحداثها وشخوصها وقصصها ونحن من نريد أن نغمض أعيننا متغافلين عن وضوحها الشديد والذى يكاد يلطمنا على وجوهنا .

الأديان نتاج مجتمعات عبودية ..وسأصدم الكثيرون حينما أقول أن الأسياد هم من صاغوا الأديان وفقاً لرؤاهم ومصالحهم الشخصية , بل من الخطأ تصور إله ينزعج من السارق ويتوعده بعذاب وجحيم ويغفل فى الوقت نفسه عن سيّد يسرق حرية وكرامة وعمر إنسان ..لأن الأمور ببساطة لا تسير هكذا .

الدين لم يخرج عن كونه تعبير صارخ لمصالح أسياد فى مجتمعاتهم ..يريدون الحفاظ على أملاكهم من السطو والنهب ..وينتابهم الذعر الشديد من الجياع والمحرومون والمتطلعون لأملاكهم الخاصة ..فلا يتورعوا عن تصدير فكرة الله المنزعج من اللصوص .
فيرسلوا عبر الأنبياء والرسل إشارات بأن من يسرق سوف يكون ملعوناً فى الأرض ولن تحل البركة فى بيته بل اللعنات والمصائب ستكون حاضرة لتبتليه هو وأولاده ..والطريف أن هذا المفهوم مازال متغلغلاً فى التركيبة النفسية للإنسان المعاصر فتنتابه مشاعر من التوجس والخوف من الشر القادم له ولأولاده حال ملأ بطنه بمال حرام .
لا تكتفى الأمور عند هذا الحد فهناك ألوان من العذاب ستمتد إلى مالانهاية فى محرقة الإله الأبدية..ولن يتورع الملاك والأسياد أن يجعلوا العقاب حاضرا ً وبقسوة فى العالم الأرضى ليجعلوا قطع يد السارق وتشويهه مطلبا ً إلهيا ً .

علاقات الإنتاج فى المجتمع القديم تقوم على وجود يد عاملة تعمل بشكل مجانى ومسخر وبدون مقابل إلا من بعض كسر الخبز التى تلقى لهم ليست محبة ورحمة من الأسياد بقدر ما هو الحفاظ على العبد كعنصر إنتاج يتم تجهيزه لمواصلة السخرة فى اليوم التالى .

من هنا نتلمس أن السادة من خلال الأديان صاغوا الشرائع التى تضمن وتنظم العلاقة بين السادة والعبيد ..هم أرادوا أن تكون مصالحهم محصنة من خلال مظلة إلهية ترسل تعليماتها من سابع سماء لتفرض هيمنتها على جموع العبيد .

الأسياد لا يحموا مصالحهم الطبقية بمجرد مجموعة من الشرائع والنواميس فحسب بل يتم صياغة منظومة فكرية وفلسفية يتم تسويقها لتجعل من المجتمع العبودى حقيقة واقعة تستمد قوتها من هيمنة الفكرة .

ففكرة العبودية تصبح فكرة يراد لها أن تتغلغل فى نفسية وذهنية الإنسان بحيث تلتصق فى وجدانه وفكره وتشكل نسيجه الحياتى !!..فعلاقة الإنسان بالله هى علاقة العبد بالسيد ..ولتندهش وتتسائل لماذا من هذه الصياغة ..ولماذا تكون العلاقة بهذا الشكل ..!!
هى محاولة للأسياد أن يجعلوا من العبودية واقع ومنظومة حياة فكما أن هناك أسياد وعبيد فى الارض , فالإنسان هو فى حالة من العبودية الدائمة للإله ..لتكون الفكرة هى تكريس للعبودية كمنهج وشريعة حياة .

عندما يتم تكريس منهج العبودية كواقع حياة فى عالمنا المعاصر تكون له خطورته الشديدة على حياة وكرامة الإنسان ..
فهو إستدعاء لحزمة من العلاقات القديمة ومحاولة إسقاطها على واقع تجاوزها بحكم تطوره الإجتماعى .
ففكرة العبودية لله والتى يراد لها أن تكون حاضرة لن يكون لها حضور طالما لا يوجد الأسس الموضوعيه التى تجعلها حاضرة ..أى لابد من محاولة إستحضار نفس الأنماط الأخلاقية والسلوكية والفكرية القديمة على الواقع لتظل فكرة الإله السيد حاضرة .
فتكون علاقة الرجل والمرأة بما تمثله من محورية الحياة هى علاقة السيد والعبد ..ومهما حاولت أن تلبس رداءا ًعصريا ً فهى مفضوحة بكم هائل من الممارسات التى تجعل المرأة مجرد عبد وسلعة يتم شرائها للحصول على المتعة والجنس وكوعاء لإنتاج الأطفال التى تحافظ على ممتلكات السيد المالك من التبديد والإهدار ...هى عبودية ولكن مغلفة بأوراق من السلوفان الملون الجميلة.
فعندما تبدأ الأمور بتثمين المرأة بكمية من المال والذهب كعملية شراء ومقايضة واضحة الملامح تتخفى وراء شعار تكوين البيت والأسرة هو دليل على علاقة من العبودية لا تريد أن تختبأ .. أو يمكن أن تقول أنها منتج من مجتمع عبودى قديم يراد له الإستحضار لفرض هيمنة ذكورية متغطرسة ولتمرير مفهوم العبودية للإله لتخلق حلقة جهنمية بين الفكرة المبدعة وبين نمط متخلف وقاسى من العلاقات الإنسانية يراد له أن يتواجد ليمنح كل طرف القوة للطرف الأخر .

نحن نخلق ألهتنا وفقا ً لمصالحنا ورؤيتنا وأجندتنا الخاصة ..فنجعله سيدا ً ومالكا ً يطلب العبودية لأننا نريد لهذا النظام أن يستمر ..ولن نتورع أن نصيغ نصوص نغلفها بالمقدس لنمرر رغباتنا ونأطرها بإطار مقدس يجعل من نزواتنا وأطماعنا حضور وقداسة , وإنبطاح فى الوقت نفسه من جموع المنسحقين .

المشكلة أننا لم نتخلص من قيم مجتمع عبودى مازال حاضرا ً فى عالمنا يتمثل فى علاقات إنسانية مشوهة بين الرجل والمرأة ويجد وجوده وحضوره من إستدعاء فكرة الإله السيد ليمرر حمولة تراث إنسانى قديم يراد له أن يكون مقدسا ً .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الطاعة والإذعان .
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
- نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
- نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
- نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
- إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
- نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
- الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
- إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
- - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
- الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
- حاجات غريبة .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
- الساسة يسطرون الأديان - اليهودية كنموذج .
- السادة يخلقون الأديان .


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - نحن نخلق ألهتنا (5) _ الله مالكا ً وسيدا ً .