أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة الطاعة والإذعان .















المزيد.....

ثقافة الطاعة والإذعان .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 07:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فى الفيلم المصرى " الزوجة الثانية " بطولة سعاد حسنى وشكرى سرحان وصلاح منصور والذى تدور أحداثه فى أربعينات القرن الماضى بقرية مصرية صغيرة .
يطل علينا مشهد العمدة الذى يمتلك المال والأرض والسطوة ولكنه يفتقد للإنجاب ..وفى الجهة الأخرى من المشهد نجد فلاح معدم لا يمتلك من حطام الدنيا شيئاً غير زوجة جميلة ووفرة من الأولاد والبنات .

تدور الأحداث لنجد العمدة يقرر الزواج من إمرأة أخرى تمتلك القدرة على الإنجاب , فتدور عيونه لتستقر على زوجة الفلاح البائس ..ويعقد العزم على الزواج منها !!
ولكن المرأة متزوجة فكيف السبيل للزواج منها ..لا تندهش فليست هناك مشكلة أمام الطغاة وأصحاب السطوة ..فسيتم إجبار الزوج على أن يطلق زوجته مع مزيج من الإغراءات والضغوطات .!!

المشهد الذى نريد أن نتأمله هو مشهد شيخ القرية الفنان حسن البارودى والذى يمارس دور خادم العمدة والمرتمى تحت عباءته ...فالشيخ يحاول أن يحث الزوج البسيط على الطلاق مردداً الأية القرأنية " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولى الأمر منكم "
وبالطبع هو يردد هذه الأية من أجل عيون أولى ألامر منكم .

لعل الكثيرون سيبادرون بالقول أن هذا إستغلال رخيص للدين ويجب أن يلام عليه الشيخ الذى يمثل هنا كاهن السلطة .
ولن نختلف فى هذه الرأى كثيراً ..وإن كنت أرى أن التراث الدينى يأتى أساسا ً لعيون أولى الأمر ويأتى الله مكملا ً للصورة !! ..وهذا ما سأبرزه لاحقا ً.

ولكن دعونا نخوض فى قضية الطاعة لنطرح السؤال التالى ..هل هناك سقف لطاعة أولى الأمر .؟
سيبادر رجال الدين بالإجابة بأن الطاعة يحدها الشرك والمعصية بالله ..ولكن فى حالتنا تلك فلا يوجد شرك أو معصية لله فالعمدة يريد زواجاً شرعياً ليس أكثر من هذا .
وكوننا نرفض الإسلوب الذى مارسه فلن يصل إلى عتبات الشرك والمعصية .

فلنحاول هنا أن نتلمس مفهوم الطاعة ..
الطاعة هى الإذعان لفكر وإرادة الأخر والإمتثال له .
قد تتكون الطاعة لأن الأخر يمتلك فكراً ورؤية أكثر من رؤيتنا وقد يكون هذا مفيداً فى البدايات الأولى للمعرفة ..ولكن المشكلة أن تستمر الطاعة بلا حدود وبلا توقف ..فمن المفروض أن فى وقت ما سنمتلك نحن رؤية وفكرا ً أعلى وأرقى من الأخر فهل لنا أن نتوقف عن الطاعة ؟ ..سنجد أن الأخر لن يسلم بأن علمنا وفكرنا تجاوزه ولن يسمح بما يمتلكه من رصيد معنوى وأدبى أن نرفض طاعته ..وهنا نصل لمرحلة من الجمود والتكلس .
وقد تكون الطاعة لأننا لا نريد إزعاج الأخر منا ونأمل فى رضاه عنا وفى هذه الحالة نحن نؤسس لثقافة النفاق ونهرول فى الوقت ذاته نحو الشلل والعجز .

هناك علاقة جدلية بين طاعة الأخر وطاعة الله ..فكل طرف يستمد قوته ودعمه من الطرف الأخر ... فطاعة الأخر المتمثل فى الأب والسادة يأخذ دعمه من توصيات إلهية مزعومة تطلب الطاعة لهم ..وطاعة الله تجد دعمها من الأب والزعماء .

المنظومة الدينية تقوم وتتأسس على ترسيخ مفهوم الطاعة فى الوعى الجمعى للبشر ..فبدون طاعة لن تقوم لها أى قائمة ..فالطاعة هى الوسيلة المثلى والسلمية للإيمان ..فبها يتم تقبل كل الأوامر والتعليمات والتوصيات بدون عناد أو مجادلة .

المثير للإنتباه هوأن هناك إلحاح شديد فى تصدير مفهوم الطاعة منذ البدايات الأولى البكرية للفكر الدينى , فنجد الأسطورة البدئية والتى تعتبر حجر الزاوية لكل المنظومة والميثولوجيا الدينية تتكأ على قصة خروج أدم من الجنه لعدم الإمتثال والطاعة من نهى الإله له بعدم الأكل من الشجرة المحرمة .
صياغة الأسطورة توحى بدلالا ت خطيرة ..فهناك تحريم من الأكل من شجرة التفاح أو المشمش وبدون إبداء الأسباب ..ودون أن يسأل أدم عن سبب التحريم , وما الذى يزعج الإله من ذلك .
إن مسطر الأسطورة له هدف واضح الدلالات وليس هو بالسذاجة فى أن يطرح علينا قصة الأكل من ثمرة التفاح أو المشمش ..هو يبنى أساس للإيمان والتسليم من خلال الطاعة العمياء التى لا تتحمل السؤال أو الجدل .

الإيمان يقوم أساساً على التصديق بأمور لا ترى ولا تسمع ولا تحس ..وعلى أمور غيبية وإفتراضية فى الأساس ويلزم القبول بها أن تكون العقلية المستقبلة لهذا الكم من الخرافة عقلية طيعة لا تعاند بل يكون لها القدرة على الطاعة والإنسحاق .

من هنا لا يجب أن يسمح للطاعة أن يكون لها سقف محدد ..إلا الإله بالطبع .
فتصبح كل الأمور تحت مظلة الطاعة ..لتبدأ الدائرة بالأب ..فكبير العائلة ..فزعيم القبيلة ..فالملك أو الرئيس ..وكلها حلقات تحتمى وتتحصن تحت عباءة الطاعة طالما ليس هناك معصية أوشرك بالله الذى هو نهاية سقف الطاعة .

مفهوم الطاعة يتغلغل فى مسام مجتماعاتنا ليصبح دوغما تفرض نفسها على كل دوائر الحياة لتخلق فى النهاية عقلية مستسلمة ليس لها القدرة على الرفض وممارسة حريتها .
نجد الطاعة تعطى الأولوية للمتقدمين فى السن وأصحاب الجاه والسلطان فى أن يصدروا ويفرضوا وجهة نظرهم المختلة والعليلة محصنين بوجود رصيد من الطاعة لدى الأبناء والأتباع ...وحتى لو تم منحها لذوى الفكر فهى من الخطورة أيضا ً كونها تتوقف على التسليم والإذعان لفكرة محددة وليس على جدال الأفكار .

الطاعة تحولنا إلى مسوخ بشرية ..وكائنات منقادة ومفعول بها ولا تملك من نفسها سوى القولبة والإنبطاح ..فنحن نعتبر مقولات الأباء والأجداد مقولات سديدة يجب طاعتها والعمل بها ..لنقوم نحن بالمثل بتصدير أقوالنا وافكارنا إلى أبنائنا ليصاب المجتمع فى نهاية المطاف بالشلل .
لذا لا يجب أن نندهش من وجود عادات وتقاليد عربية موغلة فى القدم مازالت تتردد ويتم تفعيلها بالرغم أن أصحابها يقودون أحدث السيارات ويمسكون بأيديهم أحدث أجهزة المحمول و اللاب توب .!!

كل هذه الداوئر تستمد معينها من الدائرة الحاضنة والتى تطلب الطاعة وحنى تستطيع أن تفرضها فلا بأس أن تجد لها خدماً وأنصاراً يأخذون قطعة من كعكة الطاعة ..وليكن الأب وزعيم القبيلة والملك ..لنقع فى دوائر جهنمية تستنزف الإنسان وتقيد حريته وعقله .

أن طاعة أولى الأمر أمر فى غاية الخطورة لأننا هنا أمام ظلال لله على الأرض ..
فطاعة أولى الأمر واجبة ونافذة طالما لا يحدها شئ سوى الشرك والمعصية ..فلا يهم أن تكون قرارته غير صائبة أو حكمه على الأمور يشوبه الجهل والتهور طالما لم يخترق الخط الأحمر ويسير على نهج الطاعة الكبرى .
تكون الديمقراطية والتعددية الفكرية غير مطلوبة أيضا ً لأنها تشكل الطعن فى طاعة ولى الأمر وتفتيت الطاعات .

إن الطاعة كعملية إذعان ولا تقبل للجدال والرفض هى من الخطورة بمكان لأنها تعطى تابوهات تشل العقل عن الفكر الناقد وتقيد حرية هى ضرورية للإبداع والتقدم ,لترسخ بدلا ً منها لقيم التبعية وتفويض الأخر بالتفكير نيابة عنا وتقرير ما يراه صالحاً .

لن نحظى على حرية وكرامة الإنسان إلا بكسر كل الطاعات المفروضة بدءاً من أكبر دوائر الطاعة إلى أدناها بعد نزع كل الهالات التى تتحصن بها وإخضاعها للنقد الحر .
الطاعة الحقيقية هى التى تستمد حضورها بعد مراحل من الإقناع والجدال وصراع الأفكار وخلق قناعات حرة تحترم الإنسان فى حريته وعقله وليس على الإنغماس فى الخضوع والإذعان والإنبطاح .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ ما الجدوى ؟!
- نحن نخلق ألهتنا (4) _ الله باعثا ً
- خواطر فى الوجود والإنسان والله _ الأرض حبة رمال تافهة .
- نحن نخلق ألهتنا (3) _ الله عادلا ً .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
- نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
- إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
- نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
- الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
- إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
- - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
- الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
- حاجات غريبة .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
- الساسة يسطرون الأديان - اليهودية كنموذج .
- السادة يخلقون الأديان .
- حاجة غريبة .. الله ومسلسل التحريف .


المزيد.....




- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة الطاعة والإذعان .