أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .















المزيد.....

الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2921 - 2010 / 2 / 18 - 17:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عملت لفترة فى المملكة السعودية حيث إلتقيت هناك بزميل مهندس مصرى يدعى "حسن ".
"حسن "كان إنساناً جميلاً بمعنى الكلمة ..مهذب ..خلوق ..رقيق كورق السيجارة ..يكتب الشعر ..ويعزف الموسيقى وذو ميول يسارية حالمة .

فى يوم ما جاء "حسن "من الخارج شارداً هائماً وعيونه جاحظة تعلوها حالة من التيه والقلق ..
مالك يا "حسن" ؟
مجرد أن قلت له ذلك حتى إرتمى فى صدرى وأخذ يبكى ويرتجف كالأطفال ..

علمت أن "حسن" كان حاضراً لمشهد قصاص حيث رأى مشهد قطع رقبة إنسان ..فلم يتحمل "حسن "بتركيبته النفسية الجميلة هذا المنظر البشع .
وتمر الأيام ولا يتغير" حسن" عن حالة الصرع والفزع والبكاء والشرود الدائم ..لم يستطع أن يتجاوز المشهد الذى حفر أخاديد فى عقله وروحه ..
لم يعد قادراً على التركيز فى العمل ..ولم تفلح بعض الحبوب المهدئة أن تخرجه من حالته ..ليكون قرار رحيله من السعودية قراراً حتمياً .

يسافر "حسن" ..ثم ألحق به بعد عدة شهور لأزوره بعد عودتى بأيام قليلة لأفجع فيه ..لقد أصبح شاحباً باهتاً ...لقد أدمن "حسن" المخدرات ..وأصبح يعيش فى حالة من التوهان والضبابية .
"حسن" أصبح أشلاء إنسان .

تألمت لما صار له حال هذا الإنسان الجميل الذى لم يكن يدخن سيجارة ..و لم يكف عن الحلم بغد جميل يجمعه بمحبوبته ,فمشهد ذبح إنسان أجهز على روح وعقل "حسن" .

أخذت أفكر ملياً فى هذا الأمر ..أفهم جيداً أن هذا القصاص بقطع رقبة السارق هو تشريع سنته طبيعة بدوية لها ناموسها ورؤيتها الجافة والقاسية .
وكونهم ينسبون هذا الأمر إلى فكرة الله فإنهم يضعون هذا الإله فى ورطة أمام قصة كلى الرحمة والمغفرة ...فهل لابد من هذا المنظر الشديد الدموية والوحشية ليتحقق العدل والقصاص .
ماذا يستفيد الله جدلاً من مثل هكذا موقف عنيف وبشع ؟..هل بهكذا تتحقق وصيته وحكمه لنا ؟ ..وهل نوافير الدماء ترضيه وتقنعه ؟
وماذا يستفيد المشاهدون لهذه البشاعة ؟ ..هل ليرتعدوا ؟
ولكن جرائم القتل لم تنتهى فى ظل الشريعة ..ولا يمكن مقارنتها بدول لا تطبق حتى قوانين الإعدام ! .

إذا كان الحكم على القاتل أن يقتل , فلماذا الإصرار على ذبحه بالسيف وعلى مشهد من الحضور الذين لا يكفون عن التهليل والتكبير .؟!!
أن يكون هناك قاتل ونريد أن نعاقبه بالإعدام كعقوبة على إزهاق روح إنسان ..فما المعنى والهدف أن يكون إعدامه بهذه الطريقة الوحشية بذبحه كالشاه؟..وما المغزى من أن يشاهد البشر عملية الذبح هذه .؟!

نحن نجد أنفسنا على محك مع فكر مجتمع قديم بكل عاداته وتقاليده وهمجيته وإرتدى رداءاً إلهياً تطفى على هذه الأفعال الشرعية والحكمة والإرادة الإلهية .
وإلا ماذا نفسر عملية الإعدام بهكذا طريقة ..فالقاتل سيموت سواء علناً أوسراً ..سواء ذبحاً أو من خلال غرف الغاز ...والقتيل لن يعود للحياة .
فكرة الذبح هى رؤية مجتمع بدائى يتعامل بعقلية ثأرية وإنتقامية .. هو تعبير عن رغبة لممارسة الغضب بشكله الجنونى والفوضوى ..بينما المجتمع عندما يمتلك نضوجه فهو يكون أكبر من كل الأفراد ..ولا ينظر للفرد على أنه ند بل إنسان ضمن المجموع قادر أن يستوعبه أويعاقبه أو يلفظه بدون مبالغة فى عمليات القبول والرفض .

نرجع لمشهدنا الذى حول حسن إلى أشلاء إنسان ..لماذا كل هذه الحمية والوحشية فى ممارسة القصاص .؟
لا تكتفى الإجابة على كون المجتمعات القديمة كان هكذا عهدها ..بل هناك رغبة فى المشاهدة لكى يكبر ويهلل المشاهدون .!!

الإنسان يحمل تحت جلده طاقة عنف ووحشية ..أفلحت الحضارة الإنسانية أن تنزل بها إلى أقل منسوب لها ..وعليه ترقرقت الكثير من المشاعر الإنسانية وبدأت تنسلخ عن الوحشية البدائية وإن بقى تحت الجلد شئ من هذا العنف لم ولن يندثر .

مجتمع بشرى عاش فى حضن بيئة صحراوية جافة وقاسية صبغت تكوينه النفسى بالجفاف والغلاظة ..وأصبح بحكم الطبيعة قاسى وحاد المزاج ..وهو إنسان كمثل البشر يخبأ فى أعماقه طاقة من العنف والشراسة ..فتكون الطبيعة مساهمة فى إطلاق العنف من عقاله ويكون ممارسة العنف مقبولاً بل يتم إعتباره من علامات البطولة والرجولة ..وفى حالة تعثر ممارسة العنف فلا بأس من مشاهدته والإستمتاع بنوافير الدم .

يجئ القصاص كمشهد كرنفالى لرؤية العنف والدم والتلذذ به ..وليكون التكبير لله أو اللات أو مناة ليس إلا مجرد تعويذة لتحليل الرؤية فقط .

تكون المشكلة فى بقاء هذا التراث القديم المحاط بظرفه المادى والتاريخى والثقافى حاضراً بكل قسوته ووحشيته ليخلق حلقة جهنمية ما بين العنف والإنسان ..والذى يتشوه ليصل إلى إستعذاب الدم .

من هنا يصبح التراث الدينى الذى يمرر مثل هكذا شرائع هو من الخطورة بمكان كونه يمرر العنف والوحشية والدموية بغطاء مقدس فتجعل ممارسيه ومشاهديه يتلذذوا به بدم بارد وضمير مستريح .
الخطورة تكمن فى بقاء ذهنية ونفسية إنسان بدوى قديم حاضرة وفاعلة وممتدة ..لتجعل العنف والوحشية ماثلة ومتجسدة لتشوه الإنسان أو لترده إلى حالته البدئية طالبا المزيد من التمتع بالدم
.
وفى الوقت الذى تلغى أكثر من 140 دولة حكم الإعدام من قوانينها تحت فلسفة أن المجتمع ليس فى حالة ثأرية مع الفرد ..نجد من يطل علينا بالمطالبة بتفعيل حكم الإعدام شنقاً بالإعدام ذبحاً من الوريد إلى الوريد وعلى مرأى من الجميع .!!

رافعى رايات الحكم الإسلامى يطالبون بإلحاح بتطبيق الإعدام ذبحاً بالسيف وفى ميدان عام ..وكأن مشاكلنا الحضارية والسياسية والإقتصادية لن تنحل إلا بهذا المشهد .!!..وأعتقد أن إلحاحهم بتطبيق هذا الحد يعطى دلالات لا تخفى عن بشائر عهدهم الميمون .

المشكلة الحقيقية فى ممارسة عملية ذبح القاتل بهذه الطريقة البدائية وعلى مرأى ومشهد من الجميع ..أننا سنحصل على نتائج عكسية تماماً لما يحاولون أن يروجوا له وهو الردع , فسيصاب البشر بحالة من الإعتيادية والتبلد لمثل هكذا مشهد ..ويصير منظر ذبح إنسان كذبح شاه أو دجاجة .
فأنت لا تستاء مع مشهد نحر خروف أو دجاجة وتعتاد هذا الأمر وتمارسه بدم بارد , ويعزى هذا الأمر أن المجتمع جعله مقبولاً وعادياً ..وهكذا يعتاد الإنسان أن يرى منظر ذبح إنسان فلا تثير عواطفه بل يستقبلها فى وقت ما بالتكبير والتهليل .!!
هنا لن يكون هذا المنظر رادعاً بعد أن أصيبت النفس البشرية بالتبلد بل يزداد الأمر سوءاً بإستدعاء مخزونها البدائى فى التمتع بهكذا وحشية .

لم يستطع " حسن" أن ينسجم مع هذه الحلقة الجهنمية ..لم يستطع قلبه الأخضر أن يتحمل تلك البداوة ..فكان مصير"حسن" أن أصبح أشلاء إنسان .
لا تجعلوا مصير حسن يتكرر ..أو ينقرض من الوجود .!!

أرجوكم لا تدعوهم يحكموننا ...



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (5) _ إغتصاب الطفولة .
- نحن نخلق ألهتنا (2) _ الله رحيماً ومنتقماً .
- إنهم يروضون الإنسان كيف يكون منبطحاً .
- نحن نخلق ألهتنا (1) _ الله المقاتل .
- الأخلاق لا تأتى من السماء ..إنها تخرج من الأرض .
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ؟
- إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .
- - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
- الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
- حاجات غريبة .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
- الساسة يسطرون الأديان - اليهودية كنموذج .
- السادة يخلقون الأديان .
- حاجة غريبة .. الله ومسلسل التحريف .
- المقدس والتغييب وسر التخلف .
- خرافات الأديان (2) - خلق الأرض والنبات قبل السموات .!
- الإنسان والذهب .
- أشياء تدعو للخجل (2) - تحليل الدعارة .
- القضاء والقدر والمكتوب .


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (6 ) _ أشلاء إنسان .