أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - -تحرير- السلطة الفلسطينية أوَّلاً!















المزيد.....

-تحرير- السلطة الفلسطينية أوَّلاً!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 16:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


اشترى فلاَّح فقير زوج أحذية، بُنِّي اللون؛ وظلَّ يستعمله سنوات عدة. أصلحه مرَّات عدة؛ ولقد تغيَّر لونه، وجوانب أخرى منه؛ ومع ذلك ظلَّ يقول "حذائي البنِّي اللون"!

لو سُئِل الفيلسوف الألماني الجدلي الكبير هيجل عن رأيه في الأمر، لأجاب قائلاً، على ما أتوقَّع: صاحب هذا الحذاء استمسك بمبدأ "الهوية"، أي بمبدأ "الشيء يظل هو نفسه، لا يتغيَّر"؛ وكان ينبغي له أنْ يَنْظُر إلى حذائه في تغيُّره.. في حركته، فليس من شيء يبقى على ما هو عليه.

وإيَّاكم أن تظنُّوا أنَّ المشتغلين بالسياسة من العرب يختلفون كثيراً عن ذاك الفلاَّح لجهة طريقته في التفكير والنظر إلى الأمور.. وإلى كثيرٍ من المفاهيم والشعارات السياسية، فالشجر عندهم يموت؛ ولكنَّ ظلاله تبقى حيَّة إلى الأبد!

إنَّني أستطيع أنْ أُدْرِج في قائمة عشرات؛ بل مئات، المفاهيم والشعارات السياسية، التي ما زالت تؤلِّف معظم، إنْ لم يكن كل، متاعنا الفكري السياسي، مع أنَّ صلتها بـ "الواقع" الذي أنتجها وخلقها أصبحت أثراً بعد عين، وكأنَّها ظِلال أجسام تبقى ولو فنيت الأجسام نفسها.

إنَّ "المفهوم" كالصورة، فأين هو المنطق في تفكيركَ، وفي طريقتكَ في التفكير، إذا ما الْتَقَطَّت صورة للطفل الرضيع زيد، وقُلْتَ إذ أصبح شاباً "هذا هو زيد"، مشيراً إلى صورته؟!

أمَّا إذا أردتم مثالاً أكثر وضوحاً فما عليكم إلاَّ أنْ تنظروا، وتمعنوا النظر، في مفهوم "القضية الفلسطينية"، الذي ما زلنا نستمسك به، وكأنَّ "المحتوى الواقعي" لهذا المفهوم لم يَعْرِف تغييراً مُذْ ظهر إلى حيِّز الوجود؛ ولعلَّ خير دليل على ذلك هو أنَّنا سنختلف اختلاف شيوخ الإفتاء لو أجَبْنا عن السؤالين الآتيين: "ما هي القضية الفلسطينية؟"، و"كيف يمكن أنْ تُحلَّ؟".

إذا أرَدْنا لتفكيرنا السياسي أن يكون وثيق الصلة بالواقع وحقائقه، وأنْ نعيِّن، بالتالي، "مهمَّة الساعة"، فلسطينياً، على خير وجه، فلا بدَّ لنا، على ما أحسب، أنْ نفهم "التحرير"، الذي تتضمَّنه الإجابات المختلفة جميعاً، أو غالبيتها، على أنَّه "تحريرٌ لا بدَّ منه" للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية، فإنَّ "قيادة الشعب الفلسطيني، وممثِّله الشرعي والوحيد" هي التي تحتاج إلى "التحرير" الآن أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ومن أراضيهم التي تحتلها إسرائيل منذ 1967.

أقول ذلك، وأقول به؛ لأنَّ "المُحرِّر"، أي القيادة الفلسطينية، لن يكون كذلك إذا لم يكن هو "مُحرَّراً"، في إرادته السياسية، وفي قوله وفعله السياسيين.

لقد انتقلت القيادة الفلسطينية إلى هناك.. إلى "المُحْتَل"، إسرائيلياً، من الشعب الفلسطيني وأرضه، من أجل أن تأتي بمعجزة "التحرير (له ولأرضه) من خلال التفاوض السياسي" مع المُحْتَل الإسرائيلي، فماذا كانت النتيجة النهائية والعملية والواقعية؟

عجزت، أوَّلاً، عن الإتيان بهذه المعجزة؛ ثمَّ أتى عجزها، إذ تأكَّد ونما، بما جعلها هي جزءاً من الواقع الفلسطيني الذي يعاني من عواقب "الاحتلال الإسرائيلي" أكثر، وأكثر بكثيرٍ، من سواه، حتى أنَّ "تحريرها" من هذا الاحتلال، ومن ضغوطه وتأثيراته المختلفة، الظاهرة والمستترة، أصبح، بحسب وجهة نظر الواقع نفسه، "مهمَّة الساعة"، فلسطينياً، والشرط الأوَّلي لجعل تحرير "المُحْتَل"، إسرائيلياً، من الشعب الفلسطيني وأرضه، هدفاً واقعياً في متناول أيدي الفلسطينيين.

بدعوى (لا يصدِّقها ولا يقتنع بها عاقل) العودة من المنافي إلى الوطن، أو "عودة السمك إلى مائه"، والانضمام إلى الشعب في الصراع المباشِر واليومي ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي، جيئ، أوَّلاً، بغالبية المنتمين إلى حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى "الوطن المُحْتَل" على هيئة "مستوطنة فلسطينية"، ضُرِب عليها "حصار إسرائيلي" مُحْكَم، ومتعدِّد الوجه؛ ولم يكن كله من الخارج، فبعضه كان أو أصبح من الداخل، وإنْ تزيَّن بكثير من الأوهام الفلسطينية، التي أصبح لبعضٍ من المحاصَرين في تلك "المستوطنة" مصلحة في تصويرها (أي تلك الزينة من الأوهام) على أنَّها حقائق لا ريب فيها؛ ثمَّ ارتفع في أنفسهم منسوب الثقة بجدوى وأهمية وضرورة "إعادة البقية الباقية (بحسب حساب الحسيب) من السمك إلى مائه"، فجيئ بما بقي من هيئات ومؤسسات فلسطينية قيادية إلى "دار أبي سفيان"، وكأنَّها "الدار الآخرة"، لجهة كونها خيراً وأبقى!

عملاً بهذه "الرياضيات السياسية"، أصبح الشعب الفلسطيني "الخارجي" بلا قيادة؛ أمَّا الشعب الفلسطيني "الداخلي" فأصبحت له قيادة، تعاني من "الاحتلال الإسرائيلي" وضغوطه أكثر منه، وكأنَّ قاطرة الاحتلال الإسرائيلي تحتاج إلى مدِّها بمزيدٍ من الوقود الفلسطيني!

وفي مناخ "المستوطنة الفلسطينية" تلك، ازدهر "التبقرط"، أي تحوُّل القيادة الفلسطينية، وعبر "السلطة" وهيئاتها ومؤسساتها، إلى "جماعة من البيروقراطيين"، الذين من عيونهم، أي من عيون مصالحهم الشخصية والفئوية الضيِّقة، والتي تضيق بالمصالح الفلسطينية العامة، يَنْظرون إلى "القضية القومية للشعب الفلسطيني"، وإلى حقوقه ومصالحه القومية، وإلى "الحل النهائي"، شكلاً ومحتوى، وإلى كيفية الوصول إليه وتحقيقه.

بما يوافِق تلك المصالح البيروقراطية، في المقام الأوَّل، تُصْنَع الآن وتتغيَّر "السياسة"، ويُجاب عن سؤال "ماذا نريد؟"، وعن السؤال المشتق منه، وهو "كيف نصل إلى هذا الذي نريد؟".

وجاء "الخيار" بحجمٍ يَعْدِل حجم تلك المصالح، أي يقلُّ كثيراً، وكثيراً جداً، عن حجم "القضية" و"الحقوق"؛ ولقد صيغ على النحو الآتي: "لا عودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل قبل أنْ تُوْقِف نشاطها الاستيطاني وقفاً تاماً شاملاً".

إنَّه "خيارٌ" لا يملك شيئاً من معاني ومقوِّمات "الخيار"، الذي يعرفه، ويعترف به، عالم السياسة الواقعي.

هناك، أي في الشطر الفلسطيني "المحرَّر" مرَّتين حتى الآن، والذي يعاني من الاحتلال الإسرائيلي الأسوأ، يأخذون بخيار هو الوجه الآخر للمأساة القومية للشعب الفلسطيني، ألا وهو خيار "لا عودة إلى المقاومة بالسلاح"، مع أنَّهم يحجِّبونه بحجاب لغوي، يستر بعضاً من عوراته؛ وهنا، أي في الشطر الفلسطيني الذي لم يُشْرِك بعد بخيار "لا حلَّ إلاَّ الذي يأتي من طريق التفاوض السياسي" ولو بعد عشرات السنين من هذا التفاوض، يقولون "نعم" لاستمرار وبقاء هذا الشطر على ما هو عليه، من خلال قولهم "لا" للعودة إلى طاولة المفاوضات قبل..".

حتى هذا "الخيار"، الذي ليس بـ "خيار"، يمكن أن يَلِدَ عمَّا قريب ما تلده المأساة عادة وهو المهزلة، فتُضاف إلى كلمة "المفاوضات"، في "الخيار الأُم"، كلمة "المباشِرة"، فَلِمَ لا تُجْرى "مفاوضات غير مباشِرة" جنباً إلى جنب مع استمرار النشاط الاستيطاني، وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص؟!

إنَّها "ثلاث لاءات فلسطينية"، تفضي إلى "نَعَم فلسطينية واحدة"؛ واللاءات الثلاثة هي "لا للمفاوضات (المباشِرة) قبل الوقف التام للنشاط الاستيطاني"، و"لا للحل من طريق التفاوض السياسي"، و"لا للعودة إلى خيار المقاومة بالسلاح"؛ أمَّا النَّعَم الواحدة فهي "نَعَم لبقاء الفلسطينيين، شمالاً وجنوباً، على ما هم عليه (من حالٍ تسرُّ إسرائيل)".

وإذا كان هذا هو "الخيار"، فهل تعلمون ما هي "ورقة الضغط الكبرى"؟
إنَّها ورقة "التهديد (تهديد إسرائيل في المقام الأوَّل) بحلِّ السلطة الفلسطينية"!

وإنِّى لأتمنى على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ألاَّ يفعلها؛ لأنَّه لو فعلها، أي لو حلَّ السلطة الفلسطينية، للقي المصير نفسه الذي لقيه عرفات، وفي الطريقة نفسها، بما ظهر منها حتى الآن، وبما ظلَّ مستتراً حتى الآن، فإنَّ في تلك "المستوطنة الفلسطينية" العشرات من أمثال بروتوس، والمئات من أمثال الاسخريوطي!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة التوريط في قضايا فساد!
- -فالنتياين-.. عيدٌ للتُّجار أم للعشَّاق؟!
- الأمين العام!
- عصبية -الدَّاليْن-!
- مجتمعٌ يُعسِّر الزواج ويُيسِّر الطلاق!
- العدوُّ الإيراني!
- -التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
- قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
- -ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!
- -الإنسان-.. نظرة من الداخل!
- -شجرة عباس- و-سُلَّم أوباما-!
- هكذا تكلَّم الجنرال باراك!
- -ثقافة الزلازل- عندنا!
- أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
- مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
- سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
- حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
- مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
- نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
- الأجهزة الأمنية العربية!


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - -تحرير- السلطة الفلسطينية أوَّلاً!