أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!















المزيد.....


أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2898 - 2010 / 1 / 25 - 14:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان الله في عون "المُصْلِح (أو الإصلاحي) الأكبر" الرئيس الأسود الديمقراطي أوباما، فها هو الآن فَتَح، أو يوشك أن يَفْتَح، "صندوق باندورا"، وكأنَّه هو باندورا، التي لم تمتثل لأمر زيوس لها بأن تظلَّ مُغْلِقةً لهذا الصندوق، مُحْكِمَةً إغلاقه، ففتحته، فخرجت منه كل الشرور، فلمَّا أسرعت في إغلاقه أغْلَقَتْهُ فارغاً إلاَّ من شيء واحد، هو "الأمل"!

"إذا أردتُّموها حرباً، فإنِّي لها مستعدٌّ، وسأخوضها حتى النهاية"!

إنَّها كلمات من نار يُخاطِب بها "فارس الإصلاح"، و"بطل التغيير"، أوباما، "أشرار الأرض"؛ ولكن إيَّاكم أن تظنُّوا أنَّه بهذا اللسان من اللهب يتكلَّم ضد نتنياهو، أو الشيخ أسامة.

إنَّه يتكلَّم به ضدَّ "الحيتان" في "وول ستريت"، وضدَّ ممثِّلي وزعماء وقادة "الليبرالية الجديدة"، التي نراها اليوم تحاوِل أن تُثْبِت لنا، ولضحايا جرائمها، أنَّها كمثل طائر الفينيق، تَخْرُج من تحت الرماد الاقتصادي والمالي العالمي أكثر قوَّةً وحيويةً وجمالاً.

وإنَّ أخشى ما أخشاه أن "يكتَشِف" أوباما، بعد انتهاء الجولة الأولى من هذه الحرب، أنَّه قد أفرط وغالى، ثانيةً، في "التوقُّع"، وأنَّ من الحكمة بمكان أن يكفي نفسه شرَّ قتال "أشرار الأرض"، الذين يتَّخِذون من "وول ستريت" عاصمةً لهم.

أوباما الآن، بطل الحرب على إرهاب "القاعدة" في أفغانستان، وحَوْل العالم، والحائز على جائزة "نوبل" للسلام، والمستخذي لضغوط نتنياهو، والذي هبط منسوب شعبيته كثيراً، ليس لكونه فعل أشياء لم تُرْضِ شعبه، وإنَّما لكونه لم يفعل شيئاً يعتدُّ به، يعود إلى الشعب، إلى قاعدته الانتخابية، وإلى دافعي الضرائب، طالباً العون والمساعدة.. و"النفير العام"، فإنَّ رؤساء المصارف الكبرى عادوا إلى السير في الطريق نفسها، وكأنَّهم لا يستطيعون العيش إلاَّ بما يفضي دائماً وحتماً إلى إعادة إنتاج الأزمات المالية والاقتصادية العالمية.

ومع عودة "الليبرالية الجديدة" إلى الظهور من تحت الرماد اشتعل فتيل الصراع بينها وبين فئة واسعة من الرأسماليين الذين لهم مصلحة في ترويضها وتقييدها ودرء مخاطرها وشرورها عن الاقتصاد القومي والاقتصاد العالمي برمته، فظهرأوباما في معسكرٍ ضدَّ ممثَّلي "وول ستريت" ورؤساء المصارف الكبرى، ويضمُّ على وجه الخصوص "الرجل الطويل" بول فولكر، الذي تولَّى رئاسة البنك المركزي (مجلس الاحتياط الفدرالي) قبل آلان غرينسبان. ويُتَّهم "معسكر أوباما" بأنَّه يسعى في إعادة الولايات المتحدة، مع نظامها المالي، إلى الوراء، وإلى قانون "غلاس ستيغل" على وجه الخصوص.

ولقد تزامنت الحملة التي جرَّدها أوباما ضد رؤساء المصارف الكبرى مع إعلان مصرف "غولدمان ساكس" أرباحه للربع الأخير من 2009، والذي اتضح وتأكَّد من خلاله أنَّ "حليمة عادت إلى عادتها القديمة"، فنحو 80 في المئة من هذه الأرباح جاء من "المضاربة"، التي من رحمها تَخْرُج العصا الغليظة، التي بها يُضْرب الاقتصاد القومي والاقتصاد العالمي ضربة تكسر الظهر.

نحو 8 في المئة من أرباحه جاء من النشاط المصرفي العادي، والذي يجب أن يكون عصب عمل المصارف.

ولولا "المضاربة"، التي تعبدها المصارف الكبرى في "وول ستريت" على وجه الخصوص، لَمَا رأينا ظاهرة "Lehman Brothers"، أي ظاهرة المصارف التي حجم ديونها يفوق 33 مرَّة حجم رأسمالها.

وتزامنت أيضاً مع عودة رؤساء المصرف الكبرى إلى مَنْح أنفسهم، وموظَّفين آخرين، مكافآت مالية ضخمة على الرغم من أنَّ مصارفهم ما زالت تعتمد، في بقائها ونموِّها، على أموال الإنقاذ الحكومية، أي على أموال دافعي الضرائب.

"الرسالة" التي أرسلها "غولدمان ساكس" إلى البيت الأبيض، من خلال إعلانه أرباحه ومصادرها، كانت واضحةً جلية، فهذا المصرف إنَّما قال لسيد البيت الأبيض في "رسالته": لقد عُدتُّ إلى الربح من الطريق نفسها، أي من الطريق التي إذا ما سِرْتُ فيها قُدُما فلا مناص لكم من أن تهبُّوا إلى إنقاذي بمزيدٍ من الأموال العامة (أي الحكومية).

أوباما ما أن تسلَّم تلك "الرسالة" حتى خاطب رؤساء المصارف قائلاً: "أريد أن تعيدوا لنا أموالنا.. لقد حان لكم أن تعيدوا إلى الشعب أمواله التي اُنْفِقت في سبيل إنقاذكم".

حان لهم ذلك؛ ولكنَّهم فضَّلوا خياراً آخر هو تحويل جزء كبير من الأرباح إلى مكافآت مالية لهم، فالأرباح لهم، والخسائر للشعب!

سيد البيت الأبيض غضب من تلك المكافآت، فأغضب أصحابها إذ قرَّر أن يستعيد منهم أموال دافعي الضرائب من خلال فرضه ضرائب جديدة على المصارف.

غضبوا عليه مع أنَّهم يعرفون أنَّ المال المُسْتَجْمَع من هذه الضرائب الجديدة سيُنْفَق مستقبلاً في أعمال إنقاذ مالية جديدة لهم ولمصارفهم، فالأزمات الجديدة آتية لا محالة؛ لأنَّ كل قوى الإكراه في العالم لن تنال من قوَّة حُبِّهم للإقراض، الذي في تحريرهم له من كل قيد يكمن جوهر "الليبرالية الجديدة".

أوباما سرق بعضاً من النار من سارقها بروميثيوس ليصنع منه لساناً يتكلَّم به ضدَّ حيتان "الليبرالية الجديدة"؛ ولكنَّه أظهر ما ينبغي له إظهاره، وهو "الطوباوية" في التفكير والنظر إذ اختار "الماضي" حلاَّ لمشاكل "المستقبل".

لقد نظر في الأسباب والمسببات لـ "الانفجار الكبير" الذي انطلقت شرارته من "وول ستريت"، فتوصَّل، إذ استبدَّت "الطوباوية" في تفكيره، إلى أنَّ "التفتيت" للنظام المصرفي خيرٌ وأبقى من "التركيز"!

اكتشف "المصلح الأكبر" أوباما أنَّ المصارف في بلاده أكبر من أن تُتْرَك لتنهار، أو يُسْمَح لها بالانهيار، فسبحان من جَعَل في انهيار بضعة مصارف انهياراً للاقتصاد برمته!

المصارف في عهد الرأسمالية الأوَّل، حيث سادت المنافسة الحرَّة، كانت كثيرة متكاثرة؛ والفوائض النقدية للمجتمع كان يتقاسم ادِّخارها وتوظيفها واستثمارها عدد كبير جداً من المصارف، فلَمَّا انتهت "المنافسة الحرَّة" إلى عاقبتها النهائية والحتمية وهي "الاحتكار"، و"الرأسمال المالي"، تركَّزت تلك الفوائض في قلة قليلة من "الحيتان المصرفية"، أي المصارف الضخمة.

ومع هذا التركُّز، واشتداده وتعاظمه، أصبحت الخطوة التاريخية المنطقية التالية هي "التأميم"، أي تأميم المصارف الكبرى.

والرئيس أوباما، بما يمثِّل، وبمن يمثِّل، ليس المدعو إلى أن يخطو هذه الخطوة، فتفتَّق ذهنه عن "حلٍّ طوباوي"، هو إكراه تلك المصارف على التحوُّل في حجومها من "حيتان" إلى "أسماك"؛ ولكنَّ عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء!

وتوهَّم الرئيس أوباما أن تصغير حجوم المصارف، من خلال جَعْل نسبة "الودائع المضمونة" في أي مصرف لا تتعدى حاجز 10 في المئة من مجموع ودائع القطاع المصرفي، سيعيد شحن هذا القطاع بـ "الأخلاق" التي فرغت منه.

وشاطره هذا الوهم حاكم المصرف المركزي في بريطانيا ميرفين كينج إذ دعا إلى "تجزئة المصارف الكبيرة"؛ ذلك لأنَّ المصرف الكبير أو العملاق أصبح كالمارد، يستحيل حمايته من نفسه، ومنعه من الوقوع في الفشل.

من قبل، ولَّى الرئيس "مبارك حسين أوباما" وجهه شطر "النظام المالي الإسلامي" المعمول به جزئياً في البلاد الإسلامية، والذي ينبذ الربا وشروره، مؤسِّساً لعلاقة بين الدائن والمدين تقوم على "تشريك" الربح والخسارة، وكأنَّ أرباب النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة، وعملاً بميكيافلية اقتصادية وطبقية خالصة، لا رادع يردعهم عن طلب العون والمساعدة ولو من "الشيطان الأحمر"، من خلال أخذهم بالتأميم، ومن "الإسلام"، من خلال أخذهم بـ "اشتراكية" الربح والخسارة!

أوباما لم يستطع الهروب من "الحقيقة الاقتصادية العظمى" التي تحاصره من كل حدب وصوب، فالمصارف، وعلى كثرة ما حُقِنَت به من حوافز، وما أنزلوه عليها من مَنٍّ وسلوى، لم تشفَ بعد من مرض الإمساك عن الإقراض، فأباطرتها، الذين أتاهم ما حلَّ بهم من حيث لم يحتسبوا، وقُذِف في قلوبهم الرعب يخرِّبون بيوتهم بأيديهم، يقفون على تلالٍ من أموال خرجت ولم تَعُدْ، وإنْ احتفظوا بأوراق مُثْبَتَةٌ فيها حقوقهم المالية، فكيف لهم أن يَسْتَجْمِعوا في أنفسهم جرأة الإقراض، التي طالما حضَّهم عليها كهنة البيت الأبيض؟!

ما العمل من أجل جعلهم يقرضون الأفراد والشركات، فتدب الحياة في اقتصاد لم يشفَ، ولن يشفى، بإذن الله، من مرض الإدمان على الدَّيْن؟

كان هذا هو السؤال الذي تحدَّى "رئيس التغيير" أن يجترح معجزة إجابةٍ له، يمتثل لها الواقع، فيحيي هذا الرئيس عظام "وول ستريت" وهي رميم!

لقد أوحوا إليه من الحكمة ما مكَّنه من أن يرى "الخطوة الأولى"، فالمصارف لن تبدِّل جبنها جرأة إلاَّ إذا أتاها "شارٍ كريم"، أي ساذج، يشتري منها تلك "الأوراق"، أو ما يسمونه "الديون الهالكة المعدومة"، فإذا اشتراها، ولو بـ "ثمن اسخريوطي"، يصبح لديها من "السائل المالي"، ومن الجرأة المسقية به، ما يحوِّل بعضاً من إمساكها عن الإقراض إلى إسهال.

على أنَّ تلك الفكرة، المفعمة حكمة، والتي نفثوها في روع السيد الأسود للبيت الأبيض، لم تُوْلَد في أذهانهم إلاَّ من موت وهم ليبرالي كبير استبدَّ برؤوس كثيرٍ من الجمهوريين، وأفصحوا عنه، غير مرَّة، إذ دعوا إلى ترك النظام المصرفي الغريق ينقذ نفسه بنفسه، أي ترك المصارف ذاتها تتخلَّص من ديونها الهالكة المعدومة بمعونة قانون العرض والطلب؛ ولكن انتظارهم، الذي يشبه انتظار سقوط السماء على الأرض، طال، وظهر لهم هذا القانون الحي إلى الأبد، على ما يتوهمون، على أنَّه هالك هو أيضاً ومعدوم، ويحتاج إلى ما يعينه على استئناف الحياة قبل، ومن أجل، أن يصبح قادراً على إعانة تلك المصارف على التخلُّص، عبر "شارٍ مخلِّص"، من تلك الديون، المانعة لها من استئناف الإقراض للأفراد والشركات.

كان هذا هو الأبيض من الحلول؛ ولكن النظام المصرفي سوَّد وجوه القائلين به من أصوليي الليبرالية الجديدة؛ أمَّا الأسود فكان الحل الذي يقوم على جعل الدولة، لجهة علاقتها بأباطرة "وول ستريت" المفلسين المهزومين، دولة بِرٍّ وإحسان، فتَسْتَجْمِع المال من دافعي الضرائب المغلوب على أمرهم، لتُنْفِق ممَّا رُزِقت في سبيل تشجيع المصارف على استئناف الإقراض. وكان السبيل إلى ذلك أن تشتري الدولة الديون الهالكة المعدومة، وما تيسَّر لها من أسهم المصارف.

وكان يكفي أن تبتسم لهم الدولة هذه الابتسامة حتى يظنون بها السوء والغش، ويرون في ابتسامتها البريئة تكشيراً عن "أنيابها الاشتراكية"، فالدولة، التي هي دولتهم قلبا وقالبا، في السراء والضراء، مُغْرِضة في عزمها على شراء الأسهم، فهي ستتَّخِذ من هذا الشراء مدخلا إلى التأميم، الذي هو رجس من عمل "الشيطان الأحمر".

أوباما أنعم النظر في هذا "الحل الأسود"، الذي يشبه آخر العلاج وهو الكي، فتوصَّل بمعونة من حوله من حكماء لا وزن لحكمتهم عندما يُصْدِر التاريخ حكمه وقد أصدر، إلى أن الأخذ بهذا الحل سيُغْضِب "الشعب" و"الطبقة" معاً، فالشعب سيموِّل من لقمة عيشه عملية إنقاذ "وول ستريت"، فإذا أُنْقِذ أباطرة المال من الغرق فسوف يغرق الشعب المموِّل في فقر أشد وأعظم، ويتأكَّد، عندئذٍ، لدافعي الضرائب أنَّ أموالهم هي التي خرجت ولم تَعُدْ. أمَّا "الطبقة" فتخشى أن يتحوَّل "التأميم" من استثناء إلى قاعدة، ومن حلٍّ مؤقت وانتقالي إلى حلٍّ دائم ونهائي.

لقد تذكَّر أوباما أخيراً، وعلى ما يبدو، أنَّه ينتمي، ولو جزئياً وشكلياً، إلى "أُمَّة وسط"، فمزج الحلَّين الأبيض والأسود، ليأتينا بهذا "الحل الرمادي"، فالدولة والقطاع الخاص يتقاسمان شراء تلك الديون الهالكة المعدومة؛ ولكن على الدولة أوَّلاً أن تعرف كيف تغري المستثمرين من القطاع الخاص بشراء تلك الآفات والسموم.

المستثمِر من هؤلاء سيحصل من الدولة على ما يشبه "القرض الحَسَن"، فالدولة المتصرفة بأموال دافعي الضرائب، ستعطيه مبلغاً من المال على شكل قرض زهيد الفائدة، فيشتري به بعضاً من الديون الهالكة المعدومة بثمن بخس.

منتجو ومسوِّقو الوهم، ممَّن قنطوا من رحمة السوق الحرة، غرسوا في رأس هذا المستثمِر من الأوهام ما يغريه بهذا الاستثمار، فهذا الذي اشتراه من تلك الديون بثمن بخس سيترفع ثمنه في القريب العاجل، أو مستقبلاً، فإذا باعه بهذا الثمن المرتفع فسوف يربح ربحاً جزيلاً، وسيعيد، بالتالي، إلى الدولة أموالها، أي القرض مع فوائده الزهيدة.

ومع تضافر الدول والقطاع الخاص على شراء تلك الديون تصبح المصارف قادرة على استئناف إقراضها للأفراد والشركات، فتدور عجلة الاقتصاد.

أمَّا إذا ذهبت الحقائق بالأوهام، وخسر هذا المستثمِر، فعندئذٍ تقاسمه الدولة خسارته، وكأنَّ الدولة تقول له: إمَّا أن تربح ربحاً جزيلاً، وإمَّا أن تمنى بخسارة يسهل عليك ابتلاعها.

إدارة أوباما شرعت، أيضاً، تُولِّي وجهها شطر النموذج السويدي، والذي قد يفلح في مداواة اقتصاد الولايات المتحدة المثخن بجروح الليبرالية الجديدة المتوحشة أكثر من النموذج الياباني، ففي بداية التسعينات قامت السويد بتأميم قطاعها المصرفي، فلمَّا تعافى وتحسَّن أداؤه عادت إلى خصخصته، أي باعته للأفراد بالمزاد العلني.

ومع ذلك، ارتفعت بعض العقائر بالصراخ والشكوى والبكاء، فـ "دولة أوباما"، على ما يصوِّرونها في صراخهم وشكواهم وبكائهم، قد شرعت تكشِّر عن أنيابها "الاشتراكية" إذ تحدثت، في لهجة ودية، عن التأميم بـ "نموذجه السويدي"، والذي لو فهموه، وأحسنوا فهمه، لمنحوا الدولة السويدية جائزة نوبل للإنقاذ الرأسمالي.

والآن، أراد أوباما استعادة أموال الإنقاذ الحكومية من "المُنْقَذين"، الذين كانوا على شفير الهاوية والهلاك، وتقييدهم بما يَحُول بينهم وبين العودة إلى السير في مسار الهلاك نفسه، فهبُّوا ضدَّه هبَّة رجل واحد.

ولقد أسرع ممثِّلو "الليبرالية الجديدة" في زجِّ "قواهم القانونية" في المعركة، فاجتمعت "المحكمة العليا"، وهي أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، ليقرِّر قضاتها (خمسة ضد أربعة) إطلاق يد "المال السياسي والانتخابي" ضدَّ خصوم "الليبرالية الجديدة"، التي شعرت أنَّ حملات الإنقاذ المالية الحكومية قد نجحت بما يكفي لاستئناف الحياة المالية والاقتصادية وفق ما كانت عليه من طرائق وأساليب قبل نشوب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.

قضاة "الليبرالية الجديدة" اكتشفوا، في صراع أسيادهم ضدَّ مزيد من "رأسمالية الدولة" التي شدَّدت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحاجة إلى أدويتها ومصولها وحلولها، أنَّ توظيف المال في الحملات الانتخابية (لمصلحة مرشَّحين، أو ضدَّ مرشَّحين) ورَفْع القيود، أو ما بقي منها، عن استثمار المال سياسياً وانتخابياً، هما جزء لا يتجزَّأ من "حرِّية التعبير"، التي هي، بحسب البند الأوَّل من الدستور (المعمول به منذ ما يزيد عن 200 سنة) والذي استذرع به القضاة، القيمة التي لا تعلوها قيمة في سُلَّم القيم في الولايات المتحدة.

لقد رفعت "المحكمة العليا"، في قرارها، القيود المفروضة منذ عشرين سنة على الشركات (والتي أُدْرِجت في القانون الانتخابي) في شأن "التمويل المباشِر للحملات الانتخابية"، أكان هذا التمويل لمصلحة مرشَّحين أم ضدَّ مرشَّحين.

المحكمة نفسها كانت قد أصدرت، سنة 1990، قراراً يمنع الشركات من التمويل "المباشِر" للحملات الانتخابية للمرشَّحين، فاسْتُحْدِثت "لجنة للعمل السياسي"، من خلالها سُمِح للشركات بالمساهمة في تمويل الحملات الانتخابية.

ولا شكَّ في أنَّ القرار القضائي الجديد، وإذا ما كُتِب له البقاء، أو البقاء على الحال التي هو عليها الآن، سيظهر عمَّا قريب على أنَّه أداة قانونية من أدوات الصراع التي شرعت "الليبرالية الجديدة" تشحذها استعداداً لانتخابات تشريعية عامة مقرَّر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل، ويمكن (أي القرار) أن يُسيِّر رياح تلك الانتخابات بما تشتهي سفينة "الجمهوريين".

"رسالة" القضاة، أي قضاة "الليبرالية الجديدة" المهيمنين على "المحكمة العليا"، وصلت إلى الرئيس أوباما، فأظهر في التصريحات التي أدلى بها ضد "القرار" أنَّه يفهمها على أنَّها ضوء أخضر قضائي لشحن "الشركات" للحياة السياسية والانتخابية بمزيد من الفساد المالي، ولقيام "جماعات الضغط" الرأسمالية المختلفة بضخِّ مبالغ هائلة من المال في الحملات الانتخابية انتصاراً لمرشَّحي تلك الجماعات، أو للانتصار على الخصوم من المرشَّحين.

حتى الشركات الأجنبية أصبح في مقدورها الآن المشاركة في تمويل الحملات الانتخابية.

وفي معرض شرحه لمخاطر القرار القضائي الجديد، قال الرئيس أوباما: "أيُّ مسؤول يتجرأ من الآن وصاعداً على معارضة جماعات الضغط، والدفاع عن حقوق ومصالح المواطنين العاديين، سيجد نفسه عُرْضة للهجوم في خلال الانتخابات (..) لا أستطيع أن أتصوَّر أمراً يمكن أن يضر بمصالحنا العامة أكثر من هذا الأمر (أي القرار). إنَّ آخر شيء يمكن أن نكون في حاجة إليه هو زيادة نفوذ جماعات الضغط في واشنطن (..) هذا القرار إنَّما هو انتصار كبير لشركات النفط الكبرى، ومصارف وول ستريت، وشركات التأمين الصحي، وغير هؤلاء من ذوي المصالح الكبرى، الذين شنُّوا عبر هذا القرار حرباً شرسة على الحياة السياسية (..)".

الرئيس أوباما (مع حلفائه في داخل الإدارة والكونغرس والوسط الإعلامي) هو الآن، أو يحاول أن يكون الآن، ممثِّل النظام الرأسمالي في سعيه، أو صراعه، من أجل أن يدرأ عن نفسه مخاطر الليبراليين الجدد، في الاقتصاد والسياسة والإيديولوجيا..، ولو من خلال إدخال مزيدٍ من رأسمالية الدولة في الحياة الاقتصادية، وفرض مزيدٍ من القيود على السلوك الاستثماري (الشمشوني) لأباطرة وملوك "وول ستريت" وسائر الأسواق المالية.

لقد تضخَّمت أسواق المال والأسهم.. وسائر صنوف "الاقتصاد الورقي"، وأمعنت في انفصالها عن "الاقتصاد الحقيقي"، حتى أصبحت للمستثمرين الباحثين عن الربح السهل السريع الفاحش "الجنَّة"، التي بينها وبين "جهنَّم" شعرة، وما عاد ممكناً، بالتالي، أنسنة أو ترويض وحوش "الرأسمال المالي"، ومقامري "وول ستريت"، بما يشبه عظات الكهنة.

إنَّ ألف أوباما لن يتمكَّنوا أبداً من "إقناع" المصارف الكبرى بأن تتَّخِذ من النشاط المصرفي العادي مَصْدراً لربحها الأعظم؛ ولسوف يَثْبُت ويتأكَّد أنَّ الرئيس أوباما لا يملك من القوى الحقيقية في مواجهة أباطرة وملوك "وول ستريت" إلاَّ ما يجعله أقرب إلى بابا الفاتيكان منه إلى رئيس الدولة العظمى في العالم.

لقد امتزجت "الطوباوية" بـ "الكهانة" في تفكير وعمل الرئيس أوباما، الذي يسير الآن على خطى "النبي" المسلَّح، فالأعزل، فالمنبوذ!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
- سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
- حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
- مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
- نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
- الأجهزة الأمنية العربية!
- ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
- الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
- -سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
- احذروا فضائيات التكفير!
- شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
- قيادات في تيه سياسي!
- -جدارٌ فولاذي- لفَلِّ -الأنفاق-!
- أزمة الإصلاح السياسي والديمقراطي في الأردن
- الحقُّ في السؤال!
- معالي الوزير!
- ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!
- بين مفاوضات مُفْلِسَة ومقاوَمة عاجزة!
- أعداء -السببية- يَنْعُون -السبب-!
- هذا التمادي في شتم العرب!


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!