أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جواد البشيتي - هذا التمادي في شتم العرب!














المزيد.....

هذا التمادي في شتم العرب!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2846 - 2009 / 12 / 2 - 15:43
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


سُئِل الفأر "أيُّ الوحوش أقوى؟"، فأجاب على البديهة قائلاً: "القط"!

أجَلْ، إنَّ الفأر لا يرى وحشاً أقوى من القطِّ.

وإنَّ بعض "المعارضين"، مِمَّن تطرَّفوا في معارضتهم لحكَّامهم وحكوماتهم في البلاد العربية حتى استبدَّ بهم الشعور باليأس والقنوط والإحباط، و"تحرَّروا"، بالتالي، من كل ما كان يردعهم عن بيع أنفسهم، بأثمان زهيدة رخيصة، في أسواق النخاسة السياسية، امتطوا الآن صهوة "معارَضة" تنجيهم من عذاب أليم، فـ "الشعوب العربية"، التي لا حول لها ولا قوَّة، والمغلوب على أمرها، هي التي يستسهلون ويستطيبون صبَّ جام غضبهم عليها، غير متورِّعين عن سَبِّها وشَتْمِها وتحقيرها.

لقد سمعتُ أحدهم وهو يتكلَّم عن الشعوب العربية، أو الأمَّة العربية، من فضائية عربية، وكأنَّها قطعان من الماشية، يلعنها ويسبها ويشتمها، لا رادع يردعه، ولا صادَّ يصده؛ ولكن ما أثار دهشتي واستيائي في الوقت نفسه هو أنَّ مدير الحوار بين الخصمين بدا حريصاً كل الحرص على ألاَّ يُذْكَر اسم أي رئيس عربي في معرض الانتقاد (السلبي) لنظام حكمه، أو لنظام الحكم الذي يُمثِّل، فرؤساؤنا منزَّهون عن النقد، يُمْنَع التطاول عليهم، بالألسن والأقلام؛ أمَّا شعوبنا، التي ليس من قانون، أو شرطي، أو جيش، يحميها، ويصون كرامتها، فلا مانع من أن يتطاول عليها بالسبِّ والشتم أناس لا يعرفون من "المعارَضة" إلاَّ كل ما يرضي الأعداء القوميين للأمة، ويعود عليهم بالنفع والفائدة.

ودهشتُ أكثر عندما انتقل في حديثه من التحقير للشعوب العربية جميعاً إلى تعظيم وتمجيد "الأمة العراقية"، وتصوير العراق الجديد، أي الذي تولَّى الأعداء القوميون للعرب إلباس كل قديم فيه لبوساً جديداً في سياق صراعهم ضدَّ كل ما هو جديد حقَّاً، على أنَّه منارة للحرية والديمقراطية في العالم العربي الغارق في الظلام والظلامية.

إنَّنا نحن العرب، أو الشعوب أو الأمة العربية، نحتاج إلى شيء من جلد الذات، وإلى بعضٍ من الشعور بالكراهية لأنفسنا، فكيف للمرء ألاَّ يكره نفسه عندما يموت كل من وما يحبه في هذه الحياة.

ولكنَّ هذا الذي أقول بحاجتنا إليه لا يمكن قبوله وفهمه إلاَّ بصفة كونه جزءاً من حاجة أوسع وأهم هي حاجتنا إلى أن نتَّخِذ من الحجارة المتأتية من هذا الهدم حجارة لإعادة البناء، أي لإعادة بناء الأمة بما يجعلها مستوفية شروط الانتماء إلى مجتمع الأمم الحيَّة في القرن الحادي والعشرين، فالأمم التي يُنْفَث في روعها أنَّها في حالٍ تسرُّ الصديق وتغيظ العدى لا يمكنها أبداً أن تَصْعَد في سُلَّم التطوُّر الحضاري والديمقراطي للأمم.

هذا النمط من "المعارضين" الذين ابْتُلينا بهم، والذين "يتفأرنون" في مواجهة حكوماتهم الأُوتوقراطية الاستبدادية الإرهابية، لـ "يستأسدوا" على الشعوب العربية، التي كانت في أحسن تقويم فردَّتها حكوماتها تلك أسفل سافلين، لا يُحقِّر، ويمعن في تحقير، الأمة العربية إلاَّ ليمجِّد ويُعظِّم في الوقت نفسه كل عصبية تسبَّبت بما آلت إليه الأمة من سوء وتردٍّ في أحوالها كافة.

إنَّه ينتشي من سبِّه وشتمه وتحقيره للعرب، ويطيب له المضي قُدُماً في هذا النمط من "المعارَضة"؛ ولكنَّه يخرج عن طوره، ويستشيط غضباً، وتثور ثائرته، وكأنَّ عرضه انْتُهِك، إذا ما تعرَّضت هويته الصغرى أو الصغيرة للسبِّ والشتم والتحقير.

إنَّنا لا نجادل في حقيقة أنَّ شعوبنا العربية هي الآن، ومنذ زمن بعيد، في سلبية سياسية وتاريخية، تتعصَّب لأشياء يجدر بها أن تتعصَّب عليها أو ضدَّها، وتتعصَّب ضدَّ أشياء يجدر بها أن تتعصَّب لها؛ تنتصر بالملايين لتوافه وصغائر الأمور بحسب موازين الأمم الحيَّة المتحضِّرة الحرة؛ ولكنها ما أن يتحدَّاها التاريخ أن تفعل الممكن والضروري حتى تنكمش وتتضاءل، وكأنَّها فقاعة وُخِزَت بإبرة.

ولا نجادل في حقيقة مُرَّة أخرى هي أنَّ شعوبنا العربية، ومن فرط كراهيتها لحكوماتها الاستبدادية، ومن فرط خوفها من بطش تلك الحكومات، يمكن أن تُظْهِر شيئاً ممَّا يشبه الحُبَّ لجلاَّديها، فالمرء الذي تتلاشى وتنهار مقاومته للظلم الذي يتعرَّض له، ويستبدُّ به الشعور باليأس والإحباط، يمكن أن تضطَّرِب مشاعره وتفسد، فتشتدُّ لديه الحاجة إلى سلوكٍ، نقف على معانيه في قول الخضوع "اليد التي لا تستطيع ردَّ أذاها عنك، قَبِّلْها، وادْعو عليها بالكسر"!

على أنَّ كل هذا الذي لا نجادل فيه، وهو غيض من فيض الحقائق المُرَّة، لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ شعوبنا العربية هي كذلك بالفطرة، فالأمم كالأفراد لجهة فسادها؛ إنَّها لا تُوْلَد فاسدةً، بل تصبح، أو يمكن أن تصبح، كذلك.

لقد حاروا في فهم الصلة السببية بين فساد الحكومات وفساد رعاياها، فقال بعضهم إنَّ فساد الحكومة من فساد شعبها، فاعترض آخرون قائلين إنَّ فساد الشعب من فساد حكومته؛ ونحن نقول إنَّ مجتمعاً فاسِداً، يَلِد، حتماً، حكومة فاسِدةً، تُولِّد، حتماً، مزيداً من الفساد فيه.

وحاروا أيضاً في فهم الصلة السببية بين استبداد الحكومات وسلبية الشعوب، فقال بعضهم إنَّ استبداد الحكم من سلبية الأمَّة، فليس من مُنْجِب للدكتاتور والطاغية سوى "القطيع"، أي الأمَّة التي ارتضت أن تُساس كما يُساس القطيع، فاعترض آخرون قائلين إنَّ ما تمارسه الحكومات من استبداد وقمع وإرهاب هو الذي يجعل الشعوب قطعاناً من الماشية، ويخلق فيها وينمِّي روح السلبية السياسية والتاريخية؛ ونحن نقول إنَّ الحُكم بالقمع والإرهاب والحديد والنار.. لا يمكن فهمه إلاَّ على أنَّه دليل على أنَّ المحكوم يقاوِم، ويبدي مزيداً من المقاوَمة، فهذا الحكم لا يظهر إلى حيِّز الوجود إلاَّ بصفة كونه كائناً لا يعيش، ولا يمكنه أن يعيش، إلاَّ في الصراع، وبالصراع، مع المحكوم، فالعلاقة بين حجمي الاستبداد والمقاوَمة هي دائماً علاقة تناسب طردي.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق الملتوية إلى -الدولة ذات الحدود المؤقَّتة-!
- رياضة بروح سياسية.. وسياسة بروح رياضية!
- طاب الموت يا طابة!
- -نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
- مسار -الدولة من طرف واحد-.. ماذا يعني؟
- عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!
- بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
- ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
- كيف تُدَجِّن شعباً؟
- خرافة -الدولة- في عالمنا العربي!
- -قرار عباس-.. كيف يمكن أن يوظَّف في خدمة الفلسطينيين؟
- السَّفَر في الفضاء.. كيف يكون سَفَراً في الزمان؟
- بلفور.. -الأسلمة- بعد -التعريب-؟!
- الحُبُّ
- 90 في المئة!
- خيار -السلام- أم خيار -اللا خيار-؟!
- -بالون أوباما- إذ -نفَّسه- نتنياهو!
- فساد شيراك..!
- في التفسير الميثولوجي للتاريخ.. والسياسة!
- في مديح وهجاء -وادي عربة-!


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جواد البشيتي - هذا التمادي في شتم العرب!