أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!















المزيد.....

ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2852 - 2009 / 12 / 8 - 11:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



في نهاية الشهر المنصرم (تشرين الثاني) أعلنت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) أنَّ التجربة الخاصة بمحاكاة "الانفجار العظيم"، الذي منه وُلِدَ الكون، حقَّقت "إنجازاً قياسياً عالمياً"، في سعي العلماء في المختبَر الأوروبي لفيزياء الجسيمات، والواقع في منطقة الحدود المشترَكة بين فرنسا وسويسرا، والتابع للمنظمة، إلى "فكِّ شيفرة معضلة نشأة الكون وتركيبه". لقد تحقَّق هذا الإنجاز، الذي سيمهِّد الطريق إلى تجارب أخرى تُجْرى العام المقبل، والذي جاء بعد عشرة أيام من استئناف أضخم تجربة علمية في العالم بعد تأخير دام عاماً وتسبَّب به توقُّف التجربة الأولى في أيلول 2008، إذ نجح العلماء في زيادة سرعة حزمة من الجسيمات بالاستعانة بأعلى طاقة ممكنة داخل "مصادِم (أو معجِّل أو مسرِّع) للجسيمات.

ثقافتنا العلمية في الحضيض؛ وكيف لها أن تكون في "دركة" أعلى وقد نشرت بعض صحافتنا اليومية "النبأ العظيم" تحت عنوان "تجربة لمحاكاة الانفجار العظيم للأرض"!

"المحرِّر"، أو "التحرير"، قد يدافع عن نفسه (مع أنَّه لم يشعر بعد بعِظَم الخطأ الذي ارتكب) قائلاً إنَّ الذنب ليس ذنبه، وإنَّما ذنب وكالات الأنباء، أي ذنب ذاك الذي ترجم الخبر بالعربية، فالكلمة الانكليزية "Universe"، والتي من معانيها "الكون" و"العالم"، تُرْجِمَت بـ "الأرض"، فأصبح "الانفجار العظيم" Big Bang خاصَّاً بـ "الكرة الأرضية" وليس بـ "الكون"!

هذا "العنوان ـ الفضيحة" ليس بالأمر المسْتَغْرَب، فالعالم الذي ننتمي إليه، ونتفاعل معه، ونعي وجودنا فيه وبه، لا يتعدى "حارة الضبع"، أو "حارة أبي النار"، في مسلسل "باب الحارة"!

أمَّا واضِعو ومقرِّرو مواد المنهج العلمي في مدارسنا، ولطلاَّب الثانوية العامَّة من "الفرع العلمي" على وجه الخصوص، فلم يكتشفوا حتى الآن أهمية وضرورة أن يضمِّنوا هذا المنهج الدراسي النظريات العلمية الكبرى في القرن العشرين، وفي مقدَّمها نظريتي "النسبية الخاصة" و"النسبية العامة" لآينشتاين، ونظرية "الانفجار الكبير"، التي ما زالت تتربَّع على عرش "الكوزمولوجيا"، فـ "المُخْتَصَر" من تلك النظريات، والمنشور، على مضض، في الكُتُب الدراسية عندنا فيه من سوء الفهم، والتشويه، ما يُعمِّق ويوسِّع جهل الطالب بـ "الثورة الفيزيائية النظرية الكبرى" التي عرفها العالم في القرن المنصرم.

ومكتباتنا العلمية تخلو تماماً من الكُتُب العلمية المُبَسَّطة، التي تعجُّ بها المكتبات في الغرب، والتي بفضلها شرعت عبقرية آينشتاين تتفتَّق عن "النسبية الخاصة" و"النسبية العامة"، فهذا العبقري اعترف بأهمية الكُتُب العلمية المُبَسَّطة في التأسيس لأفكاره التي زلزلت ما كان في منزلة "المُسلَّمات" في عقول البشر كافة.

الآلة، أو الجهاز، "LHC"، هي أضخم آلة للأبحاث العلمية في العالم؛ وكلفتها، أو كلفة المشروع الذي استغرق الإعداد له زمناً طويلاً، نحو 10 آلاف مليون دولار. وهذا الجهاز الفيزيائي الضخم أقيم في المنطقة الحدودية بين فرنسا وسويسرا، وتديره "المنظمة الأوروبية للبحوث النووية"، فأوروبا، أو "القارة القديمة"، تظلُّ هي معقل الفيزياء والكوزمولوجيا ولو كرهت الولايات المتحدة.

المشروع (أو التجربة) يشتمل على نفق (أو ماسورة) طوله 27 كيلومتراً تحت الأرض. ومُخْتَصَر فكرة المشروع، أو التجربة، هو تهشيم (تمزيق، تحطيم) جسيم "البروتون"، الذي يَدْخُل في تكوين "نواة الذرَّة"، لمعرفة "النتائج".

"البروتون" هو جسيم له "كتلة"، ويتألَّف، على ما يُعْتَقَد، من ثلاثة جسيمات أصغر من نوع "الكوارك". وجسيم "الكوارك"، على ما يُعْتَقد، هو "جسيم أوَّلي أساسي"، أي لا يتألَّف من جسيمات أصغر؛ ومع ذلك، وعلى ما يُعْتَقَد، فهو جسيم له "كتلة"؛ وليس ممكناً (أبداً، أو حتى الآن) أن يتمكَّن الفيزيائيون عبر تجربة ما من أن ينتزعوا كواركاً واحداً من داخل البروتون (أو النيوترون).

وبسبب أنَّ لـ "البروتون" كتلة فليس ممكناً أبداً أن يسير بسرعة "الضوء"، التي هي (في الفراغ) 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. ولكنَّ "التجربة" التي أجريت أخيراً، وبنجاح، كانت تستلزم أوَّلاً "تسريع" البروتون، فسرَّعوه حتى بلغت سرعته القصوى 299780 كيلومتر في الثانية، أي أقلُّ قليلاً من سرعة الضوء.

وبعد هذا التسريع ينبغي للبروتونات (التي تسير بهذه السرعة شبه الضوئية) أن "تتصادم" حتى يصبح ممكناً أن تتهشَّم وتتمزَّق، فيرى العلماء "النواتج"، أي ما ينتج عن تصادمها وتهشُّمها من جسيمات أصغر. والبروتونات تُسَرَّع وتتصادم في بيئة حرارية (اصطناعية) لا مثيل لها في الكوكب الأرضي، فدرجة الحرارة عند "تفجير" البروتونات أعلى من درجة الحرارة في مركز الشمس بنحو 100 ألف مرَّة!

من قبل، كان يُعْتَقَد أنَّ "الذرَّة" هي أصغر جزء من المادة، وأنَّها غير قابلة للتهشيم؛ ولكنَّها هُشِّمت، فتبيَّن أنَّها تتألَّف من نواة ومن غيمة من الإلكترونات تدور حولها. تبيَّن أنَّ معظم حجم الذرَّة يتألَّف من فراغ، وأنَّ معظم كتلة الذرة يتركَّز في نواتها، التي تتألَّف من بروتونات ونيوترونات. لقد هشَّموا "الذرَّة"، ثمَّ هشَّموا "نواتها"؛ والآن ها هُمْ يهشِّمون، أو يحاولون تهشيم، مُكوِّناً أساسياً من مكوِّنات نواة الذرَّة هو "البروتون"، لعلَّهم يقفون على مُكوِّناته، أو على "نواتج" تهشيمه.

هل في التجربة ما يجعلها تبدو "محاكاة" لـ "الانفجار العظيم" Big Bang ذاته؟

كلاَّ، ليس فيها، ولا يمكن أن يكون فيها، فـ "محاكاة" هذا "الانفجار" إنَّما تعني، وبحسب منطق نظرية "الانفجار العظيم"، انهياراً وتقويضاً للنظرية ذاتها؛ لأنَّ هذه النظرية لا تتحدَّث إلاَّ عن هيئة ومكوِّنات الكون بعد حدوث "الانفجار العظيم" بنحو "رُبْع ثانية" تقريباً!

ولكن، دعونا أوَّلاً نعرف "ما هو الكون".

"الكون"، بحسب تعريف نظرية "الانفجار العظيم" له، هو "كل شيء".. هو الكواكب والنجوم والمجرَّات وعناقيد المجرَّات؛ وهو، أيضاً، الفضاء والمكان والزمان والكتلة والطاقة والجزيئات والذرَّات والجسيمات الذرِّية ودون الذرِّية، والجسيمات الأوَّلية وغير الأوَّلية، والقوى.

الإنسان، وبـ "عينه المجرَّدة"، نَظَر إلى الكون، وظلَّ يَنْظُر إليه زمناً طويلاً؛ وها نحن اليوم نَعْرِف ونُدْرِك أنَّنا لا نستطيع التوسُّع في رؤية الكون من غير "أداة"، يمكن تسميتها "العين الاصطناعية"، التي إمَّا أن تكون "التليسكوب"، الذي بفضله نرى المجرَّات والنجوم وسائر الأجسام البعيدة؛ وإمَّا أن تكون "الميكروسكوب"، أو "المجهر"، الذي بفضله نرى ما تناهى (أو بعضاً مِمَّا تناهى) في الصِغَر من الكون، كالجزيئات والذرَّات.

نحن البشر نعيش على سطح جسم كوني، عُمْره خمسة بلايين سنة، أي 5000 مليون سنة، هو "كوكب الأرض"، الذي يدور حَوْل نفسه، أو حَوْل محوره، مرَّة واحدة يومياً؛ ويدور، في الوقت نفسه، حَوْل نجمنا، أي الشمس، مرَّة واحدة سنوياً.

وعندما ننظر في السماء، ليلاً، نرى كواكب أخرى كالمريخ، والزهرة، والمشتري، وزحل، تنتمي جميعاً إلى النظام ذاته الذي ينتمي إليه كوكب الأرض، وهو "النظام الشمسي" Solar System، الذي يتَّخِذ من الشمس مركزاً له.

ولو جئنا بميزان كوني ضخم، وَوَضَعْنا في إحدى كفَّتيه كل كواكب النظام الشمسي، وفي الكفَّة الأخرى، الشمس، لَرَأيْنا أنَّ وزن الكواكب جميعاً يقل عن 1 في المائة من وزن الشمس، التي، مع كواكبها، تَعْدِلُ قطرة في بحر نظام كوني أوسع هو مجرَّتنا، مجرَّة "درب التبَّانة" Milky Way، فهذه المجرَّة، أو "الجزيرة الكونية"، تضمُّ آلاف الملايين من النجوم، أو الشموس، التي كثيرٌ منها أعظم حجماً، وكتلةً، من شمسنا، وبكثير؛ وكل نجم نراه ليلاً إنَّما هو جزء من مجرَّتنا. ولقد أكَّدت الأبحاث الحديثة أنَّ نجوم مجرَّتنا جميعاً متَّصِلة، متَّحِدة، جاذبياً، وتدور حَوْل مركزٍ بعيد.

وتضمُّ مجرَّتنا كميات هائلة من الغبار والغاز، مبعثرة بين النجوم. وهذه المادة المنتشرة بين النجوم، في مجرَّتنا، تعترض سبيل الضوء المرئي المنطلق من نجومها البعيدة (عن كرتنا الأرضية) فلا يتمكَّن، بالتالي، المراقبون في الأرض من أن يروا في تفصيل ووضوح الأجزاء البعيدة من "درب التبانة". أمَّا نواة مجرَّتنا فما زالت حتى الآن منطقة يكتنفها الغموض، تَحْجِبها عن الرؤية سُحُب داكنة مُظْلمة من الغبار بين النجوم.

شمسنا إنَّما هي نجم متوسط الكتلة والحجم من بين 100 بليون (100000 مليون) نجم (تقريباً) تضمها مجرَّتنا (مجرَّة "درب التبانة"). ويبعد هذا النجم، أي نجمنا، عن مركز مجرَّتنا نحو 24 ألف سنة ضوئية. ومعظم النجوم التي نراها بالعين المجرَّدة تبعد عنَّا ما بين 10 سنوات ضوئية و 100 سنة ضوئية.

أمَّا المجرَّة الأقرب إلينا، وهي "آندروميدا" Andromeda فتبعد عنَّا 3 ملايين سنة ضوئية، أي أنَّنا نراها الآن في الحال، أو الهيئة، أو الصورة، التي كانت عليها قبل 3 ملايين سنة.

وحتى وقت ليس بالبعيد كان بعض الفلكيين يعتقدون بأنَّ مجرَّتنا هي الكون كله، وبأنَّ مركزها هو نفسه مركز الكون.

ونتوسَّع في رؤية الكون أكثر، فنَجِد أنَّ مجرَّتنا هي جزء من نظام كوني أوسع وأكبر هو "عنقود Cluster (تجمُّع، تكتُّل، اتِّحاد) المجرَّات"، الذي يضمُّ مجرَّات كثيرة. وليس في وسعنا، حتى الآن، أنْ نَعْرِف عدد "عناقيد المجرَّات" في الكون المرئي، أي الكون الذي نستطيع رؤيته (أو إدراك وجوده) الآن.

في الكون، لا وجود لنجم مُنْعَزِل، أي غير مُنْتَمٍ إلى مجرَّة ما، يهيم على وجهه في الفضاء؛ كذلك لا وجود لمجرَّة مُنْعَزِلة، فكل مجرَّة إنَّما هي فَرْدٌ من جماعة، أو طائفة، أو مجموعة، من المجرَّات. وتختلف "مجموعات المجرَّات" حجماً وكتلةً وشكلاً؛ وكل "مجموعة" تشتمل أيضاً على كل مادة تنتشر في الفضاء بين مجرَّاتها، كمادة الغاز الحار، الذي لحرارته العالية يُطْلِق "أشعة سينية" X - Rays بدلاً من الضوء المرئي.

ومعظم المادة في "مجموعة المجرَّات" هو مادة غير ظاهرة، غير مرئية (مادة داكنة أو مُظْلِمة) Dark Matter. ولَمَّا كانت "مجموعة المجرَّات" هي التكوين (البناء، البُنْية) الأوسع والأضخم والأثقل في الكون، والمتَّحِد جاذبياً، استنتج العلماء أنَّ معظم المادة في الكون كله يجب أن يكون مادة غير ظاهرة، غير مرئية، أي "مادة داكنة (أو مُظْلِمة)". هذه المادة، التي ما زال وجودها نظرياً وافتراضياً، حتى الآن، وإلى حدٍّ كبير، لا ترى؛ ولكن يمكن الاستدلال على وجودها من خلال "تأثيرها الجاذبيِّ" في ما حَوْلها من أشياء وأجسام.

في الكون، نرى كواكب تدور حَوْل نجم (ينتمي، حتماً، إلى مجرَّة). ونرى نجوماً تدور (وكأنَّها في رقص بطيء) حَوْل مَرْكَز مجرَّة (تنتمي، حتماً، إلى مجموعة مستقلة من المجرَّات). ونرى كل "مجموعة (Cluster) من المجرَّات" وكأنَّها في رحلة عبر "فضاءٍ فارِغٍ خالٍ في منتهى الاتِّساع". إنَّها لا تتحرَّك، ولا تنتقل، "في"، أو "عَبْر"، الفضاء؛ ولكنَّها تبدو لنا كذلك، فالفضاء نفسه هو الذي يتمدَّد، فتتَّسِع المسافة بين كل "مجموعة" وسائر "المجموعات"، التي بعضها في منتهى الكِبَر والضخامة Super Cluster.

إذا كنتَ مِمَّن يعتقدون بـ "نظرية الانفجار العظيم" فإنَّ عليكَ أن تَعْتَقِد بالآتي: هذا الكون، بكل ما فيه، كان قبل نحو 15 أو 18 أو 20 بليون سنة في حجمٍ أصغر كثيراً من حجم نواة ذرَّة، أو من حجم البروتون؛ ومع ذلك كان في "الثقل" نفسه، أي أنَّ كل "كتلة" و"طاقة" الكون كانت مركَّزة (مُكَثَّفَة، مضغوطة) في حيِّزٍ متناهٍ في الصِغَر والضآلة، يمكن أن نسميه "البيضة الكونية". ولقد "انفجرت" هذه "البيضة"، فشرع حجم الكون هذا يتَّسِع ويكبر حتى أصبح الكون في حجمه الذي نراه اليوم. وما زال الكون في تمدُّد مستمر (ومتزايد).

في البدء، وبحسب نظرية "الانفجار العظيم"، لم يكن من "وجود" إلاَّ لشيء واحد فحسب هو "البيضة الكونية" Cosmic Egg؛ ثمَّ كان "الانفجار العظيم" Big Bang.

إنَّه انفجار عظيم، ليس كمثله انفجار، فذاك "الشيء"، الذي هو، أيضاً، ليس كمثله شيء، والذي يسمِّيه بعض القائلين بتلك النظرية "البيضة الكونية"، "انفجر"، فَوُلِدَ من "انفجاره" كل شيء.

"شيءٌ" ليس كمثله شيء، "انفجر" انفجاراً ليس كمثله انفجار، فنشأ "كل شيء (نَعْرِف، أو يمكن أنْ نَعْرِف)".

ولكن، ما هو ذلك "الشيء"، أي "البيضة الكونية"، الذي منه جاء، أو انبثق، أو وُلِد، أو نشأ، الكون الذي نَعْرِف، قبل نحو 15 أو 18 أو 20 بليون سنة؟

في الإنكليزية، يسمُّونه "Singularity"؛ ومن المعاني اللغوية لهذا الكلمة: مُتَفَرِّد، فريد، مُنْفَرِد، فَرْد، مُفْرَد.

والـ "سينغيولاريتي"، أو "النقطة المتناهية في الصِغَر"، أو "النواة المتفرِّدة"، أو "البيضة الكونية"، أو "الذرَّة الأوِّلية (أو البدائية)"، هي "شيء نسيج وحده (لا مثيل له)".

وإنِّي لأُفضِّل الـ "فَرْد" تسميةً لذلك "الشيء"، الذي "تَعْجَز" الفيزياء عن وصفه، أو عن معرفة ماهيته، فـ "الفَرْد" هو الذي لا نظير له، ولا مثل، ولا ثاني.

تلك "النقطة (Singularity)"، التي منها جاء الكون، كانت في "حجمٍ"، إذا ما قُلْنا بوجود "حجمٍ" لها، يقلُّ كثيراً، وكثيراً جدَّاً، عن حجم "البروتون"؛ ومع ذلك كانت بـ "وزن" الكون كله، ففيها تركَّزت كل مادة الكون، أي كل كتلته وطاقته؛ وهي، بـ "معيار الكثافة"، النقطة ذات "الكثافة المطلقة". إنَّها اجتماع "الحجم الصفري (أو المعدوم)" و"الكثافة المطلقة".

أمَّا الأسئلة الكوزمولوجية والكونية الكبرى التي تُثيرها "فرضية (أو "مسلَّمة") البيضة الكونية" فلا جواب عنها؛ فكل ما يعلمونه عِلْم اليقين هو أنَّها، أي "البيضة الكونية"، كانت موجودة هناك، "قبل" وقوع "الانفجار العظيم".

من أين جاء هذا الكُلُّ من المادة والطاقة؟

من أين جاءت هذه "البيضة الكونية".. أو كيف أصبحت موجودة هناك؟

ما الذي جعلها "تنفجر".. أو ما الذي تسبَّب بـ "الانفجار الكبير"؟

كل هذه الأسئلة الكبرى، وغيرها، تبقى بلا جواب، فهذه "المعرفة" إنَّما هي "المعرفة المستحيلة" بحسب وجهة نظر أصحاب هذه النظرية وأنصارها، والذين يُحْيون فكرة "الشيء في ذاته" لكانط وهي رميم، فهذا الفيلسوف الألماني فَهِمَ الشيء، أي كل شيء، على أنَّه "جوهر" لا يمكننا أبداً معرفته وإدراكه، فالشيء "في جوهره" هو "المستحيل إدراكاً ومعرفةً"!

في الثواني الأولى بعد "الانفجار العظيم"، وقبل تكوُّن "الجسيمات الذرِّية"، أي الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، تمدَّد الكون (في كل اتِّجاه) بسرعة تفوق (كثيراً) سرعة الضوء. لقد كان في حجم أصغر من حجم الذرَّة فأصبح (بعد ثوانٍ من "الانفجار") في حجم أكبر من حجم مجرَّة.

وغني عن البيان أنَّ انتقال الكون (في تمدُّده) من ذلك الحجم (الأصغر من حجم ذرًَّة) إلى هذا الحجم (الأكبر من حجم مجرَّة) لا يمكن إلاَّ أن يكون بسرعة تزيد كثيراً عن سرعة الضوء.

ولو ظلَّ الكون يتمدَّد حتى يومنا هذا بهذه السرعة "فوق الضوئية" لغدت كل "شظية" من شظاياه "كوناً مستقلاً منفصلاً"، فليس من "تأثير فيزيائي" يمكنه الانتقال (بين "الشظايا") بسرعة تفوق سرعة الضوء.

بعد ثلاث دقائق من حدوث "الانفجار العظيم" تكوَّنت البروتونات والنيوترونات والإلكترونات.

وتهشيم "البروتون" الآن إنَّما يعني معرفة شيء من البيئة الكونية، ومن مكوِّنات وخواص الكون، قبل أن يصبح عُمْر الكون ثلاث دقائق!

وفي ضوء نتائج التجربة يُفْتَرَض أن نعرف شيئاً عن "ماهية الكتلة"، وعن "المادة الداكنة" و"الطاقة الداكنة"، وعن مكوِّنات المادة قبل تكوُّن البروتون والنيوترون، وعن "القوى الفيزيائية" التي كانت تعمل بعد ثوانٍ من "الانفجار".

هل من عواقب يمكن أن نخشاها بعد، وبسبب، تلك التجربة؟

أخشى ما يخشاه بعض الناس هو أن يَنْتُج من التجربة بعضٌ من "الثقوب السوداء" Black Holes. وهذه الخشية متأتية من جهلٍ بحقيقة "الثقب الأسود"، فكثير من الناس يتصوَّر "الثقب الأسود" على هيئة "مكنسة كونية ضخمة"؛ مع أنَّ الشمس لو تحوَّلت (على استحالة ذلك) إلى "ثقب أسود" لما استطاعت ابتلاع حتى أقرب الكواكب إليها وهو كوكب عطارد.

نظرياً، ليس ثمَّة ما يمنع من أن تتمخَّض "التجربة" عن بعضٍ من "الثقوب السوداء" الصغيرة، أي التي كتلة أحدها تَعْدِل كتلة ذرَّة، أو بروتون. ولو تكوَّن "ثقب أسود" متناهٍ في الصغر لاستطاع ابتلاع كل مادة تقع ضِمْن حقل جاذبيته المتناهي في الصِغَر؛ ولكنَّ هذا "الثقب الأسود" المتناهي في الصغر ينمو كتلةً، وحجماً، مع كل مادة يبتلعها.

هذا الأمر المخيف لن يستمر طويلاً؛ لأنَّ "الثقب الأسود" كلَّما صَغُر كتلةً وحجماً زادت سرعة "تبخُّره"، فلا خوف، بالتالي، من أن يستمر على قيد الحياة زمناً طويلاً هناك، أي في المنطقة الحدودية بين فرنسا وسويسرا.

"التجربة" لم تنتهِ بعد؛ ونتائجها لم تظهر بعد؛ وربَّما (أقول "ربَّما") تعطي من النتائج ما لا ينزل برداً وسلاماً على نظرية "الانفجار العظيم" نفسها، فـ "التجربة" لا تقيم وزناً لـ "البقرات المقدَّسة" ولو كانت على هيئة نظريات كوزمولوجية عظمى.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين مفاوضات مُفْلِسَة ومقاوَمة عاجزة!
- أعداء -السببية- يَنْعُون -السبب-!
- هذا التمادي في شتم العرب!
- الطريق الملتوية إلى -الدولة ذات الحدود المؤقَّتة-!
- رياضة بروح سياسية.. وسياسة بروح رياضية!
- طاب الموت يا طابة!
- -نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
- مسار -الدولة من طرف واحد-.. ماذا يعني؟
- عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!
- بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
- ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
- كيف تُدَجِّن شعباً؟
- خرافة -الدولة- في عالمنا العربي!
- -قرار عباس-.. كيف يمكن أن يوظَّف في خدمة الفلسطينيين؟
- السَّفَر في الفضاء.. كيف يكون سَفَراً في الزمان؟
- بلفور.. -الأسلمة- بعد -التعريب-؟!
- الحُبُّ
- 90 في المئة!
- خيار -السلام- أم خيار -اللا خيار-؟!
- -بالون أوباما- إذ -نفَّسه- نتنياهو!


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!