|
العدوُّ الإيراني!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 14:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اختارت طهران أنْ تُثْبِت لخصوم برنامجها النووي، أكانوا، في مخاصمتهم له، من ذوي المصلحة الطبيعية الحقيقية الضخمة أم من ذوي المصلحة المصطنعة الزائفة المضخَّمة، أنَّ مزيداً من الضغوط والعقوبات لا يخيفها، ولن ينال من قوَّتها التفاوضية، فقرَّرت، عبر الأمر الذي أصدره الرئيس الإيراني نجاد، أن تمضي قُدُماً في تخصيب اليورانيوم، وفي زيادة نسبة تخصيبه (الذاتي، وفي داخل الأراضي الإيرانية) حتى 20 في المئة.
الزيادة والتشديد في العقوبات "الدولية" المفروضة على إيران، والتي يكمن فيهما توقُّع "إيجابي" هو أن تستخذي طهران وتخضع، وتخوُّف، في الوقت نفسه، من أن تكونا الرحم الذي فيه ينمو جنين حرب ضدها، أو أزمة تَدْفَع إلى هذه الحرب، هما الآن الاتِّجاه الذي قد تسير فيه "أزمة" البرنامج النووي الإيراني، التي ما كان لها أنْ تسوَّى وتُحَل نهائياً، على ما أتوقَّع، لو لبَّت طهران شروط "التبادل النووي" في الطريقة التي استمسكَ بها خصومها، وفي مقدَّمهم الولايات المتحدة، فليس ثمَّة ما يمنع من أن يُزْعَم، بعد ذلك، أنَّ إيران تُخصِّب سِرَّاً بعض اليوارنيوم، وينبغي لها، بالتالي، أن تقيم الدليل لهم على أنَّها بريئة من هذه التهمة، فاستمرار "الطرفين" في تبادل "عدم الثقة" خيرٌ لهما، على ما يبدو، من "التبادل النووي"!
إدارة الرئيس أوباما، مع ما يكمن في موقفها من دافع إسرائيلي قوي، تريد مزيداً من العقوبات "الدولية" ضد إيران "ذات النيِّات النووية السيئة والشرِّيرة"، ومزيداً من التدويل لهذه العقوبات؛ ولكن ليس لكونها تثق بجدواها التفاوضية والسياسية؛ وإنَّما لكونها تتوقَّع أن تتمخَّض العقوبات الجديدة المشدَّدة عن أعمال وتصرُّفات إيرانية "طائشة"، فتتهيَّأ لها فرصة لاستجماع مزيدٍ من التأييد الدولي والإقليمي لعملٍ عسكري ضدَّها، فكلَّما زادت إيران منسوب تخصيبها لليورانيوم ارتفع منسوب العداء الدولي والإقليمي لها، والذي هو عداء تتقاسم إسرائيل والولايات المتحدة حصَّة الأسد منه.
وردعاً لإيران عن القيام بـ "عمل طائش"، ودرءاً لمخاطر من هذا القبيل، قامت الولايات المتحدة بتعزيز قواها الدفاعية الصاروخية في غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، فالعقوبات الآتية يمكن أن تشدِّد لدى طهران "الميل العدواني"، فتضرِب (أو تعتدي على) ما هو في متناول آلتها العسكرية (وقواها الصاروخية) هنا.
العداء العربي للنزعة النووية لإيران، التي (أي إيران) لديها من المصالح والأهداف والدوافع ما زيَّن لها أن تسلك سلوكاً، وأن تنتهج سياسة، عادا عليها بكثيرٍ من الخسارة في رصيدها الشعبي العربي أيضاً، والذي (أي العداء العربي) ازداد، ويزداد، ظهوراً، ليس بالعداء الذي يحظى بشرعية سياسية عربية إذا ما نُظِر إليه من وجهة نظر السياسة في عالمها الواقعي، أي في عالمها الذي لم تنتمِ إليه السياسة العربية بعد؛ فلماذا يستبدُّ بنا نحن أيضاً القلق والخوف من برنامج إيران النووي، ومن "نيَّاتها النووية السيئة والشرِّيرة"؛ بل لماذا نخشى "القنبلة النووية الإيرانية" إذا ما أصبحت حقيقة واقعة؟!
في موقف هو أقرب إلى "الببغائية السياسية" منه إلى "السياسة"، نقول إنَّ إيران (ويا للهول!) لا تُزْمِع إنتاج طاقة كهربائية من اليورانيوم الذي تتوفَّر على تخصيبه، وزيادة تخصيبه، وإنَّما إنتاج "قنبلة نووية"، فكيف لنا أن نعيش في أمن وأمان مع حيازة طهران لسلاحٍ نووي، ومع حيازتها، في الوقت نفسه، لـ "برنامج" من "النيِّات السياسية والاستراتيجية الشرِّيرة (حتى من وجهة نظر "المصالح" العربية)"؟!
ومن قبل، لبسنا لبوس "الخُضْر"، أي أصدقاء ومحبِّي البيئة، فاستذرعنا بمخاطر التلوُّث الإشعاعي التي يمكن أن تنتشر من مفاعل نووي إيراني؛ ولكنَّ موقفنا هذا لم يكن واقعياً بما يكفي لاستمساكنا به زمناً طويلاً، فنحن كنَّا جزءاً من السبب الذي أدَّى إلى تلوُّث إشعاعي حقيقي في العراق.
إنَّنا نحاوِل أنْ نُظْهِر أنفسنا على أنَّنا نعلم علم اليقين ما ظَهَر وما استتر من البرنامج النووي الإيراني؛ ولكنَّ تجربتنا في استقصاء "البرنامج النووي الإسرائيلي" لا تسعفنا، فكل ما نملك من معرفة وعلم في أمر "إسرائيل النووية (من رأسها حتى أخمص قدمها)" ما كان لنا أن نملكه لو أنَّ إسرائيليين وصحافيين غربيين لم يفشوا بعض السرِّ، فهل من دولة عربية تجرؤ على الزعم أنَّها توصَّلت هي بنفسها إلى الكشف ولو عن نزر من الأسرار النووية الإسرائيلية؟!
إنَّ الولايات المتحدة لا تجادِل، ولا يمكنها أن تجادِل، في أنَّ بعض الدول العربية لعلى "خُلْق نووي عظيم"، وفي أنَّ "نيَّاتها النووية" هي "الخير خالصاً"؛ فهل تبقى على ودِّها لها إنْ هي قرَّرت أن تبتني لها برنامجاً نووياً مشابهاً للبرنامج النووي الإيراني لجهة استقلاله، وقيامه على مبدأ "الاعتماد على النفس"؟!
إنَّها لن تسمح لها أبداً بذلك، فإسرائيل وحدها (في الإقليم) هي التي يحقُّ لها أن تنشىء وتطوِّر برنامجاً نووياً سرِّياً مستقلاً، أنتجت بفضله حتى الآن نحو 200 رأس نووية، وبقي بفضل الولايات المتحدة بمنأى عن الرقابة الدولية.
حتى في التسلُّح غير النووي غير مسموح لنا بأن نتسلَّح بما يسمح لنا بأن نردع بأنفسنا "العدو الإيراني" عن الاعتداء علينا عسكرياً، مع أنَّ لدينا من القطع النادر ما يكفي لجعلنا نملك أكثر وأفضل ممَّا يملكه هذا "العدو" من سلاح غير نووي، وكأنَّ لبَيْتِنا "ربَّاً يحميه"، وكأنَّ الولايات المتحدة هي هذا "الربُّ الأبدي"!
إسرائيل، وهي العدو القومي الحقيقي والأعظم لنا، لا نَعْرِف من "فِعْل" العداء لها إلاَّ ما يَزِن أقل بكثير ممَّا تَزِن "الأقوال"، وما يزيدها قوَّةً، ويزيدنا ضعفاً؛ أمَّ العدو الذي يخترعونه لنا اختراعاً فلطالما تمخَّض صراعنا ضدُّه عن نتائج وعواقب لا تختلف كثيراً عمَّا أصاب ذاك المستجير من الرمضاء بالنار (التي هي عندنا كناية عن الولايات المتحدة).
في صراعنا ضدَّ العدو الحقيقي، لا نملك إلاَّ أن نتمنى على الولايات المتحدة أن تقودنا إلى السلام مع إسرائيل؛ أمَّا في صراعنا ضدَّ غيره فلا نملك إلاَّ أن نكون جنوداً للولايات المتحدة في الحروب التي تخوضها وتقودها ضدَّه.
وفي التجربتبن، أي تجربة السلام مع إسرائيل، وتجربة الانضمام إلى الولايات المتحدة في حروبها، لا يتأكَّد دائماً إلاَّ أمراً واحداً هو أنَّنا لا نعرف من الصراع الحقيقي إلاَّ الصراع ضد أنفسنا، وضدَّ مصالحنا وقضايانا، وكأننا في دولٍ لم تنلْ من الاستقلال والسيادة، ومن قوام العلاقة السوية بين الحاكم والمحكوم، إلاَّ ما يضمن بقاءنا على ما نحن عليه من حالٍ، تسرُّ العدى، وتغيظ الصديق!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
-
قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
-
-ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!
-
-الإنسان-.. نظرة من الداخل!
-
-شجرة عباس- و-سُلَّم أوباما-!
-
هكذا تكلَّم الجنرال باراك!
-
-ثقافة الزلازل- عندنا!
-
أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
-
مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
-
سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
-
حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
-
مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
-
نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
-
الأجهزة الأمنية العربية!
-
ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
-
الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
-
-سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
-
احذروا فضائيات التكفير!
-
شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
-
قيادات في تيه سياسي!
المزيد.....
-
كوريا الشمالية تُعلّق على ضربات أمريكا لمنشآت نووية إيرانية
...
-
شاهد.. طاقم CNN يضطر للإخلاء أثناء البث المباشر تزامنًا مع إ
...
-
رحلة اللقالق تحت المجهر: رومانيا تطلق مشروعًا علميًا فريدًا
...
-
أهداف الناتو الجديدة أعباء وتحديات جديدة للجيش الألماني
-
خبراء يحذرون من -سلبيات- العمل قبل السابعة صباحاً!
-
7 بدائل طبيعية للسكر تقلل استهلاكك دون التخلي عن حلاوة المذا
...
-
قائد الجيش الإيراني: نقاتل اليوم من أجل النصر
-
شمخاني يؤكد: اليورانيوم الإيراني المخصب لا يزال موجودا
-
عراقجي يجري في موسكو محادثات -جادة ومهمة- مع بوتين
-
واشنطن تحذر رعاياها بالداخل والخارج وتقلص بعثتيها في لبنان و
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|