|
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 22:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا كان الغرب حريصا على هويته الثقافية ، كجزء لا ينفصل عن سماته الحضارية ، فما الذي يدعوه إلى استضافة المسلمين واستقطابهم بكل السبل ؟. إذا كانت العناوين والشعارات التي يرفعها الغرب من جهة ، والمسلمين من جهة أخرى ، غير مقنعة ولا مرضية ، بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان ، والحق في اللجوء وحماية الحريات العامة ، فلماذا الإصرار على ترحيل المسلمين وتصفية وجودهم ؟. بالأمس فتحت أوروبا أبوابها ، أمام المسلمين الوافدين إليها ، لسبب أو دونه ، واليوم تسعى جاهدة إلى تصفية وجودهم أو على الأقل احتوائهم ، عبر سلسلة من القوانين التي تثير استهجان المسلمين في بلدانهم الأصلية ، كقضية النقاب في مصر ، فما بالنا بإثارتها في فرنسا ، أسوة بقضية الحجاب التي أثارت الزوابع والعواصف ، فضلا عن حظر بناء المآذن في سويسرا . هل تنبه الغرب واستفاق مؤخرا على حجم الخطر الإسلامي الزاحف إليه من كل حدب وصوب ، ومعه رسائل الماضي وصراعات الحاضر ، أم أن أوروبا لا تريد أن تهدا في صراعها مع الآخر ؟ ربما كان ذلك ، لأجل استمرارية تقدمها العلمي وتطورها الحياتي ، لذلك تراها تصنع عدوها الوهمي أو الحقيقي في الظرف الذي يناسبها . فهل بات المسلمون في الغرب مجرد فزاعة ، أو نمر من ورق ، يستخدمه الغرب في إدارة الصراع وقتما يشاء ؟. الوقائع التي جرى رصدها على الأرض ، تدل على هذا التصور الغربي من الإسلام ، وهو تصور مشبع بعوامل الخوف والقلق ، وتدل عليه أيضا ، سلسلة العمليات الإرهابية التي قام بها بعض المسلمين باسم الثار لدينهم أو لمصرع إخوانهم في ساحات المعارك ، أن في فلسطين أو أفغانستان . هذا التصور الحقيقي والملموس ، لا تواجهه الذهنية الغربية بطريقة مباشرة ، أي كما لو إنها تتعامل مع ورم سرطاني خبيث ، بل تعمل على تضخيمه إلى أقصى درجة ممكنة والتهويل من شانه على واقع مجتمعاتها . فول أرادت القيادات السياسية في الغرب ، بما تملكه من قدرات عسكرية وعلمية عظمى ، أن تجتث الخطر الإسلامي داخل مجتمعاتها ، لفعلت ذلك دون أدنى تردد ، أو لأوقفت شريان الهجرة الواصل إليها على اقل تقدير ، أو لقامت بتجفيف منابع التطرف والتشدد ، أما بتعديل واقع سياساتها الدولية في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط ، وبالتالي تسحب الذريعة ، التي تدعو أفراده أن يكونوا أكثر تشددا وتطرفا في تعاملهم مع الغرب ، أو أن تقوم باحتوائه احتواء نهائيا ، باستنزافه الطويل الأمد ، الذي يحقق لها ما تريده في ذهنيتها السياسية والاجتماعية ، من خلال إعادة تصديرها لمصطلح الاسلاموفوبيا ، في كل مرة . وكما نجح الغرب في التعامل مع المسالة الشرقية المتمثلة بالصعود والهبوط المدوي للإمبراطورية العثمانية التي جاوزت حدود الغرب في بعض الأحيان ، يستطيع هذا الأخير أن يضع حلا سريعا لمشكلة التطرف والإرهاب اللتان تضربان في عمقه السياسي . وما يساعد الغرب على الوصول لأهدافه ، أن خصمه السياسي بصيغته الإسلامية ، فقد البوصلة تماما ، دون أن يعرف ماذا يريد وهو في منتصف الطريق ، فما يريده من تحرير وتطهير للأرض التي يقف عليها " الغزاة " أي الغرب ، لا يوافقهم عليه باقي المسلمين ، ولا فكرة إحياء الخلافة الإسلامية ، لدى المذهب السني ، أو ولاية الفقيه لدى الشيعي ، تروق لأي إنسان يعيش في عصرنا هذا ، الذي سقطت فيه الأيديولوجيات وتداعت القوميات ، وأصبح الحنين إلى الماضي والتراث مدعاة للتندر والسخرية في زمن العولمة والفضاء المفتوح . فليست المعركة في نظر بعض المسلمين ، معركة تحرير الأرض أو عدمه ، بقدر ما هي معركة إيديولوجية في زمن انزوت فيه الأيديولوجيات ، أو لنقل صراع رؤى بين منزلتي الكفر والإيمان ، بحيث لا تستثني أحدا على الإطلاق ، المسلمون قبل المسيحيين ، أو العكس أحيانا . فما الذي يحول دون تحرك الغرب إزاء هكذا خطر بات يطرق أبوابه بكل عنف وقوة ؟ أهي مصالح الغرب في الشرق الأوسط ، منبع التطرف والتعصب ، وبذات الوقت منبع المصالح والذهب الأسود ، وأيضا منبع التاريخ ومهد الأديان ؟. والسؤال الآخر ، ماذا يفعل المسلمون في الغرب ، أو ماذا فعلوا ؟ إذا كان الغرب غير قادر على احتمال وجودهم ، أليست لهم أوطانهم التي انحدروا منها ، كما للغربيين أوطانهم التي يذودون عنها من أي خطر كان ؟. فكما ينادي بعض المسلمين المتشددين من قلب عواصم الغرب ، بطرد الغربيين ومصالحهم من بلدانهم الأصلية ، فان لبعض المحافظين الغربيين ، الحجة ذاتها لطرد المسلمين من بلادهم التي يقيمون فيها . فلم يعد خافيا ، أن وجود المسلمين في الغرب بات يشكل أزمة حقيقية تستعصي الحل لدى الجانبين ، فليست المشكلة عند الغربيين ، تتمثل في وجود المسلمين على أراضيهم ، أو بسبب عدم اندماجهم في قيم مجتمعاتهم المعاصرة ، وتقوقعهم على ذاتهم وانفصالهم عن الآخر ، أن ثقافيا أو حتى لغويا في بعض الأحيان ، بل المشكلة التي تواجه الغرب اليوم ، تبرز في دعوة هؤلاء المسلمين إلى مواجهة الغرب في عقر داره ، والمثير للقلق ، أن دعوتهم تلك لا تأتي في كل مرة من أقصى حدود الشرق ، إنما من أقصى أعماق الغرب . ما هي طبيعة الصورة التي تبلورت في ذاكرة الغرب ، وهي تسمع وترى وقع تلك الدعوات تفعل فعلها الدامي على أراضيها ، وتستهدف مواطنيها في الداخل ورعاياها في الخارج ؟ . كما سبق أن اشرنا في غير موضع ، لم تتأثر تلك الصورة المتبلورة في الذاكرة الغربية ، في اتهامات المسلمين لهم بالعنصرية ، ولا بتمردهم على قوانين الغرب ودساتيره العلمانية ، والدليل الأبرز ، توافد المسلمين على الغرب خلال النصف الثاني من القرن الماضي ، حتى مطلع القرن الحالي ، والى ما بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي هزت وجدانه ، لكن الشيء الوحيد الذي زعزع كيانه وهز وجدانه ، ما اثر بدوره على الصورة المتبلورة في ذاكرته ، التفجيرات العنيفة التي نفذها مسلموه ، أي مواطنه في لندن ومدريد ، بوقع اشد ، من التفجيرات الأخرى التي نفذها مسلمون لا صلة ولا هوية تجمعهم بالغرب ، غير هوية الصراع والعداء . غير أن واقع التعامل مع المسلمين ، طرا عليه بعض التبدل والتغير لجهة معاملة الغرب لمسلميه ، فلم يعد مطلوبا منهم اليوم ، كي يثبتوا ولائهم وانتماءهم ووطنيتهم ، الكف عن كل ما من شأنه التحريض على العنف والإرهاب بين أبنائهم ، بل أن يباشروا في الاندماج والانصهار في بوتقة الثقافة الغربية ، الحاضن الأكبر لهم ، هربا من التخلف والاستبداد الذي ألفوه في مواطنهم الأصلية ، بفعل الدين والسلطة في آن معاً .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل الاعتقالات السياسية في سورية
-
الديكتاتور 32 ( مخابرات )
-
تقسيم الإسلام : هل النبي محمد مسؤول عن سلوك المسلمين اليوم؟
-
الديكتاتور 31 ( الغدر )
-
آليات التطرف والاعتدال في الإسلام
-
الديكتاتور 30 (أزمة 99%)
-
الإسلام والعلمانية: وجهاً لوجه
-
الديكتاتور 29 ( الاستفتاء )
-
الإسلام دين أم حضارة ؟
-
الديكتاتور 28 ( الوريث زعيماً )
-
فساد الإسلام أم فساد السلطة ؟
-
نادين البدير : وجاهلية البداوة
-
الديكتاتور 27 ( اغتيال الزعيم )
-
الديكتاتور 26 ( السم )
-
ساعات عصيبة في لبنان
-
الديكتاتور 25 (انتقام الزعيم)
-
قوننة الإسلام عن الهوى
-
الديكتاتور 24 (الغرور)
-
إصلاح العقل في الإسلام
-
الديكتاتور 23 (مغامرات الوريث)
المزيد.....
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
-
لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا
...
-
تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون
...
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
-
شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه
...
-
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام
...
-
طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل
...
-
مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في
...
-
مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش
...
-
سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|