أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..















المزيد.....

الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2777 - 2009 / 9 / 22 - 23:52
المحور: الادب والفن
    




8

جاء الجنود .. أمروا الأطفال إخماد النار المشتعلة بفعل اتحاد البنـزين مع الإطارات المطاطية وأعواد الثقاب ..
اقترب طفل من زميله .. قال معلقاً :
- يريدون منا إطفاء النار وهم الذين يطفئون أعمارنا !
رد آخر :
- يكنسون أعمارنا بالغاز والرصاص ، ويريدون منا أن نطفئ النار ونكنسها !
رد ثالث :
- جعلوا من أجسادنا شواخص يتدربون عليها بـإطلاق الرصاص !
قال الأول :
- ماذا تنوى أن تفعل ؟
- سأذهب بحجة إحضار الماء ثم أهرب ..
- وماذا عن الباقي من الأطفال ؟
- يتدبرون أمرهم !
- كيف ؟
- عندما يلحقون بي تندفعون أنتم نحو كومة الحجارة هذه وتبدأون بالاشتباك ..
- حجم الخسائر سيكون كبيراً . إننا غير متمترسين .
- هناك من يؤازركم من الأطفال . ألا تراهم ! يترصدون اللحظة كي ينقضوا على الجنود ويبلوا بهم بلاءً حسناً .
- ماذا نفعل الآن ؟
- عمم الخطة سريعاً واستعدوا للتنفيذ !
- بدأ الاشتباك .. قذفت الأرض " الباهر " من بطنها .. صال وجال بين الجنود مع الأطفال .. جاءت " غادة " ورمت حقيبتها داخل المربع فامتلأت الساحة بالحجارة .. ومن خلفهم كانـت "لينا " تطحن القمح وتصنع الخبز ..
وفي المساء لبست المدينة ثوب الفرح بعد أن أعلنت الإذاعات المختلفة عن مقتل بعض الجنود جراء كمين نصبه الملثمون على مقربة من أطراف مخيم الشابورة …وتغير المجرى العادي للحياة ؛ صار سريعاً في الإيقاع ، بطيئاً في الإنجاز ، مشوباً
بالحذر ، ملفوفاً بالغموض .. ثم أخذ يتدحرج مع الملثمين فيرهب المواطنين ، ويفرض سطوة لم تألفها الأجيال السابقة من المناضلين .. !!
ومع استمراره ، أفسد المضمون الحقيقي للحرية ، شكل أحد العلائم البارزة في جبين سلبيات الانتفاضة ، فسلب المواطنين الاطمئنان ، وجعل الشك يغزو كيانهم ، فأحال بعض الأعمال البطولية وما نتج عنها من قمع وحصار ، إلى عمليات يعتريها الشك ، ويطعن بالقوى التي تقف وراء تنفيذها ..
هنا بالضبط ، كان للمصالحة التاريخية دورها القذر ، بين " غادة " و " العاشق الجديد " ، الرجل الذي ارتمت في أحضانه في غفلة مني ، وكأنني لم أعد قادراً على تلبية متطلباتها اليومية ، فبدا الموضوع ، كله ، خارجاً عن إيقاع الزمن ، ومحاصراً بلحظة تنسمت فيه الحقيقة المطلقة واقع تطلع العشيقة إلى متعة عابرة ، لا تخلف وراءها ملامح طفولة ، وأبناء يطالبون بإشباع جوعهم ، وري حلوقهم الجافة الظامئة لعناق المستقبل ، عندما يتقاطع مع الأحلام التواقة للحرية ، والتفيؤ تحت ظلال الأشجار الوارفة .
بهذا المعنى ، وقعنا ، نحن الثلاثة ، في الخطأ : " غادة " تزوجت من رجل ، لم ينجب الأطفال حتى هذه اللحظة ، بعدما فضلته عليّ . و" لينا " قطعت صلة مشاعري بالماضي ، فلم أعد أمتلك الحاضر . و ( أنا ) كنت سهل الاصطياد ، ولم أحسب حساب المستقبل ، فغدوت أضعف من أن أقاوم الحاضر ، فحافظت على رتابة الصمت ..
وكان قبلاً ، قد انتابني شعور لا أعرف مصدره : إن اتحادي مع " غادة " ، في هذا العراء الوقح من شأنه إنجاب أطفال مشوهين ! وتساءلت : لماذا لم يَنتَبني شعور بأن تكون عقيماً ؟
ولما لم تنجب الأطفال حتى هذه اللحظة ، حمدت الله أنني لم أقترن بها ، وقلت في سري : لقد وزعت قلبي بين امرأتين ، ولكن عقلي لم يكن معهما . لقد كان محايداً !
اعذريني يا " لينا " العزيزة : لقد حاولت أن أبقي قدر " غادة " في يدي ، ولكن لم استطع ، لا لأنني أعجز من أن أسيطر عليها ، ولا لأنها أكبر من أن تخضع لسيطرة رجل مثلي ، يمتلك زمام الكلمات العذبة ، الناعمة ، القادرة على الوصول إلى القلب ، والاستقرار فيه ، بل لأنها ، باختصار ، لم تكن من صنع يدي وحدي مائة بالمائة ، بحيث أدعي ملكيتها ؛ فقد نمت على مدار عشرين عاماً ، بفعل عوامل اجتماعية عديدة ، بدءاً من البيت ، وصولاً إلى الجامعة ، بعد أن قطعت الشوط الذي لا مفر منه ، شوط التسكع في الشوارع ومغازلة الغيوم بين حين وآخر ..
والتقيت " الباهر " في لحظة عناق لا فكاك عنها ، مهما تأجلت ، في وقت ارتعشت فيه روحي ، وهي تعاني العذاب ، وتعانق حكايات الخلاص منه ، حتى تتمكن من ثقب جدار الدائرة ، والخروج منها إلى فضاء ، تتفسخ فيه الأحلام ثم تتحد مشكلة دائرة جديدة ، مرتبطة أشد الارتباط بالدائرة المحيطة بها ، وكأنها سلسلة لا تكتمل إلاّ بانشدادها للحلقة الأخرى .
وعندما بدأ يتحدث ، كانت الثقة المؤكدة تعبر عن حضورها بنبرة واضحة لا لبس فيها ، وكأنه يجري عملية حسابية بسيطة ، لا يختلف عليها اثنان في السنوات الأولى من التعليم . وكان واضحاً وضوحاً قاطعاً : لم نعد بحاجة إلى الرمز المأساوي أو المزاوجة غير المبررة ، بين فعل الأطفال اليومي في مواجهة الجنود المدججين بالسلاح ، وقتل العشرات منهم ، وبين فعل الرجال الذين يحسبون ألف حساب لكل خطوة مقبلة ، تستهدف تصعيد وتيرة العمل الانتفاضي … إنه رجل مصمت لا سطوة من المؤثرات الخارجية على حياته ، مما يحول دون معـرفة مشاعره الإنسانية ، عندما تكون في أمس الحاجة إلى النفاذ للأفكار التي تراوده ..
وكنت قد سقطت ضحية كسيحة أمام العناصر المحيطة بي ، وبصعوبة بالغة استطعت الوقوف، وقلت : لقد منحتني الأيام فرصة يصعب تكرارها ، فرصة لم أستفد منها بما يحصنني ضد كل انحراف ، والأهم من هذا كله ، كان أمامي مجال لا يحده مانع ، كي أثبت رؤياي في الواقع التجريبي ، حتى يغدو قانونا ، دونه لا علاقة موضوعية قادرة على تحويل المشهد العائم فوق الأحداث إلى مستقبل نتفاءل به .
أنت تعرف أيها "الباهر " ، حينما قاومنا انحلال الحياة العامة في الأيام الأولى ، كان ينتصب أمامنا جبل من العادات الموروثة التي تحرم هذا النمط من السلوك الغريب عن تقاليدنا ، ويحد من حركتنا ، فصار التصدي لها لا يقل أهمية عن التصدي للاحتلال ، وكأن هنالك قاسماً مشتركاً يربط بينهما ، إذا ما ضعف تأثير الواحد منهما ، أصاب الثاني الضعف ..
هذه المعادلة فتحت أمامنا آفاقاً رحبة للعمل على كافة الصعد ، بغية ترسيخ تقليد استمر بعد ذلك لسنوات صامداً في وجه من يحاول تجاوزه ، ومنع بالتالي أي انحراف كان محتملاً ..
ومما لاشك فيه ، أن التفاتنا إلى المشكلات التي يعاني منها المواطنون ، أفادنا على نحو لم نكن نطمح إلى تحقيقه ، فهو بالإضافة إلى توطيد الصلة معهم ، زودنا ، على الدوام ، بالمادة الأساسية لاستمرار بقائنا نقاوم الاحتلال على مدار سنوات وجوده ، إلى أن جاءت الانتفاضة ، فشكلت حداً فاصلاً بين مرحلتين ، بما فيها وما عليها ، لتغدو علامة فارقة ، توقفنا جميعاً أمامها ، كي ندرسها وفق قدرة كل واحد منا على استيعاب الأحداث الجارية ، وكي نستفيد منها وفق منطق كل واحد منا والخصوصية التي تميزه عن سواه .
انتفخت بعض الجيوب وأفرغ بعضها الآخر .. تكرشت بعض البطون وجاع بعضها الآخر ، ولكن في النهاية ، يبقى للفعل الانتفاضي أفراحه . فهو ،مع تصاعده ،بدد الشكوك ، ورسخ اليقين ، قرب ساعة الحرية والانعتاق من قيود الاحتلال ، وقطع الطريق أمام الذين سولت لهم أنفسهم الانتفاع من كل ما يضر الآخرين . تماماً كالطقوس المختلفة ، فهي تجمع بين الأحبة و الأصدقاء ، وتفرق بين المتكالبين على الأحلام ، بغية محاصرة المشاعر الطيبة إزاء كل ما هو نبيل ، وكي توقد نار الفتنة بين العائلات الكبيرة ، إلى أن حسم الأمر بين المعنى والضرورة ، عندما تدخل الملثمون ، و ملأوا الشوارع والأزقة ، يفرضون شروط الحياة العامة ووجوب المحافظة على تقاليدها ، فغابت حالة التوتر وتجدد العطاء للوطن والدفاع عن المبادئ الأصيلة .
أما أنت أيها "الباهر " ،فلم تلتفت إلى الماضي ، ولم تواجه الواقع ، واكتفيت أن يظل نظرك شاخصاً نحو المستقبل الحالم به ، والصور الجميلة التي لا يعوضها الشّعر الأسود في الليـالي القمرية ، إلى أن أصيب العديد من المناضلين بمرض النفاق ، بعد أن تبين لهم حجم الكارثة ، وبات الخطاب اليومي يحمل كل التلاوين المعجونة بالكذب ، والخديعة . عندها كان "السيف قد سبق العزل " .. !!
عدت بالذاكرة إلى الوراء ، إلى الأيام التي كانت فيها الشوارع مملوءة بصور الممثلين قبل عرض الفيلم بأسابيع ، وقارنت بينها وبين صور الشهداء الملتصقة على الجدران ، فوجدت الفارق بينهما كبيراً : الأوائل بغية الظهور والدعاية ومستلزماتها ، بيد أن الأخريات تعبر عن حالة انتماء حقيقية ، لا يعكر صفوها سوى خيط رفيع من الدم ، امتزج مع التراب فصار نبعاً كفيلاً بريّ الأرض كلها ..
بدأ الواحد منهم يمر من أمامي ، ما يلبث أن يمر آخر بعد عدة أيام ، يعلق صورته إلى جوار الصورة التي علقها بنفسه ؛ وكانت دمعة حبيسة تتجمع في حدقة العين ترفض الانسياب . وتلاشى اتساع الوقت للوقوف على النافذة ، ومراقبة الحياة من خارج سياقها الفاعل ، ولم يعد بإمكاني أن أكون محايداً … ودّعنا الشهداء ، قبراً قبراً ،وكانت الانتفاضة قد ابتعدت عن أهدافها وانتمائنا معاً ، فصارت غريبة عنا وصار توقفها ، نهائياً ، يصب في جيوب المنتفعين .
وتحت شعار : لقد أفنينا عمراً طويلاً في القتال وسفك الدماء دون فائدة ، ازداد الصراخ : دعونا الآن أن نمضي ما تبقى في الأحلام أو الأوهام ، ( سموا ذلك ما شئتم ) لعلنا نجد الطريق الأفضل الموصل إلى نهاية النفق .. !!
ولما جلست مع "الحازم " نناقش أهم آليات العمل في المرحلة القادمة ، من تطور الانتفاضة ، وكنت قد أعددت مشروع خطة تمتد إلى عام كامل لإنجازها ، وكنت مقتنعاً ، تماما، أن أي نقاش من الممكن الاختلاف حوله سيكون من نصيبه الفوز به بالجولة الأولى ، لا بفضل الخبرة وحدها بل ، لأنه يمتلك من أسلوب الخطابة و إقناع الآخرين ما لا يملكه أحد ، لهذا تحاشيت التصدي له عندما احتدم الخلاف ، على أمل إعداد نفسي في الجولات اللاحقة ، إعداداً يمكنني من تأييد الآخرين لمواقفي وبقائهم متمترسين في نفس خندقي ، ولم يكن وارداً في حسابي، إطلاقاً ، مصالح كل واحد وانسجامها مع ما يقوله " الحازم " .
وفجأة ، خرج "الحازم " من وكره .. دخل المدينة في كامل هيئته وهيبته ، لا ينتقص منهما سوى عدم مرافقة المدججين بالسلاح له . وحين التقى بالأهالي ، وبالمعوزين من عامة الناس ، انبرى في تسجيل مشاكلهم وعناوين إقامتهم ، حتى إذا ما غادرهم عائداً ، لحقه الدعاء بالسلامة وطول العمر ، وبات الناس ينتظرون المساعدة من المواد الغذائية التي وعدهم بها ، ورفع الحيف والظلم عنهم من أولئك الذين يحتمون بالسلاح واللثام كي يحصلوا على مبتغاهم دون وجه حق ، فتعم ، لفترة من الزمن ، بعض الطمأنينة ، ويبدأ الأهالي بالتعاون مجدداً مع قادة الانتفاضة وصناعها رجالاً ونساءً ،شيوخاً وأطفالاً ..
وارتفعت فجأة ، نغمة جديدة تطالب بالهدنة المؤقتة ، حتى نتمكن من تجميع شتات قوانا ، وبإعطاء فرصة من الراحة للشعب ، حتى يقوى على الاستمرار ، ثم يقرر بعد ذلك ، بنفسه ، ماذا يريد ..
وهاجمني السؤال الذي لا يتوقف عن الهدير ، والذي عاش في أعماقي سنوات الانتفاضة كلها : لماذا نتواطأ جميعاً ، وفي هذه المرحلة الحرجة بالذات ، على أطفالنا الذين هم أغلى ما لدينا ؟ وقبل أن يأتي الجواب ، داهمني السؤال الآخر : لماذا نغض الطرف عن انحراف بعضنا عن سكة الحديد التي سارت عليها الانتـفاضة ، وقبـلها قـوافل الشـهداء ؟ .. لماذا ؟ .. ولماذا ؟ .. ولم يأت الجواب !
ابتلعت غيظ غياب الإجابة والصراخ معه .. تشنجت قبضة يدي واختفت الرغبة في البكاء .. إنها اللحظة التي كنت دوماً أخشاها رغم مظهري القوي في الغالب .. لحظة انكشاف هشاشة الرجولة ، أمام عاشقة تعتقد أن الرجال دائماً أقوياء لا تغلبهم النـوائب ، ولا تضعفهم قدرة الصدفة على بلوغ ذروتها ، قياساً بحفظ المسافة من ذاكرة التلاشي ..
ولما جاءت المصالحة التاريخية ، في نهاية المطاف ، قفزت بنا من فوق الواقع القديم الذي نشأنا عليه أجيالاً متعاقبة ، كي تعلق أقدارنا في خطاف المستقبل ، الذي لم يتبلور بعد بما يكفل المحافظة على إرثنا ، الذي دافعنا عن بقاء أحلامه متوهجة ، وسقيناه بالدم والعرق ، حتى لا يصاب بالجفاف وفقدان المناعة وانهيار حصون الذات .
آه .. أية واقعية ماكرة لهذا العالم !
لقد اغتصبوا الماضي مني على حواف الحاضر ، وحاولوا زرع قناعة جديدة في أعماقي : لا أمل في المستقبل !
أواه .. سيبدو ذلك غريباً حتى الفجاعة ، لو تحدثت عنه بإفاضة !
كيف لا ، وقد انتاب " غادة " صحوة فجائية جعلت الأمر كله معلقاً بخيوط الماضي الآخذة بالتقطع خيطاً وراء خيط ، مما صعب عليها مهمة معالجة المستقبل دون تسوية الفساد القائم ..
كيف لا ، وهم يحاصرون أي دافع ، ومعنى ، من شأنهما نقل الأمر كله ، ودفعة واحدة ، من الخاص إلى العام ، وجعلوا منه قضية " الباهر " المركزية ( الشخصية ) إن تخلى عنها فقد احترامه لنفسه وصار ، من حيث المضمون ، لا يختلف في شيء عن الذين تآمروا على صحوة الشعب وبـاعوا انـدفاعه قبل الإفـادة منـه وتحويـله إلى نهر هـادر يكنس كل أوراق الخريف المتساقطة في المجرى العام ..
كيف لا ، وهم الذين كبحوا جماح " غادة " عندما حاولت أن تكون نافعة وتستحق مصيرها ، قبل أن يسمو الموضوع على الذات ، وتقدم نفسها مثلاً أعلى للفتاة المناضلة ، التي بوسعها أن تكون غير ما عرف عنها من أرض لا تصلح إلاّ لزراعة الأطفال .ولما علمت خطأ وصولها للعنوان ، بدأت تتآكل حتى أوشكت على التلاشي والاندثار ، دون أن يسمع عنها سوى القليلين الذين رافقوا رحلتها إلى النهاية التعسة ..
تراكمت كل هذه الصغائر ، ثم تهاوت سريعاً ، فأدت إلى انحراف زاوية الرؤية للوقائع اليومية ( بغض النظر عن الدرجة في سلم المتر ) ، فانحرفنا معها ، وبات عصياً علينا رؤية المصلحة العامة بنفس المنظور ، فارتددنا إلى الخلف ، وبدأنا نحسبها بمقدار العائد الشخصي ، الذي نرى فيه مصلحة الخاص على حساب الرصيد التاريخي لحساب العام ، في بنك الشهداء والمجازر الجماعية .
لقد تسلقنا جداراً صعب المرتقى ، وقطعنا نصف المسافة ، نظرنا شاخص إلى الأمام ، فجاءت الطعنة في الصميم من الخلف ، عندها هوينا عن الجدار ، ومازلنا نحاول الوقوف الذي نأمل أن يحدث قريباً ، بعد أن تبرى جروح الطعن .. !!
وتجاوز "الباهر " المعنى ، وكثفه في لحظة صفاء صادقة ، عندما أخذ لنفسه منحى غير مألوف معلناً تحمله الجزء الأكبر من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع ، في ظل غياب تناغم الأفعال مع الواقع ، وعدم انسجامها مع أبسط المقومات الأخلاقية ، التي يمكن لها أن تترسخ من خلال المواظبة على التأكيد على التمسك بها ، مهما تفاقمت تفاهة الأحداث .
نعم ،لقد أعلن ذلك بوضوح ، عندما قال كلمته الشهيرة التي تمس الوجدان :
- "يجب الانتباه ، كي لا تقع الرؤية السياسية في وهم التماسك
الشكلي ، الذي قد يبدو بناء جميلاً ، ولكنه ، لسوء الحظ ، ليس البناء المطلوب والملائم لاستحقاقات الواقع . إن التعاطي مع الواقع ، ينبغي ألاّ يتم تحت ضغط التشاؤم ، وفقدان الأعصاب . إن الأزمات ظواهر مألوفة ، تحدث في كل زمان ومكان ، وكم من أزمة كانت مناسبة لتخطي مخاطر أكثر كارثية ، وسبباً في قفزات نوعية ، كونها تفتح العقول لإعادة وعي الذات والتجديد . "
إن ما حدث ، بشكل أو بآخر ، أتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية عنه ، ولأن الأمر كذلك ، يتعين علِيّ أن أفسح مجالاً لكم ، كي تحاسبوني عليه ، ولن يتم ذلك مادمت قادراً على التصرف بمصائركم . لهذا أنحي نفسي جانباً ، حتى تتمكنوا من إصدار حكمكم عليّ والذي أطمح من كل قلبي أن يتوخى الحذر ، وأن لا تشفع معه أي مصوغات قد يدرجها بعضكم في ديباجة المرافعة آخذاً بعين الاعتبار ، حسن النوايا في التصرف ، نظراً لما قدمته معكم على صعيد مقاومة الاحتلال . فالنوايا الحسنة لا تصنع وطناً !



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 7 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 6 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 5 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 4 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 3 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 2 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ...
- الإنتفاضة العشيقة الزوجة ...رواية
- مازال المسيح مصلوبا فصل :9_10
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 16
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 15
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 14
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 13
- فصل من رواية : صفر خمسة تسعة 12
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 11
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 10
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 9
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 8
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 7
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 6
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 5


المزيد.....




- المهرجان الدولي للشعر الرضوي باللغة العربية يختتم أعماله
- -مقصلة رقمية-.. حملة عالمية لحظر المشاهير على المنصات الاجتم ...
- معرض الدوحة للكتاب.. أروقة مليئة بالكتب وباقة واسعة من الفعا ...
- -الحياة والحب والإيمان-.. رواية جديدة للكاتب الروسي أوليغ رو ...
- مصر.. أزمة تضرب الوسط الفني بسبب روجينا
- “شو سار عند الدكتور يا لولو”.. استقبل الان تردد قناة وناسة ا ...
- حل لغز مكان رسم دافنشي للموناليزا
- مهرجان كان السينمائي يطلق نسخته الـ77 -في عالم هش يشهد الفن ...
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل صلاح الدين الحلقة 24 Selahaddin ...
- بعد الحكم عليه بالجلد والسجن.. المخرج الإيراني محمد رسولوف ي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..