أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حامد حمودي عباس - ألشخصية العربية .. بين حرية السلوك .. والأرث الديني المتأصل















المزيد.....

ألشخصية العربية .. بين حرية السلوك .. والأرث الديني المتأصل


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 09:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يكن مجرى مباريات الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم يبهرني وأنا مرغم للتطلع لأحدى مبارياته العالمية خضوعا عند رغبة اولادي ، غير أنني كنت مشدودا حينها لجانب آخر من المباريات يتعلق بتصرفات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ، وقد كان حاضرا يومها لدعم فريقه الوطني .. لم يمنع (السيد الرئيس ) حينها كونه قائدا لدولة لها باع طويل في عملية التأثير الاقتصادي والسياسي في العالم ، من أن يقفز من مكانه بين الحين والآخر ليهتف باسم فريقه ، بل كان يلوح بعلم بلاده في الهواء وعلى طريقة ابسط مشجع في المدرج عندما يحقق الفريق نصرا على ساحة الخصم .

كانت تلك اللحضات توحي لي بأطر عدة تحيط بالسلوك العام للفرد المنضوي تحت خيمة وطننا العربي ، وأحاول رد ذلك البون الشاسع بين تصرفات الرئيس شيراك وبقية زملائه من رؤساء بقية دول العالم الاول ، وبين حرج فلاح بسيط في بلادنا حينما يدعى للتعبير عن فرحه في حفلة عرس ، الى الكثير من التفسيرات التي لا تسعفني في اغلبها في الوصول الى اجابة تشفي غليلي في طلب الحقيقه .. لماذا نحن هكذا نبدو في جل تصرفاتنا اليومية وكأننا وسط هالة مرعبة من التكلف والمعاناة في صراعنا مع نواميس قاسية تواجهنا في كل مكان ، لماذا هذا الاغتراب اللامعقول مع ما قررته الطبيعة من خصال انسانية تميزت به مجتمعات اخرى لا زالت تشاركنا العيش في هذا العالم ؟..

قد يبدو الموضوع تافها بنظر البعض ، غير أنني أجده مثار اهتمامي الكبير وأنا أسعى جاهدا لفهم طبيعة الشخصية العربية ، وما خلفته مفردات التأثير الديني مدعومة بسبل التربية المستقاة من هذا التأثير خلال فترات طويلة من تاريخ أمتنا الحافل بالانتكاسات .. اذ ليس من المنطقي أن يغفل المتفحص لواقع الشخصية العربية حقيقة كونها واقعة تحت تأثير اغتراب واسع الملامح ، يجعلها تتميز بالشعور بالاحباط المزمن والخوف من مجهول لم يحن بعد لمعرفة معالمه النهائيه ، وكون أن هذه الشخصية في عموم حدود تشكيلتها لا تميل وتحت شعور مستديم بالنقص، الى قبول الظهور بالمظاهر الانسانية الاعتياديه بحجة عدم المساس بمبدأ الوقار المقدس ، ذلك المبدأ الذي جعل من حدود الابداع والتخيل وحرية الحركة تنأى تحت ثقله المميت .

لا يوجد شخص في العالم مهما كان انتماؤه الاجتماعي والطبقي لا ينزع للحرية ، وليس من طبع الانسان الميل في حالات الاختيار، الى البقاء ضمن حيز يسلب منه ارادته في صنع حياته وفق ما يهوى من سلوكيات خاصة به ، غير ان ما يمنعه عن الاتيان بما يحب وعلى طريقته الخاصه ، هو العرف والقانون ، والأرث الاجتماعي المرتكز في أغلب حيثياته على الطيف الديني الموغل في التأصل خلال طيات النفس والعقل وبشكل يستعصي على التغيير بسهولة ، ولذا فأن ما يظهر من سلوك انساني قد يبدو مخالفا للطبيعة البشرية المجرده ، ماهو الا نتاج لتلك المؤثرات غير الطبيعية في حياة الفرد والمجتمع عموما .

ان هذه الافكار ليست من اختراعي ، ولم أكن أول من وضعها لتفسيرالصفحات المختفية من الشخصية العربيه ، وانما سبقني اليها من هم أكثر قدرة على الاستقصاء والتحليل النفسي والاجتماعي في بلادنا ، وما شجعني على الخوض في غمارها ، هو محاولتي للأسهام في معرفة الكنه الحقيقي لكون ان الشخصية العربية تبدو في أغلب مواصفاتها عصية عن قبول مفردات تنطلق بها الى رحاب أوسع تحررها من هذا القيد المرعب ، قيد يتركها فريسة للتجهم والتكلف والارتباط الوثيق باعراف شخصت لهاعلى انها أخلاق حميده ، في حين أنها ليست سوى خيارات حياتية بائسه لا توحي بالتحضر ولا تغني النفس بما يعينها على مقاومة عناصر الشر .

لقد ظهرت محاولات متفرقه ، حاول المعنيون بدراسة جوانب الشخصية العربية ، الخوض فيها وهم يحاولون ايجاد المخارج المقنعه لوضع توصيفات عامة لهذه الشخصيه ، فوجدوا بأنها شخصية تميل الى اظهار ملامح التجهم واصطناع مظاهر التكلف في مجمل نشاطاتها اليومية ، انها شخصية مزدوجة الأحاسيس ، ترغب في العثور على متنفس لما يعتريها من اضطراب ، ولكنها لا تستطيع الهروب من واقع فرضته عليها الاعراف المتأصلة والمبنية على ارث ديني يتجلى في ركامات ضخمة من التوصيات والتحذيرات والارهاب من عواقب الامور ، بحيث من الصعب جدا أن تجد من يعارض تصرفات الرئيس الفرنسي وهو يتحرك بحريته الكامله في ملعب كرة القدم ، ولكنك من الصعب في ذات الوقت أن تطلب منه أن يتصرف بنفس الطريقة وهو يتعامل مع اسرته خلال قيامه بنزهة في حديقة عامه .. انها ازدواجية مدمرة تلك التي يعيشها الفرد في مجتمعاتنا حين تجده محطما بين رغبته في السلوك كما يريد ، وبين خوفه من أن يوصم بالعار لو تجرأ وفعل ذلك .

في البوابة الرئيسية لأحد المصانع ، وقفت سيارات نقل العاملين بانتظار وصولهم لغرض نقلهم الى بيوتهم بعد انتهاء فترة العمل ، وفي النتيجه كانت الباصات المخصصة لنقل العمال الاجانب قد تحركت من مواقعها بعد ان استقلها ركابها ، مقابل صف من الباصات المخصصة للعرب كانت متوقفة بانتظار أن تنتهي تلك الحركات المتشنجة والمتكلفة والعائقة عن حرية الحركه ، خاصة من قبل النساء جراء ما يشغلهن من محاولات الظهور بمظهر لائق حين يركبن الباص وبطريقة لا توحي بانعدام الذوق ، انهن يرتدين ملابس تعيقهن عن الحركة الحره ، وأحذية لا تتيح لهن القيام بما يردن دون عناء ظاهر .. ترى ما الفرق بين المجموعتين ، وما هو سبب ذلك التشنج في التصرف عند العرب والذي يميزهم عن أقرانهم من العمال الاجانب في موقف كهذا ؟ .. ما أعتقده جازما هو أن العرب كانت تطيح بهم وتمنعهم عن الفعل المباشرتلك الشخصية الملاصقه ، والداعية دوما للامتناع عن الاقدام على فعل قد يوحي للآخرين بقلة الحياء والانحدار الى درك مخجل لا يليق بأرثنا الديني وتعاليم آبائنا وأجدادنا من قبل .. ذلك الارث الذي بدأ ولم ينتهي بعد من الزن في عقولنا أن تثاقلوا ، ولا تمشوا في الارض مرحا ، وليغض أحدكم من بصره .

وهكذا ، فليس من الصعب أبدا أن نتوصل الى حقيقة لا لبس فيها ، وهي أن مظاهر التكلف في السلوك لدى الفرد المنتمي للعالم العربي ، ما هو الا نتاج طبيعي لذلك الافتراق القسري ، بين الطبيعة المجردة التكوين للنفس البشرية كما أرادتها لها كينونتها المؤسسة على قوانين التطور المعترف بها علميا ، وبين ما تفعله مؤثرات الارث السلوكي الديني الموغلة في القدم .. الامر الذي جعل هذه الشخصية تعاني من حيرتها في امتلاك حريتها في تسيير وتكوين مفردات حياتها اليومية كما تشاء لها طبيعتها الانسانية ، وبين ما يوضع امامها من عراقيل ، ترغمها على التوقف مرغمة لا طائعه عن اشباع رغباتها والاستجابة لتلك الرغبات ، سواء على مستوى الجسد أو التفكير .

من منا لا يعترف بأن للشخصية العربية طابع يجعلها قلقة في مسيرتها الحياتية المتشعبة عموما ، وتنافق في تقبلها لمؤثرات فرضتها عليها أصول التربية المصطنعه ، لتجعل منها شخصية مزدوجة الأحاسيس ، تخفي ما ترغب به من سلوك ، وتظهر ما لا تقبله رغما عنها خوفا من عار الانفلات عن المألوف وعدم التضحية بالسمعة ، وابتعادا عن خسارة الانسجام مع المجتمع ؟..

لقد أصاب الشاعر مظفر النواب كبد الحقيقة كعادته حين ينوي المساس بواقع المجتمع العربي حين قال ( قتلتنا الرده .. قتلتنا أن الواحد منا يحمل ضده ) .. نعم .. كلنا يحمل معه ضده في حله وترحاله ، ذلك الضد الذي ينام معنا على سررنا ويأكل معنا الطعام ، ويحدد لنا سبل التعبير عن افراحنا وأحزاننا ، ويكتب نيابة عنا ما نريد كتابته ، ويحذرنا من مغبة السير عبر مسالك الشر كما يراها هو، لا كما نراها نحن .. انه متلبس فينا ، يحفر في شخصياتنا معالمها التي تبدو وكأنها نسخا مغايرة تماما لما نحن عليه من شخصيات ، لنتصرف وفق ما تقرره النسخة الدخيلة من الشخصيه ، ونعاف مرغمين لا طائعين أية ملامح تربطنا بحقيقتنا كما نحن ، وكما ارادت لنا طبيعة التكوين الانساني أن نكون .

يبقى لدي مما أنا فيه من شرود قد يفسر من قبل البعض بكونه هذيان لا ينفع ، أن استعين بمن يرغب بتقديم العون لي كي أعثر على المسببات الحقيقية لقلق الشخصية العربية ، غير انها مسببات تتعلق أولا وقبل كل شيء ، بذلك الارث العقيم مما اعتبروه لنا أخلاقا تقربنا من الله ، وتبعدنا عن فعل الحرام ، وتحذرنا من مغبة أن نبتسم متى نشاء مخافة أن تذهب حشمتنا التي جبلنا عليها أسوة بأسلافنا الميامين ..



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقيطة .. وقضيه .
- كيف لأمة أن تحيا وفيها من يحكم على المرأة بالفجور، لو كشفت ع ...
- ألشعب العراقي بين رحمة جامع ( براثا ) وفلسفة الرضوخ للعقل
- لنعمل معا من أجل وحدة الصف العلماني التقدمي بكافة أطيافه وتو ...
- بين أضرحة وفقراء .. وحناجر تهتف للسماء .. ألعراق يعيش ألأمل ...
- لا زلنا نتصدر قائمة ألأمية في العالم
- ليتوقف فورا تنفيذ حكم الاعدام بالنساء العراقيات في سجون بغدا ...
- علمانيون ومتعلمنين .. ظاهرة جديده تستحق الانتباه !
- أطفالنا يهددهم مستقبلهم المشحون بالوباء .. أين الحل ؟؟
- لماذا الدين الاسلامي دون الاديان الأخرى ؟؟
- لتتوحد كافة الجهود العلمية من أجل إيقاف ظاهرة التصحر في العر ...
- نعم لمبادرة الدكتوره وفاء سلطان والدكتور سيد القمني في إحياء ...
- منشور خطير كاد يطيح بنظام الحكم في العراق
- أفكار حول إشكالية الهجرة من الريف الى المدينة في العراق .. م ...
- من مظاهر إنحسار الرقي العربي والاسلامي في بلدان اللجوء
- واحة من ذكريات عن مدينة كان يزهو العيش فيها .. وغدت خرابا تن ...
- بين واقع مزري لأمة يقتلها ( محرروها ) .. وبين المشاعر الكاذب ...
- سيد القمني .. مصر قالتها فيك قولة حق .. فالف مبروك .
- ألاستاذ شامل عبد العزيز .. وجهده المتميز لبيان تأثير التيارا ...
- في محافظة ديالى .. كانت لي هذه الحكايه .


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حامد حمودي عباس - ألشخصية العربية .. بين حرية السلوك .. والأرث الديني المتأصل