أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - عودة العسكر إلى العراق؟؟















المزيد.....

عودة العسكر إلى العراق؟؟


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2504 - 2008 / 12 / 23 - 09:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ ان قام الضابط العراقي الكردي بكر صدقي بانقلابه العسكري عام 1936 المعروف في تاريخ العراق المعاصر ب (انقلاب بكر صدقي) والعراق يخوض سلسلة من المشكلات مع العسكر. وحينما ألقت الطائرات العراقية من نوع هوكر هنتر لأول مرة منشورات على مدينة بغداد تهدد فيها الحكومة وتتوعد النظام برمته ما لم يصار إلى الاستجابة لاستقالتها والعراق يتوجس من العسكر خيفة. فاستقالت الحكومة فعلا، وقتل وزير الدفاع آنذاك جعفر العسكري صهر نوري السعيد: هكذا بدأت الحكاية كما يحدث في أفلام الأسود والأبيض.
وكان بكر صدقي يعد واحدا من خيرة ضباط الجيش العراقي المهنيين آنذاك، لكن الرجل تأثر بمصطفى كمال أتاتورك (أبو الأتراك) وجمهوريته العلمانية، وتحكمه بالسلطة في تركيا، وسيرته العسكرية الحافلة بالكفاح من اجل بقاء تركيا موحدة، فأراد ان يكون شبيها له. هكذا هم العسكر موهومون بالشبيه قبل الحكم وبعده. لكن هيهات ان يكون لبكر صدقي ما كان لكمال أتاتورك، فشتان ما بين العراق وتركيا من الأوضاع والظروف التاريخية. كما أنه من البؤس إقران تجربة كمال أتاتورك بضابط مثل بكر صدقي مهما كانت خبراته العسكرية ومهما علا نجمه، فقد كان الأخير ولوعا بالسلطة كما هو سلفه أتاتورك – هذا صحيح- ولكنه لم يستجمع ما يكفي من ميراث لنيلها اللهم إلا حملته على تمرد الأثوريين وحملته على عشائر الفرات الأوسط.
خيل لبكر صدقي ان يكون أتاتورك العراق بلا مقومات ولا مسوغات. هكذا هم العسكر الحالمون بالسلطة يقلد بعضهم بعضا في نسق دائم قلّ نظيره في التاريخ الشرق أوسطي. وهكذا يمكننا ان نقول: إن بكر صدقي كان طموحا أكثر من اللازم وواثقا بنفسه أكثر مما ينبغي أيضا مما دفعه إلى قيامه بأول انقلاب عسكري في تاريخ العراق. وقاده ذلك الطموح الأتاتوركي الصغير وغير المتوازن بكر صدقي إلى السلطة السياسية بالطريق الخطأ. من الصعب إقناع العسكر بأخطائهم طبعا، كما أنه من الصعب إيقافهم إذا ما بدأوا بتنفيذ ما قرروا فعلا.
وبعد نجاح الانقلاب الأول في العراق، وتأسيس حكومة هشة، من سياسيين حالمين بالسلطة أيضا، عمل بكر صدقي على زيارة تركيا – البلد الملهم لانقلابه - ولحضور مناورات عسكرية يجريها الجيش التركي ولمقابلة ملهمه أتاتورك طبعا. إنها النزوات الفجة بالظهور بمظهر المنتصر دائما. وفي طريقه إلى هناك وبعد مكوثه في دار الضباط بالموصل تصدى له عريف مغمور، ومدفوع من أعداء بكر صدقي، فأطلق الرصاص عليه من الخلف وخرّ الرجل صريع نزواته وطموحه في لحظة واحدة. هكذا تكون نهاية التحديق بقوة إلى الأعالي.. سقط بكر ميتا من ساعتها وذهبت زجاجات الخمر الموضوعة أمامه معه على غير رجعة. كان الرجل محبا لكل ما هو خيالي حتى أصبح رمزا لضباط الجيش الطموحين والمغامرين والانقلابيين بعد ذلك.
واتهم بالطبع غريمه الجنرال والسياسي المخضرم نوري السعيد باشا باغتياله. وهي تهمة لا يبرأ منها طبعا. لقد كان نوري ينتقم شخصيا من بكر صدقي. هكذا هي حروب الجنرالات العراقيين في بدايتها وهكذا أسست العسكرتاريا العراقية مجدها الأول. ثم توالت على العراق محاولات العسكر فقد عمل العقداء الأربعة يقودهم صلاح الدين الصباغ إلى التحضير لانقلاب جديد عام 1941 في ما عرف في تاريخ العراق المعاصر بحركة مايس حيث شارك المربع الذهبي (العقداء الأربعة) السياسي العراقي المخضرم الآخر رشيد عالي الكيلاني الذي انتهى به الأمر مطاردا في البلاد العربية. ثم انتهى المطاف بالضباط الأربعة إلى ان علقوا شنقا حتى الموت في الباب الشرقي. ومهما قيل عن طبيعة هذه الحركة العسكرية ودوافعها فإنها تصبّ في حومة التطلعات النازية للمنطقة العربية وجاءت في وقت حرج يتهدد العراق تحديات خطيرة.
ومن اجل التاريخ وحده: لو أجريت جردا منذ ذلك الوقت إلى الانتماءات الطائفية للضباط فإنك بالطبع لن تجد أسم ضابط شيعي واحد بينهم، على الرغم من إن الشيعة يكونون الأكثرية من السكان مذذاك فكيف يكون تفسير ذلك؟.. هكذا كانت تدار السلطة في العهد الملكي طائفيا ومن طائفة بعينها. ولا يعني ذلك بالطبع إن ثمة ضباطا شيعة مسالمين في الجيش آنذاك؛ كلا لم يكن الشيعة موجودين كضباط في الجيش آنذاك! وهذا جزء من التفرقة الطائفية التي دأب عليها النظام الملكي إبان تأسيسه وحتى مراحل قريبة من سقوطه على يد الزعيم( العميد) عبد الكريم قاسم عام 1958.
كان لمشهد الضباط الأربعة وصديقهم الغر يونس السبعاوي وهم معلقون في ساحة التحرير من المشاهد التي حرص عليها العسكر لتوريدها كحالة انتقام من النظام الملكي ورموزه: الملك والحاشية ورئيس الوزراء والوزراء ورجال الإقطاع الذين كانوا يهيمنون على الاقتصاد الزراعي في العراق. وهكذا كانت ثورة 1958 بداية لإعلان الجمهورية من الضباط الأحرار الذين حاولوا نسخ تجربة محمد نجيب الضابط الذي رأس مصر بعد نجاح ثورة 1952 يوليو/ تموز وكذلك اليوزباشي جمال عبد الناصر الذي شاع صيته بعد تطبيق أهم بند - كما ذكر الرائد جمال حماد كاتب البيان الأول للثورة المصرية- في كتاب مكيافيللي الشهير (الأمير) ألا وهو: على الحاكم الجديد تصفية رفاقه ممن ساعدوه على تسلم الحكم وان يأتي بمن هم من خارج الثورة لكي يسهل السيطرة عليهم. وهكذا كان فعلا. فقد صفى عبد السلام عارف الزعيم عبد الكريم قاسم في صبيحة 8 شباط عام 1963 ليبدأ في العراق حكم العسكر الحقيقي. ومثلما كان كمال أتاتورك ملهما لبكر صدقي كان عبد الناصر ملهما للعقيد عبد السلام عارف المفعم بالروح الطائفية والضابط الأشد تهورا في مجموعة الضباط العراقيين الاحرار منذ بداية ثورة تموز عام 1958.
ثم تحول العراق إلى حديقة للعسكر بعد ذلك حيث كانت انقلاباتهم العسكرية ثورات قومية ووطنية، ومن اجل فلسطين التي ضاعت تحت بساطيلهم، وبسبب حروبهم دفاعا عن الشعب تارة وعن الامة اخرى فما أسهل الإعلانات وما أصعب العمل الحقيقي. وكانت كل خطاباتهم مقدسة وعلى الجميع ان يسبّح بها؛ حتى أصبح الشعب واقفا كله في الاستعداد الصباحي والمسائي لتلقي الأوامر، والجميع يمينا ترصف. والويل كل الويل لمن يخالف النسق العسكري أو يعترض فإن ثمة عقوبات كثيرة بمواجهته تبدأ بالإعدام شنقا وتنتهي رميا بالرصاص في أغلب الأحيان.
هكذا هم العسكر حينما يخرجون من ثكناتهم وتتبدل مهماتهم. ولم يورث العسكر للأوطان إلا مزيدا من الدمار والخراب وضياع الحريات، أو الدخول في حروب خاسرة. ورغم ذلك فهم يقولون عن كلّ حماقة حربية وهزيمة عسكرية إنها كانت انتصارا للشعب والأمة وعلى ريق الأهداف الكبرى. ولو أردنا إمعان النظر في تلك الأهداف الكبرى والعظيمة نجدها لا تعدو ان تكون مجرد استمرار لأولئك الحكام في البقاء على كراسي الحكم ليس إلا وما على الجميع إلا ان يذعن لخطاب العسكر. وهاهم يعدون العقود في البقاء على كراسيهم ويحسبون أنفسهم أحيانا يحسنون صنعا. فلا تداول للسلطة ولا حريات ولا هم يحزنون. هكذا هم العسكر غير المهنيين الذين خرجوا من ثكناتهم وصاروا بين ليلة وضحاها سياسيين ورجال دولة.
وهاهو الإعلام الموهوم والموتور أحيانا من جديد يرى ان ثمة عودة ما لهذه الأشكال من الحكم العسكرتاري في العراق فما ان يتسقط خبرا هنا أوهناك حتى يبدأ بتضخيمه وتوزيعه على أنه (انقلاب عسكري) كل ذلك من اجل أبقاء الحال لدى تلك الأنظمة كما هو عليه فيورث الأبناء الآباء في الأنظمة المسماة جمهورية جزافا وما هي إلا إمارات يراد لها ان تكون وراثية في معايير دستورية هزيلة، وهي تثري من رحم القرون الوسطى دائما، أو يتحول الحكم إلى شخص من الأسرة الحاكمة في الأنظمة التقليدية المعروفة.
وربما يقف أمامنا عسكر موريتانيا الذين لم ولن يستطيعوا إزاحة السلطة الشرعية في تلك البلاد المغاربية عن موقعها، وهاهم يواجهون عزلة دولية مستمرة. لم يعد في العراق إمكانية عودة هذه الأشكال المتخلفة من الحكم واردة في حسابات القرن الحادي والعشرين وليس أمام هذه الأنظمة وإعلامها والتي تدعو للعسكرة كخلاص لها إلا ان تغادر مواقعها من اجل حرية شعوبها قبل ان تبطش بها هذه الشعوب إذا ما سنحت سانحة أو وجدت فرصة.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صاحب أكبر (خلوها سكته)
- لنتكاشف: أسئلة مابعد الحرائق
- أوباما: سراب العرب الأخير
- صقور (بيت أفيلح) الأخرانيين
- يوجد لدينا مختبر جديد لإبن الجزري؟!
- عرب عاربة وآمال خائبة وكباب بالساطور!
- ادعوكم للتوقف عن الكتابة!
- الزورخانيون .. وكلّ (24) يوما
- العراقيون رواية بوليسية طويلة
- الماركسية في عالم متغير
- تعالوا إلى زها محمد حديد
- تعددت السفن والطوفان واحد
- حديث إبن الرافدين: حساب عرب سياسي
- البحث عن قبعة نابليون
- المسيري: ثلمة في جدار قديم
- نادورام كوتشي
- وهم العالمية: بيس نفر
- حزن ما بعد المليون
- عمود طاجا / عمود تيراقا
- إلى كراج النهضة


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - عودة العسكر إلى العراق؟؟