أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رياض الأسدي - صقور (بيت أفيلح) الأخرانيين















المزيد.....

صقور (بيت أفيلح) الأخرانيين


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 09:22
المحور: كتابات ساخرة
    


بيت أفيلح، عراقيون، فقراء جدا، حدّ العظم، بدأوا يربون الصقور منذ زمن طويل بعد أن يئسوا من إيجاد مهنة أو صنعة تقيهم غائلة الجوع وضراوة العوز. وكان القحط يلازمهم منذ ستة آلاف عام رغم أن أرضهم معطاء والمياه وفيره، ورغم ذلك الضنك فإن صقور بيت افيلح بائسة مثلهم ولا تساوي حقّ تربيتها وتدريبها في تلك الظهيرات القاحلة، فمنها الأبقع والبهق والأبلق، ومنها الأسحم والرمادي الغامق، ومنها الذي يعضّ يد صاحبه.
أما ما يقال عن غلاء الصقور في الخليج -الآن- وثراء مربي الصقور هناك، فهو لا ينطبق أبدا على صقور بيت أفيلح، لأن صقورهم هي من أرداء الأنواع ومن أسوأ المناشيء: رعناء ذميمة لا تأكل إلا الفطائس. من الصعب أن تكون صقورا لكنها صقور صقور. وكانت الفاقة صفة ملازمة لبيت أفيلح منذ قيام الخليقة قبل ما يربو على الستة آلاف عام، على الرغم من أنهم كانوا يعدون نفوسهم من أغنى شعوب الأرض حيث توجد المياه الوفيرة والأرض الصالحة للزراعة والهواء المعتدل واخضرار لا نهاية له يغطي اكبر مساحة من الوطن.
وللتاريخ، ومن اجل الحقيقة وحدها لم يفهم بيت افيلح ماذا يعني الوطن؟ رغم أنهم جربوا الدفاع عنه وقضى بعضهم نزفا على السواتر الترابية؛ ودون أن يسألوا أنفسهم: لماذا يدافعون عن شيء غامض لم يمنحهم غير الفقر والمرض والجهل وسؤ الطالع؟ حقيقة لم يستطع بيت افيلح تفسير هذا الفقر التاريخي المبهم الذي لاحقهم على مدى ستة آلاف عام، وهم يسكنون أغنى منطقة في العالم منذ عهد الملك حمورابي صاحب المسلة العظيمة الذي يعني بلغتهم القديمة (حامي الرب) وحتى اكتشاف السيد البترول في بابا كركر قبل ثمانين عاما.
ثم صعبت الحياة على بيت افيلح في العقود الأخيرة، ولم تعد ذات قيمة قط ، فلا احد يمكنه بعد ذلك أن يقنعهم بثراء الوطن أبدا، لأنهم لم يلمسوا فلسا واحدا من هذا الثراء المزعوم يوما، وعلى مدى ستة آلاف عام، حتى يئسوا من بزوغ بارقة أمل واحدة تقيهم شرور فقر هذه الدنيا ولا جدوى العيش فيها. وهكذا أصبح بيت أفيلح مضرب المثل بين العربان والأعاجم والثولان والطرون بالحظ العاثر، وسواد الحظ ، وسؤ الطالع، والطالع النحس، والفشل الدائم في تغيير ولو جزء يسير من الفقر الغامر الذي يغرقون فيه؛ حتى أنهم بدأوا في العقود الأخيرة المفجعة من القرن الماضي يترحمون على حياة أجدادهم الاكديين والآشوريين والكلدان والسومريين والسوباريين القدماء ممن سكنوا الأهوار وعاشوا أيام الملاريا والبعوض والحرمس والجذام والسلّ ثم قضوا دون أن يعلم بهم أحد من العالمين.
وعلى الرغم من أن بيت أفيلح يسكنون أرضا خلاء بلاقع جرداء منذ بدء التاريخ- تاريخهم العتيد- بعيدا عن المدينة والمدنية وعموم المناطق الحضرية، أو أية قصبة تحتمل قليلا من التمدن، إلا أنهم رضوا بما قسمه الله لهم من البؤس التاريخي الذي لازمهم آلاف السنين . فبيت افيلح على أية حال - كما هم العديد من الأسر العراقية الافيلحية - لا يعلمون مدى الثروات المخبأة تحت أقدامهم من الذهب الأسود وكميات الغاز الطبيعي والفوسفات .. و..و.. والذي يتحسّر (الغرب) على وجود كمية قليلة منه في بلادهم. ولو قيل لهم أنهم من أكثر الأسر غنى على سطح الأرض بسبب الثروات المدفونة تحت دارهم لضحكوا بملء أشداقهم وعدوا هذا الأمر من مزح الناس التي تكلفوها في السنين الأخيرة.
مساكين بيت أفيلح لم يشبعوا من الخبز حتى وقت قريب، ولم يشبعوا من التمن الشتال والعنبر والشامية حتى أكلوا نخالة التمن (الدقة) التي تعطى للحيوانات عادة، وكذلك الذرة المسلوقة، رغم أنهم اخبروا أن ما كان يزرعه العباسيون أجدادهم -أيام زمان - من التمن في العراق كان كافيا لتغذيتهم وتصديره إلى البلدان المجاورة. كانت كلمة التمن خاصة ببيت افيلح فقط ولا يعرف معناها الأقارب والأباعد.
وقال بيت ألأفيلح بإزاء هذه المعلومة المعقدة حول الثروات المدفونة تحت اقدامهم: يمعود خذ من هذا الكلام ولا تصرّه! فلم يصدقوا ما قيل لهم طبعا. فقد طحن بيت أفيلح النخالة وأكلوا (الدقة الجريشية = بقايا التمن ووساخته) بدلا عن السيد التمن طوال سني الحصار زمن أفيلح الأعظم الاخير!!.. وبعد أن اخبروا ان (عمتنا) الولايات المتحدة الأميركية قد رفعت الحصار عن بيت أفيلح أخيرا، وضربت افيلح المصخم الأخير جلاق.. فرحوا، وصاحوا: إيييي! خلصت! لم يكن افيلح هذا منا ولا نحن منه بل إعرابي جاء من الصحراء وولى.. لكنهم لم يشبعوا من التمن أيضا، لأن الأخير كثيرا ما يتأخر عن السيدة الحصة. فأعظم انجاز تاريخي قدّم لبيت أفيلح هو وجود هذه الحصة التموينية القليلة العدس وخائسة الصابون والملعونة: لكنها والله لولاها لما بقي لبيت افيلح ذكر أبدا ولأصبحوا مثل الأقوام البائدة فشكرا للسيدة الحصة الجليلة وأطال الله في عمرها. ولذلك يظن بيت افيلح أن جميع دول العالم تقدم حصة إلى شعوبها بلا استثناء وهي أفضل من حصتنا حيث يتوفر فيها البيض والدجاج واللحم والبسكويت والباذنجان والشلغم الأكلة الرخيصة المفضلة بالنسب لهم.
أما عندما اخبر بيت أفيلح ذات يوم: أن تحت دارهم بئر نفط كبير، حقيقة وليس مزاحا، صرخوا: والله عمي كذب في كذب يريدون أن يهجّروننا من دارنا وبس!! وين نعطي وجونا! (بيت افيلح) الطيني الخرب المتهالك هذا يقبع على بئر نفط عظيمة بمقدار نيويورك؟ وسوف يستمر تدفقها حتى بعد نضوب جميع آبار العالم القريب والبعيد في هذا القرن؟ هذل مل قيل لهم ولم يصدقوا ذلك طبعا، وعدّوه واحدة من (التندرات) التي دأب العرب إلصاقها بهم نكاية بسؤ الطالع المحيق بهم فقد اعتادوا مزاحهم السمج في كلّ وقت وفي كلّ مرحلة بائسة؛ ولأن سؤ الطالع كان من الصفات التي طالما ألحقت بهم حتى أن كثيرا من الناس كانوا لا يحتكون ببيت أفيلح لاعتقادهم أنهم سينالهم شر ما، أو نحس تاريخي مكتوب منذ بداية كتابة ملحمة جدهم (أشنونا) الأول، وربما سيصابون بالنحس إذا ما أصبحت لهم ثمة علاقة اجتماعية ما ببيت أفيلح. ولأن بيت أفيلح يعتقدون كابرا عن كابر ومنذ زمن جدهم القديم كلكامش المشهور بملحمته الخالدة أنهم لن يفلحوا في الحياة أبدا؛ وما تسمية أفيلح هذه إلا تضادّ يراد به (اللافلاح واللانجاح) وقد أتقنته العرب منذ القدم. ثم قيل لهم: ثراؤكم الحقيقي بوجود جدكم جلجامش وانحداركم منه لأنه صاحب اغظم ملحمة عرفتها البشرية. فقالوا:
من يكون كلكامش هذا وحياة أبيك؟
من المعدان عمي!
وهل كان يربي الجاموس مثلا؟
إي!
إذا هو من ربعنا، خوش زلمه! شبعان حليب! وماكو حليب بالكمية هذه الأيام
كلكامش!
إي بويا شبيك (كلكك) وأمش عرفناه.. كأنه (كرمش)! اسم سهل! بل هو (كرمش) ونحن خففناه.
ولذلك كلّه مارس بيت أفيلح بسبب الفقر المدقع المصحوب بالتندر على الذات مهنة غريبة عن ما تمتهنه الأسر المجاورة لهم كتربية الدواجن أو الجاموس أو البقر أو تربية الحمام.. امتهنوا تربية الصقور للصيد بعد أن وجدوا بعض صغارها تحيط بحوشهم ذات يوم. من الصعب العناية بصقر على أية حال فكيف بعدد من الصقور؟ وكانت بعض صقور بيت افيلح من الغرابة بمكان حيث أن الصقور العادية تأتي بالصيد إلى صاحبها من الحمام أو الدعيجي أو طيور الماء إلا أن هذه الصقور المدربة بتعب مضن غالبا ما تأتي لبيت أفيلح بالحيات والعناكب الكبيرة والعقارب لتلقي بها على سطح المنزل الطيني المتهاوي. ترى أيّ نحس دائم يواجه بيت أفيلح؟!
يقول واحد من بيت افيلح: عمي! لو كان على الحيات والعقارب والعناكب لهان الأمر، لكن صقور بيت افيلح هذه الأيام تلقي على سطح الدار المفخخات والقنابل والعبوات الناسفة و(الأفكار الغريبة) ( والطلايب الجديدة) التي تمزق الناس وتجعل منهم شذر مذر؛ وهذه الأخيرة العن من سابقاتها جميعا.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوجد لدينا مختبر جديد لإبن الجزري؟!
- عرب عاربة وآمال خائبة وكباب بالساطور!
- ادعوكم للتوقف عن الكتابة!
- الزورخانيون .. وكلّ (24) يوما
- العراقيون رواية بوليسية طويلة
- الماركسية في عالم متغير
- تعالوا إلى زها محمد حديد
- تعددت السفن والطوفان واحد
- حديث إبن الرافدين: حساب عرب سياسي
- البحث عن قبعة نابليون
- المسيري: ثلمة في جدار قديم
- نادورام كوتشي
- وهم العالمية: بيس نفر
- حزن ما بعد المليون
- عمود طاجا / عمود تيراقا
- إلى كراج النهضة
- سبخة العرب
- العشرة المبشرون..!
- لماذا ننشر كتبنا هنا؟
- انهض أيها القرمطي


المزيد.....




- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رياض الأسدي - صقور (بيت أفيلح) الأخرانيين