العراق يبحث عن حلفاء

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 08:01
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

خلال الايام القليلة الماضية تم تداول مقترحين لشراكة عراقية إقليمية، ورغم إن تداول المقترحين تم بصيغة مستعجلة وشخصية، إلا إنهما يعبران عن هواجس حقيقية لها ما يبررها.
كان المقترح الاول طرحه مسؤول حكومي في محاضرة له في واشنطن وينص على تكوين منظومة إقليمية تشبه الاتحاد الاوربي، بينما طرح وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس خلال كلمة له في مؤتمر "حوار المنامة الاستراتيجي" ضم العراق الى مجلس التعاون الخليجي، وبينما إعتبرت الحكومة العراقية المقترح الاول مجرد رأي شخصي لا تتبناه كان الرد الخليجي برفض مقترح غيتس فوريا وكان الرفض على لسان عبد الرحمن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون حيث أرجع الرفض الى عدم جاهزية وفعالية مجلس التعاون لضم أعضاء جدد، فإنتهى كل شيء.
لكن الحقيقة الواضحة هي إن العراق يقف وحيدا في منطقة تعيش حالة من التحالفات القوية، سواء بالعلاقات العسكرية والامنية القائمة منذ عقود بين معظم دول المنطقة والولايات المتحدة كما هو الحال بالنسبة لتركيا والاردن ومصر واليمن ودول الخليج، وهناك أيضا التحالفات الاقليمية كالعلاقة بين إيران وسوريا والمنفتحة على شراكات مع كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
العراق يقف وحيدا منذ بداية تدهور المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي، صحيح إن العراق لم يكن جزءا من الكتلة الاشتراكية لكن حفظ أمنه ووجوده كان جزءا من توازنات الحرب الباردة ومع نهاية تلك الحرب أصبح أمن العراق كدولة في مهب الريح، وهو ما يثير مخاوف جدية حول مستقبل العراق وإستقراره.
القوات الامريكية موجودة في العراق لكن تبين إن ذلك لايكفي لتحقيق الاستقرار إذا لم يكن هناك تعاون إقليمي يصل الى حد الشراكة الستراتيجية، والامريكان إختبروا هذا الامر على الارض، ولم يجدوا بدا من فتح باب الحوار او ممارسة الضغوط على بعض بلدان الجوار لكن في نفس الوقت هناك حاجة الى الى حالة دائمة من التعاون خارج إطار المناورات والمشكلة إن أيا من المقترحين لا يمكن أن يتحول الى حل دائم واقعي لمشكلة حاجة العراق الى حلفاء ستراتيجيين، فتشكيل منظومة إقليمية في الشرق الاوسط على غرار الاتحاد الاوربي هو أمر بعيد المنال ولن يتجاوز كونه حلما، كما إن حجم وتركيبة سكان العراق وطبيعة نظامه السياسي وأوضاعه الامنية والاقتصادية كلها تحول دون إنضمام العراق الى مجلس التعاون الخليجي.
قد لا يفطن عدد كبير من الساسة العراقيين الى مدى حاجة العراق الى حلفاء ستراتيجيين لأن هؤلاء الساسة لا يفكرون حتى الآن بعقلية رجال الدولة، وهناك من الساسة أيضا من حدد بالفعل في ذهنه حليفا معينا لإقامة تحالف دائم معه تحت تأثير ميوله وعلاقاته السياسية وهو ينتظر الظروف المناسبة لإنضاج هذا التحالف وإخراجه الى العلن ومن غير المستبعد أن ينزلق العراق ليكون مجال نفوذ لدولة ما من دول الشرق الاوسط في ظل حالة التشرذم السياسي الداخلي وهشاشة مؤسسات الدولة العراقية.
بعد إنهيار الكتلة الاشتراكية لم تجد بلدان أوربا الشرقية حلا للفراغ الامني الذي يهددها إلا بالتعامل مع الولايات المتحدة كدولة حليفة يمكن أن تساعدها فيما بعد لإيجاد الظروف الداخلية والاقليمية للإنضمام الى الاتحاد الاوربي وحلف شمال الاطلسي "الناتو" لكن العقلية السياسية التقليدية في العراق ستنظر الى هذه الحالة من زاوية ضيقة ولن يكون هناك تساؤل عن سبب إنضمام تركيا مثلا الى حلف شمال الاطلسي منذ عقود ولا عن تمسك دولة مثل مصر بعلاقة ستراتيجية مع الولايات المتحدة وسيوضع الامر بين مفهومي المؤامرة والتبعية وكأن الدول تدار بالعواطف الطيبة.
لقد عارضت دول المنطقة بشدة وجود علاقة عسكرية وأمنية دائمة بين العراق والولايات المتحدة رغم إن تلك الدول تحتفظ بمثل تلك العلاقة لنفسها وتعتبرها خطا أحمر وقضية مصيرية، كما رفضت تلك الدول ضمان أمن العراق وهي في حالة إنتظار لما قد يحدث من تغير في موقف الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس الامريكي الجديد باراك أوباما، لتحاول مد نفوذها في العراق كبديل عن الوجود الامريكي.
وجود حليف قوي للعراق قضية مصيرية بحاجة الى بحث هادئ بين الاطراف السياسية العراقية بعيدا عن التشنجات العابرة والحسابات الضيقة.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل