ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2479 - 2008 / 11 / 28 - 07:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الواضح إن رئيس الوزراء بدأ منذ فترة بإطلاق النار "سياسيا وفعليا" في جميع الجهات وبدأ من حليفه المقرب الذي ساعده في الوصول الى موقوع رئاسة الوزراء وهو التيار الصدري وإنتهى الآن الى الاصطدام بآخر حلفائه السياسيين "المجلس الاعلى والتحالف الكردستاني" وهو أمر يدعو للتساؤل بجدية عن مصدر القوة الذي يمنح رئيس الوزراء الثقة للتخلي عن شركائه وحلفائه واحدا بعد الآخر دون خشية على مستقبله ومستقبل حزبه السياسي بل إنه لم يكترث بالانشقاق الذي أصاب حزبه بخروج الدكتور إبراهيم الجعفري ومؤيديه من حزب الدعوة وتشكيل تيار الاصلاح الوطني ولم يكلف المالكي نفسه عناء فتح باب للحوار مع المنشقين على الاقل في المنظور من التحركات.
لقد عاشت الحكومة أشهرا حرجة نتيجة الانسحابات منها لكن المالكي لم يبذل كثيرا من العناء لتقديم التنازلات والتطمينات للمنسحبين بل إنه إستفاد منها عبر تعزيز عدد الوزراء المستقلين في حكومته كما إنه نجح في تحييد وفصل بعض الوزراء عن كتلهم السياسية وأحزابهم، ولم يتأثر المالكي بإنسحاب جبهة التوافق ولم يهتم بمطالبها طوال ما يزيد على العام وعندما عادت التوافق الى الحكومة لم يكن المالكي جادا في تنفيذ طلباتها، بل إن رئيس الوزراء نوري المالكي شعر بالكثير من الحرية في غياب جبهة التوافق وصار صنع القرارات أسهل بالنسبة له، والاهم من ذلك إن الامريكان لم يضغطوا عليه جديا لتلبية مطالب التوافق التي يمثل غيابها رسالة إقليمية وعالمية سيئة عن حضور المكونات العراقية في مركز صنع القرار.
يبدو المالكي اليوم من الناحية السياسية وحيدا لا يسانده في السلطة البرلمانية إلا عدد قليل من أعضاء حزبه، لكن يبدو إنه إكتشف عدم قدرة هذه السلطة للضغط عليه أو تغييره، وإنها عاجزة عن إنتاج تحالف يطرح بديلا عن حكومة المالكي، كما إن رئيس الوزراء عزز قوته من خلال إدارته للملف الامني وعلاقته المباشرة بالقيادات الامنية والعسكرية المستقلة سياسيا على الاغلب وتمكن عبر السنوات القليلة الماضية من تجميد ومحاصرة القيادات الامنية والعسكرية التي تتناقض معه، كما إن رئيس الوزراء إكتشف نقطة ضعف حزبه في الساحة السياسية وهي عدم إمتلاكه لجناح عسكري أو مليشيا ولذلك إتجه الى بناء تشكيلات الاسناد مستفيدا من تذمر بعض شيوخ العشائر وإهمالهم في النظام السياسي الجديد ومن ثم الحاجة إليهم في الملف الامني، كما إن تحقيق بعض التحسن الامني في البلاد ساهم في حصول المالكي على شيء من الشعبية لكن في نفس الوقت هناك غضب شعبي من تردي الخدمات والفوضى الادارية لكن المالكي إستغل هذه النقاط لمهاجمة سلطات المحافظات والنظام الاداري وعلاقة المحافظات بالحكومة الاتحادية وهو بذلك دغدغ المخيلة السياسية الشعبية التي تبحث دائما عن رجل واحد قوي يمسك بزمام الامور مع تمني عدل هذا الفرد لكن مع ذلك لا يمكن إكتشاف مصدر أو مصادر قوة المالكي في المجال السياسي العراقي الداخلي فقط.
إنطلاق رئيس الوزراء نوري المالكي في خوض مواجهات مفتوحة مع خصومه وحلفائه بدأت تحديدا بعد لقائه بالرئيس الامريكي جورج بوش في البحر الميت بالاردن، فمنذ ذلك الوقت توقف الحديث الامريكي عن الحوار مع البعثيين وإتجه الامريكان الى البحث عن قيادات بديلة في المكون السني وأنتج الامريكان تشكيلات الصحوات التي منحت المالكي رأس الخيط لفكرة الاعتماد على العشائر لتحل بديلا عن تحالفه مع الصدريين، كما إن الامريكان بعد لقاء البحر الميت خففوا الضغط عن رئيس الوزراء كما قلصوا دعمهم لحلفائهم التقليديين في العراق ومنحوا المالكي دورا أكبر في إدارة الملف الامني بعدما إشتكى أكثر من مرة ضعف صلاحياته الامنية.
مواجهات المالكي مع الصدريين أبعدته عن التوصيف الطائفي في دول الجوار والتي بضغط أمريكي باشرت بتحسين العلاقات مع العراق ليكون المالكي نقطة لقاء بين الولايات المتحدة ودول المنطقة في الداخل العراقي بعد خلاف قاس بين الطرفين على مجريات العملية السياسية العراقية ونتائجها، كما إن الامريكان ودول المنطقة خففوا الحديث عن المصالحة الوطنية العراقية وما تعنيه من عودة لبعض البعثيين للمراكز المهمة في الدولة وترك ملف المصالحة لإدارة المالكي وهو ما قاد الى مزيد من قوة للمالكي في الاجهزة الامنية عبر إمساكه بقناة الاعادة الى الخدمة.
المالكي يمسك اليوم بعدد من مفاتيح القوة في الداخل العراقي منها مجالس الاسناد وعلاقته بالقيادات الامنية وفشل إدارات المحافظات وتشرذم القوى السياسية العراقية، كما يمتلك المالكي عناصر قوة عند الامريكان الذين يبحثون عن طرف رسمي عراقي مستعد لإستلام الوضع في البلاد والقيام بكل ما يلزم لحفظ تماسك البلاد ولا يتردد في إستخدام القوة حتى ضد المقربين منه كما إن دول المنطقة لن تتردد في دعم عودة صورة "الرجل القوي" الى العراق بما يثبت دعايتها عن عدم إستعداد المنطقة للديمقراطية الامريكية.
برزت في فترات متفاوتة أخبار وتسريبات ومخاوف وتهديدات عن إنقلاب في العراق وكانت المؤشرات تقود الى شخص أو أثنين ممن يمكنهم تنفيذ ذلك الانقلاب وغالبا ما ترك تحديد شخصية قائد الانقلاب غامضا لكن من الناحية العملية هناك شخص واحد فقط بإمكانه تنفيذ الانقلاب هو رئيس الوزراء نفسه.
عودة نظام الحكم الفردي خطر حقيقي يداهم العراق نتيجة لعدم صلابة المؤسسات الدستورية وتفكك المشهد السياسي وبغض النظر عمن سيقوم بالانقلاب يبقى الانقلاب أمرا ممكنا في العراق وقد يكون برعاية أمريكية وإقليمية وبقبول شعبي والطريقة الوحيدة لتجنب هذا الامر في الوقت الراهن سيكون عبر تجنب القوى السياسية المختلفة الدخول في حالة إصطدام مع رئيس الوزراء ليس الحالي فقط بل والقادم أيضا حتى تستقر العملية السياسية ويكتشف المواطن العراقي إيجابيات الديمقراطية بعد أن دفع لسنوات ثمن بنائها الذي ما زال هشا.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟