مفارقة إنتخابات المحافظات

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 2413 - 2008 / 9 / 23 - 05:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تشريع قانون إنتخابات مجالس المحافظات أخذ منحى لم يكن يتوقعه أحد، فبينما كانت الانظار تتجه الى حزمة من القضايا والمشاكل التي يمكن أن تعيق تشريع القانون لم يكن موضوع كركوك يحتل الحيز الاكبر من الاهتمام ولكن بشطحة برلمانية صارت إنتخابات مجالس المحافظات مجرد موضوع يقع على هامش قضية كركوك وليس العكس وإرتبط مصير مجالس المحافظات وقانونها بالقدرة على تفكيك أزمة كركوك أو تأجيلها الى حين.
وإذا كانت مجموعة 22 تموز هي التي دفعت بقانون المحافظات الى منحنى كركوك الحرج فإن جزءا من مسؤولية هذا المنحنى يتحملها أولئك الذين عطلوا تنفيذ المادة 140 أو تساهلوا وتكاسلوا في تنفيذها كما يتحمل جزء مهم من المسؤولية أولئك الذين إبتكروا صيغة الصفقة في تمرير التشريعات حيث تمرر حزمة من القوانين في تصويت واحد لكي يضمن كل طرف تحقيق ما يريده في مناخ إنعدام الثقة الذي يسيطر على التعامل السياسي في العراق، ففطنت مجموعة 22 تموز الى هذه التقنية ورغم إن موضوع قانون الانتخابات كان مطروحا لوحده فإن المجموعة إشتقت منه موضوع كركوك ليهيمن هذا الموضوع وتكون له الاولوية في مفارقة غريبة.
حجم مجموعة 22 تموز وتنوع مكوناتها يثيران الانتباه الى الدوافع التي تقف وراء هذه الظاهرة النادرة من التكتل السياسي في العراق خاصة عندما نستحضر حجم الاختلاف ومسافة التباعد بين مكونات المجموعة وكذلك عند إستحضار تاريخ العلاقة بين مكونات هذه المجموعة لنكتشف إن أيا من فصائل هذه المجموعة لم تلتق في قضية سابقا كما إن حالات التشنج والصراع والتضاد هي المسيطرة على علاقاتها ببعضها البعض.
ومع كل ما يفرق بين مكونات مجموعة 22 تموز فإن ما يجمع بينها على ضآلته فهو أخطر مما يفرق بينها وعامل الجمع هو موقفها الستراتيجي من العملية السياسية والآليات الدستورية والديمقراطية التي أنتجت النظام السياسي، فرغم وجود مكونات هذه المجموعة في المؤسسة السياسية إلا إن هذا الوجود جاء ليس إيمانا بشرعيتها أو إعترافا بآلياتها وإنما نتيجة للرغبة بالحصول على مكاسب العملية السياسية والعمل من داخلها على إنتهاز أي فرصة للإنقضاض على هذه العملية وهو أمر لم تخفه هذه القوى منذ البداية ولم تتردد في التعبير عنه، بل إنها تورطت أكثر من مرة وبصيغ مختلفة في إضعاف مؤسسات الدولة ومهاجمتها والتحريض ضدها وقد كان منحنى كركوك في قانون الانتخابات هو أخطر خطوة سلكتها مكونات 22 تموز لأنها لقت هوى عند بعض المقربين من دائرة السلطة الذين لا يؤمنون بفكرة الفيدرالية رغم إيمانهم بالعملية السياسية ودفاعهم عنها لكن فكرهم السياسي لم يهضم يوما الفيدرالية لذلك وجدوا أنفسهم في موقف صعب هو في نفس الوقت فرصة، موقف لتحديد أولوياتهم السياسية وتحالفاتهم وفرصة لتأكيد معتقداتهم الحزبية، ولأن التصويت أجري بصورة سرية تغلبت المعتقدات على التحالفات.
أثناء الحوارات والجدل الذي أحاط بقانون إنتخابات مجالس المحافظات يبدو إن جماعة 22 تموز أدركت إنها تمتلك مفتاحا مهما لتنفيذ مآربها، لذلك غيرت مكوناتها المواقف السابقة التي تبنتها للتعجيل بإنجاز قانون الانتخابات وراحت تماطل وتراوغ بهدف تعطيل الانتخابات لأنها إكتشفت إن عدم إجراء الانتخابات سيؤدي الى خلل دستوري وفراغ إداري حيث تفقد مجالس المحافظات القائمة شرعيتها أو جزءا مهما من شرعيتها مما يفتح المجال للقوى الكامنة للظهور على قدم المساواة مع مجالس المحافظات وبشكل يتيح لها التدخل في عمل المؤسسات الرسمية، كما إن تحالف القوى الحاكمة سيتعرض لهزة ثقة عنيفة بما يؤثر على إستمراره وبالتالي تتشرذم القوى التي تصر على التمسك بالدستور، ويبدو إن هذا السيناريو يلقى هوى عند بعض الموجودين في حلقة السلطة ليس فقط لأنهم لا يؤمنون بالفيدرالية ولكن أيضا لأن المجال سيكون مفتوحا أمامهم لتوسيع سلطتهم والتدخل في إدارات المحافظات التي يشعرون إنها تمتلك قدرا كبيرا وغير ضروري من التحرر في إدارة شؤونها، أليس مفارقة أن تتقاطع كل هذه المصالح في قانون ذي طبيعة إجرائية؟!.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل