أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - تلصّصٌ على بيتِ شاعر














المزيد.....

تلصّصٌ على بيتِ شاعر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2470 - 2008 / 11 / 19 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


قال محمد عبد الوهاب، الموسيقارُ المصريّ الذي عزَّ نظيرُه: أحبُّ أن أتركَ غرفتي في حالٍ من الفوضى عارمة: البيجاما تحت الكرسي، الشبشب فوق السرير، الملاءة مشعبطة في الدولاب، فإذا عدتُ وجدتُ كلَّ شيء مرتبا ونظيفا، شعرتُ بالفرح، إذْ ما المتعةُ في أن تتركَ بيتكَ منظمَا، أو شبهَ منظمٍ، وتعود فتجده منظما! هذه روح الفنان التي لا تقبل إلا الانقلابات الجذريّة، من أقصى السالب إلى أقصى الموجب، (ربما العكس؟)، فليست كلُّ الفوضى سالبا، لا سيما لفنان. فمعظم الفنانين يفزعهم الترتيب. لأن النظامَ قانونٌ، والفنُّ ضدٌّ لكلِّ قانون، وهادمٌ لكل نَسَق، وإلا كان تقليدا ونقلا واتبّاعا.
التلصصُ على بيوت الفنانين والشعراء والفلاسفة أمرٌّ مثير. كيف يا ترى كانت بيوتُ أفذاذٍ مثل بيتهوفن، ماركس، المتنبي، أوسكار وايلد، سلفادور دالي، أو ملاعينَ فرائدَ مثل هتلر، ماتيس، ماركي دو ساد، الأصمعي؟ "ليت للقرّاء عينا" لنتلصص عليهم عبر نوافذهم المُسْدلة! ليت لنا عينَ بودلير تلك التي ترى ما وراء نافذة مغلقة تضيئها شمعةٌ وحيدة أكثر مما تراه عبر نافذة مفتوحة. فالذي تشاهده بوضوح في الخارج تحت وهج الشمس أقلُّ دهشةً وجمالا من ظلالٍ تخايلك من وراء نافذة خافتة الضوء. والله معه حق بودلير. فالإعتامُ والغموضُ والخَباءُ يجعلُ الخيالَ يشطحُ ويفتح آفاقا لا تحدّها سماء. مثلما خيال الكفيف أقوى منه عند المبصر، الذي تعطله ألافُ التراكمات البصرية المنطقية وتثقل ذاكرته. لندعْ بودلير في حاله، ولنعدْ إلى تلصصنا.
لَكَمْ هو محظوظٌ هذا الذي قُدِّر له أن يدخل بيتيْ اثنين من قاماتنا الفكرية الكبرى. خصمان كبيران وعظيمان. طه حسين، والعقّاد. يحكي أنيس منصور في كتابه "في صالون العقاد، كانت لنا أيام"، أن بيت طه حسين بالزمالك جعلته الزوجةُ الفرنسية خافتَ الضوء يسبحُ في الظلال، مغلقَ النوافذ، شديدَ الترتيب، كلُّ شيء في مكانه، بما يوحي أن كثيرين يأهلون هذا المكان: أحدُهم وضعَ الورودَ في الفازة، وآخرُ أسدلَ الستائر، وثالثٌ بسطَ السجاجيد في موقعها بدقة. فيما بيتُ العقاد بمصر الجديدة، على نقيضٍ من كلِّ ذلك، يرفلُ في الفوضى. نوافذُ مشرعةٌ كأنه مهجور. لا شيء في محلّه سوى الكتب. حتى أفكار سارتر كانت ملقاةً بإهمال على السرير، (هل نكايةً في وجوديته التي رفضها العقاد؟). كلا البيتين نقيضٌ لصاحبه. بيتُ طه حسين ذو النوافذ المغلقة لا يشبه صاحبَه ذا الأفق المنفتح على كل تيارات التجديد. الترتيبُ المنمّقُ يناقضُ عقلَ رجلٍ هشَّمَ كلَّ قالبٍ ودقّقَ كلَّ مُسلَّمة. ومَنْ في جسارته حين ألقى في وجه العالم كتابا مثل "في الشعر الجاهليّ" بكل ما فيه من تَحَدٍّ لا يشبهه إلا تحدي جاليليو حين أعلن دورانَ الأرض حول الشمس، فأهدرتْ دمَه الكنيسةُ؟! وفي المقابل، فوضى بيت العقاد لا تشبه عقلَه الأجروميّ المنظَّم الرافضَ التجديدَ، التوّاقَ للأطر والثوابت الأصولية الرصينة.
أما قسطنطين كفافيس، الشاعرُ الإغريقيّ السكندري، فبوسعنا الآن التلصصُ على بيته بحريّة تامة. هناك في 4 ش ليبسيوس بمحطة الرمل بالإسكندرية. لكنه تلصصٌ غيرُ مثير. فالبيتُ، بغرفه السبع وردهته الطويلة ومكتبه ومكتبته، منظمٌ جدا وأنيقٌ بما لا يليق بشاعر. ذاك أن فوضى الشاعرِ، قد ولّت معه.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنجان نسكافيه لكل متهم
- تعالوا نركب عَجَل!
- شيءٌ من -الحبِّ- و-العدل- يا -حبيب العادلي-!
- اِرجعْ للخلفِ قليلا حتى ترى
- وجهُكِ الذي يغيبُ من شباك الفصل
- مسيحي -بس- طيب!
- فنجانُ الشاي العُنصريُّ
- هذه ليست كُرَة، إنها صديقي!
- اللعنةُ تريدُ أن تضحك
- طبلةُ المسحراتي
- أخافُ اللونَ الأبيض
- هَدْمُ الأهرامات
- عزيزي أنيس منصور.. شكراً
- إلا درويش يا صهيون!
- طار إلى حيث ريتا!
- لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي
- العادات الشعبية بين السحر والخرافة
- تأنيث العالم في رواية ميس إيجب. من الذي قتل مصر الجميلة؟
- على باب فيروز
- شجرةُ البون بون


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - تلصّصٌ على بيتِ شاعر