أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - لحظة فقد ذاكرته














المزيد.....

لحظة فقد ذاكرته


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 05:01
المحور: الادب والفن
    


[بقيادة الحزن الوسيم/بقيادة الحزن الأطول قامة من أعاصير الجبال/والأوسع عيناً من الجحيم / والأثقب نظراً من الوحدة/بلغت أوج هذا الزمن..]..(شيركو بي كه س)
***
لامت نفسها واعتبرت تأخيره جريرة اقترفتها،يتوجب القيام بما يصلح خطئها،ناضلت كثيراً لإسكات طفلها،قبل أن تتدحرج إلى ظلام الزقاق،لم تأبه لظلال أجساد تتلصص من وراء ستر النوافذ والأبواب،تناهت لسمعها دقات الساعة الكبيرة في الطرف الآخر من المدينة،أنبأتها بأن يوماً ولّى ويوماً جديداً قد طرق أبواب العالم،في عمق السوق،الدكاكين مقفلة،الإسفلت يخلد للسكون،إلاّ مقهى(جلبلاء)الكبيرة،ثمة أنفار في لواحق أيامهم،تحيط بهم هالات دخانية متحركة،ينكبّون على أحجار النرد والدومينو،لمحت بطرف بصرها النادل لحظة أسقط من يديه قدحاً وراح يغسلها بنظرة ذات مغزى،شعرت بوخزتها،أرعشتها وارتبكت خطواتها،لم تفلح في قبر علامات الهلع،وجدت ذلك أشبه بالمستحيل،فالليل في مدينة(جلبلاء)كيان يرفض التفاسير الخاطئة و الاحتمالات الافتراضية،يرسم شبهات من الصعب كسر أطواقها وإلغاء ما يتفشى من صخبها،مرقت بالقرب من حلقة شباب،على سياج جسر السوق يجلسون،أخرست ثرثراتهم،اقتنصت تحفزاتهم للفت نظرها،توقفهم عن الكلام بغتة كثّف من تموجات الخوف فيها،قرصت الطفل في محاولة لإخماد كل محاولة من جانبهم،كان طفلها غائباً في نومٍ مترجرج،لم تحركه قرصتها،عند مكان وقوف المركبات الليلية للمسافرين،على الشارع الرئيس،لمحت عربة بيع المأكولات السريعة يتجمع حولها حفنة جنود،لم تتجرأ الدنو منهم،استدارت وعادت إلى المنزل خائبة خائرة،رفض الندم إذلالها أو العطف عليها وإخماد ما يتنامى فيها من هلع،ما بين لحظة وأخرى تهرع إلى النافذة،تحرك بتلصص الستائر،لا شيء سوى ظلام متكاثف،وظلال أجساد تتحرك خلف ستائر نوافذ بيوت الجيران..
***
لحظة تدحرجت كرة الشمس إلى الأفق،اندفعت إلى الباب،اصطدمت بشرطي يافع قال لها :
ـ أهذا منزله..
عاجزة عن الكلام هزت رأسها،دارت الأشياء من حولها،لم تحتمل أكثر مما احتملت،تناولت طفلها،لبست عباءتها وانطلقت إليه،متقهقراً،ضامراً،في زاوية بائسة ينظر بغرابة،يلوح كممسوس عقر لسانه..انحدرت دموعها..قالت والعبرة تخنقها :
ـ ماذا حصل يا رجل..
لم تحرك فيه ساكناً،كان مأخوذاً،ينحت بصره في شيءٍ لا يريد أن يزول،عجزت أن تذكي حواراً ينسف جبال الأسى فيها،دفعها الشرطي واغلق الباب..
***
قال لها الضابط :
ـ وضعه يرثى له،كل شيء بمشيئة الله..
تمتمت :
ـ الناس يعرفونه،كل الناس،تنتابه الحالة دورياً وتضعنا في متاعب..
قال :
ـ القانون فوق كل شيء،القانون لا يسمح بالمداخلات..
***
قالت :
ـ أنا أرسلته،كان طفلي جائعاً،أرسلته بعد الأصيل لجلب علبة حليب له..
ـ حجتك واهية يا امرأة..
ـ زوجي بريء،لا يمكن أن يرتكب هفوة،الناس يعرفونه،لا يتجرأ على قتل ذبابة..
أشار قاضي التحقيق دون أن يرفع رأسه،فأخرجوها عنوة..
***
قال الرجل المعمم :
ـ القضية واضحة وضوح الشمس،لا تبطلها الحجج،رجل في المسجد،بعد منتصف الليل،حاول أن يتسلق الباب ليلوذ بالفرار فأخفق لحظة أدركته..
***
ساموه سوء العذاب،ظل كالحجر لا ينطق،لا يرف له جفن،ويوم تدخل الطبيب الشرعي،أكد بما لا شك فيه أن أزمته فوق مستوى معلوماته..
***
قال شاهد عيان:
ـ لحظة تهيأت لأداء صلاة المغرب،سبقني ودخل إلى دورة المياه،انتظرت بعض الوقت،حتى ضقت ذرعاً،كدت أنقر الباب عليه،إقامة الصلاة أجبرتني أن أؤجل قضيّتي،توضأت وهرعت لأداء فريضتي..
***
شاهد العيان أكد بأنه يؤدي فرائضه الخمس في المسجد،وأكد بما لا شك فيه أنه لم يلمحه سابقاً داخل المسجد،لم يستغرب فالمسجد يرتاده الناس سواء لأداء فرائضهم أو لقضاء حاجاتهم،أنه عاد لأداء فريضة العشاء فوجد الباب مقفلاً،لم يخطر بذهنه شيء حوله،دخل إلى مكانٍ آخر،أنهى حاجته وذهب لأداء فريضته..قال:
ـ ليس من باب العجب ولا من دواعي الغرابة،أن أشغل نفسي بشيءٍ عادي،فالأبواب تفتح وتقفل والداخلون أفواجاً،أفواجا،يتقاطرون لقضاء حاجاتهم،لا أعرف إن كان هو نفسه أم غيره،شيء لا يعنيني،دورات المياه مشغولة طيلة النهار،شيء واحد لا يغيب عن ناظري،لحظة أزاحني وسبقني رغم أن الدور كان لي،استغربت ولعنت الشيطان،تجنبته لأنه كان يحاور نفسه..
***
قال رجل ممن له سابق معرفة به :
ـ قبل الغروب بقليل التقيته كان يجوب الأزقة،حالة ليست غريبة علينا،نعرفه،تلك عادة يكررها في فترات متفاوتة،اصطدمت به في زقاق آخر،ثم في السوق،كما كان يحدث في تلك الفترات،كان يهز رأسه،يحاور نفسه،لمحته في المرة الرابعة يتجه نحو المسجد..
***
ظلت القضية تنمو من لسان للسان،تتأول وفق اشتططات النفوس وأهواء الرؤوس،كل من هب ودب،إن كانت القضية تعنيه أو لا تعنيه يدلي بدلوه،لا يهمه إن أصاب أو أخطأ،المهم شارك في الوليمة الكبرى،الناس والقانون سلكوا طريق المتاهات،فحادت بهم عن جوهر الحقيقة المرة،تلك هي مفاجآت القدر وحظوظ اليائسين،أنه خرج بعد الأصيل إلى السوق،كان عليه أن يخرج،صراخ الطفل وثورة زوجته العارمة بوجهه وخيباته الماضية استحالت إلى حراب نهشته،تعفف أن يبوح لها بفراغ جيوبه،صال وجال في الأزقة،طرق أبواب السماء،طرق أبواب الحظ،وصل إلى السوق،أعياه السير،شعر بغثيان وتقلبات في جوفه،وجد نفسه في المسجد،دخل دورة المياه،هناك شعر براحة تسكنه،راحة أبدية تغمره،غفت ذاكرته ونسى العالم..!!
***
لحظة أنتصف الليل استفاق من غيبوبته،ظل في فراغٍ يسعى،بحث عن مسلك،أصطدم ببابٍ كبير ظلّ يطرقه بجنون،قرر أن يتسلقه،شعر بشيءٍ ثقيل ثقل العالم يهبط من الأبدية على أم رأسه..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا كاتب تلك القصة
- في حدثين منفصلين
- حفيد العاشق محروس
- مضت ساعات الندم
- براءة اكتشاف..البرلمانيون لا يقرؤون
- صبر العراقي..أيّوبي
- الجنود لا يتحركون ليلاً
- هل قلت شعرا
- ولد روائياً
- ثغرها على منديل//قصة قصيرة//
- يوم أغتالوا الجسر //قصة قصيرة//
- سراب..أو..ترنيمة لغزالة القلب//قصة قصيرة//
- كلب الأمبراطور وقصص أخرى
- الرقيب الداخلي
- من أجل صورة زفاف//مسرحية//المشهد الأول
- من أجل صورة زفاف//المشهد الثاني//
- من أجل صورة زفاف//المشهد الثالث//
- من أجل صورة زفاف//المشهد الرابع//
- من أجل صورة زفاف//المشهد الخامس والأخير//
- هل لي أن أتكلم قليلاً بوضوح


المزيد.....




- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - لحظة فقد ذاكرته