أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سهر العامري - شباط : الماضي والحاضر !















المزيد.....

شباط : الماضي والحاضر !


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 751 - 2004 / 2 / 21 - 09:02
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 حين سقط بطل الوطنية ، عبد الكريم قاسم صريعا في مثل هذا الشهر من عام 1963م المشؤوم ، كنت انا ومن على شاكلتي صغارا ، لم تتخطَ أعمارنا بعد الخامسة عشرة من العمر ، لكننا نحن الصغار أدركنا أن الخير الذي هبط على العراق سيرحل برحيله،  وأن الشر سينزل بالعراق كله ، هذا ما جعل صبيحة الجمعة ، المصادف لليوم الثامن من شباط الأسود صبيحة ذهول وحزن وغم نزلت في النفوس ، واستبدت كمدا في القلوب .
لقد بكت نساء العراق عبد الكريم قاسم في الشوارع ، وطافت المظاهرات في اكثر من مدينة ، وعمّ الرفض لانقلابي القطار الامريكي أهوار العراق وجباله ، وكنت أنا واحد من هؤلاء الصغار ، ومن هذه الملايين الحزانى ، والتي لم يكتفِ الكثير منها بنفث الآهات ، بل اندفع هذا البعض لشجب هذا الانقلاب والانقلابين ، وكل على طريقته .
في صبيحة الجمعة تلك دخلت أنا مركز للشرطة ، إذ لم يكن أمامي غيره ، فكل دوائر الدولة تعطل في يوم الجمعة ، أخذت منه ورق الكاربون ، بغيتي ، وعدت الى الدار مسرعا .
في المساء ، وفي بيت صديق ، أنجزنا نحن احتجاجنا ، رغم أن بعض أعضاء المجموعة ، وكنت أنا من بينهم ، وفي سن الثالثة عشرة من العمر ، قد تعرض للاعتقال أواخر أيام الزعيم بتهمة الشيوعية !! كان الاحتجاج مئات النشرات التي تشجب سلب مقدرات ثورة الرابع عشر من تموز ، وقتل الزعيم عبد الكريم قاسم ، وكنت أنا كاتب النص :
( الوعي الوطني في مدينتكم يستنكر أشد الاستنكار التلاعب بمقدرات ثورة الرابع عشر من تموز ، ومقتل زعيمها الفذ عبد الكريم . التوقيع : الوعي الوطني الديمقراطي.)
حين هبطت الساعة السابعة من مساء يوم الانقلاب الأسود كانت المناشير قد غطت جميع الشوارع والدور ، ودوائر الدولة ، وقد استهدفنا بشكل خاص بيوت نفر من البعثيين .
بساعة واحدة مزقنا الخوف الذي أراد بيان 13 أن ينزله بشعبنا الأبي ، والذي يميز بسطاء الناس فيه بين من هو الوطني ، ومن هو الذي يعيش على فتات الأجنبي . لقد كانت اذاعة الانقلابين من بغداد ، وعلانية ، تتغنى بالموت : اقتلوهم حيثما وجدتموهم ! هكذا كانت المسعورة هناء العمري تردد من راديو الانقلابين .
لقد كان لعملنا هذا أكبر الأثر في نفوس الناس ، حيث تجلى ذلك في موقف المفوض حياوي الذي يقود أنفارا من الشرطة ، تحرس مجموعتنا ، وذلك حين تُنقل من السجن الى قاعة المحكمة للمثول أمام الحاكم العسكري المعين للمنطقة الجنوبية : عبد الجبار محيسن، بعد أن تعب الحاكم العسكري ، رشيد مصلح ، على ما يبدو ، من اصدار أحكام الموت في العراق قاطبة ، فاختص باصدار أحكامه على الناس في المنطقة الوسطي .
لقد أقسم لي حياوي باغلظ الايمان ، وأنا أجلس الى جانبه في مقعد السيارة التي أعادتنا الى السجن ثانية ، أقسم وبصوت خفيض من أنني لو كنت قد أخبرته مسبقا بأننا سنقوم بتوزيع مناشير تشجب انقلاب القطار الامريكي لأمر هو شرطة المدينة بعدم إزالة تلك المناشير من الشوارع ، وأعمدة الكهرباء ، وواجهات الدكاكين والبيوت.لكنني ساعتها لم أحمل كلامه على محمل الجد ، فهو ذاته الذي اعتقلني آواخر أيام عبد الكريم قاسم وعمري لم يذرف بعد على الثالثة عشرة ، وبتهمة هي أنني مرشح لعضوية الحزب الشيوعي .
ويبدو أن عملنا هذا ظل ُيذكر كل مسؤول شرطة ينزل مدينتا ، فقد رحل المفوض حياوي عنها ، وحلّ محله معاون الشرطة الملقب : أبو ثائر ، وفي مساء من يوم من أيام عهد عارف الأول ، وبينما كنا نحن : أنا واثنان من ذات المجموعة ، نسبح في نهر قريب من دائرة الشرطة صرخ فينا ثلاثة عناصر من عناصر شرطة تلك الدائرة ، وطلبوا منا مرافقتهم ، فقد أمر مأمور تلك الدائرة باعتقالنا ، وكان هذا رابع أعتقال لنا ، وحين اقتربنا من تلك الدائرة سأل المعاون ، أبو ثائر ، ومن على بعد : من يكون هؤلاء؟  فقال أحد أفراد الشرطة المرافقين لنا ، واسمه موسى : هذا فلان وفلان وفلان!  فقال المعاون على عجل : اتركوهم ، اتركوهم هؤلاء اخوة نزيهة . دخلاتهم للسجون أكثر من طلعاتهم ! مع أننا لم نر وجه معاون الشرطة هذا أبدا من قبل ! وكان هو يقصد بنزيهة وزيرة البلديات في عهد عبد الكريم قاسم ، وعضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي .
وها هي ذكرى شباط الأسود تمر علينا ، وها هو عبد الكريم قاسم صورا تملأ المحلات والمقاهي من جديد ، ويزين اسمه ساحة هنا ، وساحة هناك ، وتترحم الناس على روحه الطاهرة ، مستذكرة فيه الوطنية الحقة ، والاخلاص للوطن والناس ، فقد حدثني صديق عائد من العراق بأنه دخل مطعما من المطاعم فوجد صورة الزعيم عبد الكريم قاسم مرتفعة فيه ، فترحم عليه ، فما كان من جميع رواد المطعم الحاضرين وقتها إلا أن ترحموا عليه كما ترحم هو .
إن الذي حفظ حب الزعيم عبد الكريم في قلوب الناس في العراق هو وطنيته التي لم يساوم عليها ، ونزاهته التي أفزعت المقبورين والاحياء من أعدائه ، واخلاصه وتفانيه في خدمة العراق والعراقيين ، فقد سأله صحفي أجنبي مرة ، وهو يعقد مؤتمرا صحفيا في وزارة الدفاع : متى تتزوج ؟ فرد على الفور : حين لا تكون هناك صريفة ( كوخ) على وجه أرض العراق .
لقد قام الزعيم عبد الكريم قاسم وحكومته ، وأخص بالذكر هنا وزيرة البلديات في زمنه، الدكتور نزيهة الدليمي ، باعمال جليلة ، خدم فيها العراق والعراقيين ، فقد عرفت قرى ومدن كثيرة في عهده الكهرباء ، والماء الصحي ، والسيارة ، والمدارس ، والمستوصفات والمستشفيات وغيرها الكثير.هذه الاعمال هي التي جعلت عدوه المقبور أحمد حسن البكر يقول : من أين كان عبد الكريم قاسم يأتي بالأموال ليبني بها كل هذه المشاريع ! وهي ذاتها التي حفظت له هذا الذكر الطيب في قلوب الملايين من العراقيين .
فهل من العدل أن يُكرم مجلس الحكم الحالي عبد الرزاق النايف أولا ، ثم يُكرم عبد الكريم ثانيا ؟ فالنايف كان يهدد بحرق بغداد ، شأنه في ذلك شأن صنوه ، صدام حسين،  الذي حمله هو الى قمة السلطة في انقلاب 17 تموز الأسود ، حين قال : إنه سيسلم العراق أرضا دون شعب ! والعراقيون يعتبرون النايف باشراكه صداما في ذلك الانقلاب الأسود مساهما في كل الجرائم والمآسي التي نزلت في العراق ، تلك الجرائم التي أطالت كل فرد فيه .
كان المفترض باعضاء مجلس الحكم أن يخضعوا الشخص المكرم لمعايير تبتعد عن العلاقات الشخصية ، وتجرد من دوافع غير وطنية ، رغم أن عبد الكريم قاسم لا يُكرمه راتب تقاعدي يصدره مجلس الحكم ، يكفيه من التكريم حب عظيم ، وذكر طيب يعيش في قلوب وعقول العراقيين ، خاصة سوادهم الاعظم من الفقراء .
لقد سن الزعيم عبد الكريم سنة ما سنها حاكم عراقي قبله ، فقد ردّ هو الاعتبار للموتى والأحياء من العراقيين الوطنيين ، والذين أعدمهم الحكم الملكي الجائر ، أو الذين أبعدهم ذلك الحكم ، وبمشيئة الأنجليز ، خارج العراق ، ومن هؤلاء فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراق ، والزعيم الوطني الكردي الملا مصطفى البرزاني .
ومع هذا فعبد الكريم ليس بحاجة الى ردّ اعتبار من مجلس يُكرم قتلة الشعب العراقي المظلوم بهذا التكريم !



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظرف الشعراء (5) : دِعبل الخزاعي
- مرفوض في عمان مقبول في بغداد !
- ظرف الشعراء ( 4 ) : بشار بن برد
- ويبنون بيوتا من خشب !
- ظرف الشعراء ( 3 ) : ولادة
- مكرمة السيد مجلس الحكم !
- وحدة العراقيين والحزب الشيوعي العراقي !
- ظرف الشعراء
- قومية النفط !
- ظرف الشعراء ـ 1 ـ العرجي
- الحجاج مظلوما !
- قصيدتان
- اثنان لايموتان في العراق : النخل والحزب الشيوعي !
- عن المهر والنهر والفكر المستورد !
- المقهى والجدل
- تهديدات السستاني على لسان المهري والرد الأمريكي !
- قرار الكاشير ولغة الغطرسة !
- مكروا فمكر بريمر !


المزيد.....




- البرتغال تخطط لطرد نحو 18 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد
- -التحالف الدولي- يجري تدريبات ومناورات في محيط أكبر قواعده ب ...
- استطلاع: ثلثا الألمان يعتبرون حزب -البديل من أجل ألمانيا- مت ...
- الاحتلال يعتدي على فلسطينيات بأريحا والمستوطنون يصعّدون عدوا ...
- قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط ...
- موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ ...
- فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في ...
- -كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات ...
- قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم ...
- موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سهر العامري - شباط : الماضي والحاضر !