أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين ابو سعود - ضجيج في سوق القورية *














المزيد.....

ضجيج في سوق القورية *


حسين ابو سعود

الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 07:10
المحور: الادب والفن
    



بعد أن تيقنت بان حب المدينة قد تمكن من قلبي وسكن أوردتي كلها صرت إذا خلوت الى نفسي تنفتح أمامي شاشة بحجم المدينة، تنقل لي بالبث المباشر (وبأثر رجعي ) أحداث المدينة وتناقضاتها، وكون الأحداث بالأسود والأبيض لا يؤثر في درجة الوضوح، فأرى رأي العين كركوك الستينات والسبعينات، وقد تعلمت كيف انقل الصورة من منطقة الى أخرى، وها أنا الان اجلس على دكة احد الدكاكين في محلة صاري كهية، واستمع الى أم كلثوم وهي تصدح بأغنية أنت عمري، يأتي الصوت من مقهى عباس بك مشوبا بطقطقات حبات الدومنة و زارات الطاولي وصوت الاستكانات والأطباق وهي تصطك ببعضها، وتعليقات الجالسين، انه الضجيج اللذيذ، حيث نداءات الباعة ووقع أقدام المارة.
وصوت (دللي قادر) يزمجر وهو يترنح بخطى واسعة فيحتل اكبر مساحة من الأرض بعصاه الطويلة ماشيا صوب بيته القريب من القهوة الذي يسكنه مع أخته قدرية تلك المراة العجوز المتكورة على نفسها، يمشي (دللي قادر) بمهابة واللعاب يسيل من فمه ويتكلم بصوت عال أثناء المشي.
وكان قبل أن يطرق الباب على أخته يدخل الى المقهى فيتناول الطاسة من على الخشبة المثبتة على الاناء الفخاري الكبير ( الحب) بكسر الحاء ويكرع طاسة أو طاستين من ذلك الماء، ولم يكن هو ولا نحن نفكر بالوقاية الصحية فكنا نشترك بالمئات في طاسة واحدة مثبتة بواسطة حبل متين أو سلسلة من الحديد، كي لا يعبث بها احد أو يسرقها.
والتفت فجأة نحو ضجيج آخر لأرى الناس قد تجمهروا حول الملا رؤوف البرزنجي شيخ الطريقة ذو الظفائر المدلاة والوجه السمح، وهم يقبلون يده ويتبركون بمروره بالمنطقة قادما من تكيته في العرصة القديمة قرب المقبرة، وما ان يختفي الملا عن الأعين حتى تحدث جلبة أخرى واذا بــ عركة بين الانضباطية وبين احد أشقياء المحلة وقد قيل لي بأنه تعرض لحادث بالماطور (دراجة بخارية) أقعدته الفراش، وكانت عركاته جديرة بالمشاهدة وكنا نروي تفاصيلها بشئ من الإضافات لأصدقائنا، ولم نكن نحتاج للمبالغة فالرجل كان يمتلك قوة خارقة وتحملا استثنائيا للضربات وكان يواجه بشجاعة عددا من الانضباطية الغلاظ الشداد، ونعرف أيضا انه كان يصرع الشقاوات الآخرين، فصار هو شقي المنطقة بلا منازع، وما رايته يوما ينال من ضعيف أو يظلم أحدا، يحب الصغار ويوقر الكبار.
وبعد أن تنتهي المعركة بهرب البطل من أيدي رجال الدولة أو بوضعه داخل السيارة واقتياده الى المركز، نسمع جلبة أخرى، لقد وصلت سيارة الإعاشة لتجلب الصمون الطازج فيجتمع الرجال والنساء والصبيان لشراء الصمون الاسطواني الحار( المسمى صمون الإعاشة ) فتجعل لنا أمهاتنا منه لفة شهية باللبلبي أو البيض أو أي شي آخر فنتناوله ونحن في طريقنا الى المدرسة إذا كان الدوام مسائيا.
ويستمر الضجيج عازفا على أوتار الذكرى، فأرى موكبا من السيارات تتقدمها سيارة تم تزيينها بالأشرطة الملونة والنفاخات والورود وفيها شاب في منتهى الشياكة وأصدقاءه يغنون ويصفقون وهم يزفونه ليلة عرسه، هلهلة ويرن بو ينه، دستة جول ويرن آلنة
التون كامر بغلامش يارن اينجه بيلينه ، هلهلة ويرن بو ينة
ترى لماذا تشدني هذه الصور ؟ ولماذا أراها يوميا تتجسد أمام ناظري كما لو أنها حقيقة، هل هو اليأس المطبق من العودة أم انه التوحد مع الذكرى والحنين الى الماضي بناسه ومبانيه وأحداثه.
أقول نعم إن روحي صارت في هذا العمر لا تطيق برودة المنفى وروتينه القاتل وتشتاق الى الأطفال وهم يلعبون في المحلة والى النساء وهن يتسامرن في الدربونة والى الرجال وهم خارجين من المسجد بعد أداء الصلاة.
لقد ملت روحي انبهارات الحضارة وأضواء المدن البهيجة وتلح في العودة الى حلقات الذكر ومقاعد الدراسة والى أغاني الختان والأعراس الى أيام لم يكن رجال الأمن والاستخبارات قد افسدوا نكهة الحياة اليومية بعد بمسدساتهم التي تظهر من خلف الملابس بشكل متعمد.
احتاج الى الضجيج الذي حدث فجأة في المحلة بعد إعلان وفاة دللي قادر أو ملا قادر وصوت رجل ينادي: دللي قادر اولدي، قدرية يالغوز قالدي
أي: لقد مات قادر المجنون وبقيت أخته قدرية وحيدة.
وأنى لقدرية أن تظل في هذه الزحمة وحدها فالتحقت به بعد أيام قليلة من وفاته لتسطر صورة جميلة من صور الوفاء في هذه الدنيا الفانية.
وكأني بالضجيج الآن تفتعله الجدران والأبواب والنوافذ والشوارع والمناطق (الماس وعرفة وشاطرلو وبريادي وساحة الطيران وغيرها ) حزنا على سركون بولص الذي قضى في إحدى العواصم الباردة فجدد الحزن على جان دمو وعلى الراحلين الذين غيبتهم المنافي في مقابرها الباردة ممن أحبوا كركوك حد العشق والهيام.
ومضة أخيرة:
مصابيح الليل،
تبكي نورا خافتا،
تربط شوارع كركوك بأحلام النائين،
وخطواتهم التي تمشي الى الوراء،
تملأ كتب التاريخ بقصص التعاسة،
والطغاة لن يبلغوا التخمة أبدا،
مادام هناك طفل واحد يتطلع نحو النمو،
ومادامت الأشجار تنشر أغصانها في الفضاء،
أ عشق هذا الذي يعتريني أم جنون،
أم شئ بينهما عوان،
وايما كان الأمر يا كركوك،
فدتك أعمارنا الملونة
* منطقة شعبية وسط كركوك
[email protected]



#حسين_ابو_سعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خضرة الصبح وشبق الوصول
- قلعة خارج كركوك
- كركوك وأضغاث الأحلام
- لا دوي ّ لموت الطيور
- بمعيتك، ليلي بستان ملون
- أخاف ان اجدك سرابا
- شد الحبل بين شريف ومشرف..الى أين ؟
- لنبكي الفراق قبل الفراق
- التفكير والتكفير
- فقاعة خرساء من عقل الوجع النائم
- اليماني الجديد ومسئوليات المرجعية
- تأليب الدين على التدخين والمدخنين
- وراء كل امرأة معذبة ، امرأة
- اناشيد الصوت المتكرر
- ما تبقى لي من كربلاء
- قصائد وفاء الربيعي دعوة طفولية لعناق البحر
- في رحاب ملكة سولاندا
- ورود الموسوي
- رسالة سريالية الى الحبيبة
- شوق لاحاديث العراق


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين ابو سعود - ضجيج في سوق القورية *