أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - من كتاب اللعنات















المزيد.....

من كتاب اللعنات


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2393 - 2008 / 9 / 3 - 07:55
المحور: الادب والفن
    


1)
على ما أذكر..كان ذلك في بدايات العهد الأخير من القرن المنصرم،يوم كنت في مدينة النار الأزلية(كركوك)،موظفاً في/شركة نفط الشمال/،كنت دائماً أحد روّاد مكتبة صغيرة المساحة غنية الثقافة،ولم أنشر يومها إلاّ حفنة متواضعة وطموحة من نصوص تتوسل أن تصير قصص قصيرة ومقطوعات تطمح أن تغدو شعرية،إن لم تخنِ الذاكرة كانت تلك المكتبة تدعى(الفارابي)يمتلكها رجل وقور يمتلك كمية من التسامح ما لم أجدها لدى باعة كتب اليوم،موقعها(خاصرة)مبنى،فيما سلف كان يسمى/حوانيت الجيش/إلى تلك المكتبة دخلت ذات صباح لشراء ما كان يتهاطل ـ إن جاز التعبير ـ من كتب نفيسة ليست جديدة الطبع بطبيعة الحال،كتب خزنتها مكتبات المنازل وراحت تتخلص منها على مضض أثر تفشي حمى تفتيش المنازل من لدن أقزام ترى أن الكتب ألغام ستنسف ذاكرة إنسان العراق الجديد،وتؤدي إلى بروز مصابيح ستنير الجوانب الخفيّة لسلطة البلد،كانت بداية النهاية لعصر بدأ يزحف كالغول لابتلاع كل إشكاليات الثقافة والمعرفة النبيلة،ثلاثة رجال كانوا يشغلون ثلثي مساحة المكتبة،يتحاورون بالهمس تارة والجهر قليلاً،رجل رزن،أشيب أسمر السحنة،لا يتكلم إلاّ ما هو مفيد،الثاني يقف إزاءه،خجول الطباع كما كان يبدو يحمل بكفه اليمين حفنة كتب،أمّا الثالث،كان يجلس على حافة طاولة،بدا أسمر السحنة،جريء الكلام،له نظرة فيها دلالات ومعان وغضب ورهط أحلام،أتذكر أنني رفعت رواية (تويجات الدم)لواثينغو..فاجئني الرجل الوقور:هل قرأت هذه الرواية..؟؟نقلت بصري الذي أرتبك إلى حيث أشار بإصبعه،اصطدمت بعنوان لم أفك مغاليقه إلى يومنا هذا،(دابادا)أجبته بالنفي بهمس خجول أو ذبيح،وقال أيضاً:لن أدفع(ستة دنانير)ثمناً لهكذا رواية..!!بطبيعة الحال لم أجادله وكنت لحظتها أبحث عن كل ما هو مثير وشاحن لموهبة ظلّت تدفعني صوب كل مكان فيه كتب،لكنني الآن طبعاً أستذكر اللحظة وكلي غضب على تلك الحكومة التي قرضتها جرذان الغطرسة،لقد كان الرجل الهادئ الذي نصحني القاص الراحل(محمود جنداري)الذي نال نصيباً ثقيلاً من السجن والتعذيب مع الرجل الصامت الذي كان يقف أمامه القاص والروائي الذي شنق أو أمطروه بالرصاص(حسن مطلك )بتهمة التخطيط لسحب كرسي الرئاسة من تحت مريض زمانه،أمّا الرجل الجالس كان القاص والمسرحي الذي ألتحق بركب الراحلين(جليل القيسي)،عرفت هوياتهم فيما بعد،سراً..لعنت الحكومة لأنها لم تعرّف شعبه على مبدعيه،على أقل تقدير إن لم نحض بمصافحتهم،أو نقف احتراماً لنلوّح بأيدينا لهم حين نمر بهم أو يمروا بنا،طالما نحن شعبٌ لا يرتدي القبعات..!!
(2)
في كانون الثاني من عام ما قبل الهجمة(التحرير..احتلالية)على بلادنا،لم أكن مدعواً طبعاً،كون الدعوات كانت محجوزة لأصحاب المقام الرفيع وأصحاب التصفيق العالي،والوجوه الجاهزة لقول كل ما ترغبه أو تطلبه المرحلة من تزلف وتملق وتزييف وتلميع وتسويف وترويض ونسف وقصف وكل إشكاليات الخدمة الثقافية،كنت في أزمة حياتية وظروف قاهرة لحظة اندفعت إلى (المنصور ميليا)هناك وجدت ظلاً أواني لثلاث ليالي في صحبة الزميلين (س..م..ر/ص..ز..)كانت ندوة الرواية العربية عقيمة جراء موضوعات مبتذلة وأسماء غير لامعة وحشد متواضع من الباحثين عن حزم أضواء خابية،حتى أن الوافدين بكروا الرحيل ومن بينهم الروائي الفلسطيني صاحب تحفة(جسر بنات يعقوب)(حسن حميد)الذي قال لنا:يجب أن أرحل قبل أن تطلقني زوجتي من كثرة تركها وحيدة..!!باستثناء أسماء لم تتعد أصابع كف واحدة،لم تحضر أسماء كانت مدعوة،كنت بصدد الحديث عن حادثة مؤلمة لمّا تزل خسارة ترافقني من غير تعويض،أتذكر أنني كنت داخل المدرج الكهربائي،في الطابق الأوّل دخل رجل وسيم الملبس،كان يحدق في يديّ وكنت أناقش نفسي بخصوص هويته التي لن تخرج من فلك العذاب العراقي المستديم،للحق أقول لمست في أنفاسه شيء من عتب يتناثر ورغبة مكبوتة تحتدم في قلبه وكانت أسنانه تطحن إعتمالات مفضوحة،في الطابق الخامس تفارقنا،بطبيعة الحال كنت أحمل نسخة مستنسخة من رواية (المسرات والأوجاع)فيما بعد عرفت أن الرجل الذي ظلّ يلوكني بصمت لم يكن سوى الروائي القدير(فؤاد التكرلي)وعرفت سر الانزعاج الذي أرتسم على قسمات وجهه،لقد شاعت في تلك الأيام موجة استنساخ الكتب الواردة سراً إلى البلد مما أضر بالكتّاب مادياً ومعنوياً،رغم أنها كانت باب شهرة وانتشار،مرة أخرى لعنت فيها الحكومة،لأنها ظلّت تضللنا وتحجب عن بصيرتنا تلك المصابيح المضيئة للوعي والفاتحة لأبواب الرغبات والمعرفة الخامدة في الذات العراقية،حكومة محكومة بالتضليل والتجهيل،لم تعرفنا على مبدعينا عبر الوسائل المتاحة من نشر وإعلام،حرمتنا من مصافحتهم أو إبداء إعجابنا بما يكتبوا وربما رفع أيدينا لهم حين يمروا بنا أو نمر بهم،لأننا ما نزال نستحي ارتداء القبعات،تحمي الرؤوس من الشمس والريح والبلل،ويمكن الاستعانة بها للتلويح أو التعبير عن إعجاب وتقدير..!!


(3)
..وأخيراً تم وضع النقطة المفقودة على الحرف المسكين،بكل تواضع وبدون أية خسارات انتهت حرباً دارت من يوم انقلاب الموازين السياسية في بلاد ميّزها الله كأكثر الدول المغزوّة عبر التاريخ،من سيئ إلى أسوء،،حرب(كلماتية)ما بين (ثقافة الداخل وثقافة الخارج) وتم نصر المظلومين أدباء الخارج على المسحوقين أدباء الداخل،الروائي العراقي المعروف(فؤاد التكرلي)صار مستشاراً ثقافياً في البيت الرئاسي،يمارس مهامه من حيث يرغب،بعيداً عن الأوجاع وأبواق التمرد والدم العراقي المراق على إيقاعات عقارب الساعة،سررنا طبعاً وهللنا باحتراس،أنه انتصار للثقافة العراقية العاطلة والمغيبة،وأنه المفتاح الذي سيدفع كل أبواب التابوهات المتعجرفة إلى الشروع بالتهاوي،رغم أننا لنا وجهة نظر تتعكز على منجزات أخذت مداها،منجزات ثقافية تغذت بالصبر والجوع والحرمان ومقاومة أشراك السلطة القاسية،سهرت ومارست مواهبها رغم أنف المتلصصين والمتربصين،إذ ليس هناك مجموعة قصصية كتبها أديب خارجي تضاهي(تيمور الحزين )لـ(أحمد خلف)أو(رؤيا خريف)لـ(محمد خضير)..بطبيعة الحال أن رواية(سابع أيام الخلق)للروائي المجيد(عبد الخالق الركابي)ستبقى تاج رأس المرحلة المنصرمة،أمّا في المسرح أعتقد أن كل نص كتب في الخارج سيظل تابعاً لإحدى مسرحيات الكاتب المبدع(محيي الدين زنكنة) ..في الشعر(موفق محمد)..يحمل راية البساطة الشعرية والصدق الفني،أو(كاظم الحجاج)الذي ظل يحتج علناً عبر تراكيب شعرية تركت أفعالها ببساطة ووضوح في الذاكرة،ما بوسعنا قوله هو هنيئاً لكم نصركم يا أدباء الخارج،شبعتم حرية وشبعنا خوفاً،عذراً رغم ما أثير من نقاشات حارة واتهامات فائضة عن اللزوم كنّا على يقين أنكم الغالبون في النهاية،لأننا مهما فعلنا ونزفنا لم نعد سوى سفينة بلا ربّان،تائهة في محيطٍ ملغوم بالكواسج والقروش..!!
( 4)
الموت في بلادي سهل..وكل سهل في بلادي جبل..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحقيق الرغبة في رواية(غسق الكراكي) لسعد محمد رحيم
- إلى ذلك نسترعي الإنتباه
- الأوراق لا تأتي في خريف الرغبات
- رب نافعة ضارة أيضاً
- امرأة الكاتب العراقي
- الصديق الأخير
- فن النصر
- بيت كاميران
- أصطياد فأر....مونودراما
- غريب الدار
- حتى انت يا جمعة
- موت الواقع في رواية (موت الأب) لأحمد خلف
- السيرة الدرامية للمبدع(محي الدين زه نكنه)في كتاب ل(صباح الأن ...
- جمال الغيطاني في(حرّاس البوابة الشرقية)هل دوّن ما رأى أم سرد ...
- بين دمعتي(احمد خلف)و(حسين نعمة)دمعة كاذبة
- القارة الثامنة
- الرجل الذي أطلق النار
- في حوادث متفرقة
- مسرحيات مفخخة//حين يكون المبدع أداة مجابهة// محي الدين زنكن ...
- أينما نذهب ثمة ورطة


المزيد.....




- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - من كتاب اللعنات